لاتزال البحرين تتخبّط في مأزق سياسي من دون تحقيق تقدّم يُذكَر نحو المصالحة والإصلاح، مع بعض المؤشّرات التي تنذر بالعودة إلى حالة عدم إستقرار الشديد التي سادت في العام 2011. فالحوار الوطني الذي أُطلِق في العام 2011 متعثِّر، ولايزال المجتمع يعاني من الاستقطاب، وقد تحوّل بعض الأعضاء البارزين في المعارضة السياسية الشيعية نحو مقاطعة العملية السياسية. تحظى القيادة البحرينية بدعم كامل من السعودية التي تعتبر مملكة البحرين حصناً أساسياً في مواجهة إيران، كما أن الجزيرة لاتزال تؤمّن قاعدةً للقوات البحرية الأميركية، لذلك تمتنع واشنطن عن انتقاد القمع الذي تمارسه الحكومة البحرينية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان.
بيد أن المعارضة تستمر في تنظيم الاحتجاجات، وتواصل الشرطة حملة التضييق عليها، من دون أن تلوح أي نهاية في الأفق.
يتحدّث أربعة خبراء في الشأن البحريني عن الوضع في البحرين والدور الذي يمكن أن تؤدّيه القوى الخارجية في تشجيع التسوية والإصلاح. ويقدّم كل منهم وجهة نظر مختلفة حول الأسباب التي تحول دون تحقيق المصالحة، وحول ما إذا كان الوضع سيستمر على هذه الحال.
ندعوكم إلى الانضمام إلى النقاش عبر مشاركتنا آراءكم في قسم التعليقات.
المشكلة هي في الإرادة السياسية
المشكلة هي في الإرادة السياسية
جاين كينينمونت
جاين كينينمونت باحثة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شاذام هاوس.
لاتجد البحرين مكاناً لها في الأنباء الدولية في الأشهر الأخيرة، مع طغيان أخبار النزاع في سوريا ومصر وليبيا على التطوّرات. إلا أنه ينبغي على صانعي السياسات الغربيين أن يُعيروا اهتماماً لتدهورها السياسي البطيء، وذلك لسببَين اثنين. الأول هو أن البحرين حليف مقرّب للولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ومما لاشك فيه - سواء كان ذلك عادلاً أم لا - أن شريحة واسعة من الرأي العام المحلي والإقليمي على السواء ستُحمِّل هاتين القوّتين الخارجيتين مسؤولية الإخفاقات المستمرة في معالجة الأزمة السياسية. والسبب الثاني هو أننا لسنا أمام لغز محيّر آخر من ألغاز الشرق الأوسط السياسية؛ إذ إنه ليس من الصعب تخيّل الخطوط العريضة لتسوية محتملة من أجل تقاسم السلطة. فالحزب المعارض الأساسي يطالب بملَكية دستورية، ويقول الإصلاحيون في الحكومة إن هذا مايريدونه أيضاً. ثمة خيارات كثيرة لتلبية المطالب التي ترفعها المعارضة منذ عقود من أجل الحصول على تمثيل أوسع نطاقاً والحدّ من التمييز، من دون أن يُسجّل أي من الفريقَين السنّي أو الشيعي انتصاراً على حساب الآخر. يمكن تهدئة المخاوف التي تراود عدداً كبيراً من البحرينيين السنّة - ويؤجّجها المشهد العراقي - من أن الانتخابات قد تقود إلى "استبداد الأكثرية" التي يسيطر عليها الأئمّة الشيعة، عبر فرض الضوابط والتوازنات اللازمة على السلطة التنفيذية، بدلاً من إذكاء هذه المخاوف عن سابق تصوّر وتصميم بواسطة البروباغندا الرسمية، كما يحصل الآن. السبب الحقيقي وراء الفشل في التوصّل إلى تسوية سياسية ليس تعذُّر إيجاد حل، بل غياب الإرادة السياسية.
