المصدر: Getty
مقال

آفاق التعاون الأمني البريطاني-الأردني

على مشارف تجديد التعاون الأمني بين المملكة المتحدة والأردن، واقع الحال هو أن التحديات الأمنية الأكبر التي يواجهها الأردن تنبع، أكثر من أي وقت مضى، من أزمته الاقتصادية.

 ألكس والش
نشرت في ٨ نوفمبر ٢٠١٩

من المقرر أن يستأنف الأردن والمملكة المتحدة التعاون الأمني بينهما من خلال مرحلة جديدة تمتد لثلاث سنوات وتُقدّم فيها المملكة المتحدة الدعم لمديرية الأمن العام وقوات الدرك. ومن المرجّح أن تتجاوز قيمة الدعم 10 ملايين جنيه استرليني. استناداً إلى البرامج السابقة وأولويات المملكة المتحدة في المنطقة، غالب الظن أن مجالات الدعم سوف تشمل مكافحة الإرهاب، وإدارة النظام العام، والإجراءات الأساسية لضبط الأمن. وبعد قيام المملكة المتحدة باختيار المنظمة التي ترتئيها مناسبة لتنفيذ مندرجات هذا الدعم، سوف تُقدّم مقترحاتها إلى الحكومة الأردنية للاتفاق على خطة مشتركة. وفي إطار هذه العملية، من الضروري إجراء تقييم للأمن القومي بغية استخدامه بمثابة قاعدة للأدلة يتم الانطلاق منها لإرساء توازن ملائم في خطوط الدعم الممنوحة للقطاع الأمني الأردني.

ولكن حتى قبل وضع تقييم للأمن القومي، وعلى ضوء الوضع الاقتصادي المتردّي في الأردن، يجب أن يكون السؤال الأول، هل الدعم البريطاني للقطاع الأمني الأردني هو خيار استراتيجي؟ ينصب اهتمام الأردنيين بصورة أساسية على الهواجس الاقتصادية. تُظهر بيانات "البارومتر العربي 5" أن أكثر من ثلثَي الأردنيين يعتبرون أن الاقتصاد هو التحدّي الأهم الذي تواجهه البلاد. وتعكس ارتفاع وتيرة التظاهرات احتجاجاً على الأوضاع منذ شباط/فبراير الماضي، النقمة المتزايدة. أما الإرهاب فقد اكتفى 2 في المئة فقط من الأردنيين بإدراجه على قائمة الأولويات. في المقابل، أبدى الأردنيون رضى شديداً عن القوى الأمنية لديهم. فقد أعرب تسعون في المئة منهم عن ثقة "كبيرة" أو "كبيرة إلى حد ما" بالقوى الأمنية التي احتلت المرتبة الثانية بعد الجيش وتفوّقت على سائر المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.

ولكن عند إدراج الدعم الأمني البريطاني في سياق المحفظة الكاملة للمساعدات البريطانية إلى الأردن، يتبيّن أنه منطقي ومتكافئ. وفقاً للحسابات الأخيرة من 2018 إلى 2019، بلغ مجموع الدعم البريطاني للأردن 58.6 مليون جنيه استرليني، خُصِّص نحو 28 مليون جنيه استرليني منها للدعم الاقتصادي المباشر. ويرتفع الدعم الاقتصادي المباشر إلى حوالى 50 مليون جنيه استرليني عند احتساب المساعدات لقطاع التعليم، وللتوظيف والمشاريع الإنسانية ذات الطابع الاقتصادي. أضف إلى ذلك أن الرابط الأساسي بين الأمن والاستقرار وفرص النمو الاقتصادي يصب في إطار مبدأ الدعم البريطاني للقطاع الأمني الأردني.

في المجمل، ليس حجم الدعم البريطاني للقطاع الأمني الأردني غير متكافئ، وهذا ما يقود إلى السؤال عن التركيبة المثلى لهذا الدعم. على الأرجح أن مكافحة الإرهاب – وعلى نطاق أوسع، إدارة الحوادث الحرجة – سوف تكون موضوعاً مهماً في برنامج الدعم المقبل. قد يكون الهجوم الذي وقع هذا الأسبوع في جرش (معلم سياحي مهم) ذا طابع إرهابي أم لا، إنما لا شك في أنه سيدفع نحو تجدُّد التركيز على المسألة. قبل ذلك، كان هجوم الكرك في 18 كانون الأول/ديسمبر 2016 الاعتداء الإرهابي الأكثر وقعاً الذي شهدته الأراضي الأردنية في السنوات الأخيرة. طرح هذا الهجوم تساؤلات عن سوء التنسيق بين الأجهزة وعن قدرة المسلّحين على التحرك وإطلاق النار، ما ترك أثراً دائماً على صعيد إصلاح القطاع الأمني في الأردن.

