المصدر: Getty
مقال

الاحتجاجات المناهضة للفساد في محافظة المثنى العراقية

على الرغم من توسع بغداد في الإنفاق الحكومي، يواصل المواطنون في جنوبي البلاد الغني بالنفط الاحتجاج. ما يعني أن الإصلاحات الحكومية تحتاج إلى الاعتراف بترابط معضلات البلاد الاقتصادية والمناخية والأمنية.

 تامر بدوي
نشرت في ١٣ أغسطس ٢٠٢٤

يشهد جنوبي العراق الغني بالنفط منذ العام 2015 تظاهرات تندد بفقر الخدمات. ففي أوائل حزيران/ يونيو 2024 شهدت السماوة، عاصمة المثنى المحاذية للسعودية، تظاهرات ضد الفساد. وكانت الاحتجاجات قد بدأت في السماوة في عام 2011 بسبب تردّي الخدمات، وتواصلت التحرّكات في المحافظة في عامَي 2015 و2018. ولكنها تطوّرت في عام 2018 إلى اعتصام استمرّ 20 يومًا بعد اندلاع احتجاجات مناهضة للفساد والتصدي لها بحملة قمع عنيفة في محافظة البصرة المجاورة.[1] وبالتوازي مع تظاهرات تشرين في بغداد، نظّم المتظاهرون في السماوة احتجاجات محلية في الفترة الممتدة من عام 2019 إلى عام 2021.

 يُعد حميد الياسري شخصية بارزة في هذه الاحتجاجات، وهو آمر اللواء 44 في هيئة الحشد الشعبي وهي عبارة عن مظلة من الألوية المرخّصة من الحكومة قامت بتشكيلها مجموعات مسلّحة شيعية. قاد الياسري الاحتجاجات ضد الحكومة المحلية المنتخبة حديثًا بعد انتخابات المحافظات في كانون الأول/ديسمبر 2023 ودعا بغداد إلى تعيين "حاكم عسكري" لتولّي حكم المحافظة بدلًا من الحكومة المنتخبة. وقد كان الياسري، قبل انضمامه إلى الحشد الشعبي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ممثِّلًا، في محافظة المثنى، لآية الله العظمى علي السيستاني، وهو رجل الدين الشيعي الأعلى مقامًا في العراق، ما جعل من الياسري شخصية مؤثِّرة.

 دفعت الاحتجاجات سريعًا إلى انعقاد اجتماع بين وفد من المحافظة بقيادته ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. وقد أعرب السوداني علنًا حرصه على معالجة المظالم التي عبّر عنها الوفد. وقد توعد الياسري بمواصلة الاحتجاجات في حال عدم تلبية المطالب الستة. تسعى المطالب التي رفعها الياسري إلى خلع المحافظ الحالي وتحويل شؤون المحافظة إلى قادة الحركة الاحتجاجية.

 المطلب الأكثر حساسية من الناحيتين السياسية والأمنية هو إغلاق جميع "المكاتب الاقتصادية" التي ظهرت في المحافظة بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. وتفيد التقارير بأن أحزابا سياسية ذات أجنحة مسلحة فرضت إتاوات في المحافظات، سعيًا منها إلى الاستفادة من طفرة الإنفاق التي رافقت إعادة الإعمار بعد الحرب. وقد حظرت الحكومة العراقية رسميًّا هذه المكاتب في عام 2019.

 أشار ناشط سياسي في احتجاجات السماوة إلى أنه عندما جرى تخصيص أموال عامة من الحكومة المركزية إلى المثنى، بعد إقرار موازنة 2024، علِم الياسري بوجود مخطط فساد مشترك بين الحكومة المحلية والمكاتب المرتبطة بالأحزاب السياسية.[2] تُعد المخصصات المالية لمحافظة المثنى في موازنة 2024 هي الأدنى بين مخصصات المحافظات، إذ بلغت نسبتها 2.8 في المئة، بزيادة ضئيلة عن النسبة التي خُصِّصت لها في العام السابق والتي بلغت 2.4 في المئة.

