المصدر: Getty
مقال

مواقف بلدان المغرب العربي من انقلاب النيجر

اتخذت الجزائر وتونس وليبيا مواقف متباينة من انقلاب النيجر تختلف باختلاف مصالحها ورهاناتها المتعلقة بالأمن والاقتصاد.

 ماجد قروي
نشرت في ٢٣ يناير ٢٠٢٤

منذ أن أطاح جيش النيجر بالرئيس محمد بازوم في يوليو/تموز 2023، استجابت الدول العربية المجاورة للنيجر في الشمال - الجزائر وليبيا - وكذلك تونس المجاورة، للانقلاب بردود فعل متباينة.

لم تبدِ الجزائر موقفا واضحا من مسألة التدخل العسكري في النيجر سواء بالإدانة أو بالقبول وهي تلتزم الحياد الذي يموضعها على نفس المسافة من روسيا التي عملت على تعميق العلاقات مع النظام العسكري، والولايات المتحدة والدول الغربية، التي قطعت المساعدات عن النيجر وأنهت التعاون الأمني مع النظام في أعقاب الانقلاب.

 بالنسبة للجزائر، سيسبب قبول التدخل توترا في العلاقات مع روسيا، اللاعب الجديد في إفريقيا في السنوات الأخيرة، والحليف التاريخي الذي ساند الجزائر في حرب التحرير، والشريك العسكري الهام الذي تستورد منه الجزائر أكثر من ثلثي أسلحتها بما يقارب 73 في المئة ، والذي يقدم تدريبات عسكرية للجيش الجزائري.

كما أن إصدار موقف بالرفض القاطع للتدخل العسكري، يعني خسران الجزائر مصالحها مع الغرب لأن الغرب شريك طاقي وتجاري هام للبلاد. تشير بعض البيانات إلى أن شركة سوناطراك الجزائرية مثلا حققت عائدات تصدير غير مسبوقة بلغت 50 مليار دولار سنة 2022 مقابل 15 مليار دولار سنة 2021، مستفيدة من ارتفاع حجم مبادلاتها مع الاتحاد الأوروبي بفعل الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من اضطراب في التبادل الطاقي مع روسيا.

أضحت الجزائر بديلا رئيسا في مجال الطاقة لعدد من البلدان الأوروبية، فقد صرحت رئيسة الوزراء الإيطالية على سبيل المثال أنه بحلول سنة 2025، وبفضل الاتفاقيات الموقعة مع الجزائر، ستستغني إيطاليا بشكل كامل على الإيرادات الطاقية من روسيا، وستتوجه للجزائر بوصفها موردا استراتيجيا جديدا لتغطية أزمتها في تأمين موارد الطاقة .

أما العامل الثاني لموقف الجزائر المحايد، ودعوتها إلى الحوار والحلول السلمية فهو خشيتها من حدوث أي عملية عسكرية، وما يتبعها من تداعيات أمنية مثل الهجرة غير النظامية، وانتشار العصابات المسلحة، والإرهاب ما يشكل خطرا أمنيا واقتصاديا على الجزائر باعتبارها جارة للنيجر.

دفعت كل هذه العوامل الجزائر في أكتوبر/ تشرين الأول إلى عرض التوسط في عملية انتقالية مدتها ستة أشهر لحل الأزمة السياسية في النيجر - وهو ما أعلنت الجزائر في البداية أن النيجر قبلته، لكن النظام العسكري في النيجر رفضه بعد ذلك.

أما الموقف التونسي، فقد شدد على رفض الانقلاب واحترام الشرعية الدستورية والمحافظة على الأمن ورفض النزاع المسلح، وطالبت الخارجية التونسية، في بيانها، "كل الأطراف المعنية باحترام الشرعية الانتخابية والحفاظ على الاستقرار السياسي لجمهورية النيجر حتى لا يتفاقم الوضع نحو الأسوأ، ليُدخل البلاد في نفق التوتر والتصعيد، ويزيد من عدم استقرار المنطقة التي تشهد أزمات سياسية، وأمنية، واقتصادية، واجتماعية."  يكشف هذا البيان سيطرة الهواجس الأمنية، والانعكاسات الإقليمية لانقلاب النيجر.

يرى الخبير التونسي في الشأن الليبي غازي معلى، أن موقف تونس يعكس خشية الأخيرة من توتر الأوضاع الأمنية في النيجر، ما يفتح المجال لتدفق آلاف المهاجرين، والإرهابيين إلى الحدود التونسية عبر الدول المجاورة التي لها حدود مع النيجر بقوله إن احتدام الأوضاع في النيجر يُمكن أن يُؤدّي إلى تدفّق المهاجرين غير الشرعيّين على الحدود اللّيبية والجزائرية، وبالتالي على الحدود التونسيّة، خاصة بعد أن أسقط قادة الانقلاب قانونًا في نوفمبر/تشرين الثاني يجرم تهريب المهاجرين، وأعادوا فتح بوابة المهاجرين في أغاديس في يناير/كانون الثاني. وقد يكون هذا التدفّق بعشرات الآلاف نظرًا لعدد السكان في النيجر البالغ نحو 20 مليون. أما الخطر الثاني الذي يُمكن أن يُحدق بتونس فهو زحف الجماعات الإرهابية، على ليبيا والجزائر وبالتالي يُصبح الخطر على تونس مُباشرًا، خاصّة في ظل عدم استقرار الوضع في النيجر.

أما الموقف الليبي فهو على غرار التونسي، فقد شدد على احترام الشرعية الدستورية مع عدم الدفع بالأوضاع إلى نزاعات مسلحة. رفض الدبيبة "كل ما يقوض استقرار المنطقة"،  لكن الموقف الليبي كان أكثر إجرائية، إذ أبدى الدبيبة استعداده للوساطة لحل الأزمة في النيجر بطرق سلمية من خلال "اتخاذ خطوات عملية ترتكز على تولي دول جوار النيجر غير الأعضاء بالمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (ليبيا وتشاد والجزائر) جهود الوساطة في النيجر.  ودعمت ليبيا هواجسها الأمنية بتعزيزات أمنية مشددة على حدودها مع النيجر، من خلال دعم القوات العسكرية الحدودية، وتشديد الرقابة على طول الحدود مع النيجر.

ختاما، يعتمد استقرار مواقف هذه البلدان الثلاث على حجم المخاطر والتهديدات الاقتصادية والأمنية التي تتعرض لها، وقد تتغير مواقفها من الطابع التنديدي إلى الطابع الإجرائي، سواء عبر الدخول في تحالفات عسكرية، أو الانحياز لمعسكرات دون أخرى حسب ما تقتضيه مصالحها.

ماجد قروي، باحث دكتوراه في علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب بصفاقس، تونس

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.