المصدر: Getty
مقال

عمق الاضطرابات في لبنان

على الرغم من أن لبنان استطاع حتى الآن تجنّب حدوث انهيار اقتصادي وأمني شامل منذ بدء الأزمة السورية، إلا أنه لايزال يعاني من مشاكل أساسية.

 نقاش صدى
نشرت في ٣ أكتوبر ٢٠١٤

على الرغم من أن لبنان استطاع حتى الآن تجنّب حدوث انهيار اقتصادي وأمني شامل منذ بدء الأزمة السورية، إلا أنه لايزال يعاني من مشاكل أساسية. أحدثت الحرب في سورية انقساماً سياسياً في البلاد، وسلّطت الضوء على مكامن الخلل الوظيفي في العملية السياسية؛ فلبنان من دون رئيس والأفرقاء عاجزون عن الاتفاق على اسم رئيس جديد منذ أكثر من أربعة أشهر. وألقى دخول أكثر من 1.1 مليون لاجئ سوري إلى لبنان بمزيد من الضغوط على الاقتصاد. والأكثر إثارة للقلق،أن الحكومة لم تضع استراتيجية واضحة لمعالجة هذه الموجة من اللاجئين. وقد فاقمت المشكلة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يحكم قبضته الآن على مساحات شاسعة من الأراضي في سورية والعراق، على بلدة عرسال عند الحدود اللبنانية لفترة قصيرة الشهر الماضي. يخشى كثرٌ أن يحقق التنظيم المتطرف مزيداً من الاختراق داخل الطائفة السنية التي يتفاقم شعورها بالغربة عن العملية السياسية في البلاد. 

يتوقّف أربعة خبراء متخصصين في الشأن اللبناني، عند التحديات المتعددة التي تواجهها البلاد. ندعوكم إلى الانضمام إلى النقاش عبر مشاركتنا آراءكم في قسم التعليقات.

السياسة المختلة

أيمن مهنا

أيمن مهنا، مدير مؤسسة سمير قصير في بيروت وعضو في الهيئة التنفيذية في حركة التجدد الديمقراطي. 

ربما توصّل الأفرقاء السياسيون المتخاصمون في لبنان وأخيراً إلى إجماع حول مسألتين استقطبتا الكثير من الاهتمام خلال الأعوام الثلاثة الماضية: سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام وإدارة أزمة اللاجئين السوريين. بيد أن الآليات والظروف التي قادت إلى الإجماع تعبّر عن مختلف أوجه الخلل التي يعاني منها الحكم في لبنان اليوم.

في 6 أيلول/سبتمبر 2012، وافق مجلس الوزراء اللبناني برئاسة نجيب ميقاتي، على مشروع قانون لزيادة رواتب موظّفي القطاع العام. لكن المداولات تعثّرت في مجلس النواب بسبب غياب الاتفاق حول آلية تمويل مشروع القانون - الذي قُدِّرت كلفته في البداية بـ1.9 مليار دولار. فردّ موظفو الخدمة المدنية ونقابات المعلمين بتنظيم تظاهرات حاشدة وإضرابات ومقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية. ومن أجل إتاحة المجال أمام طلاب الصفوف الثانوية للالتحاق بالجامعات، اتّخذ وزير التربية إجراء مؤقتاً بإصدار إفادات لجميع الطلاب الذين خضعوا للامتحانات الرسمية.

لكن فجأة، خرج الأفرقاء السياسيون الذين لطالما تصادموا حول المسألة ليعلنوا في منتصف/أيلول سبتمبر الماضي عن التوصل إلى اتفاق لإقرار مشروع القانون معدّلاً. إلا أن هذا الإجراء لم يأتِ تجاوباً مع الهموم الاجتماعية للمواطنين؛ بل كان الثمن الذي يجب دفعه من أجل تمديد ولاية مجلس النواب مرّة جديدة. وقد ربط رئيس المجلس نبيه بري التمديد باستئناف النشاط التشريعي، بيد أن فريق 14 آذار/مارس بقيادة تيار المستقبل السنّي، والذي سعى إلى إرجاء الانتخابات البرلمانية، اضطُرّ إلى التخلّي عن معارضته المعلنة للتشريع في ظل الفراغ الرئاسي.

