المصدر: Getty
مقال

مقال مصوّر: المعركة على تدمر

بعد أشهر من التخطيط وبدفع من الدعم الجوي الروسي، نجحت قوات النظام السوري في استعادة السيطرة على مدينة تدمر في معركة ساهمت في رفع معنوياتها.

 طوم وستكوت
نشرت في ٢٧ أبريل ٢٠١٦

تمكّن الجيش العربي السوري من استعادة السيطرة على مدينة تدمر التاريخية في 27 آذار/مارس الماضي بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها لمدة عشرة أشهر. على الرغم من أن التغطية في وسائل الإعلام الدولية ركّزت في جزء كبير منها على الدمار الذي ألحقه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية بالآثار الشهيرة التي تتميز بها المدينة، إلا أن الخبر الأهم هو النجاح العسكري الذي حقّقه الجيش العربي السوري في القتال الصحراوي الذي استمر أكثر من ستة أشهر.

تقع مدينة تدمر على بعد 155 كيلومتراً شرق حمص، في قلب الصحراء السورية، في سلسلة جبال تدمر. يمتد نحو مئة كيلومتر من الطريق المؤدّي إلى تدمر، على طول طريق صحراوي متداعٍ يتناثر على جانبَيه الركام الذي خلّفته المعارك الدائرة منذ عام، وتتخلّله نقاط تفتيش يرفرف عليها الآن علم الجمهورية العربية السورية. يقول العميد سمير سليمان، رئيس فرع الإعلام بالإدارة السياسية في الجيش السوري: "الصحراء والجبال أرض صعبة، وبما أن داعش يضم عدداً كبيراً من المقاتلين الأفغان، فهم يتمتعون بخبرة جيدة في القتال في هذا النوع من الأراضي". ويقرّ بأن هذا الأمر ساهم في خسارة تدمر في أيار/مايو 2015، في هزيمة ساحقة للجيش العربي السوري، ما أتاح لتنظيم الدولة الإسلامية التوسّع إلى حد كبير في سورية، مضيفاً: "كانت هذه خسارة كبيرة لنا، لكن هذه المرة، كنا أقوى ومستعدّين جيداً. أصبحنا نعرف كيف نحارب هؤلاء الإرهابيين لأننا اكتسبنا خبرة، وقد استعدّ جيشنا بتأنٍّ لهذه المعركة".

وكذلك ساهم تحالف الجيش العربي السوري مع سلاح الجو الروسي في تغيير قواعد اللعبة في المعركة على تدمر. في الأشهر التي سبقت الهجوم النهائي، نفّذت الطائرات الروسية هجمات جوية عدة على المدينة الحديثة التي تقع بمحاذاة تدمر القديمة. لا تزال القاعدة الجوية المرتجلة في الصحراء، عند أطراف طريق حمص-تدمر، حيث وُضِعت الرادارات على الشاحنات فوق المرتفعات الرملية العالية – لا تزال إذاً قيد العمل فيما يستمر سلاح الجو الروسي في دعم عمليات الجيش العربي السوري. وقد أشاد الجنرالات والجنود في الجيش السوري بحملة القصف الروسية، واعتبروا أنه في حالة تدمر، مهّدت هذه الهجمات الجوية الطريق أمام العمليات البرية النهائية.

قال العميد سليمان وهو يقف وسط أنقاض قرية البريات الصحراوية التي تتألف من عدد قليل من المنازل المدمّرة حيث وقعت معارك عنيفة: "كانت هذه النقطة الأخيرة [نحو الغرب] التي استطاع داعش الوصول إليها، وقد قاموا بتطويق هذه المنطقة واحتلال الجبال"، مضيفاً: "كان علينا أن نسيطر تدريجاً على الجبال، الواحد تلو الآخر، كي نتمكّن من الاقتراب من المدينة من منافذ عدة. كان ضرورياً أن يسيطر الجيش على هذه التلال والجبال". بعدما فرض الجيش العربي السوري سيطرته على نقاط استراتيجية في الجبال، تمكّن الجنود من التقدم شيئاً فشيئاً على طول الطريق الساحلي، وعبور الكيلومترات التسعة الأخيرة نحو تدمر. وشكّلت السيطرة على القلعة التي تعود إلى القرون الوسطى وتُعتبَر نقطة استراتيجية أخرى تطل على تدمر بكاملها، محطة النصر ما قبل النهائي في 24 آذار/مارس، وأطلقت الأيام الأخيرة للهجوم.

على الرغم من أن الجيش العربي السوري استغرق أشهراً عدة للسيطرة على الطريق المؤدّي إلى تدمر من الغرب وإحكام الطوق على المدينة، إلا أن المرحلة الأخيرة والأكثر دموية في المعركة كانت سريعة جداً. قال العميد سليمان: "لم تكن معركة سهلة، لكن جيشنا وقوات الدفاع الوطني [ميليشيا موالية للأسد] والتحالف مع روسيا تمكّنت من حسمها بسرعة وفعالية".