بدا في مطلع هذا العام أن هناك مايدعو إلى التفاؤل الحذِر بإمكانية التوصّل إلى حل سياسي، بعد الجمود الذي شلّ طيلة عامَين العملية السياسية الرسمية (خلافاً للحراك الناشط على مستوى القواعد الشعبية). فقد أُطلِق حوار سياسي رسمي في شباط/فبراير الماضي، شاركت فيه جمعية الوفاق، وهي المجموعة المعارضة الأساسية الحائزة على ترخيص في البلاد. كان الحوار بطيئاً، ومتعثِّراً، وخاضعاً لسيطرة الحكومة، ولم تنضم إليه سوى مجموعة محدودة من الأفرقاء الذين قبِلت بهم الحكومة؛ وقد غرقت المباحثات في النقاش حول المنهجية، من دون تحقيق تقدّم يُذكَر في المسائل الجوهرية. بيد أن وجود مثل هذه العملية شكّل على الأقل إقراراً بحاجة البلاد إلى حل سياسي، وليس فقط إلى مقاربة أمنية الطابع لمعالجة الاحتجاجات. وبدا أيضاً أن تعيين ولي العهد في منصب نائب رئيس الوزراء - وبالتالي منحه دوراً تنفيذياً رسمياً - يساهم في تعزيز مكانة أحد أفراد الجيل الشاب في الأسرة المالكة، وهو ممّن يُبدون استعداداً للحوار مع الأفرقاء المحليين الذين يقفون خلف الاحتجاجات. ومن المؤشّرات المشجّعة الأخرى التقارير الدبلوماسية التي تحدّثت عن رغبة السعودية والإمارات في التوصّل إلى حل سياسي في البحرين. صحيح أن السعودية قد تفرض سقفاً معيّناً على مستوى التغيير السياسي، إلا أن هذه النقطة لم تُدرَس في شكل وافٍ ولايُعرَف ماهو حجم التغيير الذي يمكن أن تقبل به السعودية في البحرين. وهكذا يُبالغ المحافظون البحرينيون أحياناً في تصوير دورها، في مسعى منهم لتبرير سلوكهم.
لكن بعد انقضاء بضعة أشهر، توقّف الزخم. فأخذ الحوار استراحة صيفية طويلة. وفي الفترة نفسها، تقدّم إلى الواجهة الفصيل المحافظ في الحكومة الذي يُركّز على المقاربة الأمنية، لأسباب عدّة أبرزها انفجار ثلاث سيارات مفخّخة لم تسفر عن سقوط قتلى إنما أثارت مخاوف لدى شرائح واسعة. واعتبر البرلمان الذي تقاطعه المعارضة، أنه يجب أن تتمتّع السلطات بصلاحيات أكبر لمكافحة الإرهاب - الذي تطلق عليه السلطات البحرينية تعريفاً واسعاً يتناسب مع مصالحها. فعندما وجّهت المجموعات المعارضة دعوةً للتظاهر في ذكرى الاستقلال، في 14 آب/أغسطس الماضي، اعتُقِل مئات الأشخاص بتهم متّصلة بالإرهاب، بينهم خليل المرزوق النائب السابق والقيادي البارز في جمعية الوفاق. قبل أزمة 2011، كان الوفاق يمتلك الكتلة الأكبر في البرلمان، مع 17 مقعداً من أصل 40 نائباً منتخباً. أما اليوم، فأربعة من هؤلاء النواب في المنفى، وسُحِبت الجنسية من اثنين آخرين. تُقاطع جمعية الوفاق الآن الحوار والبرلمان على السواء. إذاً مع الجمود في الآليات السياسية الرسمية، تستمر الخلافات السياسية في التفاعل في الشارع البحريني.
حل محلي لنزاع محلي
فريدريك ويري
فريدريك ويهري، باحث كبير في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ومؤلّف "السياسة المذهبية في الخليج: من حرب العراق إلى الانتفاضات العربية".
غالباً مايوضَع المأزق الحالي الذي تتخبّط فيه البحرين في إطار نزاعٍ مذهبي يطال المنطقة ككل أو يُنظَر إليه بأنه بيدق في الشطرنج الجيوسياسي بين إيران والسعودية. من الواضح أن هذه الرواية تخدم الحكومة البحرينية ورعاتها السعوديين: فعبر تحميل إيران مسؤولية الاضطرابات، يتملّصون من مسؤولية معالجة الأسباب الاقتصادية والسياسية الكثيرة التي تقف خلف صعود الموجة الاعتراضية.
