عندما بدأت اسرائيل الحرب على قطاع غزة خلال شهر أكتوبر 2023، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو عن هدف رئيس من هذه الحرب، وهو القضاء على حماس وحكمها في غزة. وفي ظل استمرار حماس في القتال وقدرتها على إلحاق بعض الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي، يمكن القول إنه من الصعب القضاء مرة واحدة وكليا على حماس بقطاع غزة، فلا تزال الحركة تتعامل بصفتها الحاكم الفعلي للقطاع، حيث تكمن مظاهر استمرار حكم حماس لغزة ضمن الأفعال التالية:
تنسيق المساعدات الانسانية
على الرغم من الحرب الدائرة في قطاع غزة، مازال أعضاء لجنة الطوارئ الحكومية من الشرطة و العاملين في كل من وزارة الشؤون الاجتماعية ، ووزارة الاقتصاد، ووزارة الصحة التابعين لحماس ، يشاركون في اجتماعات دورية مع مؤسسات المجتمع المدني والأونروا من أجل تنسيق عملية توزيع المساعدات الإنسانية، ما أغضب ذلك الجيش الإسرائيلي وجعله يستهدف عناصر من الشرطة التابعة لحركة حماس بغزة .وتتصرف وزارة الاقتصاد التابعة لحماس بشكل طبيعي أثناء الحرب، حيث تنشر بشكل دوري قوائم بأسعار السلع الغذائية في السوق، وقائمة السلع الكمالية الممنوعة من الاستيراد، ذلك يدل على عدم تنازل حماس عن إدارة الوضع الاقتصادي بغزة.
إطلاق منصة الجبهة الداخلية
من الإشارات المؤكدة لاستمرار إدارة حماس لشؤون المدنيين، هو قيام المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية التابعة لحماس، بإطلاق منصة رسمية تحت مسمى الجبهة الداخلية -قطاع غزة. حيث تقوم هذه المنصة، عبر وسائل الإعلام المجتمعي، بنشر البيانات والمعلومات في شتى المجالات التي تتعلق في المجتمع الفلسطيني. وهي تقوم أيضا بتحذير المواطنين من المشاركة بنشر شائعات عن أحداث الحرب، وتقوم بتنبيههم أيضا بعدم الاقتراب من مخلفات الحرب.
منع عودة السلطة الفلسطينية
أصدرت وزارة الداخلية التابعة لحماس، بيانا رسميا حول اعتقال قوة أمنية تابعة لماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية في السلطة الفلسطينية من أجل مرافقة شاحنات المساعدات الانسانية التي دخلت غزة عبر معبر رفح البري. اتهم البيان فرج بإرسال قواته لغزة لإحداث بلبلة بالجبهة الداخلية و لتنفيذ أجندة إسرائيلية، ما يوحي بإصرار حماس على السيطرة على قطاع غزة، ورفضها لأي دور أمني للسلطة الفلسطينية في غزة.
عدم التنازل في مفاوضات صفقة الأسرى
لاتزال حركة حماس تحاول فرض شروطها، وترفض الاستسلام لطلب إسرائيل لعقد صفقة تبادل للأسرى مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار، وبدون الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة. فقد صرح القيادي في حركة حماس، خليل الحية أن الحركة مستعدة لعقد هدنة مع إسرائيل لمدة 5 سنوات أو أكثر، ولإلقاء السلاح والتحول لحزب سياسي، وذلك في حال تم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967. ويدل هذا التصريح على أن حماس لا تزال تعتبر أنها الطرف المنتصر في الحرب، ولاتزال تطمح بأن يكون لها دور في حكم غزة مستقبلا، حتى لو كان هذا الدور سياسيا فقط و حتى لو تم تجريد الحركة من السلاح.
إعلام عسكري قوي
على الرغم، من الدمار الذي حل بسلاح حماس الإستراتيجي "الأنفاق"، غير أن الحركة لاتزال تؤدي عملا إعلاميا عسكريا وقويا يساهم في رفع معنويات كتائبها ومؤيديها. تدل الفيديوهات العسكرية التي تنشرها الحركة على تماسك حماس على الأقل خارجيا، وهذا يساعد على الحفاظ على صورتها الإعلامية القوية بصفتها من يُكبد العدو الخسائر، ما يدل على عدم تنازل الحركة عن صورة النصر في حربها مع إسرائيل.
تبني عقيدة ترفض الاستسلام
تتبنى قيادة حماس عقيدة إسلامية مترسخة الجذور في عقول وقلوب عناصرها، تحت شعار "ما النصر أو الشهادة"، لذا لا تخشى حماس من سياسة الاغتيالات الإسرائيلية، فمعظم عناصر القسام تلقت تدريبات منذ الطفولة في المقابر الفلسطينية، حتى لا يرهبوا الموت. تأثرت حماس خلال هذه الحرب، بالفتوحات الإسلامية وخاصة بمقولة القائد الإسلامي، طارق بن زياد، الذي قال: "أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم." ويبدو أن حماس تُطبق هذه المقولة، فعناصرها فعليا محاصرون من بحر غزة ومن الجيش الإسرائيلي، لذا لا يوجد مفر لهم سوى الاستمرار في القتال.
ختاما، يمكن القول، إنه على الرغم من انخفاض شعبية حماس في غزة، بسبب توريط القطاع بحرب مدمرة، دون أي استعدادات مدنية وإنسانية مثل توفير الملاجئ الآمنة والمستشفيات والطعام للمدنيين، يبدو أن حماس مستمرة في الحرب وفق فكرة أساسية وهي " حماس وما بعدها الطوفان"، حيث ترفض حماس عودة السلطة الفلسطينية، وترفض إرسال قوات دولية للقطاع، وهي لن تستسلم لإسرائيل، وستستمر في القتال حتى آخر جندي لديها. لذا قد يصبح وضع الحرب في غزة، وضعا معلقا وغير محسوم، وهو شبيه بوضع الحرب الروسية - الأوكرانية، ما يُصعب التنبؤ خلال العام الأول للحرب بمدى قدرة حماس على الصمود بوجه إسرائيل، ولكن يمكن تقييم ذلك بعد عامين أو ثلاثة أعوام من بدء الحرب.
رهام عودة ، كاتبة ومحللة سياسية فلسطينية مستقلة من مدينة غزة ، وباحثة دكتوراه في العلوم السياسية ، يمكنكم متابعتها عبر منصة إكس @RehamOwda.