المصدر: Getty
مقال

تدفقات الهجرة غير النظامية وتحديات إدارة الحدود بالمغرب

تتيح تدفقات المهاجرين منافذ مهمة للمغرب لتحقيق عدة مكاسب استراتيجية واقتصادية في علاقته بدول المنشأ والاستقبال، لكنها تُرتِّب في المقابل مخاطر شتَّى على أمنه الحدودي.

 عبدالرفيع زعنون
نشرت في ١٨ يونيو ٢٠٢٤

أدى تسارع تدفقات المهاجرين غير النظاميين نحو المغرب إلى تكثيف عمليات مراقبة الحدود مع دول المصدر والاستقبال، حيث تصدت السلطات المغربية في السنوات الخمس الأخيرة لنحو  366 ألف محاولة للهجرة غير النظامية نحو أوروبا، مع تسجيل أرقام قياسية في سنة 2023 باعتراض أكثر من 75 ألف مهاجر بزيادة 6 في المئة مقارنة بسنة 2022 .وهو منحى آخذ في التصاعد في ظل تجذر الأصول المُغذِّية للهجرة كتفاقم وضعيات اللاستقرار السياسي والأمني في خضم موجة جديدة من الانقلابات والصراعات بدول الساحل والصحراء، وأمام الانسداد الذي تعرفه مسالك الهجرة نحو أوروبا عبر ليبيا وتونس، الأمر الذي جعل المغرب وجهة مُثلى للآلاف من الأشخاص المنحدرين من مناطق النزاع بإفريقيا، وببعض الدول العربية كاليمن وسوريا والسودان، ناهيك عن تداعيات التغير المناخي إذ يتوقع البنك الدولي أن تتسبَّب الكوارث الطبيعية في نزوح حوالي 86 مليون شخص بحلول سنة 2050 في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما سَيُعقِّد من مسؤولية المغرب وغيره من الدول الواقعة ضمن طريق الهجرة نحو أوروبا.

فضلا عن هذه العوامل الموضوعية ثمة تأثيرات جانبية لسعي المغرب نحو تعميق علاقاته مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التي تفرض الالتزام بالبروتوكولات الخاصة بحرية التنقل وحقوق الإقامة والاستقرار كشرط لقبول عضويته بالمجموعة. نفس الأمر بالنسبة لاستحقاقات تنفيذ اتفاقية منطقة التبادل التجاري القاري الإفريقي (ZLECAF) التي تنص على ضمان الحق في تنقل الأشخاص بين الدول الأعضاء، وغيرها من المحاولات التي ستجعل من المغرب قبلة لأفواج جديدة من المهاجرين الراغبين في الاستقرار به، أو محطة توقف في انتظار توافر فرص العبور نحو "الإلدورادو" الأوروبي. وبالرغم من الرهان على المبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب في يوليوز 2023 مع بعض دول الساحل في تدعيم المسارات القانونية للهجرة، فإنها قد تُحفِّز أكثر تيارات الهجرة النظامية انطلاقا من السواحل الجنوبية للمملكة نحو جزر الكناري.

 يُقابَل تنامي تدفقات المهاجرين بتزايد "أمننة" السياسات الأوروبية للهجرة في خضم متغيرات جديدة ترخي بظلالها على حقوق المهاجرين، كتعمق الأزمات الاقتصادية، وتنامي المواقف المعادية للمهاجرين وصعود اليمين المتطرف إلى منصات القرار السياسي في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، خاصة مع تزايد الاهتمام بدور المغرب كحارس للحدود الأوروبية من تيارات الهجرة، حيث تضمن الاتفاق الأوروبي لإصلاح نظام الهجرة قيودا أكثر صرامة في تدبير الحدود، كإقامة مراكز مغلقة بالقرب من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بتعاون مع دول العبور، كما أن لجوء المغرب المتزايد إلى خبرات الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (frontex) قد يُؤثِّر على مصداقيته في تدبير الهجرة كطرف وسيط بين دول المنشأ والمقصد، وعلى سيادته في إدارة الحدود في ظل تصاعد الأصوات الداعية إلى نشر عناصر الوكالة وآلياتها بالسواحل المغربية.

يطرح تنامي التدفقات الهجروية فرصا ثمينة للمغرب لتعزيز دوره في تدبير الهجرة بين أوروبا وإفريقيا بما يسهم في تحصين مصالحه الجيوسياسية، وفي تعظيم مكاسب الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي بتحسين شروط اتفاقيات التبادل الحر والصيد البحري. لكن في المقابل، تُرتِّب الديناميات الجديدة للهجرة غير النظامية تداعيات وخيمة على أمنه الحدودي، فالقبول بالحلول الأوربية سيجعل معظم الدعم المخصص لبرامج الهجرة يذهب إلى تسييج الحدود وتعلية الجدران، في ظل السعي نحو تحميل دول العبور مسؤولية إدارة تدفقات الهجرة في إطار ما أصبح يسمى بسياسة "تصدير الحدود"، الأمر الذي يُهدِّد بتغذية البؤر الهجروية بالمناطق الحدودية واتساع المخيمات الداخلية للمهاجرين وما تُثيره من تأثيرات اجتماعية وحقوقية.

كما أن تنفيذ اتفاقيات إعادة القبول قد تُحوِّله من دولة عبور إلى دولة استقرار دون أن يكون مُستعدا لتحمُّل التكلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الخيار. نفس الأمر بالنسبة لتدابير العودة والترحيل القسري التي قد تُؤثِّر سلبا على علاقاته الآخذة في التعقد مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، في ضوء تغير الأوضاع السياسية وتقلب خريطة التحالفات الاستراتيجية بهذه المنطقة الحيوية في السياسة الخارجية للبلاد.

بشكل عام، يطرح التدفق المهول للمهاجرين غير النظاميين تحديات جسام على المغرب في تدبير حدوده مع الدول الإفريقية والأوروبية، وهو ما يُحتِّم ضرورة الموازنة بين المصالح السياسية والاقتصادية وبين الاعتبارات الإنسانية والحقوقية في ضوء الإطار المعياري الدولي لتدبير التنقلات البشرية، وعلى رأسها الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية الذي تم اعتماده بمراكش في أواخر سنة 2018، وخاصة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان على الحدود، وحظر الطرد الجماعي و الإعادة القسرية للمهاجرين، وضمان عودة آمنة وكريمة لهم.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.