التخبّط السياسي هو أيضاً عنوان الأسلوب الذي تتعامل به الحكومة اللبنانية مع أزمة اللاجئين السوريين. فقد انقضى عامان قبل أن يباشر المعنيون في لبنان مناقشة مقاربة منسّقة للتعاطي مع هذه الأزمة، وذلك بدافع من الصدامات الأخيرة بين الجيش والمقاتلين الإسلاميين في عرسال، والتي أعقبها خطف 30 جندياً لبنانياً وإعدام ثلاثة منهم لاحقاً. كان الاقتراح الأول نقل أكثر من مئة ألف لاجئ في عرسال إلى منطقة أخرى. هذه الخطة جديرة بالتنويه نظرياً، لكنها تفتقر إلى آليات التطبيق العملية، وإذا أديرت بطريقة سيئة، قد يؤدّي ذلك إلى تعميق المشاكل بين الجيش اللبناني واللاجئين، مع كل مايترتّب عن ذلك من تداعيات أمنية خطيرة. 

يُقدّم السجال حول سلسلة الرتب والرواتب وطريقة التعاطي مع تداعيات الحرب السورية مثالَين أساسيين عن فشل الحكومة اللبنانية في التخطيط للأمام. فالسياسات الكبرى التي من شأنها أن تؤثّر في حياة اللبنانيين والسوريين لعقود طويلة، تُقرَّر على عجل، إما لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة النظر أو رداً على مستجدات دراماتيكية. في حين نجحت الطبقة السياسية اللبنانية حتى الآن في تجنّب انهيار تام للوضع الأمني والاقتصادي في لبنان، ليس أسلوبها في إدارة السياسة قابلاً للاستدامة. فالقادة اللبنانيون يتجاهلون المشاكل الأساسية التي تعاني منها البلاد أملاً في أن تتقدّم المفاوضات بين الجهات الإقليمية الراعية للأفرقاء السياسيين اللبنانيين، بما يؤدّي إلى الحد من التشنجات السياسية وإيجاد حل سحري لكل المسائل العالقة. من شأن مثل هذه الصفقة أن تقود إلى انتخاب رئيس، لكنها لن تساهم في سد العجز المتنامي في الموازنة ولا في إيجاد مخرج للمأزق السياسي ومواجهة التحديات الكثيرة التي يتسبّب بها وجود أكتر من 1.1 مليون لاجئ سوري مسجّل في لبنان.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

الاقتصاد تحت الضغط

 

سامي نادر

سامي نادر، كاتب عمود خاص في نبض لبنان عبر موقع المونيتور.

يواجه الاقتصاد اللبناني تهديداً كبيراً. للعام الثالث على التوالي، يسجّل الدين العام اللبناني زيادة تتخطى إلى حد كبير النمو الاقتصادي الفعلي. فقد ازداد الدين العام بنسبة 10.1 في المئة عام 2013، في حين أن النمو الاقتصادي لم يتجاوز 1.5 في المئة. وهذا مؤشر سيئ. ثمة حاجة إلى تحرّك جذري على مستويات الحكومة كافة من أجل تغيير هذه النزعة، وكبح العجز في الموازنة، واستخدام استراتيجيات فعالة للنمو.

أما الأسباب الرئيسة للأزمة الاقتصادية فتعود في شكل أساسي إلى تدهور الوضع الأمني جراء الأزمة السورية المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، والشلل السياسي وتعطيل المؤسسات العامة، وغياب السياسة الجامِعة، وعدم تطبيق الإصلاحات التي تشكّل حاجة ماسة.

معظم محركات النمو متعثّرة. فالسياحة التي بلغت حصّتها أكثر من 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في الأعوام الماضية، تشهد تراجعاً حاداً. وفي هذا الإطار، انخفض عدد السياح القادمين إلى لبنان بنسبة 6.7 في المئة في العام 2013. في الفترة نفسها، ولأسباب مشابهة، تراجعت الاستثمارات الخارجية المباشرة بنسبة 23 في المئة، والاستثمارات الخارجية المباشرة في المساحات غير المستغلّة بنسبة 48 في المئة، مايؤشّر إلى فشل الحكومة في توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد. وقد مارس هذا الواقع تأثيراً سلبياً على قطاع العقارات الذي يعاني الآن من تراجع تدفّق الرساميل من منطقة الخليج؛ فقد انخفض عدد صفقات بيع العقارات بنسبة 7.2 في المئة.

