تندرج محاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والمجموعات الجهادية في المناطق الواقعة جنوب اليمن، في إطار شؤون الأمن القومي بالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة. غير أن عمليات مكافحة الإرهاب التي تنفّذها الإمارات لا تقتصر حصراً على أمن قواتها في اليمن – حيث تنتشر القوات الخاصة التابعة للحرس الرئاسي الإماراتي منذ أيار/مايو 2015 – بل تشتمل أيضاً، وبصورة مطردة، على استراتيجيتها الهادفة إلى زيادة تأثيرها الجيوسياسي في القرن الأفريقي والمحيط الهندي، بما في ذلك حماية محطات الطاقة والبنى التحتية البحرية. اللافت أنه منذ مطلع العام 2018، تحوّلت حماية هذه البنى التحتية والأصول إلى مصلحة قومية أساسية بالنسبة إلى الإمارات، نظراً إلى تدخلها المتزايد في المناطق الواقعة جنوب اليمن على المستويَين العسكري والسياسي كما في مجال إعادة الإعمار.
لقد حققت الإمارات سلسلة نجاحات في مواجهة المجموعات الجهادية في اليمن خلال الأعوام القليلة الماضية. في البداية، ركّزت عمليات مكافحة الإرهاب بقيادة الإمارات على المدن الساحلية. وفي العام 2016، نجحت الهجمات الجوية والتدخلات البرية التي نفّذتها القوات اليمنية بدعم من الإمارات، في استعادة السيطرة على مديريات التواهي وصيرة وخور مكسر والمنصورة والبريقة في محافظة عدن، من قبضة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والتنظيمات التابعة للدولة الإسلامية، على الرغم من أنه لا تزال هناك، وفقاً للتقارير، جيوب للمقاومة والنشاط الجهاديَّين. في نيسان/أبريل 2016، دخلت ميليشيات يمنية مدعومة من الإمارات مدينة المكلا المرفئية حيث الميناء الذي يشهد الحركة الأكبر في شرق اليمن، بدعمٍ من القوات الخاصة الإماراتية والاستخبارات والقوات البحرية والجوية الأميركية (وربما أيضاً من بعض القوات الخاصة الأميركية). وقد أفضى هذا المجهود إلى طرد تنظيم القاعدة من مدينة المكلا – بعدما حكمها لمدة عام تحت اسم "أبناء حضرموت" بعد قيامه باستيعاب بعض القبائل المحلية وتطبيق نمط جديد في الحوكمة موجَّه نحو المجتمع المحلي – من دون وقوع مواجهات مباشرة. في ذلك الوقت، بدأت الإمارات أيضاً بتنفيذ عمليات صغيرة النطاق في شرق عدن وغرب المكلا لحماية المدينتَين والحؤول دون صعود تنظيم القاعدة من جديد هناك، وذلك عبر قطع روابط البنى التحتية بين عدن والمكلا من جهة والداخل اليمني من جهة أخرى.
واصلت الإمارات معركتها ضد التنظيمات الجهادية في اليمن، لا سيما تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي استخدم اطّلاعه القوي على الديناميكيات المحلية والقبلية لاستغلال استياء سكّان الأطراف من المؤسسات المركزية، الأمر الذي حال دون توسّع الدولة الإسلامية في البلاد. في آب/أغسطس 2017، ساهمت الإمارات، في خطوة لافتة، في استعادة السيطرة على مدينتَي عزان وعتق اللتين كانتا تشكّلان معقلاً لتنظيم القاعدة في محافظة شبوة.
بيد أن العام 2018 انطبع بتحوّل تكتيكي في جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها الإمارات في اليمن. ففي مطلع العام، قامت القوات الإماراتية بالتخطيط ونفّذت ثلاث عمليات برية بالتوازي ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، مع التركيز على معاقله الريفية الداخلية في محافظات حضرموت وشبوة وأبيَن التي يسهل التسلل إليها، والتي يستخدمها الجهاديون لتدريب المجنّدين والتخطيط للهجمات. يكشف هذا التغيير النقاب عن البعد الاستراتيجي الجديد للانخراط الإماراتي: فإحكام السيطرة على مساحات من الأراضي تقع حول المدن والبنى التحتية وموارد الطاقة المهمة يُظهر أن الجيش الإماراتي ملتزم بمحاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في المدى الطويل من أجل حماية المصالح القومية الناشئة لبلاده في جنوب اليمن.