 يرد في تقرير مشاورات المادة الرابعة لعام 2024 الصادر عن صندوق النقد الدولي أن النمو سيزيد في 2024 مدفوعاً بالإنفاق التوسعي في موازنة السنوات الثلاث في عام 2023. ولكن الإنفاق العالي لا يتوافق مع التراجع المتوقع في سعر النفط، ما قد يؤدي إلى مخاطر مرتبطة بالاستقرار الاقتصادي.

 الانقسامات داخل الحشد الشعبي إلى دائرة الضوء من جديد

 بصرف النظر عن الفساد، فإن تعبئة حميد الياسري للمحتجين في حزيران/يونيو مرتبطة أيضًا بطريقة غير مباشرة بالشقاق بين ألوية الحشد الشعبي الأربعة المرتبطة بالعتبات المقدسة في النجف وكربلاء، التي ينتمي إليها الياسري، وألوية الحشد الشعبي التي تديرها جماعات "المقاومة" المسلحة المتحالفة مع إيران والإطار التنسيقي الحاكم.

 بعد سنوات من التوتر المتصاعد بين هذه الألوية الأربعة وألوية المقاومة في الحشد الشعبي على خلفية قيادة الحشد، فُصِلت ألوية الحشد المرتبطة بالعتبات عن هيئة الحشد الشعبي على صعيد العمليات في نيسان/أبريل 2020 ورُبطت مباشرةً بالقائد العام للقوات المسلحة. ولكن ألوية العتبات لا تزال مرتبطة ماليًّا بهيئة الحشد الشعبي الخاضعة لسيطرة جماعات "المقاومة".

 ومع ذلك، لم ينزع انفصال ألوية العتبات فتيل التوترات بين المعسكرَين. ففي آب/أغسطس 2021، اتّهم الياسري جماعات "المقاومة" المتحالفة مع إيران، والتي لها تأثير كبير داخل الحشد الشعبي، بـ"الولاء لقوى أجنبية" و"الخيانة"، من دون أن يذكرها بالاسم. وفي كانون الثاني/يناير 2022، أطلق مجهولون النار على منزل الياسري.

 تعدد الأزمات وإمكانات التعبئة

اتجاهات التظاهرات في السماوة والناصرية والبصرة (تشرين الأول/أكتوبر 2019 – حزيران/يونيو 2024). المصدر: مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة (ACLED)؛ www.acleddata.com

 كان استمرار الانقسامات داخل الحشد الشعبي وتفشّي الفساد الشرارة التي أدّت إلى اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في السماوة، ولكن العوامل المحفّزة هي عوامل بنيوية تشمل العديد من المحافظات العراقية، وتتمثّل في الفقر، وتردّي الخدمات، وتغيّر المناخ، وشح المياه، والنزوح الداخلي، وضعف سيادة القانون، والعنف العشائري.

 في حين أن التظاهرات في جنوب العراق انحسرت إلى حد كبير مقارنة بمستويات 2019، إلا أنها لا تزال مشابهة لما كانت عليه في عام 2023 (انظر الصورة 1). لقد أدّى نجاح احتجاجات السماوة في الضغط على الحكومة المركزية للنظر في مطالب المحتجّين إلى استتباب الوضع مؤقتًا وحال دون حدوث تصعيد عبر المحافظات.

 الخلاصة هي أن اضطرابات المثنى تمثل تذكيرا صارخا بتحديات العراق التي لم يتم حلها وتذكير بالطبيعة الدورية للاحتجاجات فيه. حالة الهدوء التي أعقبت التظاهرات الأخيرة من غير المرجح أن تستمر طويلاً إلا لو اتخذت الحكومة خطوات جريئة وشاملة تستهدف مكافحة الفساد والمشكلات المناخية ومعالجة انقسامات القطاع الأمني. ومن ثم يتعين على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن يقدم رؤى لمسارات واضحة للإصلاح والتغيير تعترف بترابط أزمات العراق.

ملاحظات:

  1.  مقابلة مع ناشط سياسي.
  2. مقابلة مع ناشط سياسي من المثنى أُجريت عبر تطبيق للرسائل، حزيران/يونيو 2024
  3. الصورة : رسم بياني يستند إلى بيانات جمعها المؤلّف من مشروع بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة (ACLED)
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.