بعد انقضاء أكثر من عقد على اندلاع الحرب الأهلية في سورية، لا يزال الأردن يستضيف نحو 1.2 مليون لاجئ سوري. الآن يواجه هؤلاء اللاجئون، والمنظمات التي تدعمهم، تناقص الاهتمام من الجهات المانحة، وتجدُّد الروابط العربية مع الحكومة السورية، وتعثّر الاقتصاد. لم تحذُ المملكة الأردنية، حتى تاريخه، حذو لبنان وتركيا اللذين يعمدان إلى ترحيل اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة، ولكنها دعت إلى بذل جهود جماعية لتحسين الظروف في سوريا والتشجيع على إعادة اللاجئين إلى بلادهم، وفي غضون ذلك، تعمدت أعداد متزايدة من اللاجئين السوريين إلى الفرار من الأردن إلى أوروبا عن طريق ليبيا.
كلّف الأردن وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية غير حكومية قيادة العمليات الإنسانية لمساعدة اللاجئين السوريين، بشرط أن يكون التمويل من الجهات المانحة لا من خزائن الدولة. ولكن استمرار الأزمة لفترة طويلة ألقى بأعباء على القدرات المالية التي تحتاج إليها هذه المنظمات لتلبية احتياجات اللاجئين. في تموز/يوليو 2023، أعلنت وكالات الأمم المتحدة عن خفض كبير في برامج المساعدات الغذائية للاجئين السوريين في الأردن، يسري على أولئك الذين يقيمون في المناطق الحضرية وكذلك في مخيمَي الزعتري والأزرق، وهما أكبر مخيمات اللاجئين في الأردن. أما مجموعات المجتمع الأهلي السورية، التي غالبًا ما ترتبط بشبكات دعم اغترابية مختلفة وتضطلع بدور كبير في الاستجابة الإنسانية في تركيا ولبنان، فيُمنَع عليها بموجب القانون العمل في الأردن.
يندرج هذا النقص في التمويل في إطار اتجاه أوسع نطاقًا يؤثّر في اللاجئين السوريين في مختلف أنحاء المنطقة. في أواخر عام 2023، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن إنهاء برنامجه للمساعدات الغذائية في سوريا الذي يدعم 5.6 ملايين شخص، بمَن فيهم النازحون في شمال غربي البلاد. ويتزامن ذلك مع خفض إضافي بنسبة لا تقل عن 30 في المئة أجرته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأميركية في المساعدات الأميركية لسوريا التي تشمل مساعدات للاجئين السوريين – ويُتوقَّع أن تُقدِم الجهات المانحة الأوروبية على خطوة مماثلة.
لقد تسببت الأزمات المتزامنة في أوكرانيا والسودان وغزة بإجهاد شديد أيضًا للمساعدات الإنسانية، ما أرغم منظمات المساعدات على بذل جهود أكبر بموارد أقل وأدّى إلى تبدّل أولويات الجهات المانحة. وهكذا يزداد قلق البلدان المضيفة مثل الأردن ولبنان من اضطرارها إلى تحمّل العبء المالي للاستجابة لأزمة اللاجئين. ويمكن أن تولّد الخسارة التدريجية للتمويل ثغرات كبيرة في الخدمات المقدّمة للاجئين السوريين وأن تؤدّي إلى تعميق أوجه الضعف، لا سيما فيما يتعلق بالنساء والأطفال. وأظهرت أبحاثنا أيضًا أن عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين يرى في خفض المساعدات مجهودًا متضافرًا لدفعهم إلى العودة.
اقترحت بعض الجهات المانحة، في مجالسها الخاصة، إدماج برامج المساعدات الإنسانية في استراتيجيات التنمية في الأردن، وهو ما قامت الأمم المتحدة بتجربته في العراق العام المنصرم. وفي هذا الصدد، تُدرَج الخدمات الأساسية للاجئين، مثل المساعدات الغذائية، والتعليم والرعاية الصحية، في برامج ثنائية أوسع تعمل على تحقيق الأهداف الإنمائية الوطنية للأردن. وتُموَّل من خلال آليات على غرار مذكرة التفاهم الأميركية-الأردنية السنوية البالغة قيمتها 1.54 مليار دولار أميركي، بدلًا من الوكالات الإنسانية. ولكن المملكة لا تزال تمانع اعتماد أي استراتيجية من شأنها أن تؤدّي إلى زيادة دمج اللاجئين السوريين، وذلك بسبب المخاوف التي تساورها منذ وقت طويل من تحوّل اللجوء السوري إلى وجود دائم على أراضيها.
يقود الأثر التراكمي لهذه الاتجاهات إلى نتيجة واحدة وهي ازدياد المناشدات لعودة السوريين إلى بلادهم، بملء إرادتهم أو بالقوة. في البداية، رأى المسؤولون الأردنيون في التطبيع مع النظام السوري سبيلًا لتحسّن الظروف في المناطق التي يُتوقَّع أن يعود اللاجئون إليها. ولكن هذه المقامرة السياسية لم تسفر عن أي تحسّن جوهري سواء بالنسبة للأردن أو للاجئين السوريين فيه. الآن يعرب موظفو الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية، فضلًا عن اللاجئين السوريين أنفسهم، عن مخاوفهم المتزايدة من أن الأردن قد ينضم قريبًا إلى لبنان وتركيا في الجهود الآيلة إلى إرغام اللاجئين على الرحيل. أمام حالة عدم اليقين هذه، ليس أمام اللاجئين من خيار سوى الترقّب والانتظار.
جيسي ماركس هو كبير المدافعين عن الشرق الأوسط في منظمة اللاجئين الدولية. يستند هذا المقال إلى مقابلات أُجريت على مدى شهرين في الأردن وتركيا ولبنان من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس 2023.