المصدر: Getty
مقال

كأس العالم في قطر: حقوق الإنسان وجدوى التطبيع

شهد كأس العالم 2022 في قطر، بالإضافة إلى مباريات البطولة، جدلا بشأن قضايا حقوق الإنسان والقيم الثقافية، وأثار نقاشات بشأن جدوى اتفاقات التطبيع التي قامت بها دول عربية في ظل رفض غالبية الشعوب لهذه الخطوة.

 عبدالرحمن المري و هند الأنصاري
نشرت في ٢٦ يناير ٢٠٢٣

استمر الجدل بشأن استضافة قطر لكأس العالم، منذ العام 2010 حتى نهاية العام 2022، أثير الجدل مقترنا بانتهاكات قطر لحقوق الإنسان ولاسيما حقوق العمال الأجانب. غير أن هذا النقاش طال عدة قضايا مثل حقوق النساء واستهلاك الكحول وحقوق المثليين الذي أصبح أكثر الموضوعات بروزا وتصدرا في وسائل إعلام غربية. التركيز على هذه القضية الأخيرة واجه رد فعل قوي من جهات رسمية وأفراد سواء كانوا قطريين أم عرب ومسلمين. واعتبروا أن هذا التركيز هدفه إفشال أول بطولة لكأس العالم يستضيفها بلد عربي أو إسلامي. وفي الوقت الذي اعتبرت فيه وسائل إعلام غربية منع الكحول ورفض إظهار إشارة (حُب واحد) انتهاكا لحرية التعبير وحرية الأفراد، اعتبرت الجماهير العربية والإسلامية تلك الإجراءات ترسيخا لمعتقداتها الدينية وقيمهم الثقافية.

في هذه المناقشة الخاصة تنشر صدى مقالين، يقدم الأول وجهة نظر بخصوص ردود الفعل القطرية تجاه الانتقادات التي طالت استضافة قطر لكأس العالم، حيث يجادل عبد الرحمن المري أنه على الرغم من أن قطر لم تستوف، من الناحية القانونية، كل اشتراطات حقوق الإنسان غير أنها قامت بإصلاحات تشريعية جوهرية بعد إعلانها مضيفا لكأس العالم. وأضاف في مقاله أن استضافة البطولة أوجدت وعيا محليا متزايدا بشأن التزام الدولة بسن قوانين تحترم حقوق الإنسان وتحميها من الانتهاكات.

وفي هذه المناقشة أيضا، تتناول هند الأنصاري موضوعا آخر لفت الانتباه أثناء إقامة بطولة كأس العالم 2022، وهو رفض الجماهير العربية وغيرهم من الداعمين للقضية الفلسطينية الحديث إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية التي قدمت إلى الدوحة لتغطية الحدث العالمي. في مقالها تناقش الأنصاري أن هذا الموقف الراسخ ضد إسرائيل يشكك في مدى جدوى اتفاقات التطبيع التي جرت بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. أشارت هند الأنصاري أيضا إلى أن وسائل الإعلام الغربية لم تناقش هذه القضية كما فعلت مع قضايا حقوق الإنسان الأخرى.

الخطاب الغربي وجدل حقوق الإنسان

يقدم هذا المقال وجهة نظر قطرية تبحث في الجدل الإعلامي الغربي تجاه قضايا حقوق الإنسان الذي صاحب فترةَ استعداد قطر لاستضافة كأس العالم 2022، وتصاعد أثناء تنظيمها.

عبد الرحمن المري

قبل فوزها باستضافة كأس العالم لكرة القدم في 2010، بدا أن دولة قطر غير قادرة على خوض غمار هذه الخطوة الكبرى، بل سرى انطباع واسع -في الداخل والخارج- بأنها ستواجه صعوبات جمة تهدد قدراتها التنظيمية.

وبعد فوزها، انخرطت الدولة سريعًا نحو تأطير أعمال الاستعداد الخاصة بالبطولة ولاسيما البنية التحتية العمرانية مثل الملاعب الرياضية والمرافق العامة والمنشآت السكنية والطرق والأنفاق والجسور، وذلك ضمن تشريعات عدة، أهمها القرار الأميري الصادر في نيسان/أبريل 2011 بشأن إنشاء اللجنة العليا لقطر 2022، المعروفة باسم «اللجنة العليا للمشاريع والإرث» بوصفها الجهة المخولة بالتخطيط والمتابعة لتنفيذ كل تلك المشاريع.