يعتبر عدد كبير من المسؤولين البحرينيين أن الاحتجاجات المتواصلة في الضواحي الشيعية في المنامة تندرج في إطار مخطط إيراني للثأر من الدعم الخليجي للانتفاضة ضد الأسد في سوريا. قال لي مسؤول كبير في وزارة الخارجية البحرينية في العام 2012 "تقرصني هنا، فأقرصك هناك". وقد عبّر المتشدّدون في النظام عن موقف مماثل، إذ أكّد القائد العام لقوة دفاع البحرين، المشير الركن خليفة بن أحمد آل خليفة، مراراً وتكراراً أن القوات المناهضة للأسد تمثّل الانتفاضة الشعبية المحلية المنشأ والحقيقية الوحيدة في العالم العربي؛ في حين أن الثورات الأخرى في مصر وتونس، وفي شكل خاص البحرين، هي من نتاج التحريض الخارجي.
وذهب أفرقاء سنّة آخرون في البحرين، بدعم ضمني من الحكومة على مايبدو، خطوات أبعد في إضفاء طابع إقليمي ومذهبي على الأزمة التي تعاني منها الجزيرة. فقد قام نوّاب سلفيون بارزون من جمعية الأصالة بزيارة الجيش السوري الحر لتقديم مساعدات إنسانية للمستشفيات والملاجئ. فاعتبر معلّقون شيعة أن الزيارة مثيرة فعلاً للاستغراب، لأن الحكومة البحرينية تلجأ عادةً إلى التدقيق بشدّة في نقل التبرعات الخيرية الشيعية (الخُمس) إلى خارج البحرين وتعتمد إجراءات مشدّدة لتنظيمها. وظهرت في مطلع ومنتصف عام 2013 أدلّة إضافية بأن دعم الأصالة للجهاديين السوريين أصبح أقوى وأكثر نظامية، مع ورود تقارير بأن خمسة سلفيين بحرينيين لقوا مصرعهم أثناء القتال إلى جانب الجهاديين السوريين المنتمين إلى جبهة النصرة. على الرغم من أن وزارة الخارجية البحرينية نأت بنفسها عن هذه الأنشطة وحضّت البحرينيين على تفادي السفر إلى مناطق النزاع، وجّه المعلّقون الموالون للحكومة انتقادات لاذعة للشيعة على خلفية انتقادهم للزيارة التي قام بها النواب السلفيون إلى سوريا، معتبرين أنه دليل آخر على غدرهم و"تعصّبهم المذهبي" ودعمهم لنظام الأسد.
وانزلق المسؤولون والمعلّقون الغربيون أيضاً نحو رواية مذهبية وجيواستراتيجية تركّز على دور كل من إيران والسعودية في تحريك البيادق، مع التعتيم على مسؤولية الأفرقاء المحليين. والمثل الأوضح على ذلك ماقاله الرئيس أوباما عن "التشنّجات المذهبية" في الجزيرة في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ وقد لفت آخرون إلى قدرة إيران على "إثارة الاضطرابات" في البحرين، إذا مال توازن القوى في المنطقة بطريقة تتعارض مع مصالحها. لكن على الرغم من هذه الاتهامات، ليست هناك أدلة وافية تثبت أن إيران تقدّم الدعم المالي أو الفتّاك للمعارضة البحرينية - أو أنها تسعى إلى القيام بذلك بأسلوب شبيه باستراتيجيتها السرية في العراق أو لبنان أو سوريا. أما في مايتعلق بالمذهبية، فهي عارضٌ من عوارض المأزق الذي تتخبّط فيه الجزيرة، ووليدة السياسات التي ينتهجها النظام، وليست المحرّك الأساسي للأزمة. فالأسباب الحقيقية تكمن في عجز الديمقراطية، والفساد، والتوزيع غير العادل للرأسمال الاقتصادي. أخيراً، لاشك في أن الرياض تمارس سلطة على سياسة الجزيرة والمسار الإصلاحي فيها. لكن غالباً مايُستعمَل هذا التأثير لإبعاد المسؤولية عن سوء الحكم والتكتيكات القمعية التي يلجأ إليها آل خليفة.