اعتباراً من 16 شباط/فبراير 2018، انتقلت قوات النخبة الحضرمية من المكلا إلى وادي المسيني، غرب المكلا، في إطار عملية الفيصل بإسناد من الإمارات. كان الهدف من العملية بسط الأمن عند حدود حضرموت مع محافظة شبوة حيث تقع محطة بلحاف – وهي المحطة الوحيدة للغاز الطبيعي المسال في اليمن، وتتولّى تشغيلها شركة "توتال" الفرنسية. إشارة إلى أن محطة بلحاف كانت قد أوقفت التصدير في العام 2015 لدواعٍ أمنية: فبعد الانقلاب الذي نفّذه الحوثيون في كانون الثاني/يناير 2015، سيطرت قبائل محلية، بعضها متحالف مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، على المنطقة لرفع التحدّي في وجه الحكومة المركزية. وقد عمد جنود إماراتيون إلى تدريب قوات النخبة الحضرمية وتجهيزها، لا سيما لحماية البنى التحتية الأساسية في قطاع الطاقة في بلحاف، والتي تخضع حالياً لسيطرة الإمارات بحكم الأمر الواقع.
كما دعمت الإمارات، في أواخر شباط/فبراير 2018، قوات النخبة الشبوانية ضد تنظيم القاعدة في عملية "السيف الحاسم"، مستخدمةً المكلا قاعدةً لاستعادة السيطرة على مديرية الصعيد (وادي يشبم) في محافظة شبوة. لقد استخدم تنظيم القاعدة هذا الموقع – الذي كان معقلاً للقيادي النافذ في التنظيم، أنور العولقي، قبل مقتله في العام 2011 في هجوم بطائرة أميركية من دون طيّار – لإخفاء الجهاديين وتدريبهم. ومن 7 إلى 11 آذار/مارس، دعمت الإمارات قوات الحزام الأمني (المعروفة أيضاً بلواء الحزام) في عملية "السيل الجارف" التي استخدمت عدن قاعدةً للسيطرة على وادي حمرة والمحفد في محافظة أبين. تشكّل المنطقة الواقعة شمال أبين تقاطعاً يربط بين محافظتَي عدن وحضرموت الخاضعتَين للتأثير الإماراتي، كما أنها تؤمّن الوصول إلى محافظة البيضاء التي تسلّل إليها العدد الأكبر من الجهاديين بين المحافظات الواقعة وسط البلاد.
لم يكن الهدف من هذه العمليات المتوازية منع الجهاديين من الفرار إلى مناطق مختلفة وحسب، إنما أيضاً إقامة منظومة جديدة في الأمن والحوكمة، تقودها الإمارات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. تؤمّن هذه المنظومة الترابط بين المدن المرفئية الكبرى، عدن والمكلا والمخا وبئر علي (التي يتولى الإماراتيون إدارة موانئها في الوقت الراهن)، وكذلك بين محطة بلحاف للغاز وبين حقول النفط في المسيلة في محافظة حضرموت ومحطة التصدير في الشحر، مع العلم بأن حقول النفط ومحطة التصدير تخضع الآن لسيطرة الإماراتيين بحكم الأمر الواقع.
خلال التدخل العسكري المستمر منذ بضعة أعوام بقيادة السعودية، اعتمدت الرياض وأبو ظبي تقاسماً تكتيكياً للمهام في اليمن: لقد تدخّل السعوديون في شكل أساسي في الشمال، حيث حاربوا الحوثيين عبر شنّ هجمات جوية، في حين ركّز الإماراتيون على قيادة العمليات البرية في الجنوب. فحصلت الإمارات على نفوذ معزَّز في المناطق الواقعة جنوب اليمن من خلال الوجود العسكري المباشر والميليشيات الوكيلة – مثل قوات الحزام الأمني التي تخضع لسلطة وزارة الداخلية، وقوات النخبة الشبوانية والحضرمية التي دُمِجت رسمياً في الجيش اليمني. كذلك تساهم السيطرة على البنى التحتية في قطاع الطاقة في بلحاف، والبنى التحتية النفطية في المسيلة، والموانئ التجارية مثل الشحر وعدن والمكلا، في تعزيز النفوذ الإماراتي في جنوب اليمن. فضلاً عن ذلك، تحتفظ الإمارات بشبكات من المحسوبيات مؤلّفة من سلفيين محليين (مثل ألوية العمالقة وكتائب أبو العباس في تعز)، ومن متعاطفين مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة، ومجموعات انفصالية في الجنوب.
