المصدر: Getty
مقال

المعضلة السعودية والإماراتية بعد صالح

منذ مقتل علي عبدالله صالح، تحاول السعودية والإمارات من جديد العثور على شخصية نافذة في اليمن يمكن أن تلتقيا حول دعمها.

 نيل بارتريك
نشرت في ١٨ ديسمبر ٢٠١٧

بعد الكمين الذي نصبه الحوثيون في الرابع من كانون الأول/ديسمبر الجاري وأسفر عن مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي كان حليفاً لهما منذ فترة وجيزة، اهتزّت التصوّرات إنما لم يتغيّر الكثير في أسس النزاع في اليمن. ويشمل ذلك السياسات السعودية والإماراتية في البلاد، والتي كانت قد بدأت، قبل مقتل صالح، بالالتقاء حول التكتيكات، إنما كانت تفتقر إلى استراتيجية متماسكة وإلى أهداف محددة. كانت الإمارات تعتبر أن صالح هو الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يحافظ على تماسك الدولة اليمنية في شكل من الأشكال. في غيابه، سوف يواجه السعوديون والإماراتيون صعوبات جمّة في الحد من سيطرة الحوثيين على الأراضي في شمال اليمن، وفي تحقيق ذلك بوتيرة سريعة ومن دون مزيد من الأكلاف الأمنية والاقتصادية والسياسية.

بالنسبة إلى السعوديين، يعني ذلك إرساء السلام، أو أقلّه الهدوء النسبي، مع كبح المكاسب الإيرانية بالقدر الكافي لإنقاذ ماء الوجه. غير أن ذلك سيستغرق بعض الوقت على الأرجح، نظراً إلى أن الحوثيين يسيطرون على صنعاء، وعلى أراضٍ عند الحدود مع السعودية، وعلى مدينة الحديدة المرفئية عند البحر الأحمر – والتي تشكّل نقطة حيوية لعبور المساعدات الإنسانية وسواها من الإمدادات الأساسية، على الرغم من أن التحالف الجوي والبحري الذي تقوده السعودية يعمد دورياً إلى إغلاق ميناء الحديدة.

قبِل السعوديون على مضض بالرأي الإماراتي القائل بأنه لا خيار سوى احتضان علي عبدالله صالح الذي كان في السابق حليفاً للدولتَين، وأصبح لاحقاً عدوّاً لهما. وقد دفع ذلك بصالح وقوات الحوثيين، اللذين كان يجمع بينهما تحالف تكتيكي في ما مضى، إلى الاقتتال للسيطرة على صنعاء، وكان بمثابة توقيع على وثيقة وفاة صالح. قد يتمكّن أحمد علي، نجل صالح، وهو قادر على التعويل على أنصاره وأنصار والده داخل ما تبقّى من أجهزة الدولة العسكرية، من أن ينتقم من الحوثيين ويؤثّر في مسار الحرب. يبدو أن مقتل الرئيس السابق منح بعض الزخم للقوات البرية اليمنية المدعومة من الإمارات والتي لا تزال موالية لعلي عبدالله صالح، وتُبدي، أقلّه في الوقت الراهن، ولاءها لأحمد علي. تسعى هذه القوات إلى السيطرة على الطريق الساحلي شمالاً من عدن إلى الحديدة، وبعد وفاة علي عبدالله صالح، يبدو أنها تحصل على الدعم الجوي والبحري من الإمارات لتحقيق ذلك.

في حين أن الإماراتيين لا يرون خيارات أخرى كثيرة بالنسبة إلى مروحة الحلفاء اليمنيين، يُظهر السعوديون استعداداً للنظر في التحالف مع مجموعة أكبر من الأفرقاء. يتمتع حزب الإصلاح، وهو النسخة اليمنية من جماعة الإخوان المسلمين، بالولاء من مقاتلين مقتدرين في الشمال، ويمكنه التعويل على الدعم القبلي مثل الدعم الذي تقدّمه له عشيرة صالح. في حين يصرّ الإماراتيون على معارضتهم العصبية لحزب الإصلاح وأي مظهر من مظاهر الإسلام السياسي، لا يتشاركهم السعوديون هذه المشاعر. لقد اجتمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو الحاكم السعودي بحكم الأمر الواقع، بزعيم الإصلاح محمد اليدومي، في الرياض في 14 كانون الأول/ديسمبر، وأثنى اليدومي، بعد الاجتماع، على ما يقوم به التحالف بقيادة السعودية في اليمن. هذه كانت المرة الثانية في غضون شهر التي يجتمع بها بن سلمان علناً بزعيم الإصلاح الذي أمضى عامَين في محاولة رأب العلاقات الجيدة التي كانت تجمع الإصلاح بالمملكة سابقاً. 