من أجل التقدّم في تحقيق إصلاحات ملموسة، من الضروري أن تفصل جميع الأطراف المشاكل السياسية للبحرين عن الإطار التحليلي للعداء الإيراني-السعودي، أو عن التشنّجات الأوسع نطاقاً بين السنّة والشيعة. كما أن ذلك قد يُتيح للولايات المتحدة أن تُقيِّم بشكل أفضل الأثمان التي تتكبّدها جراء الإبقاء على أصول وعناصر بشرية أميركية في الجزيرة التي ينهار استقرارها أكثر فأكثر.
النكران ليس خطة جيدة
ريتشارد لوبارون
ريتشارد لوبارون، باحث كبير في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي
يتشابه المأزق السياسي في البحرين، في بعض الجوانب، مع الغياب المحيّر للسياسة البنّاءة الذي شهدته واشنطن مؤخراً، وتتمثّل هذه القواسم المشتركة في التمسّك بالمواقف المتشدّدة، والعجز عن إيجاد مجالات للتسوية، والمبالغة المتعمّدة في وسائل الإعلام. ويبدو بعض المسؤولين في البلدَين غير مهتمّين كثيراً بإيجاد سبل من أجل المضي قدماً.
استاءت القيادة البحرينية عندما وضع الرئيس أوباما، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 أيلول/سبتمبر الماضي، البحرين في السلّة نفسها مع سوريا والعراق بوصفها بلداناً تعاني من مشاكل مذهبية يجب معالجتها. مما لا شك فيه أن مستويات العنف في سوريا والعراق مختلفة إلى حد كبير عن الوضع في البحرين، لكن من الواضح أن البلاد تعاني من مشكلة نكران جدّية عندما يردّ وزير الداخلية بالقول بأن البحرين "لم تشهد تشنّجات مذهبية في أي وقت من الأوقات"، ويعمد وزير الخارجية إلى نعت كل المتظاهرين من دون اسثناء بالإرهابيين الذين يسعون بالتكافل والتضامن إلى استهداف القوى الأمنية والجاليات الأجنبية.
لم يكن 24 أيلول/سبتمبر المرّة الأولى التي يأتي فيها الرئيس أوباما على ذكر البحرين في الأمم المتحدة. فقد قال في خطابه في 21 أيلول/سبتمبر 2011 "سنستمرّ في مناشدة الحكومة والكتلة المعارضة الأساسية - الوفاق - إجراء حوار ذي مغزى يساهم في تحقيق تغيير سلمي يلبّي تطلعات الشعب. نحن نعتبر أنه يجب أن يكون الحس الوطني الذي يُعزّز اللحمة بين البحرينيين أقوى من القوى المذهبية التي تفرّقهم".
تفضّل القيادة البحرينية أن تستمر الولايات المتحدة في التركيز على المصالح الاستراتيجية القائمة على القوّة الصلبة في الخليج، وتخفّف أكثر من الانتقادات التي توجّهها من حين لآخر لانتهاكات حقوق الإنسان والحوار الوطني المجمَّد. إلا أنه يُستبعَد حدوث ذلك. صحيح أنه من النادر أن تتصدّر حقوق الإنسان الأجندة الأميركية، إلا أنه ستكون لها دائماً حصّة فيها. وفي حالة البحرين، لا تستند السياسة الأميركية فقط إلى التزام بتعزيز المشاركة السياسية الأوسع، إنما أيضاً إلى الحاجة إلى حماية شراكةٍ أمنية ذات قيمة عالية. فتمركز قوات أميركية في بلدان غير مستقرّة ليس بالأمر المثالي من وجهة نظر محض أمنية. كما أن تصريح وزير الخارجية البحريني بأن الأجانب موضع استهداف من الإرهابيين يدقّ ناقوس الخطر.
على البحرينيين أنفسهم أن يقرّروا أيّ مستقبل يريدون. لكن يبدو واضحاً أن الحل الأنسب للعلاقات الأميركية-البحرينية يتمثّل في آلية سياسية شاملة وذات مصداقية تساهم في الحفاظ على الاستقرار في المدى الطويل.
