المصدر: Getty
مقال

"ضم صامت" وسط التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي

يوجّه الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي رسالة مفادها أن تحدّي القانون والإجماع الدوليَّين يمكن أن يتحوّل إلى أداة مساومة ناجعة للحصول على مكتسبات سياسية واقتصادية استراتيجية.

 لورنزو كامل
نشرت في ٣ سبتمبر ٢٠٢٠

يُعتبَر إعلان إدارة ترامب في 13 آب/أغسطس عن تطبيع الإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع إسرائيل بمثابة مكافأة واضحة لإسرائيل لقيامها بـ"تجميد" الضم الذي تعارضه الأكثرية الساحقة من المنظمات الدولية وتقريباً جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. يُشكّل هذا الإطار المستخدَم في مكافأة إسرائيل سابقة خطيرة على المستويَين المحلي والإقليمي. فهو يوجّه رسالة واضحة مفادها بأن تحدّي الإجماع الدولي بشأن المستوطنات، أو وضع القدس، أو أي جانب آخر مرتبط بالنزاع، يمكن أن يتحوّل، في الوقت المناسب، إلى أداة مساومة ناجعة للحصول على مكتسبات سياسية واقتصادية استراتيجية.

من أجل فهمٍ  أفضل للتداعيات المترتِّبة عن هذه الجوانب، يجب أن نبدأ بتأطير السياق الأوسع: الأراضي الفلسطينية المحتلة هي المنطقة الوحيدة في العالم حيث يعيش ملايين المدنيين منذ أكثر من خمسين عاماً من أن تكون لهم دون دولة معترَف بها رسمياً ولا جنسية تابعة لأي دولة. يملك الفلسطينيون الحق الكامل في الخروج من هذا الفراغ القانوني والكفاح من أجل تحقيق المساواة في الحقوق. ويكتسي هذا السياق أهمية أكبر نظراً إلى أن التعليق المزعوم للضم الإسرائيلي لن يُحدث تغييراً في التحديات التي يواجهها الفلسطينيون أو يؤثّر فيها.

قامت إدارة نتنياهو بتعليق عملية الضم لأن السلطات الإسرائيلية تجد أن من الأنسب لها مواصلة "الضم الصامت"، وذلك خلافاً للضم الرسمي (ولو كان انتقائياً). يتحمل الفلسطينيون وطأة "الضم الصامت" الذي تمارسه إسرائيل منذ عقود، وسوف تواصل إسرائيل هذه العملية من خلال وسائل عدة مثل الحرمان من الوصول العادل إلى المياه، ورفض 98 في المئة من الطلبات الفلسطينية للحصول على تراخيص بناء في "المنطقة ج" في الضفة الغربية، والإبقاء على النظم القضائية المزدوجة حيث يُحكَم المستوطنون بموجب القانون المدني الإسرائيلي فيما يخضع الفلسطينيون للمحاكم العسكرية التي تصل نسبة الإدانة فيها إلى نحو 100 في المئة. وسوف تستمر السلطات الإسرائيلية أيضاً في استغلال الموارد الفلسطينية: فنحو 94 في المئة من المواد التي تُنتَج حالياً في المقالع الإسرائيلية في الضفة الغربية تُنقَل إلى إسرائيل، ويُطمَر جزء كبير من النفايات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية. سوف تتواصل هذه السياسات وغيرها من السياسات المشابهة بغض النظر عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، أو أي دولة عربية أخرى.

الإمارات العربية المتحدة هي أول دولة خليجية وثالث دولة عربية – بعد مصر في عام 1979 والأردن في عام 1994 – تعلن عن إقامة روابط ناشطة مع إسرائيل. يخضع مواطنو الإمارات الذين لا يتجاوز عددهم المليون نسمة لرقابة مشددة على حرية التعبير، ولذلك يصعب الوقوف على مشاعرهم الحقيقية من هذا التحول التاريخي في السياسات. ليست لهذا الاتفاق التاريخي، شأنه في ذلك شأن "صفقة القرن" التي أعلنت عنها إدارة ترامب في كانون الثاني/يناير 2020، علاقة فعلية بالضفة الغربية أو النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وتُحرّكه في الأغلب أهداف الدولتَين في السياسات المحلية والإقليمية.