نقد وسائل الإعلامية الغربية

لا يُعَدُّ النقد الإعلامي الغربي الموجه إلى قطر سابقةٌ هي الأولى من نوعها، سواء ذلك النقد الذي تمحور حول ضعف التشريعات الخاصة بحقوق العمال، أم ذاك الذي استهدف ما يُسمّى "سياسات استغلال" العمال عبر تشغيلهم في ظروف مناخية قاسية ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا، توازى مع ضعف الرقابة الحكومية؛

إنّما تعود بدايات هذا النقد إلى اللحظة التي أعلنت فيها قطر ترشحها لاستضافة كأس العالم بشكل رسمي، وقد اكتسب النقد -منذ ذاك- صفةً دائمةً وممنهجةً لوسائل الإعلام الغربية.

اصطبغ النقد بطابعٍ هجومي لكنه، مع وجود نقد معتدل، حافظ على هذا الطابع حتى النهاية. حيث نشرت تقارير صحفية ونشرات إعلامية طوال الاثني عشرة عامًا السابقة على الحدث، تشكك في نزاهة الملف القطري، وتطالب بتحسين الوضع الحقوقي في قطر. كما ذهب البعض منها إلى المطالبة بسحب الاستضافة من الدوحة بسبب انتهاكاتها.

ولعل التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية يمثل النموذج الذي وَسَم أغلب الخطابات النقدية ضد استضافة قطر لكأس العالم، إذ نشرت الصحيفة تقريرًا يفيد بوفاة 6500 عامل في مشاريع البطولة منذ 2010. وظهر لاحقا الضعف الكبير الذي اعترى هذه الرواية، إذ تبين أن الصحيفة قدّمت العدد الإجمالي لمجموع العمال المتوفيين في دولة قطر خلال الفترة بين 2010-2021 باعتباره عدد العمال المتوفين في مشاريع البطولة فقط.

التلقّي القطري للخطاب الغربي

نُظر -محليا وعربيا- إلى الخطاب الحقوقي الغربي الداعي إلى سياسات أكثر عدالة وإنسانية وتعددية داخل دولة قطر، بوصفه خطابًا أيدولوجيًا صرفا يعاني اختلالًا جوهريًا. فقد اُعتبرت الحملة الإعلامية حملةً مغرضة على أصعدة مختلفة. فهي أولا: تترصد الثغرات بغرض تضخيمها، أكثر من كونها تبحث عن الحقيقة.

وثانيا: انتشرت ردة فعل واسعة في الأوساط القطرية -ولاسيما عند الأجيال الشابة والشرائح المتعلمة- تقول بأن دوافع هذه الحملة لا تعدو عن كونها رواسبًا للذهنية الاستشراقية التقليدية المتجددة، التي تنظر إلى الشعوب الشرقية بدونية. بينما فسّر بعض المسؤولين هذه الحملة -مثل ناصر الخاطر مساعد الأمين العام لشؤون تنظيم بطولة كأس العالم- بأن الإعلام الغربي لم يستطع قبول فكرة تنظيم هذا الحدث العالمي في بلد عربي مسلم.

مارست المنظمة العالمية لحقوق الإنسان خلال العقد المنصرم مجموعة من الضغوطات على الحكومة القطرية. نالت القضايا المرتبطة بالمرأة النصيب الأوفر منها، مثل «القيود التمييزية التي تؤثر في استقلالية المرأة في الزواج والدراسة والعمل والسفر» على حد وصفها. ورغم أن نقد المنظمات الحقوقية طال دولا أخرى استضافت كأس العالم من قبل غير أنه لم يكن بهذه الحدة.