واقع الحال هو أن السياسة السعودية الراهنة تجاه الإصلاح، واليمن في شكل عام، هي في حالة تقلّبات، لى درجة أنه لا يمكن استبعاد حدوث اجتياح بري سعودي لمحافظة صعدة اليمنية الواقعة عند حدود المملكة، والتي تشكّل معقل الحوثيين.1 من المقرر أن ينتشر الحرس الوطني السعودي على مقربة من الحدود اليمنية بحلول نهاية العام الجاري. في حين أنه يُرجَّح، في الإجمال، أن يقتصر دور الحرس الوطني السعودي على القيام بتوغّلات محدودة من أجل فرض الأمن عند الحدود، من الممكن أن يعمد محمد بن سلمان، المحبَط بسبب استمرار الحرب، إلى التخلّي عن السعي السعودي الدائم إلى العثور على حليف يمني موثوق ويتمتع بالقدرات اللازمة، وأن يلجأ بدلاً من ذلك إلى الاستعانة بقوات الحرس الوطني السعودي لمحاولة إخضاع الحوثيين، وهو ما فشل الجيش السعودي فشلاً ذريعاً في تحقيقه في 2009-2010. لكن في المدى القصير، سيظل السعوديون يأملون بأن يتمكّن اليمنيون من القيام بالأمر بأنفسهم.

إلى جانب أحمد علي صالح، لا تزال السعودية تعمل أيضاً مع اللواء علي محسن الأحمر، الحليف العسكري المقرّب من صالح سابقاً والذي يتولى راهناً منصب نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي – الذي تدعمه السعودية رسمياً في موقع الرئاسة، في حين فقدَ الإماراتيون أملهم به. يعمل علي محسن، منذ فترة طويلة، مع مقاتلين متحالفين مع الإصلاح وكذلك مقاتلين سلفيين. وتنظر السعودية، منذ سنوات، إليه كزعيم يمني بديل محتمل.

إذاً يدعم السعوديون خصمَين في القتال اليمني: أحمد علي صالح وعلي محسن. والإمارات منقسمة بين فريقَين أيضاً، ففي حين تدعم قوات أحمد علي في الشمال، تقدّم المؤازرة لمجموعة مختلفة من المقاتلين اليمنيين في الجنوب، حيث تريد أن تتوسّع نحو الشمال إلى محافظة تعز المجاورة، وفق ما ورد في تقارير إعلامية يمنية.2 على الرغم من كره الإماراتيين للإسلام السياسي، يبدو أنهم يتقبّلون أن بعض هذه القوات الجنوبية سلفي الانتماء – شرط أن يتّبع السلفية "القويمة"، أي من النوع المتجذّر عميقاً في الأعراف الاجتماعية الإماراتية. يخشى السعوديون أن يتعدّى الدعم الإماراتي لبعض الانفصاليين الجنوبيين، على مناطق نفوذهم في الشمال، إنما يبدون مستعدّين لركوب موجة الحماسة التي تبديها الإمارات راهناً لدعم أحمد صالح على الرغم من أنهم يعتبرون أن علي محسن هو أكثر قدرة على إدارة الروابط القوية بين الإسلاميين والقبائل في اليمن. ثمة مسائل كثيرة من الصعب أن يقف فيها الرجلان صفاً واحداً، مع أنه يمكنهما تشكيل تحالف تكتيكي ضد الحوثيين، عدوّهما المشترك.

لكن حتى لو شكّل أحمد علي وعلي محسن حلفاً مؤقتاً ووحّدا صفوفهما، لا يمتلك أيٌّ منهما حتى الآن الوسائل المطلوبة للسيطرة على صنعاء. في غضون ذلك، قد تُزوّد الإمارات قواتهما بدعم جوّي وبحري لاستعادة السيطرة على الحديدة، كما فعلت، وفقاً للتقارير، عندما استعادت القوات الموالية لصالح السيطرة على مدينة الخوخة على البحر الأحمر في السابع من كانون الأول/ديسمبر. على النقيض، غالب الظن أن الإماراتيين لن يدعموا المحاولات الآيلة إلى استعادة السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط شمال البلاد. فمن أجل القيام بذلك، تحتاج الإمارات إلى دعم عسكري كبير، وإلى الخوض في شؤون السياسة المحلية غير المؤاتية. سوف يعمل الإماراتيون مع عناصر محلية مرنة ظاهرياً، ومنهم بعض السلفيين، إنما للقيادة القبلية في المنطقة روابط مع الإصلاح. 

باختصار، لا تزال السياسات السعودية والإماراتية في اليمن تعاني من التناقضات الذاتية، وهناك أيضاً تباعدٌ بين البلدَين في ما يتعلق بالوسائل والأهداف. لكن يبدو السعوديون ملتزمين بالحفاظ على وحدة اليمن طالما أن هذا الخيار قابل للحياة، في حين أن الموقف الإماراتي لا يزال محاطاً بالتردد. كيف سيتم "تحرير" اليمن؟ مَن سيحرّره، ومَن سيتولّى مقاليد السلطة؟ يبدو أن الدولتين الخليجيتين المتحالفتَين ظاهرياً، لم تتوصّلا إلى أجوبة عن هذه الأسئلة – أجوبة يُقدّمها كل منهما لنفسه، فكم بالأحرى للتحالف المعلَن بينهما.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

نيل بارتريك محرّر ومساهم أساسي في "السياسة الخارجية السعودية: النزاع والتعاون" (آي بي توريس، تصدر الطبعة الثانية في شباط/فبراير 2018). لمتابعته عبر تويتر: neilpartrick@


1. مقابلة مع كاتب سعودي، 14 كانون الأول/ديسمبر 2017.
2. “Yemen president tries to stop UAE-led force seizing Aden base,” BBC Monitoring, October 29, 2017
3. مقابلة مع المحلل السعودي جمال خاشقجي، 12 كانون الأول/ديسمبر 2017.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.