تواجه قطاعات أخرى ذات قدرة عالية على النمو عوائق قانونية أو غياب الإصلاح، ومنها الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية، فضلاً عن حقول النفط والغاز التي إنتظر إلى الإستكشاف الإضافي. لكن يبدو أن انعدام النمو والعجز الذي تعاني منه المالية العامة لايؤثران في الحكومة أو يزعجانها. فهي تستمر في الإنفاق بوتيرة مقلقة: ارتفعت النفقات الحكومية بنسبة 2.4 في المئة في العام 2013 في حين أن عجز الموازنة ازداد بنسبة 3.9 في المئة.

وصلت تداعيات الأزمة السورية في لحظة حرجة بالنسبة إلى لبنان. فلا اقتصاده ولا بنيته التحتية الضعيفة قادران على الصمود من هذا العبء. يزيد عدد اللاجئين السوريين المسجّلين في لبنان عن 1.1 مليون نسمة، أي مايتراوح بين ربع وثلث الشعب اللبناني. إلى جانب التكاليف الباهظة التي تترتّب على الاقتصاد اللبناني، يُهدّد هذا الأمر النسيج الاجتماعي الهش في البلاد. ولعل ماقاله رئيس البنك الدولي يعطي صورة عن هذا الواقع، فقد شبّه تدفّق اللاجئين، في زيارة له إلى لبنان في وقت سابق هذا العام، بتوافد جميع سكان المكسيك إلى الولايات المتحدة على امتداد ثلاث سنوات.

في التقرير الذي رفعه البنك الدولي إلى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2013، قُدِّرت كلفة الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني بـ7.5 مليارات دولار على امتداد ثلاث سنوات. غالب الظن أن هذه الكلفة سوف ترتفع مليارَي دولار إضافيين في السنة المالية 2014. 

يضع هذا كله الاقتصاد اللبناني أمام آفاق قاتمة. السبيل الوحيد كي يواجه لبنان التداعيات الاقتصادية هو في فرض إجراءات أمنية أفضل، وتطبيق سياسة جامِعة، وتنفيذ إصلاحات استهدافية. تبدو كل هذه الأمور خارج متناول المؤسسة السياسية في لبنان التي ينبغي عليها أن تنأى بنفسها عن الاضطرابات الإقليمية وتركّز على الحد من تفشّي التعصّب المذهبي في الداخل.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

لاسياسة للتعامل مع اللاجئين

 

كريم شاهين

كريم شاهين، مراسل في "دايلي ستار" في بيروت.

أصبح لبنان وشعبه ضحية العجز الحكومي المستمر منذ ثلاث سنوات وغياب الاستراتيجية اللازمة للتعامل مع تدفّق اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة. ونتج عن ذلك أزمةٌ أنهكت البنى التحتية للبلاد وصولاً إلى انهيارها، ووضعت اللاجئين في منافسة مع اللبنانيين الفقراء، وتسبّبت بمجموعة من المتاعب الأمنية.

يضم لبنان أكثر من 1.1 مليون لاجئ سوري مسجّل، نصفهم تقريباً هم دون سن الثامنة عشرة. أربعة من أصل خمسة أطفال لاجئين هم خارج المدرسة مع انطلاق السنة الدراسية. لقد باتت أعداد اللاجئين كبيرة جداً إلى درجة أن عدد سكّان لبنان يتجاوز العدد المتوقّع لسنة 2050، بحسب أنطونيو غوتيريس، المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وقد حُمِّل اللاجئون السوريون مسؤولية الأحداث الأخيرة وأبرزها سيطرة مقاتلين يعلنون ولاءهم لجبهة النصرة والدولة الإسلامية، لفترة وجيزة على بلدة عرسال السنية في الشمال الشرقي، على مقربة من الحدود مع سورية. يُعتقَد أن بعض المقاتلين كانوا يقيمون في مخيمات اللاجئين المنتشرة حول البلدة. وقد أُحرِقت المخيمات جزئياً خلال الحصار الذي نفّذه الجيش اللبناني رداً على سيطرة المقاتلين على عرسال، ومنذ ذلك الوقت، تتعرّض مخيمات أخرى للهجمات والمداهمات بصورة دورية إبان قيام الجهاديين الذين هاجموا عرسال بخطف جنود وأسرهم وقطع رؤوس بعضهم.