من شأن وقف الضم الرسمي أن يعود بمنافع عدّة على إسرائيل، مثل إفساح المجال أمام فرص جديدة في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والسياحة بينها وبين الإمارات، ولكن الأهم هو أن وقف هذه العملية يتيح لإسرائيل أن تواصل الزعم بأن احتلال الضفة الغربية هو أمرٌ مؤقّت. وهذا يُبقيها بمنأى عن الاضطرار إلى أن توضح للمجتمع الدولي وجميع الأفرقاء المعنيين ما إذا كان وجودها خارج حدود 1967 يشكّل احتلالاً أم لا. فمن شأن التعبير عن موقف رسمي بهذا الخصوص أن يعني أن السلطات الإسرائيلية أصبحت وأخيراً جاهزة لتحمّل مسؤولية ملايين المدنيين الذين يخضعون لسلطتها الكاملة أو يخضعون بصورة أساسية لسلطتها. في الواقع، إذا لم يكن الوجود الإسرائيلي يشكّل احتلالاً، لا يمكن أن يستمر الفلسطينيون في الخضوع لقوةٍ عسكرية قامت، بحسب تعبير المحامي الإسرائيلي إيال بنفينيستي، بـ"إرساء حكم عسكري مختلف على الأراضي المحتلة تماشياً مع إطار قانون الاحتلال". وإذا كان الوجود الإسرائيلي خارج حدود 1967 يشكّل احتلالاً، فعلى إسرائيل أن تبدأ بتنفيذ أحكام اتفاقية لاهاي الرابعة، بما في ذلك حظر نقل المدنيين إلى أراضٍ محتلة.

تساهم عملية التطبيع بين إسرائيل والإمارات، التي تشتمل على اتفاقات تسليح وتشارُك خدمات استخبارية مع إسرائيل، في تمكين الدولة الخليجية من تعزيز نفوذها الإقليمي. بفضل هذا الاتفاق، تستطيع أبو ظبي، المتورّطة إلى درجة كبيرة في حرب اليمن، أن تعزّز سمعتها في واشنطن، وتتصدّى للنفوذ الإيراني والتركي في المنطقة، وتزيد من حظوظها بالوصول إلى أسلحة متقدّمة من صنع الولايات المتحدة، بما في ذلك المقاتلة الشبح "إف 35". وقدرة الجيش الأميركي على إنتاج الأسلحة تُمكّنه من أن يؤمّن لحلفائه في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم إسرائيل، تفوّقاً تكنولوجياً على جميع الجيوش الأخرى في المنطقة.

في مواجهة هذه التحديات الإقليمية والاقتصادية، تقف السلطة الفلسطينية من جديد في موقع المتفرّج السلبي، إنما أيضاً المستبد وغير التمثيلي، إزاء التحولات الجيوسياسية التي سوف تطبع مستقبل الفلسطينيين. في غضون ذلك، سوف تعمل السلطات الإسرائيلية على تكثيف "الضم الصامت" إلى مستوياته القصوى، فيما تمارس في الوقت نفسه ضغوطاً على الاتحاد الأوروبي لتقديم الدعم المادي إلى السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، وتضغط على قطر للاستمرار في إرسال ملايين الدولارات إلى قطاع غزة لإبقائه على قيد الحياة. وسوف تواصل الدول الخليجية استخدام السياق الإسرائيلي-الفلسطيني على نحوٍ متزايد لتعزيز أوراق اعتمادها في المنطقة.

على ضوء هذه التطورات الأخيرة، سوف يعمل عدد كبير من النشطاء وصنّاع السياسات من أجل الدفع نحو التوصل إلى تسوية للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني مستندة إلى الحقوق، من خلال إطار الدولة الواحدة. ولكن إعادة تعريف حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وتحويل التركيز بعيداً من إقامة الدولة ليس وهماً فحسب، بل إنه أيضاً مغامرة محفوفة بالمخاطر. يقول رجل الأعمال الفلسطيني سام باحور إنه عندما يصبح الصراع محصوراً بالحقوق المدنية، "تنتهي اللعبة، حتى لو استمر الصراع للحصول على الحقوق المدنية الكاملة مئة عام أخرى". وفي حال التوصل إلى تسوية للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني استناداً إلى الحقوق، قد يحول ذلك دون إحداث تغيير حقيقي، وحتى إنه قد يؤدّي إلى ترسيخ ديناميات مؤذية غير مرغوب فيها، إذا لم تكن هذه التسوية متجذّرة في وجوب تعزيز حق الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء في تقرير مصيرهم.

لكن قد يتبيّن أن اعتراف جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الذي يُعتبَر الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، بدولة فلسطينية مؤلَّفة من الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، هو خطوة أكثر فعالية. ويجب أن تقترن هذه المبادرة بتركيز أكبر على "أجندة التمايز" وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية صارمة على كل فريق لا يبدي استعداداً أو رغبة في الامتثال للقانون والإجماع الدوليَّين. ليس أيٌّ من هذه الإجراءات وصفةً للسلام بحد ذاته، ولكن كل إجراء منها يُمثّل خطوة ضرورية في ذلك الاتجاه.

لورنزو كامل أستاذ مساعد في مادة التاريخ في جامعة تورين ومدير الدراسات البحثية في معهد Istituto Affari Internazionali. لمتابعته عبر تويتر @lorenzokamel. 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.