المصدر: Getty
مقال

الميليشيات الأجنبية في ليبيا

يشكّل وجود مجموعات مسلّحة أجنبية في جنوب ليبيا، تهديداً مطرداً للأمن المحلي والروابط السياسية الإقليمية.

 توماس هاوز-وارد
نشرت في ١٠ أبريل ٢٠١٨

في 13 آذار/مارس، أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بياناً أعربت فيه عن قلقها من العنف المتواصل في مدينة سبها الواقعة في جنوب البلاد المفقَر، حيث أسفر اشتداد التشنّجات منذ أواخر كانون الثاني/يناير، عن مقتل ستة مدنيين على الأقل. المنطقة موضع نزاع بين القوى الموالية للجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر في الشرق، وبين مجموعات إثنية منضوية إلى جانب حكومة الوفاق الوطني في طرابلس. وقد ظهرت، في أعقاب الصراع الفئوي، تقارير متباينة عن الجهة المسؤولة عن التحريض على العنف. غير أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج، لم يتّهم قوات حفتر بممارسة الاستفزاز، بل ألقى باللائمة مباشرةً على وجود مرتزقة أجانب، لا سيما من السودان وتشاد. غداة هذا الكلام، قال عميد بلدية سبها، حامد الخيالي، في تصريح ناري للتلفزيون الليبي، إن "قوى أجنبية تحتل جنوب البلاد"، وإنها مسألة "ملقاة على أكتاف جميع الليبيين". قبل وقت قصير، لم يكن وجود مجموعات قتالية غير ليبية أمراً ملحوظاً إلى حد كبير في الفوضى العارمة التي تعمّ ليبيا.

لقد أكّدت الأنباء الواردة من سبها مزاعم الحكومة السودانية عن أنشطة تقوم بها مجموعات متمردة من دارفور داخل ليبيا. فجيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، وهما المجموعتان الثوريتان الأساسيتان في منطقة دارفور المضطربة في السودان، يحتفظان بوجود في الجنوب الليبي الخارج عن القانون، ويُزعَم أنهما يعملان لصالح حفتر. يصف تقرير صادر في العام 2017 عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة والمعني بليبيا، هذه المجموعات بأنها تشكّل "تهديداً متنامياً"، ويربط صراحةً أنشطة جيش تحرير السودان بالجيش الوطني الليبي بزعامة حفتر. يتواجد الفصيلان الأساسيان التابعان لجيش تحرير السودان – جناح مني مناوي وجناح عبد الواحد النور – في ليبيا، وفي حين أن التقديرات عن أعدادهم غير دقيقة، أشارت مصادر تحدّث معها فريق الأمم المتحدة، إلى أن جناح النور وحده يتألف من 1500 مقاتل في ليبيا في أي وقت من الأوقات. فضلاً عن ذلك، يُعرَف عن القيادي السابق في حركة العدل والمساواة، عبدالله جنا، أنه يتنقّل في موكب مؤلّف من 70 آلية سيّارة على الأقل، وقد ادّعت جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد أن عدد مقاتليها في ليبيا يبلغ، في كانون الأول/ديسمبر 2016، 700 مقاتل، على الرغم من أن تقرير الأمم المتحدة يلفت إلى أنه ربما ازداد هذا الرقم ليصبح ما بين 1000 و1500 مقاتل. حتى إنه يُشتبَه بأن حكومة تشاد تضغط من أجل دفع متمرّديها لعبور الحدود باتجاه ليبيا كي "يبقوا منشغلين بأمور أخرى".

لقد أنكر حفتر أن يكون قد استخدم ميليشيات دارفور، واتّهم الحكومة السودانية بالتدخّل في الشؤون الليبية. كذلك تنفي حركة العدل والمساواة السودانية وجبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد، على مستوى رسمي، الاصطفاف في النزاع، بيد أن قادة عسكريين كباراً يقولون العكس تماماً. فقد صرّح ابراهيم البغدادي، المسؤول عن التسلّح في حركة العدل والمساواة، لقناة "النيل الأزرق" السودانية: "إنها الأعمال". في حين أن طبيعة التدخل في البداية كانت عبارة عن تدخل من قوات مرتزقة، إلا أنه للاصطفاف إلى جانب هذا الفريق أو ذاك تداعيات سياسية لا مفرّ منها. لدى سؤال العقيد أحمد المسماري، وهو كبير المتحدّثين باسم الجيش الوطني الليبي، عن المسألة، يشدّد مراراً وتكراراً على أن هناك "مؤامرة واضحة" قوامها تواطؤ بين الحكومات السودانية والقطرية والإيرانية، سراً، لدعم الإرهاب في ليبيا. في حزيران/يونيو 2017، زعمَ المسماري أن هذا التواطؤ توسّع كثيراً إلى درجة أنه بات يشتمل على تزويد الإخوان المسلمين في ليبيا، والميليشيات الإسلامية، وحتى تنظيم الدولة الإسلامية، بالأسلحة والذخائر. في الشهر التالي، عرض المسماري، في مقابلة عبر التلفزيون المصري، وثيقة من 30 صفحة قال إن القوات المسلحة السودانية هي التي وضعتها، وتتضمن برنامجاً مفصّلاً عن تزويد مجموعات قتالية بالأسلحة.

