المصدر: Getty
مقال

المبادرة الأطلسية: رهانات تموقع المغرب بمنطقة الساحل والصحراء

يطمح المغرب إلى إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية بمنطقة الساحل وجنوب الصحراء، التي تشهد موجة من الانقلابات التي تتغذى على تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

 عبدالرفيع زعنون
نشرت في ١٠ أكتوبر ٢٠٢٤

أعلن المغرب في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 عن مبادرة لمساعدة بلدان الساحل على الولوج إلى المحيط الأطلسي، مع التركيز على مالي وتشاد والنيجر وبوركينافاسو. يسعى المغرب من خلال المبادرة الأطلسية إلى تعظيم دوره بمنطقة الساحل والصحراء خاصة بعدما تضاءلت فرص انضمامه للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، حيث حاول استغلال التفكك التدريجي للمجموعة، بعد انسحاب بوركينافاسو والنيجر ومالي، في تشكيل تكتل إقليمي بديل يضم 85 مليون نسمة.

إعادة تشكيل الساحل وجنوب الصحراء

يعتقد البعض أن المبادرة تستهدف بالأساس كبح جماح الجزائر التي تسعى بمعية حلفائها إلى عزل المغرب، خاصة بعد احتضانها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 مشروع بناء اتحاد مغاربي مصغَّر يقتصر على تونس وليبيا والجزائر .تتوجس الجزائر من ارتدادات ربط منطقة الساحل بالأطلسي خاصة بالنسبة للدول الحدودية التي طالما اعتبرتها حديقتها الخلفية مثل مالي وتشاد. بالمقابل يطمح المغرب إلى المشاركة في ديناميات إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية بمنطقة الساحل وجنوب الصحراء، وهي منطقة تشهد موجة جديدة من الانقلابات تتغذى أساسا على تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

في هذا الخضم، ترمي المبادرة الأطلسية للمغرب إلى المساهمة في تثبيت دعائم الاستقرار السياسي بالمنطقة، الأمر الذي قد يساعد على تقوية نفوذ المغرب بتشاد، وكذلك سيساعد على تطوير  علاقاته بمالي وبوركينا فاسو والنيجر التي ظلت دون المستوى المطلوب.

لذلك، يراهن المغرب على الاستجابة للتحديات الأمنية المشتركة، عبر المساعدة في محاصرة شبكات الإرهاب العابرة للحدود وتيارات الهجرة غير النظامية، موظفا في ذلك بعض الأدوات الناعمة لتجذير نفوذه الأمني بالمنطقة كبرامج تدريب قوى الأمن والجيش، ومشاريع تكوين الأئمة والمرشدين ودعم الطرق والزوايا الصوفية التي تُعتبر طرفا مؤثرا في القرار السياسي والاقتصادي بالمنطقة. إلى جانب مشاريع التعاون لمواجهة تحديات الأمن والتنمية التي تعطي الأولوية للاستثمار أكثر  في ميادين التنمية الزراعية والصناعات الغذائية والدوائية.

مكاسب اقتصادية وريادة الاسثمار

ارتباطا بذلك، يسعى المغرب إلى تعظيم شراكته الاقتصادية بدول المنطقة، التي يتعامل معها كجسر للعبور إلى باقي الدول الإفريقية في ضوء المكاسب المحققة، حيث ارتفعت صادراته نحو إفريقيا من 300 مليون دولار إلى أكثر من ثلاثة مليار دولار بين 2004 و2024 ، بينما زادت عائدات الشركات المغربية المستثمرة  بالدول الإفريقية عن 2.5 مليار دولار، يقع جزء كبير من هذه الاستثمارات ببلدان الساحل والصحراء، خاصة مالي التي تعتبر الوجهة الثالثة للاستثمارات المغربية بإفريقيا.  حري بالذكر أن المغرب يهدف إلى ترصيد ريادته كمستثمر أول بالمنطقة في مجالات حيوية كالاتصالات وصناعة الإسمنت والقطاعات البنكية والخدماتية، مع توسيع استثماراته لتشمل ميادين ذات أولوية كالطاقات المتجددة والتنقيب عن المعادن والغاز الطبيعي وتحديث البنيات التحتية واللوجستيكية.