ثمّة وعي متعاظم في الداخل القطري بوجود إشكالات قانونية لا مفر من تصنيفها على هذا النحو، ولا بد من علاجها. ولكن هذا الوعي الإصلاحي المحلي يُدرك مدى تعقيدات السياق الداخلي، بقدر استيعابه لتأثيرات الدور الذي يلعبه العامل الخارجي في إبطاء الإصلاحات. والحق أنه لم يسبق للدولة أن وجدت نفسها مضطرة أمام الشعب لتبرير الوضع القائم أو حتى تغييره بحجج تتعلق بوجود عوامل خارجية. فنموذج الشرعية الخاص بالمشيخة وعبر تراكمه التاريخي قد نَحَتَ بنية المجتمع والدولة في قطر، بحيث تركّزت الصلاحيات التشريعية في يد النخبة السياسية، وأصبح سن القرارات السيادية منفصلًا بصورة مِمأسسة عن أن يكون تعبيرًا في ذاته عن إرادة الشعب، إلا أنه يتقاطع مع هذه الإرادة في مواقف كثيرة.

وبالرغم من ذلك، فقد برز وعي محلي آخر، تمثّل في الفصل بين تلك الإشكالات القانونية الداخلية وبين النقد الغربي، وتجلى في رفض الخطاب الحقوقي الغربي، بحجة أنه مزدوج ويبحث فقط عن أجنداته المتعيّنة بشكل خاص في حقوق المثليين. تبقى هناك شريحة ضيقة من القطريين المؤيدين لوجاهة خطاب الإعلام الغربي من حيث المبدأ، إلا أنها أحجمت عن التعبير عن رأيها لأن الجو العام في الدولة كان مأخوذًا بنجاح التنظيم. وأي نزعة نقدية أثناء تنظيم البطولة كانت يمكن أن تُفهَم على أنها عِداء للبطولة، وهذا سيُنظر إليه بوصفه موقفًا يعبر عن كراهية الوطن Nation-Phobia.، ولهذا ساد شعور عام بأنه في اللحظة التي يُوجَّه فيها النقد للوطن من قِبَل قوى إعلامية أجنبية ينبغي أن تتوحد الجهود للمؤازرة بغض النظر عن المواقف الشخصية ذات الطابع النقدي. كانت تلك لحظة فارقة للتمييز بين العدو والصديق.

حقوق الإنسان في الخطاب الغربي

تركّز الخطاب الغربي المتعلق بحقوق الإنسان في محورين أساسيين. الأول: العمال. الثاني: المثلية. أبدت القيادة العليا للدولة موقفًا مباشرًا من القضية المثلية، إذ أكد أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد في أيلول/سبتمبر 2022 بأن المشجعين المثليين لن يواجهوا تمييزًا من قبل السلطات، وكان في زيارته لألمانيا في أيار/مايو 2022 قد صرح  بأن الجميع مُرحّب به في قطر وأنه يتوقع احترامهم لثقافة البلد ومبادئه وقيمه.

في خضم تعاظم وتيرة الضغط الغربي على دولة قطر خاصة بعد التصريح الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا بأن ارتداء اللاعبين للشعارات -وتحديدًا شعار «حب واحد» المعبر عن المثلية أو مجتمع الميم- سيعرضهم للعقوبة. احتج لاعبو الفريق الألماني على هذه السياسات، في مباراتهم الأولى أمام المنتخب الياباني عبر وضع أيديهم على أفواههم، وفي غضون أيام قليلة صرح سعد شريدة الكعبي وزير الدولة لشؤون الطاقة في حوار له مع صحيفة بيلد الألمانية «بأن مجتمع الميم غير مقبول في ديننا».كان موقف قطر واضحًا من أن المثلية لا يمكن السماح بممارستها أو التصريح بها في الفضاء العام للدولة، بوصفها تتعارض مع المعتقد الديني المعبر عن الضمير الشعبي، وبوصفها أيضًا هجينة عن ثقافة البلد ومنظومة أعرافه وتقاليده.

الإصلاحات القانونية

أما فيما يتعلق بالمحور الأول من الخطاب الحقوقي الغربي للعمال، فقد شهد عدد العمال في قطر ارتفاعًا مقداره مليون عامل في الفترة 2010-2022 بمتوسط ارتفاع بَلَغَ تسعين ألف عاملٍ سنويًّا. غير أن الأعوام الخمسة بين 2012-2017 انطوت على تدفقٍ عمّاليٍّ أكبر من السنوات الأخرى خلال هذه الفترة.

