أقدم البنك المركزي اليمني بصنعاء على إصدار عملةٍ معدنية من فئة المئة ريال، وأعلن في مؤتـمرٍ صحفي عقده في 30 آذار/مارس 2024 بعدم تأثير هذا الإصدار على أسعار الصـرف، ولا على الاقتصاد اليمني، لأن إصدار العملة الجديدة جاء لمعالجة مشكلة الأوراق النقدية التالفة. بعد ذلك مباشـرةً أعلن البنك المركزي بعدن، في 2 نيسان/ إبريل 2024، قراراً قضـى بنقل المراكز الرئيسة للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر من صنعاء إلى عدن، وسبقه بوقتٍ قليل أن أصدر البنك بعدن تعميماً بعدم التعامل مع البنوك التجارية المتواجدة في صنعاء، وحددها بأسمائها، ليصدر البنك بصنعاء تعميماً هو الآخر بعدم التعامل مع البنوك المنشأة حديثاً في عدن. وهكذا بدأت وتستمر معارك البنوك. فهذه الخطوات غير محسوبة العواقب حازت على تنديد خبراء المال والاقتصاد في البلد، كما نددت بها العديد من الدول والمنظمات الدولية، كونها خطوات قاصمةً للاقتصاد اليمني وستوسع فجوة الانهيار الاقتصادي وارتفاع التضخم والسير بالبلد نحو وضع لا يمكن التنبؤ به.
تنديد محلي ودولي
أثارت خطوة إصدار العملة المعدنية جدلاً واسعاً بين اليمنيين في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفوها بأنها خطوة تُنذر بتعقيد الأوضاع الاقتصادية، واعتبارها مسماراً قوياً في نعش الاقتصاد اليمني، موضحين بأن البنك بصنعاء لا يمتلك أدوات ومقومات طباعة النقد الورقي وفق المعايير الدولية؛ ولم يتوقف الجدل عند ذلك، فقد أصدر البنك بعدن بياناً حذَّر من التعامل بهذه العملة بوصفها مزوَّرةً وصادرةً من كيانٍ غير قانوني، ووصفها بأنها أداةً لنهب الأصول المالية للمؤسسات المالية والمصـرفية والتجارية وجيوب المواطنين.
أما دولياً فقد عبَّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه العميق إزاء هذا الإصدار، مندداً بأنها ستفضـي إلى مخاطر تُعمق الانقسام في الاقتصاد، وتُقوِّض القطاع البنكي، وتُعرِّض الامتثال للمعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتـمويل الإرهاب للخطر، كما أصدرت السفارة الأمريكية بياناً أدانت فيه إصدار عملاتٍ مزيفة بدلاً من العملة الرسمية، مؤكدةً أن الخيارات الأحادية ستؤدي إلى الإضـرار بمعيشة الشعب اليمني.
بدورها أدانت فرنسا هذا الإصدار، وأبدت معارضتها لهذا القرار غير القانوني الصادر من جهةٍ غير معترف بها، منوهةً بأن الشعب اليمني يحتاج هذه الأيام إلى الوحدة ولاسيما وحدة العُملة، وتلتها – أيضاً– بريطانيا، بالقول إن "هذا الإجراء يهدد بزعزعة استقرار القطاع المصـرفي"؛ وبالرغم من كل هذه الإدانات إلا أن حكومة صنعاء لم تكترث بل عدَّتها ضمن مخطط الحرب القائمة على اليمن.
سنوات من الحرب، ومن الانهيار
في عام 2016 نُقِلَ البنك المركزي اليمني إلى عدن، وبدأ باتخاذ خطواتٍ أقل ما توصف بأنها كارثية، حيث بدأ بطباعة فئاتٍ من العملة، استخدمت حتى نهاية عام 2019 في جميع أرجاء اليمن، ليمنع الحوثيون تداولها في مناطق سيطرته، واعتبارها عملةً مزوَّرة وغير قانونية، وبدأ في مصادرتها من المواطنين، ليصبح اليمنيون ضائعين بين عملتين، وممزقين بين ريالٍ قديمٍ وآخر حديث، لتدخل بعدها إجراءات تعقيد التحويلات المالية بين المناطق اليمنية؛ سواءً الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو مناطق الحكومة الشـرعية.
وما يزيد الطين بلَّة، إصدار البنك بعدن قراره الآنف الذكر بنقل المراكز الرئيسة للبنوك العاملة في صنعاء إلى عدن، مهدداً إياها بضـرورة التنفيذ خلال 60 يوماً، وإلا سيقوم البنك المركزي بعدن بفرض عقوباتٍ تدريجية على تلك البنوك، وصولاً إلى قطع السويفت، وحرمانها من الوصول للنظام البنكي الخارجي؛ الأمر الذي استنكره العديد من الباحثين والأكاديميين، ووصفوه بالقرار الارتجالي الذي سيؤدي إلى مزيدٍ من التعقيدات، وستكون له تداعياتٍ سلبية على اليمن كله، كما أنه سيزيد حدة الانقسام النقدي بشكلٍ عام. وفوق ذلك كله، ستضيع حقوق المساهمين في تلك البنوك، وتضيع معها العملة والاقتصاد اليمني برمته.
الاقتصاد اليمني
يتضحُ أن مستقبل العملة والاقتصاد اليمني يبدو قاتـماً، حيث يتوجس كثير من المتخصصين أن يكون هذا الإجراء المتخذ من قبل حكومة صنعاء مجرد قياسٍ لرد الفعل لدى الحكومة اليمنية والمواطنين، يتلوه اتخاذ خطواتٍ أخرى تشمل النقد الإلكتروني، وطباعة عملاتٍ ورقية، أو صك نقودٍ معدنية، أو مزيجاً من الخيارين في المستقبل القريب، ليكون التوجه نحو بناء اقتصادٍ مستقلٍ بشكلٍ متكامل كخطوةٍ نحو الانفصال الاقتصادي بداخل البلد الواحد؛ فإن صحت تلك المخاوف، سنصل إلى نتيجةٍ بارزة وهي أن العملة والاقتصاد متجهان نحو المزيد من التجاذبات والصـراعات التي ستأتي عليهما حتماً ليصبح الانهيار وشيكاً قولاً وفعلاً، مالم تتدخل بعض الدول الفاعلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وذلك عبر حمل جميع أطراف الصـراع على انتهاج السلام مشـروعاً حقيقياً لإنقاذ اليمن وشعبه من واقع اقتصادي مجهول المعالم.