ولكن يجب ألا يُسمَح للتفاصيل التي تنكشف عن اعتداء جرش وللذكريات التي خلّفها هجوم الكرك بأن تقود نحو الغلو في تصوير الأثر الإرهابي النسبي على الأردن. فعدد الضحايا الذين سقطوا في الأردن بسبب الإرهاب منذ عام 2016 أقل من العدد في المملكة المتحدة. يُصنّف تقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2018 أثر الإرهاب في الأردن في المرتبة 88 عالمياً، ما يعني أنه أقل من الأثر في الولايات المتحدة (المرتبة 20)، والمملكة المتحدة (المرتبة 28)، وألمانيا (المرتبة 39). يحتل الأردن، على الرغم من أنه مجاور للعراق (المرتبة الأولى) وسورية (المرتبة الرابعة)، المرتبة 15 من أصل 20 على قائمة البلدان الأكثر تأثراً بالإرهاب (من الأكثر إلى الأقل تأثراً) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع أن عناصر الأجهزة الأمنية يُقدّرون الدعم البريطاني للجهود الأردنية من أجل مكافحة الإرهاب، يلفتون أيضاً إلى أن الأجهزة الأردنية – لا سيما دائرة المخابرات العامة – تقوم أصلاً بواجبها بفاعلية.

مما لا شك فيه أن الإرهاب يبقى تهديداً متنامياً في الأردن. صحيح أنه يتعين على المملكة المتحدة أن تضع هذه التهديدات في اعتبارها في إطار الدعم الذي تقدّمه، إنما يجب ألا تحجب هذه التهديدات التحديات الأمنية التي تنجم حكماً عن الوضع الاقتصادي. سوف تستمر المشقات الاقتصادية والإصلاحات الصعبة في التسبب بأحداث تُخلّ بالنظام العام مع تعاظمٍ في وتيرتها وحدّتها. واحتجاجات الرمثا في آب/أغسطس الماضي رداً على التشريع الذي ينص على التشدد في الإجراءات لضبط التجارة غير الشرعية عبر الحدود، هي من الأمثلة عن الممارسات العنفية ضد أملاك الدولة وظهور الأسلحة النارية في الاحتجاج. وفي احتجاجات عمان، يُلاحَظ التزايد في أعداد المشاركين، ومستوى التشنّج، ومشاركة الطبقة الوسطى.

واللافت هو تحلّي مديرية الأمن العام وقوات الدرك بالهدوء والاتزان وضبط النفس في خلال الأحداث التي تُخلّ بالنظام العام، ما يُكسب هذين الجهازَين فرادةً إلى حد ما في المنطقة. غير أن المطالبة المتزايدة بفرض النظام العام وارتفاع الحمى السياسية يزيدان من صعوبة التحدي الذي تواجهه الأجهزة الأمنية لإرساء توازن بين الحفاظ على أمن المواطنين والأملاك من جهة وصون الحق بالتظاهر من جهة أخرى. ولذلك، يجب أن يصبّ الدعم البريطاني بصورة خاصة في إطار تأمين التدريب المستمر والتوجيه – وعلى نحوٍ مهم – التنسيق بين الأجهزة في هذا المجال. تبدأ الممارسة الفضلى في إدارة النظام العام بالتخطيط الاستهدافي وما يُسمّى أحياناً "جمع الاستخبارات" أو "التحليل"، ما يعني جمع المعلومات عن أحداث مرتقبة تُخلّ بالنظام العام على المستويات الوطنية والمناطقية والمحلية، وتحليلها. يعتبر عمر رافع، وهو عميد سابق في مديرية الأمن العام يعمل راهناً مستشاراً في مشاريع دولية لإصلاح القطاع الأمني في المنطقة، أن التخطيط يجب أن يكون منفصلاً، اصطلاحياً، عن العمل الاستخباري الأكثر تقليدية الذي يقع حصراً ضمن صلاحية إدارة المخابرات العامة وغيرها من الوحدات المتخصصة. وعلى ضوء هذا التحوّل المفهومي والعمل على بناء القدرات، من شأن الأجهزة المسؤولة عن فرض النظام العام أن تُفيد من الحصول على معلومات أفضل بما يساعدها على الحفاظ على الهدوء والسيطرة.