بغض النظر عن الصخب المُثار حول طبيعة الاصطفافات، ضربَ وجود قوات أجنبية على الأراضي الليبية على وتر حسّاس، وأدّى إلى زيادة لافتة في الضغوط الداخلية من أجل كبح تأثير الميليشيات التشادية والدارفورية. وفي نقطة مهمة، يتسبّب وجود هذه المجموعات بخلل في التوازن الإثني والقبلي الحسّاس في الجنوب الليبي، الأمر الذي قد يتبيّن أنه عامل غير قابل للتوقّع في منطقة كثيراً ما تبلغ فيها العداوات بين الطوارق والتبو درجة الغليان. إشارة في هذا الصدد إلى أن بعض الدارفوريين هم على ارتباط بقبائل التبو، أو يتشاركون معها تحالفات قديمة. وهذا الانعدام للثقة دفعَ بالجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، إلى إعادة تقييم تحالفاته مع الميليشيات الأجنبية، أقلّه ظاهرياً. كان الهدف من الهجمات الجوية ضد "الأجانب" والأفارقة" الحد من أي أضرار يمكن أن تكون قد لحقت بصورة حفتر العامة، لكن على الرغم من أن التقارير تحدّثت أيضاً عن قصف عدد قليل من المواقع التابعة لحركة العدل والمساواة الدارفورية، إلا أن الهجمات استهدفت في شكل أساسي جبهة الوفاق من أجل التغيير التشادية، وهي حركة تمرّدية معروفة بتحالفها مع قوة مصراتة الثالثة المناهضة لحفتر.

يتجاهل حفتر السياسة الإقليمية عبر قيامه باستخدام الميليشيات الدارفورية من أجل فرض سيطرة أكبر على الأراضي الليبية. تعتبر الحكومة السودانية أن المقاربة التي ينتهجها حفتر هي استمرارٌ للسياسات التي كانت سائدة في عهد القذافي والتي سعت إلى زعزعة الاستقرار في السودان. في هذه المرحلة، من المستبعد أن يكون حفتر يسعى خلف هذا الهدف، فتركيزه الأساسي هو زيادة أعداد القوات الخاضعة لإمرته، غير أن هذه المسألة تولّد مزيداً من المصالح والاعتبارات في نزاعٍ مشبَع أصلاً بالتدخلات الخارجية. لقد راهن حفتر بأن الحكومة السودانية لن تتمكّن من الرد بطريقة مجدية، لأن امتدادها في الداخل الليبي أكثر محدودية بالمقارنة مع الدول المجاورة لليبيا في شمال أفريقيا. وقد نجح الرهان حتى تاريخه. فقد أثبتت مجموعات دارفور فاعليتها في ساحة المعركة، ويُنظَر إليها بأنه يمكن التضحية بها أكثر مما يمكن التضحية بجنود الجيش الوطني الليبي. يعتبر تقرير فريق الخبراء الصادر في العام 2017، أن جيش تحرير السودان أدّى دوراً أساسياً في مساعي الجيش الوطني الليبي من أجل السيطرة على "الهلال النفطي" الاستراتيجي في ليبيا، الذي يضم البلدات المرفئية الثلاث، رأس لانوف وسدرة والبريقة. وقد تحدّثت وسائل الإعلام السودانية عن تورّط حركة العدل والمساواة، مشيرة إلى سقوط ما لا يقل عن 118 قتيلاً في صفوف الحركة في سرت الكبرى، على الرغم من التباس الأدلة التي تثبت أنهم قضوا في تلك الحملة تحديداً.