يمكن القول إن حجم ازدياد العمال في حقيقة الأمر قد ألقى ثقلًا كبيرًا على كاهل الحكومة، نظرًا للضغط المتولد في السياق القانوني كالثغرات الموجودة في تنظيم عمل الأجانب، وفي السياق البيئي كالآثار الناجمة عن أعمال البناء المتكاثرة.

حرصت الحكومة القطرية على استدراك المضاعفات المؤثرة الناجمة عن هذا الضغط دفعها إلى إحداث مجموعة من الإصلاحات القانونية الرامية إلى تحسين شروط العمل ووضع ضمانات لحقوق العمال، منها على سبيل الذكر لا الحصر: قانون تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم 2015، إنشاء صندوق دعم وتأمين العمال 2018، إقرار حدٍّ أدنى للأجور يبلغ 1000 ريال 2021، تصويت مجلس الشورى على إلزامية التأمين الصحي لجميع المقيمين والزوار 2021.  ورغم ذلك يمكن القول بأن البلاد لم تكن قد تأهّبت على نحوٍ تامّ لاستقبال هذا العدد الضخم، بسبب نوعية المسؤوليات الجديدة إزاء هامش الوقت المتاح.

ظل النقد الموجه من مختلف وسائل الإعلام الغربية تجاه قطر قائمًا منذ فوزها بحق استضافة كأس العالم 2022. وكان طوال السنوات السابقة على تنظيم البطولة متفاوتًا، إلا إنه احتد بشدة خلال الأشهر القليلة السابقة على الحدث، رغم الإصلاحات التشريعية التي سنّتها الدولة. اختلفت الآراء القطرية والعربية، بل والغربية أيضًا حول دوافع النقد اختلافًا نسبيًا، ولكن بدا -لدى القطريين والعرب- أن أسباب مثل: إثبات التفوق الغربي، والشعور بالمركزية الحضارية، وإرث النظرة الاستشراقية، تقوم مقام العوامل المُفسّرة لهذه الدوافع، مع وجود وعي محلي، بل ومطالبات حول ضرورة سن مزيد من الإصلاحات التشريعية في البلاد.

عبد الرحمن المري، مساعد باحث في مركز ابن خلدون، بجامعة قطر. يركز في أبحاثه على قضايا الاجتماع السياسي والأنثروبولوجيا التاريخية والثقافية في الخليج العربي.

كأس العالم والتطبيع: تصويب الحقائق

الدعم الذي أُظهِر لفلسطين خلال كأس العالم 2022 يُشير إلى أن اتفاقات أبراهام لم تؤدِّ إلى تغييرات في نظرة الرأي العام العربي إلى إسرائيل.

هند الأنصاري

بعد القرار الذي اتخذته الإمارات العربية المتحدة والبحرين – ولاحقًا السودان والمغرب – بالتطبيع مع إسرائيل من خلال اتفاقات أبراهام التي جرى التوصّل إليها بوساطة أميركية، تطلّع داعمو هذه المعاهدات إلى تحسّن النظرة الشعبية إلى إسرائيل في الدول الموقّعة وغير الموقّعة للاتفاقات في مختلف أنحاء العالم العربي. ولكن، وعلى الرغم من استمرار الولايات المتحدة في تشجيع دول عربية أخرى على إقامة علاقات ودّية مع إسرائيل، لا تزال نظرة الرأي العام العربي إلى فلسطين وإسرائيل على حالها إلى حد كبير. وهكذا كان لاتفاقات أبراهام أثرٌ ضئيل على مستوى القواعد الشعبية التي تُبدي دعمًا راسخًا للقضية الفلسطينية. وقد تجلّى هذا الدعم بقوّة خلال كأس العالم لعام 2022 في قطر، والذي أتاح للعرب من لاعبين وعشّاق كرة قدم التعبير عن آرائهم بشأن فلسطين وإسرائيل بعد توقيع الاتفاقات.

