بعد شنّ حماس عملية "طوفان الأقصى"، من خلال التوغّل غير المسبوق للحركة إلى داخل إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر والذي أسفر عن مقتل 1400 إسرائيلي، تحدّثت تقارير متضاربة عن حجم التدخّل الإيراني. في 8 تشرين الأول/أكتوبر، أوردت "وول ستريت جورنال" أن مسؤولين أمنيين إيرانيين ساعدوا على التخطيط لهجوم حماس المباغت، و"أعطوا الضوء الأخضر لتنفيذه". ولكن المسؤولين في إسرائيل والولايات المتحدة وإيران، وقيادة حماس نفسها، نفوا المزاعم التي وردت في التقرير. وأشار خبراء آخرون إلى أن الأدلة على هذه الادّعاءات "ضئيلة ومتناقضة".
ولكن على الرغم من ذلك، كال المسؤولون في طهران خطاب المديح والتمجيد للعملية التي نفّذتها حماس. فقد توجّه رحيم صفوي، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي حسيني خامنئي، بالتهنئة إلى المقاتلين الفلسطينيين وأكّد دعم طهران لهم "حتى تحرير فلسطين والقدس". وفقًا للمتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي بهادري جهرمي، فقد أثبت التوغّل أن "النظام الصهيوني أكثر هشاشة من أي وقت مضى، وأن زمام المبادرة في أيدي الشباب الفلسطيني".
هجوم حماس المباغت هو فوز استراتيجي لطهران و"محور المقاومة" بقيادة إيران لأنه بدّد شعور الإسرائيليين بالأمان في بلد شديد العسكرة، ولم يعد التطبيع السعودي-الإسرائيلي واردًا في المستقبل المنظور، كما أظهر الهجوم تماسك الأفرقاء غير الحكوميين المختلفين المدعومين من إيران الذين يتحدّون الوضع القائم في المنطقة.
تستعد إيران الآن لما قد يحدث في المرحلة المقبلة. وتوجّه طهران رسالة مفادها أنه في حال شنّت إسرائيل غزوًا برّيًا في غزة، فسوف تتجاوز بذلك الخطوط الحمراء. تعمد إيران إلى تجنيد مقاتلين متطوّعين، وقد توجّه قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني في الآونة الأخيرة إلى سوريا لتنسيق الميليشيات التي تعمل ضمن "محور المقاومة" التابع لطهران. وناقش وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأزمة المتفاقمة مع نظرائه في ماليزيا وباكستان وتونس، سعيًا منه إلى حشد العالم الإسلامي الأوسع ضد إسرائيل.
لكن إيران لم تحدد ما هي الخطوات التي ستُقدم عليها في حال تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء التي وضعتها طهران. ولم تتحدث بتاتًا عن تدخّل عسكري إيراني في الأزمة، ويبدو مستبعدًا أن تخوض طهران مواجهة مباشرة مع قوات الدفاع الإسرائيلي. السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن إيران قد تزيد دعمها لشركائها الإقليميين ووكلائها وأذرعها مثل لواء فاطميون، وحزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية وتمارس ضغوطًا عليهم للتحرك ضد إسرائيل.
على الرغم من أن توقّع نتيجة هذه الأزمة بين حماس وإسرائيل هو ضربٌ من الحماقة، تبدو إيران مستفيدة حتى الآن. فقد أدّى القتال إلى تعطيل الجهود التي يبذلها البيت الأبيض لدفع السعودية إلى الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام التي ترى فيها الجمهورية الإٍسلامية تهديدًا خطيرًا. في الواقع، بعد أربعة أيام من شن حماس هجومها المباغت، تبادل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لأول مرة الحديث مع ولي العهد رئيس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأكّدا أن هدفهما المشترك هو "وضع حد لجرائم الحرب التي تُرتكَب بحق فلسطين". في حين سعت إدارة بايدن إلى التقريب بين الرياض وتل أبيب وتوحيد دول الشرق الأوسط ضد إيران، سلّط هذا الحديث بين الزعيمَين الضوء على درجة معيّنة من التوافق، لا سيما مع اندلاع احتجاجات شعبية في مختلف أنحاء العالم العربي ضد العقاب الجماعي لـ2.3 مليونَي فلسطيني في غزة.
يساهم العنف الدائر في إسرائيل-فلسطين أيضًا في توطيد وحدة الصف لدى "محور المقاومة" الإقليمي بقيادة إيران. لقد أظهر الدعم القوي الذي قدّمه حزب الله اللبناني لحركة حماس خلال الشهر الجاري كيف أن التنظيمَين تجاوزا التشنّج الذي وقع بينهما على خلفية الأزمة السورية، ما يؤدّي في نهاية المطاف إلى إحكام القبضة الإيرانية.
ولكن لا تستطيع إيران ولا أي جهة فاعلة في الشرق الأوسط السيطرة على هذه الأزمة. حتى لو كان حزب الله اللبناني وإسرائيل على السواء يرغبان في تجنّب حربٍ شاملة، قد تخرج الأحداث عن السيطرة وتجرّهما إلى نزاع عسكري، بموافقة إيران أو من دونها. في مثل هذه الظروف، قد تتوصّل إيران إلى استنتاج مفاده أن لا مفرّ أمامها سوى التدخّل المباشر، الذي قد يتحوّل إلى تضحية باهظة الثمن في المستقبل. على الرغم من أن إيران أشادت في البداية بالتوغّل الذي نفّذته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر وأبدت دعمها له، فإن تفاقم الأزمة قد يرتدّ في نهاية المطاف بنتائج عكسية على الجمهورية الإسلامية.
جيورجيو كافيرو هو الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة Gulf State Analytics الاستشارية لشؤون المخاطر الجيوسياسية، وزميل مساعد في American Security Project. لمتابعته عبر منصة "إكس": @GiorgioCafiero.