كذلك تُعتبَر حماية جنوب اليمن من الجهاديين عاملاً محورياً في الاستراتيجية البحرية للإمارات. فالسياسة الخارجية التي تعتمدها أبو ظبي راهناً، والتي كثيراً ما تجمع بين الأهداف العسكرية والتجارية المتداخلة، تتركّز جغرافياً في جنوب اليمن الذي يمكن أن تنطلق منه الإمارات لممارسة نفوذها في الخليج وأفريقيا وآسيا. أولاً، تعمل الإمارات على تشجيع استخدام طرقات شحن بديلة ومكمِّلة لطرقاتها الرئيسة انطلاقاً من ميناء جبل علي في دبي، في حال تعطّلت حركة النقل عبر مضيق هرمز أو أصيبت بخلل ما. كما يساهم ذلك في الحد من المشكلة التي تلوح في الأفق جراء "تخمة المرافئ" في شمال الخليج، حيث هناك خطر حدوث فائض في الطاقة الاستيعابية جراء وفرة المرافئ الأساسية الراهنة (التي تشمل الدمام، والشويخ، والشعيبة، ومبارك الكبير، وخليفة بن سلمان، وميناء حمد، وميناء خليفة، وميناء الإمام الخميني، وبوشهر، وعسلوية، والشهيد رجائي)، وكذلك بسبب التوسيع المزمع إجراؤه لمرفئَي الدقم وصلالة في سلطنة عمان. من شأن السيطرة على الموانئ في جنوب اليمن – لا سيما إذا بدأت مجموعة موانئ دبي العالمية بتشغيل المرافئ الواقعة جنوب اليمن – أن تدعم المجهود الإماراتي لفتح خطوط شحن جديدة والاستحواذ على حصص سوقية جديدة في التجارة البحرية.
ثانياً، بنت الإمارات مؤخراً قواعد عسكرية في القرن الأفريقي – افتتحت قاعدة عصب العسكرية في إريتريا في العام 2016، وبدأت العمل على قاعدة البربرة في جمهورية أرض الصومال في شباط/فبراير 2017 – وتعمل بنجاح على تطبيق استراتيجية للسيطرة على "سلسلة من الموانئ"، بالتعاون مع السعودية، بغية احتواء النفوذ الإيراني في شرق أفريقيا والمحيط الهندي. لقد فازت مجموعة موانئ دبي العالمية بتلزيمات لتشغيل موانئ تجارية وتحديثها في المنطقة، وأعادت مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان بناء ميناء حولاف في محافظة سقطرى. وقد حُوِّلت بعض هذه الموانئ التجارية، مثل بربرة، إلى مواقع بحرية إماراتية. تحتاج الإمارات، على ضوء مصالحها التجارية والعسكرية المشتركة في القرن الأفريقي، إلى منع الشبكات الجهادية من النمو في هذه المنطقة الفرعية المتكافلة، مع تنامي هجمات القراصنة على طول الساحل الصومالي وفي خليج عدن. وهكذا فإن ممارسة تأثير في جنوب اليمن يمنح الإمارات تفوّقاً على إيران وتركيا وقطر والسعودية في إطار المنافسة بينها لفرض نفوذها غرب المحيط الهندي.
ثالثاً، تشكّل المناطق الواقعة جنوب اليمن المنصة الفضلى بالنسبة إلى الإمارات لتعزيز سياستها القائمة على "الاستدارة نحو الشرق"، وفق ما تُظهره الشراكة الشاملة التي وقّعتها مع الهند في كانون الثاني/يناير 2017 لزيادة التعاون المالي وفي مجال الطاقة. على سبيل المثال، قبل العام 2015، كانت محطة بلحاف للغاز الطبيعي المسال تُصدّر معظم إنتاجها من الغاز إلى آسيا؛ والصين هي من أبرز مستوردي النفط اليمني.
على ضوء هذه المصالح الراسخة، تستمر الإمارات في استخدام قواتها الخاصة في عمليات مكافحة الإرهاب على الرغم من تحقيقها انتصارات مهمة على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. لكن يمكن أن ترتدّ هذه المقاربة بنتائج عكسية أيضاً: فقد ارتفع عدد الهجمات ضد القوات المدعومة من الإمارات من 25 في المئة من مجموع هجمات تنظيم القاعدة في النصف الأول من العام 2017 إلى 51 في المئة في النصف الثاني من العام 2017، مع لجوئه بصورة مطردة إلى استهداف الإمارات في حملاته الدعائية عبر الإنترنت والوسائل المطبوعة، عن طريق اتهامها بمحاربة "الإسلام والمسلمين". كما أن تمكين مجموعات سلفية في مواجهة الإخوان المسلمين المنتمين إلى حزب الإصلاح، والذي أتاح للإمارات ممارسة نفوذها في الداخل اليمني، قد تترتّب عنه في المدى الطويل ارتدادات عكسية في ما يتعلق باحتواء المجموعات الجهادية المتعددة والمترابطة في اليمن: فعدد كبير من السلفيين يدعم أيضاً استقلال الجنوب، وقد يُبدون استياءهم من ترسيم حدود المناطق في المستقبل.
تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
إليونورا أردماغني زميلة بحوث معاوِنة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، ومحلّلة في مؤسسة الكلية الدفاعية التابعة للناتو، وفي معهد أسبن-إيطاليا.