المفارقة في السودان هي أن بعض المراقبين يستشفّون أملاً بالسير نحو سلام مستدام في حين لا يرى آخرون أي أمل على الإطلاق. وفيما بلغ قرار محكمة الجنايات الدولية إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير، وعملية السلام المحتضرة من أجل دارفور واتفاق السلام الشامل لعام 2005، مراحل حسّاسة، ليس واضحاً بعد أي طريق سوف تسلكه الحكومة السودانية.
يشير المتفائلون إلى أن السودان يعيش في حالة سلام إلى حد كبير بعد عقود من الحرب الأهلية وأربع سنوات من التطبيق المتعثّر لاتفاق السلام الشامل. تتقدّم الاستعدادات لانتخاب المجلسَين التنفيذي والتشريعي في كل من حكومة الوحدة الوطنية وحكومة جنوب السودان، إلى جانب المجالس التشريعية في خمس وعشرين ولاية. وقد غطّى الإحصاء السكاني الأخير، مع أنه غير كامل، الجزء الأكبر من البلاد على الرغم من التحديات اللوجستية الهائلة. يأمل البعض أن تؤدي مذكرة التوقيف الصادرة عن محكمة الجنايات الدولية إلى إطلاق مفاوضات حقيقية حول درافور، بالارتكاز إلى الاتفاق الذي جرى توقيعه مؤخراً في قطر بين الحكومة وحركة العدل والمساواة المتمردة. وفي الختام، تتباهى الخرطوم بفنادقها الفخمة الجديدة، وبرئاسة مجموعة السبع والسبعين.
أما في نظر المتشائمين، فالأمور بأسوأ ما يكون. قد تؤدي مذكرة التوقيف إلى زعزعة استقرار البلاد أكثر فأكثر. يقول الكثيرون إن الاتفاق بين الحكومة وحركة العدل والمساواة هو خدعة، وإن المحادثات التي يستضيفها العرب حول دارفور تفتقر إلى الاستقلالية الضرورية من أجل التوصل إلى التزام أوسع نطاقاً. يبدو أن القصف الجوي استمر حتى خلال المباحثات، وهذا أمر شائن نظراً إلى وجود غالبية من الأبرياء في دارفور وآلاف النازحين في المخيمات. وهناك شوائب أيضاً في الاستعدادات للانتخابات، فقد رُفِضت نتائج الإحصاء السكاني على ما يبدو (وتُعتبَر منحازة في أفضل الأحوال، وغير شرعية في أسوأ الأحوال). كما أن جهود تثقيف الناخبين معطَّلة، والإعلام مقيّد. في الواقع، إمكانية إجراء الانتخابات في جنوب السودان خلال فصل الأمطار (أو في دارفور خلال اندلاع الأعمال الحربية)، غير مشجعة، لا بل غير واقعية.
أن الحقيقة تكمن في مكان ما بين الروايتين المتفائلة والمتشائمة. فالتوتر الذي يثيره قرار محكمة الجنايات الدولية ملموس، ومن المؤكد أن رد الفعل ضد العاملين في المجال الإنساني سيهدد حياة الناس. قد يؤدي القرار إلى تغيير في القيادة، مما يمكن أن يُحدث تحولاً ايجابياً أو على العكس يسمح بوصول قادة أكثر قمعية إلى السلطة. وليس اتفاق الدوحة حول دارفور سوى مجرد خطوة جانبية، فهو لم يدفع عملية السلام هناك نحو الأمام ولا نحو الخلف. كما أنه يفتقر إلى المشاركة الواسعة الضرورية كي يترسّخ السلام، لكن يمكن أن يولّد أيضاً آلية قائمة على التشاور والالتزام بالأهداف المشتركة. وعلى الرغم من بعض الاستعدادات للانتخابات، الثقة بالنظام ضئيلة وهناك شعور عام بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لن يقبل خسارة هذه الانتخابات.
إذاً كيف نحكم على النوايا السودانية؟ سيشكل التمييز بين عمل المنظمات الإنسانية في دارفور وأمر المحكمة الدولية خطوة أولى جيدة، ومن شأن وقف الهجمات الجوية ضد المدنيين في دارفور أن يكون المؤشر الأول بأن حزب المؤتمر الوطني جدي بشأن المفاوضات، ويشير إلى إدراك بأن استعمال القوة ضد المدنيين هو استراتيجية خاسرة.
المقياس الآخر للنظام الحاكم في السودان هو تطبيق اتفاق السلام الشامل. فبعد مرور أربع سنوات على إقرار الاتفاق، سكان أبياي، وهي بلدة صغيرة في قلب الهوية المعقّدة للسودان، أسوأ حالاً الآن مما كانوا عليه عند توقيع الاتفاق الممتدَح. لقد احترقت قريتهم، وهم يتمنون العودة إلى منازلهم وإعادة بناء علاقاتهم مع الآخرين وقطف ثمار السلام. والوضع في كوردوفان الجنوبية التي قد تلاقي مصيراً مشابهاً لمصير دارفور (حسب مجموعة الأزمات الدولية)، هش في أفضل الأحوال إذ يقلق السكان من تجاهل الإحصاء السكاني لهم وهم يستحقون اهتمامًا فوريًا.
نقطة الإجماع الوحيدة هي أن السودان وشعبها هما الآن في مفترق طرق. الوضع الحالي لا يقل فداحة عن تجدّد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، واستمرار الكارثة في دارفور، والإقصاء من المجتمع الدولي. تطرح مذكرة التوقيف أزمة قيادة حقيقية في السودان: سوف يكون سلوك حزب المؤتمر الوطني في الأسابيع المقبلة دليلاً عن نواياه وسيتبين لنا إذا كان فجر جديد يبزغ في السودان أو إذا كانت الشمس تغيب عليها.
جاكلين ويلسون مسؤولة برامج في معهد الولايات المتحدة للسلام. نظّمت برامج للتدريب على تسوية النزاعات في أجزاء عدّة من السودان منذ عام 2006. الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظرها الخاصة.