المصدر: Getty
مقال

أزمة القيادة في حزب نداء تونس

يتسبّب الانقسام داخل حزب نداء تونس والخلافات العلنية بفقدان الحزب مصداقيته لدى الرأي العام التونسي.

 يوسف الشريف
نشرت في ٨ ديسمبر ٢٠١٥

شهد حزب نداء تونس، حتى العام 2015، نمواً سريعاً، وأظهر نوعاً من التماسك وقوة العزيمة، على الرغم من أنه عبارة عن خليط سياسي أنشئ لإرساء ثقل موازِن في مقابل النفوذ الذي تتمتع به حركة النهضة. بيد أن الباجي قائد السبسي اضطرّ إلى التخلي عن قيادة الحزب عندما أصبح رئيساً للبلاد، ماأحدث فراغاً على مستوى القيادة. منذ ذلك الوقت، تتنافس شخصيتان أساسيتان - محسن مرزوق الذي أصبح أمين عام الحزب في أيار/مايو 2015، وحافظ قائد السبسي، نائب رئيس الحزب ونجل الباجي قائد السبسي - وأتباعهما على الهيمنة.

يبدو أن حافظ قائد السبسي يتّجه نحو الفوز في ليّ الأذرع الذي يشهده الحزب. في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أعلن نوّاب موالون لمرزوق عن نيتهم الاستقالة من الحزب - بعدما منعتهم زمرٌ غاضبة على صلة بحافظ قائد السبسي من عقد اجتماعات حزبية. لم يصادق رئيس كتلتهم النيابية بعد على استقالاتهم. على الأثر، عقد مرزوق اجتماعاً في قمرت دعا فيه إلى إجراء انتخابات داخلية في الحزب. ومع احتدام الصدام بين فصيلَي مرزوق والسبسي، ألقى الرئيس خطاباً عاماً في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي تحدّث فيه عن "أزمة القيادة" داخل حزب نداء تونس، مصطفاً ضمناً إلى جانب نجله على حساب مرزوق. على ضوء هذا الخطاب، أصبحت استقالة مرزوق من الحزب مسألة وقت فقط.

تتعاظم الانقسامات داخل حزب نداء تونس منذ وصوله إلى الحكم. ومع استمرار تدهور الأوضاع العامة في البلاد، ظهر التململ إلى السطح وبدأت صفوف الحزب تهتز. توقّع عدد كبير من أعضاء الحزب الذين عملوا في الحملة الانتخابية، أن يحصلوا على مكافأة بتعيينهم في مناصب حكومية أو مناصب رسمية أخرى، لكنها ذهبت في شكل أساسي إلى القياديين في الحزب. كانت هناك حاجة إلى احتواء الغضب والتململ المتعاظمَين، لكن الحزب يفتقر إلى القادة الذين يُفترَض بهم النهوض بهذه المهمة.

فضلاً عن ذلك، وكما حصل مع حزبَي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل بعد انتخابات 2011 )عندما غادرت الشخصيات الأبرز الصفوف الحزبية للانضمام إلى الحكومة(، تُرِكت قيادة حزب نداء تونس في عهدة نشطاء من الدرجة الثانية. وقد تسبّب رحيل كبار الشخصيات، من جملة ماتسبّب به، بتفكّك حزبَي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل في غضون أشهر قليلة. تفادياً لهذا المصير، كان حزب نداء تونس بحاجة إلى إعادة هيكلة صفوفه بصورة ملحة، لكنه واجه، بدلاً من ذلك، صراعاً بين الأطماع الشخصية - ليس بالضرورة بين أنصار الإسلاميين وخصومهم، أو اليساريين والرأسماليين، أو الثوّار والنظام القديم - للسيطرة على النفوذ في ظل الفراغ.

جرى احتواء الصراع في بداية الأمر. لكن نقطة الخلاف الأساسية - انتخاب قيادة الحزب العتيدة أو تعيينها - ظهرت من جديد مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر الوطني للحزب. يريد حافظ وأنصاره إرجاء المؤتمر والانتخابات، في حين أن مرزوق يدفع باتجاه إجراء الانتخابات.

ينتقد مرزوق المحسوبيات، ويزعم أنه يريد تعزيز الممارسات الديمقراطية داخل الحزب. قد تؤدّي الانتخابات العامة التي من شأنها أن تشهد إقبالاً من القاعدة الشبابية المستاءة الداعِمة لمرزوق، إلى تطويق دوائر النفوذ المحيطة بنجل الرئيس. علاوةً على ذلك، إذا وافق الحزب على إجراء انتخابات، سينضم أشخاص جدد إليه بأعداد كبيرة، ومن شأن روابط مرزوق القوية مع الأعمال والشركات، وحضوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومهاراته الخطابية أن تجعل من الأسهل عليه الفوز بهم إلى جانبه.

في غضون ذلك، السبب الرسمي الذي أعلن عنه حافظ قائد السبسي لتأجيل الانتخابات الداخلية هو الحفاظ على وحدة الحزب وانضباطه. لايملك نداء تونس بنى قوية في الوقت الحالي لتنظيم انتخابات على مستوى البلاد، وهو عبارة عن فسيفساء من المجموعات. سوف يكون لكل عضو الحق في التصويت، الأمر الذي يزعم حافظ أنه قد يشجّع على الاتجار بالأصوات ويؤدّي إلى الخلافات في وجهات النظر. غالب الظن أن حافظ قلق من أن تسفر الانتخابات في الحزب الحديث العهد عن نتائج مفاجئة. من شأن اقتراحه الاعتماد على التعيينات لاختيار قادة الحزب أن يضمن له مكاناً في الصفوف القيادية.

انتصار حافظ يرتّب عليه كلفة باهظة في الوقت الراهن. لقد تسبّبت الاتهامات والشجارات العلنية في الأشهر الأخيرة بتجريد الحزب من مصداقيته. يبدو نداء تونس، بعد أقل من عام على تحوّله القوة الأولى في تونس، مفكّكاً وهشاً وغير فعّال. إذا قدّم النواب الاثنان والثلاثون الموالون لمرزوق استقالتهم - مع العلم بأن بعضهم يتردّدون في تقديمها - سيحتفظ نداء تونس بـ53 مقعداً في البرلمان، مايجعل منه القوة السياسية الثانية في البلاد بعد النهضة (69 مقعداً). ستظل الحكومة تحظى بدعم شرعي كافٍ، لكن الرئيس سيخسر بعض الدعم الذي ساهم في وصوله إلى سدّة الرئاسة، وسيصبح حزب نداء تونس أكثر اعتماداً على النهضة. وسوف تتمكّن هذه الأخيرة من ممارسة قوة إقناع أكبر على الحكومة، لكن بما أنها ليست مهتمة بالسيطرة على السلطة في الوقت الحاضر، السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار الوضع القائم.

لم تظهر قوة بديلة في البلاد لتحدّي حزب نداء تونس - حتى الآن. لكن ذلك قد لايدوم طويلاً، نظراً إلى المشكلات التي تواجهها تونس، وتوقعات السكان. يمهّد تراجع نداء تونس الطريق أمام ظهور فريق أو حزب من شأنه كبح نفوذ النهضة والإفادة من الاستياء الشعبي من الحزبَين. ربما كانت هذه هي الفرصة التي يسعى رئيس الوزراء السابق مهدي جمعة، وسواه، إلى انتهازها.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.