المصدر: Getty
مقال

الصومال:هل ستهزم القوة الناعمة جماعة الشباب؟

في ظل إفلاس الحل الأمني منفرداً، أصبح وضع نهاية قريبة لحركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة في الصومال والقرن الأفريقي، أمراً بعيد المنال.

 محسن حسن
نشرت في ٧ سبتمبر ٢٠٢٣

منذ  العام 2006 وحتى الآن، لا تزال حركة الشباب فاعلة في التمرد في الصومال، ومتمكنة من تهديد السلم والأمن الدوليين في وبين دول شرق أفريقيا، وقادرة على تجميد أي مشروع وطني لبناء الدولة في الصومال، رغم الانكسارات التي طالتها بين عامي 2012و 2014، وهو ما دفع إلى تبني حلول بديلة، تتجلى حالياً فيما يُعرف بــ(الترويض الناعم) للجماعة، إما من خلال إجراء حوار مباشر مع قياداتها، أو من خلال رفع درجة الاستقطاب الرسمي لعناصرها المنشقة، وتوظيفهم في تعرية مخططاتها، وتفكيك بنيتها، ومن ثم الإجهاز عليها.

ومحاولات ترويض الحركة سلمياً، ليست بجديدة، فعلى مدار عقد ونصف العقد، أفرزت التجارب المريرة للصوماليين مع  السلوك الانتقامي المدمر لعناصرها وقياداتها، داخل الصومال وخارجه، كثيراً من المبادرات الهادفة لاحتوائها ودمجها في النسيج الوطني؛ ففي 2012 تمكنت حكومة الرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد، من ترويض المئات من أخطر عناصرها المنشقة. وفي 2013، تمخض صراع داخلي بين أعضاء الحركة، عن استسلام بعضهم، كالشيخ حسن طاهر عويس، ومختار روبو أبو منصور، ومحمد سعيد أتم، وزكريا إسماعيل حرسي؛ وهذا الأخير كان رئيساً للولايات الصومالية، وقائداً للعمليات الاستخبارية والتمويلية داخل الحركة. وفي سبتمبر 2014، أتاحت مقديشو عرضاً مشروطاً بالعفو العام عن الحركة، لكنه قوبل بالرفض.
 
ومؤخراً، رفعت الصومال سقف التعاطي الإيجابي مع المنشقين عن الحركة، عبر نمط جريء وغير مسبوق من الاحتواء، تم تجسيده عبر السماح لـمختار روبو/أبو منصور نائب زعيم الجماعة المنشق، بشغل منصب وزير الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري، والذي رأى أن خطوة كهذه، ستبعث برسالة تطمين وتحفيز لأخطر عناصر الجماعة من الراغبين في الانشقاق عنها، مفادها ترحيب الدولة، ليس فقط بعودتهم لصفوفها، وإنما أيضاً، بشغلهم لأرفع المناصب فيها، وأن خبرات وعلاقات روبو الميدانية، وخلفياته الفكرية والأيديولوجية، سيساعدان الصومال في تفكيك الأدبيات الجهادية المغلوطة لدى تلك العناصر المتشددة، وبالتالي يمكنّها من إقناع المزيد منهم بالانشقاق عنها، الأمر الذي لقى ترحيباً لدى الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، والذي يسعى جاهداً لتطويق جماعة الشباب أيديولوجياً، من خلال تدشين حملة إعلام دينية، يقودها روبو على رأس المئات من العلماء، بهدف تفنيد الادعاءات المخالفة للتعاليم الإسلامية، والتي تستند إليها الجماعة في اعتماد النهج المتطرف والعنيف ضد الدولة والمجتمع، ومن ثم، توجيه ضربات حاسمة لركائزها الفكرية، أملاً في خضوعها واستسلامها لحوار ملزم بالاندماج الوطني.

ورغم وجاهة التفسير المنطقي لهذا النمط الجريء من الترويض، إلا أن توقع جني الثمار والإيجابيات المنشودة من ورائه، على مستوى المآلات والنتائج، لا يزال محل شك كبير، لأسباب عدة؛ أولها: تنوع مصادر تمويل الحركة وقدرتها على جني مائة مليون دولار سنوياً، وهو ما يضمن تعذية أنشطتها العنيفة بالتزامن مع انشغال فرقاء الصومال بالصراع على النفوذ السياسي والثروات، وعجز مقديشو الدائم عن إدارة التنوع وإقرار الحوكمة والعدالة، ما يساهم في تثمير الموارد المالية واللوجيستية للحركة، ويمنحها فرصاً متواترة لانضمام المزيد من العناصر الشابة إليها، وبالتالي تمكنها من تجديد دمائها، وتعزيز تسلسلها الهرمي، وتعويض خسائرها من المنشقين. وثانيها: إسهام فرض حظر التسلح الدولي على الصومال، في إضعاف الوضعية التفاوضية للحكومة مع الحركة؛ فالصومال ينجح في ترويض منشقين، لكنه يفشل بالمقابل، في استغلالهم وتوظيفهم، سواء على مستوى التفكيك الحركي والتنظيمي للجماعة، أو حتى على مستوى إقناعها بالحوار والتفاوض. وثالثها: صرامة البنية الفكرية والأيديولوجية لعناصر الشباب، ومجافاتها المتجذرة للتعاطي الإيجابي مع الثوابت الوطنية والأنظمة السياسية الحديثة، وعداوتها المطلقة للنظم الغربية المتداخلة مع الشأن المحلي، وإصرارها التاريخي على تطبيق الشريعة وإحياء الخلافة وفق منظورها الخاص. وأخيراً: حالة الجدال الراهنة في الصومال حول توزير (منشق)، والتي يفسرها البعض على أنها مكافأة لقتلة الصوماليين، واختراق أمني واستراتيجي للدولة من قبل أعضاء الحركة.
 
وإجمالاً، لا توجد نتائج ملموسة لمحاولات احتواء وترويض حركة الشباب المجاهدين المتشددة، حتى اللحظة، ولكن، لا بأس باستحضار المجتمع الدولي، أهمية ما تنطوي عليه المحاولة الراهنة، من بعض الإيجابيات التي يمكن البناء عليها ودعمها، حتى تكتمل التجربة وتتضح أبعادها، وإلى ذلك الحين، على الصوماليين إدارك الصورة الكاملة لــ(الترويض الناعم)، وأنه لا يتجسد فقط عبر طاولة حوار أو منح منصب، بقدر ما يتجسد أيضاً ــــــــ مع اقتراب موعد خروج قوات الاتحاد الإفريقي نهاية 2024 من البلاد ــــــــ في تعزيز بناء الجيش، واستثمار حالة العداء المتنامي بين الجماعة وميليشيات العشائر، واعتماد استراتيجية شاملة وقادرة على التوظيف الواعي للمعطيات المادية والمعنوية، خاصة بعد قيام الجماعة بإعلان حالة الاستنفار الأمني وإهدار دم (الوزير المنشق)، إلى جانب التنسيق الدائم مع الشركاء الإقليميين والدوليين لضرب اقتصاد الحركة، ودون إغفال احتواء الفئات الشابة عبر محاربة الجهل والفقر والبطالة.

 محسن حسن باحث أكاديمي وكاتب صحفي مصري، تركز أعماله على  السياسات العامة الإقليمية والدولية، وقضايا النزاع والتنمية وجماعات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، وهو باحث مشارك في مراكز بحثية عربية ودولية. اتبعه @twittmohsen2011. 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.