يستغل المغرب لتحقيق ذلك الطفرة التي تعرفها البنية التحتية لسواحله الأطلسية في تقوية جسور التعاون مع الدول الإفريقية، وخاصة ميناء الداخلة الأطلسي المزمع تشغيله في أفق سنة 2029.كما يراهن المغرب ضمن المدى الاستراتيجي على تشييد منطقة متنامية للتعاون الاقتصادي بين المغرب وغرب إفريقيا، عبر المساهمة في تقوية الشبكات الجهوية للاتصال والنقل بما يساعد على تسريع المبادرات التجارية وعلى توفير شروط استفادة الدول المشاركة من منطقة التبادل الحر الإفريقي القاري الجاري تنفيذها (ZLECAF). إلى جانب ذلك، تشكل منطقة الساحل وغرب إفريقيا سوقا استهلاكية للمنتوجات المغربية التي أصبحت تواجه صعوبات في ولوجها للأسواق الأوروبية.

إشكالات أمنية ومالية

لكن في المقابل، ثمة عدة إشكالات تحد من التزام الدول الشريكة للمغرب، على غرار مالي وبوركينافاسو اللتان تتوجسان من تداعيات تحسن علاقات المغرب بفرنسا على أمنهما الداخلي. إذ قد يعيق نجاح المبادرة الأطلسية عدم تواجد بعض الدول المؤثرة كالسنغال التي طالما شكلت حليفا تاريخيا للمغرب. إضافة إلى موريتانيا التي أخذت مسافة من المبادرة المغربية في محاولة توخي الحياد في التنافس  الجيوسياسي بين المغرب والجزائر، خصوصا أن موريتانيا لم تستجب لدعوة الجزائر لبناء تكتل مغاربي يستثني المغرب. كما يُفسَّر غياب موريتانيا بتوجسها من تراجع تنافسية موانئها في طرق التجارة الإفريقية وخاصة ميناء نواكشوط الذي يشكل الشريان التجاري لبعض دول الساحل مثل مالي.

فضلا عن ذلك، ثمة تحديات مالية تجابه المشروع بسبب طول المسافة بين دول المجموعة وبين أقرب السواحل الأطلسية. كما أن الوضع الأمني غير المستتب بالدول المشاركة قد يجعل مواقفها متذبذبة بشأن أجندة المبادرة، ناهيك عن الاهتمام المتزايد للقوى الكبرى بمنطقة الساحل ضمن حساباتها الأمنية والاقتصادية وخاصة فيما يتعلق بنقل الغاز الإفريقي إلى أوروبا عبر دول وسيطة، حيث لا يزال التنافس على أشده بين المغرب والجزائر، التي تواجه صعوبات في تنفيذ خط أنابيب الغاز العابر للصحراء بسبب توتر العلاقات مع دول العبور وخاصة النيجر. ارتباطا بذلك، تندرج المبادرة الأطلسية ضمن استراتيجية المغرب لنقل الغاز النيجري عبر خط أنابيب "آمن" يستغرق 13 دولة وصولا إلى أوروبا بغلاف مالي يراوح 25 مليار دولار.

ضمن هذا السياق، تُشكِّل مبادرة المغرب مَنفذا لتعزيز شراكته مع الدول الأوروبية، بل هناك من يعتبر أنها ستقوي دوره في تأمين نفوذ الغرب في مواجهة المد الروسي والصيني، ما يعني أن المغرب لن يواجه مشكلة في تمويل استحقاقات المبادرة الأطلسية من طرف شركائه الأمريكيين والأوروبيين الذين يبحثون عن شركاء إقليميين لتحصين مصالحهم الاستراتيجية بالمنطقة، الأمر الذي يفسر الموقع المتقدم للمغرب في حكامة الشراكة من أجل الأطلسي التي تم إطلاقها في سبتمبر/أيلول 2023. غير أن هذا التموقع بقدر ما يحتمل من مكاسب استراتيجية بقدر ما قد يُرتِّب عدة مخاطر على سعي المغرب للعب دور ريادي في منطقة شائكة ومتشابكة المصالح.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.