تشعر الحكومة السودانية، بصورة مبررة، بالقلق إزاء المخاطر التي يشكّلها هؤلاء المقاتلون العائدون من ليبيا. وفي تطوّر مقلق، ظهرت أسلحة مصرية من جديد في دارفور، وعمدت الإمارات العربية المتحدة إلى تمويل المجموعات الثورية من خلال روابطها مع حفتر. تدقّ الحكومة السودانية ناقوس الخطر مشيرةً إلى أن ارتباط حفتر مع جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة يُهدّد الوضع الذي يعاني أصلاً من الهشاشة في دارفور التي تشهد النزاع الداخلي الأطول راهناً في أفريقيا. سوف تسعى الحكومة السودانية، بصورة محتومة، إلى الاستثمار في الخطاب ضد المجموعتين المتمردتين، جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، اللتين ترتّبت عن تدخلهما في ليبيا تداعيات ملموسة على الأمن السوداني. لقد تعرّضت قوى الأمن الحكومية في دارفور لهجوم واحد على الأقل انطلاقاً من الأراضي الليبية، وتُواجه تحدّيات إضافية في ضبط المجموعات الثورية الدارفورية لدى مغادرتها الأراضي السودانية. تُهدّد هذه الهجمات السلام النسبي السائد في دارفور راهناً – ومن التهديدات أيضاً الشبكات التي تؤمّن الأسلحة والعملة الصعبة، وعودة المقاتلين إلى دارفور – في وقتٍ حقّقت الحكومة السودانية تقدّماً في تحسين الوضع الأمني عبر تطبيق حملة لنزع السلاح في دارفور.

في غياب قوة مركزية تابعة للدولة الليبية وقادرة على فرض احتكارها للجوء إلى العنف، يقع إلى حد كبير على عاتق الحكومة السودانية أن تتحرّك ضد المجموعات الدارفورية. لن يتطلب ذلك على الأرجح، تدخلاً عسكرياً، لأنه باستثناء توغّل لفترة وجيزة في جنوب ليبيا دعماً للثوار المناهضين للقذافي في تموز/يوليو 2011، ليست هناك سوابق لجنود سودانيين يعملون في ليبيا، أو دعمٌ لتدخلهم هناك. بل إن التركيز هو على ضبط الأمن عند الحدود الواسعة والقابلة للاختراق بين تشاد والسودان وليبيا، والتي أتاحت للمجموعات الدارفورية التنقّل بين الدول بسهولة نسبية. لقد وصف الرئيس السوداني عمر البشير القوة الحدودية السودانية-التشادية المشتركة بأنها "نموذج لإرساء الأمن"، ودفع باتجاه حدوث انعطافة دراماتيكية في العلاقات السودانية-التشادية منذ العام 2010، في تغيير إيجابي نادر في المنطقة. قبل العام 2010، كانت حكومة تشاد تدعم جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، وتقدّم لهما ملاذات آمنة في الأراضي التشادية حيث تمكّنا من العمل مع إفلات من العقاب، ويُقال إنه كان يجمعهما "رابطٌ قوي بالجيش التشادي".

يشكّل استغلال الفوضى في ليبيا من جانب جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة وجبهة الوفاق من أجل التغيير، مثالاً خطيراً. فجل ما تتوخاه هذه المجموعات المتمرّدة من التدخل في النزاع الليبي هو الكسب المادي، فاصطفافها إلى جانب حفتر مدفوع فقط بالرغبة في الحصول على الأسلحة والأموال التي ستُفيدها لدى عودتها إلى السودان. لقد قبِل حفتر، وأفرقاء ليبيون آخرون، بالحصول على المساعدة من المتمردين المنتمين إلى دولة أخرى، فاختلطت أنشطة المرتزقة في الخارج مع الأهداف السياسية الداخلية. نتيجةً لذلك، تجد الحكومة السودانية نفسها في موقف محبِط جراء حصول أعدائها على التمكين من خلال فريق خارجي لا تمتلك سيطرة كبيرة عليه – وهو فريق غير مبالٍ بالسياسة الإقليمية، إنما يمكن أن يتسبب باشتعال فتيل نزاع داخل السودان في المستقبل. أما في ما يتعلق بليبيا، فقد تبيّن أن التقرير الصادر عن لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة هو بمثابة نداء لليقظة ساهم في زيادة المطالبات برحيل المجموعات المسلحة الأجنبية عن الأراضي الليبية، وفي تسليط الضوء على شعورٍ بانعدام الثقة بأي فريق ليبي يجمعه رابطٌ ما بتلك المجموعات. لكن في حال أجريت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الليبية في موعدها خلال العام الجاري، وأصبح خليفة حفتر رئيس البلاد، فإن روابطه مع هذه القوى ستؤدّي حكماً إلى تدهور شديد في العلاقات السودانية-الليبية.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنجليزية

توماس هاوز وارد طالب ماجستير في جامعة إكستر، ومحرر شؤون الشرق الأوسط لدى KettleMag. لمتابعته عبر تويتر: thowesward@

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.