ثمة صعوبة أكبر في تقدير التحديات الأمنية التي تنشأ في المجال الواسع لشؤون ضبط الأمن، وقد يكون تقويم الأمن القومي مفيداً في هذا الصدد. بيد أن أرقام مديرية الأمن العام عن الجرائم بين عامَي 2014 و2018 تحمل بعض المؤشرات التي تستحق التوقف عندها. عموماً، تراجع مجموع الجرائم (أو أقله مجموع الجرائم المبلَّغ عنها) بالأرقام المطلقة وبالأرقام المعدَّلة بحسب عدد السكان. فعلى سبيل المثال، انخفض عدد جرائم القتل إلى النصف تقريباً، إنما سُجِّلت زيادة كبيرة في الاعتداءات الجنسية (34 في المئة) وتجارة المخدرات (346 في المئة)، ما يؤشّر إلى المنافع المحتملة التي يمكن أن تترتب عن الدعم البريطاني في مجالات مكافحة هذه الجرائم والتحقيق في ملابساتها ومحاكمة مرتكبيها.

أبعد من إدارة النظام العام ومكافحة الإرهاب وفرض الأمن، ثمة فرصة أخرى سانحة أمام المملكة المتحدة لدعم الأمن الأردني، في مسألة قد تكون سجالية ولكنها قيّمة، وهي مكافحة الفساد. يُشكّل الاستياء الشديد من الفساد جزءاً أساسياً من التململ الأردني الأوسع نطاقاً وحافزاً للتظاهرات. يورد "البارومتر العربي 5" أن 87 في المئة من الأردنيين يعتبرون أن الفساد مستشرٍ في جميع المؤسسات الحكومية، وهذه النسبة في ازدياد مستمر منذ عام 2010. ويعتبر أكثر من النصف (55 في المئة) أن الحكومة لا تُحرّك ساكناً لمكافحة الفساد. وفي غياب النزاهة، لا بد من أن تَقبُّل الإصلاحات الاقتصادية يصبح أكثر صعوبة.

في شباط/فبراير الماضي، وقّعت 91 شخصية عامة (وغير عامة) أردنية رسالة علنية موجّهة إلى الملك بلهجة تأنيب استثنائية، وفيها انتقادٌ للطريقة التي تُحكَم بها البلاد وتركيز على الخطر الذي يتسبب به الفساد على أمن البلاد. بغض النظر عما إذا كانت هذه الرسالة الانتقادية هي أداة للطموح السياسي الحزبي أو هجومٌ حقيقي على الفساد، إنها مؤشّر على التداعيات الشديدة للفساد على المستوى السياسي. يمكن أن يكون تنفيذ برامج لمكافحة الفساد مهمّةً حسّاسة للأفرقاء الدوليين. غير أن تبعات الفساد من الناحية السياسية مرتبطة حالياً بالمكاسب التي يمكن تحقيقها على صعيدَي الاستقرار والأمن عند العمل على مكافحته. في العادة، لا يُعتبَر اكتشاف الفساد والتحقيق فيه مسألة أمنية، ولكنه يتحوّل إلى مسألة أمنية في الأردن، ويجب أن تأخذه المملكة المتحدة في الاعتبار، في إطار مساعداتها الأمنية، إلى جانب النظام العام ومكافحة الإرهاب والإجراءات الأساسية لضبط الأمن. والشرطة الأردنية، التي تحظى بثقة كبيرة بين المؤسسات الحكومية، هي في موقع جيّد يخوّلها أن تكون جزءاً من تحرّك استراتيجي ضد الفساد.

التحديات الأمنية الكبرى التي يواجهها الأردن نابعة من عوامل داخلية، وترتبط جميعها، بطريقة أو بأخرى، بمحنة البلاد الاقتصادية. وفي هذ الإطار، ليست التوقعات الاقتصادية تفاؤلية. لذلك، على الدعم البريطاني أن يعمل على درء التداعيات الأمنية للأزمة الاقتصادية من أجل تحقيق الفاعلية القصوى في مساعدة الأردن على الحفاظ على أمنه.

ألكس والش باحث مستقل متخصص في شؤون الأجهزة الأمنية والإصلاح الأمني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لمتابعته عبر تويتر @Mercurichrome.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.