تَقدّم السكان في بعض البلدات ذات الأكثرية المسيحية لملء الفراغ الأمني الذي خلّفته الحكومة. وقد فرضت بلدات عدّة حظر تجوال تاماً على اللاجئين، عبر منعهم من مغادرة منازلهم ليلاً. على سبيل المثال، ناشدت البلديات في منطقة البترون السكّان التطوّع في شرطة البلدية لإنشاء مراكز مراقبة والمشاركة في الدوريات التي تستهدف اللاجئين السوريين هناك، والذين يتذمّر بعضهم من سوء المعاملة والتمييز بحقّهم.

لم تبدأ الحكومة اللبنانية بالتحرّك سوى مؤخراً. يكتسب اقتراح لبناء مخيمات للاجئين بين عرسال والحدود السورية زخماً، ويشكّل مطلباً أساسياً بعد سيطرة داعش والنصرة على البلدة. حتى أبناء البلدة الذين لطالما دعموا المعارضة السورية يؤيّدون الاقتراح، لكن الحكومة لم تقرّه بعد.

لطالما كان بناء مخيمات اللاجئين بمثابة مادّة سياسية متفجّرة بالنسبة إلى الحكومات اللبنانية التي تخشى المقارنة مع الوجود الفلسطيني في البلاد ودوره في الحرب الأهلية بين 1975 و1990. بيد أن داعمي الاقتراح يقولون إنه من الضروري تعزيز الأمن ورصد اللاجئين السوريين، فعدد كبير منهم غير مسجّل ولايحمل أوراقاً ثبوتية كاملة.

لكن وسط تدفّق اللاجئين، يعاني هؤلاء واللبنانيون على السواء من العجز الحكومي منذ سنوات. لقد أدّى الارتفاع الشديد في أعداد سكّان لبنان إلى إلقاء عبء ثقيل على شبكته الكهربائية، ماتسبّب بزيادة كبيرة في ساعات التقنين، وكذلك على النظام التعليمي الذي لم يعد قادراً على استيعب الأولاد السوريين. أسوأ من ذلك، يعيش 85 في المئة من اللاجئين السوريين وسط شريحة الثلثين الأشد فقراً بين اللبنانيين - على سبيل المثال، لجأ الفلسطينيون الهاربون من العنف في سورية إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان ليزيدوا من الاكتظاظ في تلك المخيمات التي تعاني أصلاً من الفقر والكثافة السكانية العالية. كما أن قسوة الظروف تدفع بالفلسطينيين القادمين من سورية والمهجّرين مرتين، إلى الهروب على متن مراكب المهاجرين غير الآمنة إلى البلدان الأوروبية على طول الساحل المتوسطي. وقد لقي بعضٌ مصرعهم في طريقهم إلى هناك.

بادرت الحكومة اللبنانية متأخّرةً إلى اتخاذ إجراءات مؤقتة منها التشدّد في ضبط الحدود ونزع صفة اللجوء عن السوريين الذين يعودون إلى بلادهم بدافع الزيارة. لكن هذه الإجراءات ليست كافية لمعالجة التشنّجات والتداعيات الأمنية والاقتصادية الناجمة عن أزمة اللاجئين غير المسبوقة. وليس واضحاً إذا كان اقتراح جوهري مثل إنشاء مخيمات للاجئين يمكن أن يحلّ الأزمة في هذه المرحلة المتأخرة.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

مابعد عرسال

 

مهى يحيَ

مهى يحيَ، باحثة كبيرة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

المخاوف التي أثارتها أحداث عرسال لدى الرأي العام اللبناني ولّدت مناخاً اجتماعياً مناوئاً للمهجرين السوريين يزيد من تعقيدات المشاكل الأمنية التي يعاني منها لبنان. وقد أحدث قطع رؤوس ثلاثة جنود لبنانيين من قبل تنظيم داعش وجبهة النصرة في الأسابيع القليلة الماضية، صدمة عارمة لدى اللبنانيين في كل أنحاء البلاد. وجاءت هذه التطورات في أعقاب مواجهة عنيفة بين الجيش اللبناني والمقاتلين الإسلاميين في بلدة عرسال الحدودية، ما أثار مخاوف من تورّط الجيش اللبناني أكثر فأكثر في النزاع السوري. وكانت ردود فعل الرأي العام عبارة عن خليط من الدعم الوطني الشديد للجيش، والدعم المتزايد لحزب الله باعتباره المجموعة الوحيدة التي تملك خبرة عسكرية وقتالية للدفاع عن البلاد، ومشاعر معادية تجاه اللاجئين السوريين. 