أشار العميد سليمان إلى مصرع نحو 450 مقاتلاً خلال الهجوم، مضيفاً أن الآخرين لاذوا بالفرار: "بعضهم هربوا نحو الصحراء، وبعضهم الآخر نحو الرقة، ونعتقد أن هناك من فرّ إلى العراق. لكن قبل فرارهم، أحدثوا دماراً واسعاً". فقد قاموا بزرع ألغام بكميات كبيرة، ونصب كمائن، وزرع عبوات ناسفة في العديد من الأماكن في مختلف أنحاء المدينة، بما في ذلك في عقارات سكنية. كانت مهمة تفكيك الألغام والعبوات والكمائن على قدر كبير من التحدي بالنسبة إلى الفرق السورية المختصة التي كانت عاجزة عن النهوض بها بمفردها، فاستعانت بفريق روسي أحضر معه آليات "يوران-6" الروبوتية للتخلص من المتفجرات. وقد أوردت وزارة الدفاع الروسية في 12 نيسان/أبريل الجاري، أنه تمت إزالة نحو ثلاثة آلاف عبوة متفجّرة في 182 هكتاراً من الأراضي، وتفجيرها أو تفكيكها منذ بدء عمليات التخلص من المتفجرات في مطلع نيسان/أبريل.

وأقدمت الدولة الإسلامية أيضاً على حرق قتلاها كي لا يكون بالإمكان التعرف على الجثث التي كان بعضها لأشخاص من أبناء المدينة، كما يقول عمر، وهو محاسب في الـ54 من العمر كان سابقاً من سكان تدمر: "شجّع تنظيم داعش شباباً من المدينة على الالتحاق به، عبر منحهم 300 دولار في الشهر. يملك داعش الكثير من المال، وعدد كبير من سكان تدمر يعاني من فقر شديد. معظم أبناء تدمر لم يكونوا يريدون دعم داعش، لكن بعضهم أُرغِم على ذلك عن طريق الإكراه في حين دعم آخرون التنظيم من أجل المال". أضاف أن عدداً كبيراً من مقاتلي داعش هم من الأجانب – لا سيما من دول عربية أخرى، لكنه أردف أن العنصر الذي قام بتفتيش منزله عند بدء احتلال التنظيم للمدينة، عندما راح المقاتلون يبحثون عن جنود الجيش النظامي، كان أوروبياً يتحدّث العربية بركاكة.

تحت جدران القلعة المدمرة، جلس جنودٌ يفكّرون في الخسائر التي تكبّدوها فيما يحتسون الشاي في خيمة من قماش القنّب تقيهم أشعة الشمس في منتصف النهار. قال الملازم أيهم، 23 عاماً: "نحن فخورون جداً بهذا النصر. كان أمراً مدهشاً جداً، مع أننا خسرنا اثنين من خيرة جنرالاتنا في المعركة". فقد لقي العميد الركن شعبان عوجا والعقيد أحمد حمادة مصرعهما على مقربة من القلعة بنيران دبابة، قبيل أيام من سيطرة الجيش السوري على المدينة، وشعر عناصر الوحدتين اللتين كانا يقودانهما، بأسى شديد على خسارتهما. وخسرت وحدة أخرى،  بشار علي، 22 عاماً، وأحمد أيوب، 23 عاماً، منفّذَي العمليتين الانتحاريتين في ضواحي تدمر، واللتين كان لهما عميق الأثر في استعادة السيطرة على المدينة. على الرغم من أن الحكومة السورية تتحفّظ في الكشف عن أعداد الضحايا، إلا أن مصدراً مقرباً من وزارة الإعلام السورية تحدّث عن مقتل نحو 80 جندياً في الأسبوعَين الأخيرين من القتال للسيطرة على تدمر.

وصفت الحكومة السورية استعادة السيطرة على تدمر بأنها تمهّد الطريق لشنّ هجمات عسكرية على معاقل الدولة الإسلامية في دير الزور والرقة. هذه العمليات ضد الدولة الإسلامية وسواها من التنظيمات المصنّفة في خانة الإرهاب غير مشمولة في اتفاق "وقف الأعمال الحربية" الذي تم التوصل إليه في سورية بوساطة أميركية وروسية في 22 شباط/فبراير الماضي، ولا يزال العمل به مستمراً منذ شهرَين. في 20 نيسان/أبريل الجاري، أوردت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أن سلاح الجو السوري نفّذ هجمات جوية ناجحة ضد العديد من الأهداف التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في محافظة دير الزور.

يبدو أن النصر في تدمر عزّز الاعتقاد لدى داعمي الحكومة السورية بأن دمشق تسيطر على الأراضي الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية. قال العميد سليمان: "المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية الآن ليست استراتيجية، ولا تضم العدد الأكبر من السكان"، مضيفاً أن قوى المعارضة الأخرى أقل نفوذاً: "ما يُسمّى ’المعارضة السورية المعتدلة‘ التي نشاهدها على شاشات التلفزة لديها سيطرة محدودة جداً على الأرض".

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

طوم وستكوت صحافية مستقلة تُعدّ تقاريرها من شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.