قبل فوات الأوان
مطر ابراهيم مطر
مطر ابراهيم مطر باحث في برنامج ريغن فاسيل للديمقراطية في المؤسسة الوطنية للديمقراطية، ونائب سابق في البرلمان البحريني.
خلافاً للتوقّعات المتفائلة منذ ترقية ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة، إلى منصب نائب رئيس الوزراء، دخلت البحرين مرحلة جديدة من القمع والاضطرابات المدنية التي تشوبها اعتقالات جماعية، وأحكام ظالمة بالسجن، وسحب الجنسية، وعودة التعذيب واللجوء إلى القوة المفرطة، وملاحقة الناشطين عبر اتّهامهم زوراً بممارسة الإرهاب (مثل اعتقال خليل المرزوق، العضو في جمعية الوفاق المعارضة).
يُلحق الاقتصاد الريعي الآخذ في التوسّع، الضرر بإنتاجية القطاع العام والدولة البحرينية بأسرها، وأدائهما. بعد عامَين على إطلاق خطط للمباشرة بالتنقيب عن الغاز، لم يتم الإعلان عن أي إنجاز عملي في هذا المجال. وكل هذه الجرائم التي تُرتكَب ضد حقوق الإنسان فضلاً عن المذهبية المتنامية هي من عوارض الطبيعة الكليبتوقراطية للنظام البحريني. فبين عامَي 1962 و1970، لم يُدرَج سوى ثلثَي مجموع العائدات النفطية في التقارير المالية للدولة البحرينية. وفي العام 2010، أُسقِط مبلغ يصل إلى نحو نصف مليار دولار من موازنة الدولة الأوّلية. ويستمرّ الفساد على نطاق أوسع من خلال نقل ملكية الأراضي في البحرين إلى أفراد الأسَر الحاكمة وحلفائهم، وتُقدَّر الكلفة بنحو خمسة أضعاف العائدات الحكومية السنوية من النفط والضرائب. انطلاقاً من كل هذه العوامل، يصبح خطر الانهيار الاقتصادي أقرب مما توقّعه صندوق النقد الدولي الذي أشار إلى أن نمو الدين سيصبح غير قابل للاستدامة بحلول العام 2018.
ومع ذلك، فإن معالجة المشاكل التي تتخبّط فيها البحرين أسهل من التعامل مع التحدّيات التي تواجهها بلدان أخرى في المنطقة. على الولايات المتحدة أن تكفّ عن الوقوف إلى جانب النظام القمعي الذي تعتبره حليفاً أساسياً لها وصديقاً قديماً، وأن تعمل بدلاً من ذلك على وضع خطة مع الأفرقاء الآخرين في المنطقة لدفع البحرين نحو عملية إصلاح تدريجي مع خريطة طريق واضحة. ولذلك يعتمد التيّار المؤيّد للديمقراطية في البلاد مقاربة تقوم على تشجيع الولايات المتحدة والسعودية على التعامل مع البحرين انطلاقاً من كونها تتمتّع بطاقات كبيرة تتيح لها أن تقود بنجاح انتقالاً سلمياً نحو العدالة والمشاركة السياسية. لقد رفض البحرينيون انتظار التغييرات الإقليمية أو جمعية الوفاق لإطلاق انتفاضتهم. وبعدما دخلت الانتفاضة عامها الثالث، لايزالون قادرين على حشد عشرات الآلاف بصورة مستمرة. تعتبر شريحة كبيرة من البحرينيين أنه ليس صحيحاً على الإطلاق أنهم استعجلوا المطالبة بنظام ملكي دستوري، بل على العكس يعتقدون أنهم تأخروا في رفع هذا المطلب بعد عشر سنوات من المشاركة في عملية سياسية مزيّفة.
فمواطنو هذه الجزيرة الصغيرة ذات التاريخ العريق في التعدّدية الثقافية، هم من أوائل مَن رفعوا في المنطقة لواء المطالبة بتمثيل سياسي أوسع. وأحد الحوافز الأساسية التي تُحرِّك البحرينيين في انتفاضتهم هو إيمانهم العميق بأن البحرين هي البلد الأكثر استعداداً في الخليج لمثل هذا الانتقال.