رداً على النزاع في عرسال وما أعقبه من تطورات، تعرّض اللاجئون السوريون في مختلف الأراضي اللبنانية لهجمات سافرة وغير مبررة ازدادت وتيرتها وحجمها وسط لامبالاة رسمية. والأخطر من ذلك، باتت هذه الأجواء معمّمة في جميع الأراضي اللبنانية وصولاً إلى مناطق كان السوريون يلقون ترحيباً فيها من قبل. فعلى سبيل المثال، تضمّنت رسالة وُجِّهت مؤخراً إلى اللاجئين السوريين في بعلبك تحذيراً لهم من أنهم سيتعرّضون للخطف والضرب إذا لم يرحلوا. أدان عدد من الزعماء السياسيين اللبنانيين، منهم وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وحسن نصرالله، أمين عام حزب الله، هذه الهجمات، لكن هذه الأصوات تُحجَب خلف مشهد طاغي يُصوّر اللاجئين السوريين على أنهم يشكّلون تهديداً أمنياً وعبئاً لا تستطيع البلاد تحمّله. حتى إن بعضهم ذهب إلى حد الزعم بأن "كل تجمّع للسوريين هو خلية نائمة".

لم تقتصر الهجمات التي استهدفت السوريين، على أفراد أو مجموعات يتم اختيارهم بصورة عشوائية. خلال الأسبوع الماضي، جرى تداول صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظهر فيها ضباط من الجيش اللبناني يقفون أمام أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين المنبطحين ووجوههم نحو الأرض على طريق رملي، على مقربة أحياناً من الخيم المشتعلة التي كانت تؤويهم. وقد تأرجحت ردود الفعل المحلية على هذه الصور بين الدعم التام للجيش وإدانة الاعتقال الاعتباطي والمعاملة السيئة للاجئين لمجرد أنهم سوريون. وخير مثال على الدعم للجيش يظهر في التعليق الذي نشرته المغنية المعروفة تانيا صالح على صفحتها على موقع فايسبوك: "إيدنا بصباطك [بجزمتك]"، ما أثار عاصفة من الانتقادات الساخرة التي استهدفتها. وكذلك انتقد عدد كبير من الصحافيين والناشطين تصرّفات الجيش تجاه اللاجئين، معاتبين إياه على تصرّفه كالميليشيات أكثر منه كمؤسسة من مؤسسات الدولة. وقد تعرّض هؤلاء الناشطون بدورهم للهجوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مشاعرهم "غير الوطنية" في خضم أزمة وطنية.

أثارت ممارسات "داعش" مخاوف وجودية لدى عدد كبير من اللبنانيين، لاسيما المسيحيين منهم الذين يخشون على أمانهم في حال أصبح للتنظيم موطئ قدم دائم في لبنان. وقد اتّخذت بعض البلدات، ومنها البترون، إجراءات بنفسها لفرض الأمن الذاتي.

هذا النمط من التعامل مع النازحين السوريين والتي تُقدَّم تحت عنوان مكافحة الإرهاب، تُعرِّض الآف منهم للخطر وقد يدفع بجزء منهم خصوصاً الشباب نحو التطرف. وقد بات واضحاً أن البعض من الشباب في لبنان قد يجنح نحو التشدّد، على ضوء التقارير التي تتحدّث عن كتابات مؤيدة لداعش على الجدران وعن رفع أعلام التنظيم في مناطق مختلفة. إذا لم يتم التراجع عن الرواية السائدة والتي تصوّر جميع النازحون السوريين بأنهم أعداء للبنان وللبنانيين، قد يدفع ذلك بجزء من اللاجئين إلى أحضان المجموعات المتطرفة. ونظراً إلى المأزق السياسي في البلاد، يقع على عاتق اللبنانيين جميعاً مكافحة هذه الأفكار النمطية من أسفل الهرم إلى رأسه - كي يتمكّن لبنان من التركيز على القضاء على المخاطر الحقيقية التي تُهدّد أمنه.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.