بانتهاء "المؤتمر الوطني العراقي" الشهر الماضي، تكون علامة الطريق التالية للديموقراطية العراقية هي انتخابات يناير 2005 لبرلمان يضم 275 عضوا. وقد يؤدي النظام الانتخابي الذي اختير للعراق إلى إضعاف آفاق تصويت تمثيلي وديموقراطي. ففي 15 يونيو 2004، واستجابة لتوصية من كارينا بيريللي مديرة قسم المساعدة الانتخابية في الأمم المتحدة، قرر مدير سلطة التحالف المؤقتة بول بريمر أن العراق سيكون دائرة انتخابية واحدة، حيث توزع المقاعد على أساس التمثيل النسبي المبني على قوائم انتخابية وطنية. وكان قرار بيريللي بتجنب تعدد الدوئر مصبوغا باعتبارات تكنيكية. فمعاملة العراق كدائرة واحدة تلتف حول الحدود الداخلية وتبسط عملية التصويت. فالدولة كلها ستحتاج إلى بطاقة واحدة بدلا من بطاقات منفصلة في كل دائرة.

إن مثل هذا النظام سيئ بالنسبة للعراق. فالتصويت مجرد وجه واحد من الديموقراطية. والمحاسبة وجه آخر. وفي ظل نظام التمثيل النسبي، لا يرتبط البرلمانيون بدائرة انتخابية معينة، إنما بقائمة حزبية. وبدلا من أن يكونوا مسؤولين أمام ناخبي بلدة معينة، سيكون النواب موالين لزعماء الأحزاب. لقد دفعت عثرات نظام كهذا، البولونيين إلى السعي إلى تعديل دستوري لإحلال الدوائر الانتخابية محل التمثيل النسبي. وبينما يستخدم أكثر من 90 بلدا نوعا من التمثيل النسبي، فإن تطبيقه على دوائر انتخابية وطنية واحدة، نادرا ما يخلو من التعقيدات. فكثير من الإسرائيليين يشكون من أن التمثيل النسبي في الدائرة الواحدة يتيح للأحزاب الراديكالية الصغيرة فرصة ارتهان نظامهم السياسي. وفي جمهوية فيمار بألمانيا، ساعد التمثيل النسبي في الدائرة الواحدة على الإتيان بالنازيين إلى السلطة.

في العراق سيغذي التمثيل النسبي الراديكالية. فمن الأسهل منع النساء من شغل وظائف معينة، إذا كان السياسي لا يحسب حسابا للنساء في دائرته. أما إذا كانت الانتخابات مبنية على 275 دائرة، فإن كل دائرة ستضم 87000 شخص فقط. سيكون النواب أقرب إلى الناس. الدوائر موجودة بالفعل، رغم أن العراقيين حريصون على إلغاء التلاعب البعثي بتقسيم الدوائر. وحتى في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك، يقول العراقيون إن بوسعهم التوصل إلى توافق على وضع الأحياءالكردية والعربية والتركمانية في دوائر مختلفة.

إن عدم تأسيس الانتخابات على دوائر قد يعني أن بعض المناطق لن يكون لها تمثيل. وهذا قد يربي العنف. على سبيل المثال، تقبَّل سكان البصرة والموصل مجلس الحكم العراقي السابق لأن أعضاءه كانوا من بلداتهم. ولأن الفلوجة ومدينة الصدر تفتقران إلى مثل هذا المنفس، كانتا أسرع إلى اللجوء للعنف. وفي ظل خطة الأمم المتحدة، إذا لم يكن المرشحون المحليون في موقع متقدم على قائمة الحزب، فإن بلدات كثيرة ستكون بلا تمثيل. والعراقيون يدركون أهمية التمثيل الجغرافي. فقد كانت الجغرافيا وليست الشخصية هي التي أدت بمجلس الحكم العراقي إلى تزكية غازي الياور - وهو زعيم عشيرة من الموصل - ليكون رئيسا للعراق، على حساب عدنان الباجه جي، وهو وزير خارجية سابق. إن أي هيئة سياسية لا تضم ثانية أكبر مدن العراق، أمامها فرصة ضئيلة للنجاح. وبينما قالت بيريللي إن الدائرة الانتخابية الوطنية الواحدة تتيح للجماعات "الموزعة" جغرافيا أن تصوت معا، فإنه من التبسيط القول إن الجماعات الدينية أو العرقية كلها تريد أن تصوت ككتلة واحدة. ويضع نظام كهذا العراق على منحدر الطائفية على النسق اللبناني، كما سيمثل تعدد الدوائر تنوع العراق. فالفلوجة ستنتخب سنة والنجف ستنتخب شيعة. وسيكون الفرق الحقيقي في حماية الأقليات الدينية. ففي الدوائر المحلية سيكسب الكلدان مقاعد في الكوش وسيكسب اليزيديون مقاعد في سنجار، حتى لو اختاروا عدم الترشيح على برنامج ديني. بينما في ظل نظام الدائرة الوطنية الواحدة ستكون مخاطر الحرمان من التمثيل أكبر.. فلأن الأقليات الدينية توزع نفسها سياسيا، فإنها قد لا تحصل على أصوات كافية على النطاق الوطني.

كما أن خطة الأمم المتحدة ستستدعي الفساد. فمن الأسهل على القوى الخارجية أن تشتري قائمة حزبية من أن تقدم نقودا لـ 275 مرشحا. فعندما يكون الناخبون على معرفة بمرشحيهم، يكون إخفاء التمويل الخارجي أكثر صعوبة.

دعا بعض المتخصصين إلى أن يُنسخ في العراق ما نجح في كمبوديا وتيمور الشرقية ونيجيريا. لكن من الخطأ معاملة العراق كشبيه. فالتاريخ العراقي يشير إلى أن نظاما يمنح قوائم الأحزاب أفضلية على المرشحين المستقلين، ستكون له نتائج عكسية.والعراقيون الأكبر سنا يلومون الأحزاب السياسية على إثارة الاضطرابات في الخمسينات والستينات من القرن الماضي. ويربط الجيل الأصغر بين السياسات المنظمة وبين حزب البعث الذي أساء إليهم. وفي كردستان العراق يقول كثير من الطلاب إن الفساد ينمو حول هياكل الأحزاب. وتشير بعض الاستطلاعات إلى أن 3 بالمائة فقط من العراقيين يثقون بالأحزاب. وبينما تتيح خطة الأمم المتحدة نظريا للمستقلين أن يترشحوا ، رأى العراقيون كيف همَّشت الألاعيب الحزبية وصفقات الغرف الخلفية المستقلين في المؤتمر الوطني العراقي.

يجب أن تقرر نظام الانتخاب في العراق لجنة الانتخابات العراقية، وليس الأجانب. فما اختارته الأمم المتحدة ليس هو الاختيار الوحيد. بعد كل شيء، فإن بلدانا مثل أستراليا والأردن تجمع بين تعدد الدوائر الانتخابية والتمثيل النسبي، وتجعل النواب أقرب إلى الناس. ما زال هناك وقت للاستماع إلى العراقيين.

** مايكل روبين، باحث مقيم في "ذا أميركان إنتبرايز إنستيتيوت" ورئيس تحرير "ميدل إيست كوارترلي"، قضى 17 شهرا في العراق بين عامي 2000 و2004.