قبيل انطلاق كأس العالم، أثارت الأنباء عن رحلات مباشرة من تل أبيب إلى الدوحة بهجة وسجالًا على حد سواء. في مطار بن غوريون، رحّب بعض الأشخاص بهذا الخبر بواسطة قالب حلوى مزيّن ببطاقة صعود على متن الطائرة كُتِب عليها "TLV-DOH" (أي تل أبيب-الدوحة)، بالإضافة إلى الأعلام الإسرائيلية والقطرية والقبرصية. فضلًا عن ذلك، أمل بعض المسؤولين الإسرائيليين، وفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، بأن يساهم هذا الإجراء في تعزيز الهدف الإسرائيلي بالاندماج الكامل في المنطقة. ولكن في قطر، لقي الخبر نفسه معارضة واسعة من المواطنين والمقيمين. على سبيل المثال، أصدرت مجموعة "شباب قطر ضد التطبيع" بيانًا عامًا تحدّثت فيه عن الشعور "بالصدمة" إزاء هذا الخبر.

استنادًا إلى هذه الخلفية، ومنذ انطلاق المباريات، رفعت الجماهير العلم الفلسطيني ولافتات مؤيّدة لفلسطين. وقد أتاح ذلك فرصة لنصرة القضية الفلسطينية وتثقيف الزوّار الدوليين عن فلسطين، ولكنه أيضا عرض الموقف الحقيقي للرأي العام من الاتفاقات التي جرى التوصّل إليها بوساطة أميركية.

لا تعد حملة الدعم الواسعة لفلسطين مفاجئة. فالمواطنون العرب يُبدون، بصورة عامة، مواقف مناهضة لإسرائيل أكثر صرامةً من مواقف حكوماتهم. في الواقع، وبحسب نتائج استطلاعات الرأي، ازدادت المواقف من اتفاقات أبراهام سوءًا في البلدان التي نظرت في البداية إلى معاهدة السلام بطريقة سلبية. وفي مثال واضح عن التباعد بين الدولة الموقّعة ومجتمعها، لوّح عشّاق كرة القدم واللاعبون المغاربة بالعلم الفلسطيني تعبيرًا عن التضامن فيما كانوا يحتفلون بانتصارهم على أسبانيا. وفي حين يعبر رفع العلم بوضوح عن الوحدة، فهو يرمز أيضًا إلى معارضة استراتيجيات التطبيع.

علاوةً على ذلك، ونظرًا إلى حجم الانتقادات الغربية لسجل قطر في مجال حقوق الإنسان، استخدم عدد كبير من عشّاق كرة القدم المأزق الفلسطيني-الإسرائيلي لتسليط الضوء على الازدواجية الغربية والتنديد بها. ففي مقطع فيديو حقّق رواجًا واسعًا في قطر، يسأل مراسل ألماني شابًا قطريًا عن حقوق مجتمع الميم. فيردّ عليه الشاب القطري بسؤال: "لماذا تدعمون مجتمع الميم ولكنكم لا تدعمون فلسطين؟" سارع المراسل إلى إنهاء المقابلة قائلًا: "لا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال. شكرًا لك". فضلًا عن ذلك، خلال المباراة بين المنتخبَين الفرنسي والتونسي، تسلّل مواطنٌ تونسي يدعى أمين بلاغة إلى أرض الملعب وركض في أرجائه رافعًا العلم الفلسطيني قبل أن تعتقله عناصر الأمن. وقد سلّط أيمن محي الدين، مراسل شبكة MSNBC، الضوء على عدم تغطية وسائل الإعلام الغربية لهذه الواقعة، فضلًا عن تعتيمها الأوسع على التضامن مع فلسطين خلال كأس العالم.

يشكّل الدعم الكبير الذي أظهرته الجماهير العربية لفلسطين في الدوحة انتكاسة لوزارة الخارجية الأميركية وتصويبًا للحقائق برسم هذه الوزارة التي أملت بأن تساهم الرحلات المباشرة بين قطر وإسرائيل في "توطيد الروابط بين الشعوب والعلاقات الاقتصادية". يبقى أن نرى إذا كان ذلك سيؤثّر في حسابات واشنطن في المرحلة المقبلة، أو إذا كانت الرسالة قد وصلت فعلًا – لا سيما وأن وسائل الإعلام الغربية الرئيسة تجاهلت هذه المسألة في تغطيتها لكأس العالم.

هند الأنصاري باحثة متخصصة بالسياسات العامة في برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون. يركّز عملها على الإصلاح الاجتماعي والتربوي في العالم العربي والإسلامي.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.