المصدر: Getty
مقال

لاتحاد الأوروبي وعملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية في مرحلة ما بعد موغيريني

سيواصل الاتحاد الأوروبي، بقيادة جوزف بوريل الذي عُيِّن مؤخراً ممثلاً أعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، مقاربته السياسية القائمة على رد الفعل في التعاطي مع عملية السلام في الشرق الأوسط.

 غرايس ورمنبول
نشرت في ٣ أكتوبر ٢٠١٩

من شأن وزير الخارجية الإسباني جوزف بوريل الذي سيحل مكان فيديريكا موغيريني في منصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، أن يتسبب بمزيد من التدهور في العلاقات المتشنّجة أصلاً مع إسرائيل. فموقف بوريل الذي يُعتبَر داعِماً للفلسطينيين ومناهضاً لإسرائيل سوف يُعزّز النظرة الإسرائيلية التي ترى في الاتحاد الأوروبي وسيطاً منحازاً، فيما يساهم في الإبقاء على دور الولايات المتحدة الذي يجعل منها الوسيط المفضّل بالنسبة إلى إسرائيل في عملية السلام في الشرق الأوسط. وفضلاً عن ذلك، غالب الظن أن التحديات التي تطرحها صناعة القرار في السياسة الخارجية داخل الاتحاد الأوروبي سوف تُعطّل قدرة بوريل على تحقيق الوحدة بين أعضائه والتحرّك في المسألة الإسرائيلية-الفلسطينية، وهكذا يبقى الاتحاد الأوروبي مجرد جهة تدفع الأموال بدلاً من أن يكون لاعباً أساسياً.

وقد لقي تعيين بوريل معارضة شديدة في إسرائيل. وفي هذا الإطار، أوردت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن المسؤولين يراقبون بحذر انتقال الدفة من يد إلى أخرى في الاتحاد الأوروبي. ولفت صحافيٌّ بارز، في الصحيفة نفسها، إلى أن "أوروبا [كشفت عن] ألوانها" من خلال تعيين بوريل. كانت إسرائيل تتطلع، بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية، إلى حدوث تبدُّل في السياسة الخارجية الأوروبية نحو اليمين ونحو اعتماد موقف أكثر دعماً لها في العلن، مثلما جرى في النمسا والمجر في الأعوام الأخيرة. غير أن بوريل، وهو اشتراكي كتالوني، يُعتبَر ناقداً لاذعاً لإسرائيل. وفي أعقاب تعيينه، سلّطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على دعمه للفلسطينيين خلال تولّيه حقيبة وزارة الخارجية في بلاده، والذي تجلّى بصورة خاصة من خلال اعتراف إسبانيا أحادياً بدولةٍ فلسطينية، وانتقاداته العلنية للتحركات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وسوف يرث بوريل علاقة متشنّجة أصلاً بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. فموغيريني لم تتوجه إلى إسرائيل في زيارة عمل منذ عام 2014، أي بعيد انطلاق ولايتها التي استمرت خمس سنوات. لم تكن موغيريني، التي يُنظَر إليها بأنها نصيرة للفلسطينيين ومدافِعة عن الاتفاق النووي الإيراني، محبوبة في القدس. والقرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بوَسم المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في عام 2015 دفعَ برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تعليق المشاركة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي في جهود السلام مع الفلسطينيين من أجل إجراء "إعادة تقييم". وفي حين بُذِلت محاولات لوضع العلاقات الثنائية "على المسار الصحيح من جديد"، وفقاً لتعبير نتنياهو، لا تزال العلاقات الأوروبية-الإسرائيلية متصدّعة. وقد تعثّرت الجهود التي هدفت إلى إعادة العمل بمجلس الشراكة الأوروبي–الإسرائيلي في عام 2016، وهو عبارة عن حوار سياسي سنوي على مستوى وزاري. وبحسب الاتحاد الأوروبي، المجلس دليلٌ على "الأهمية التي يوليها الاتحاد الأوروبي لعلاقاته مع دولة إسرائيل". ولكنه لم يتمكّن من الانعقاد منذ عام 2012، على الرغم من أن إطاره القانوني يستوجب اجتماع المجلس مرة في السنة للنظر في العلاقات بين الطرفَين.

تسعى أوروبا، على امتداد العقود الأربعة الماضية، إلى استنباط طرق لدفع عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية قدماً. وعلى سبيل المثال، دعا الاتحاد الأوروبي، في استراتيجيته العالمية لعام 2017، إلى إقامة تعاون وثيق "مع اللجنة الرباعية وجامعة الدول العربية وجميع الأفرقاء المعنيين الأساسيين حفاظاً على آفاق التوصل إلى حل قابل للحياة قوامه إنشاء دولتين". وقد عبّر الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً عن قلقه من الأوضاع في الشرق الأوسط والتحركات السجالية للأفرقاء المعنيين. وهكذا، في أعقاب إقرار إسرائيل قانون الدولة القومية المثير للجدل في تموز/يوليو 2018، الذي ينص على أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، أدان الاتحاد الأوروبي القانون وأعلن عن دعمه لحل الدولتين. ومؤخراً، إزاء اعتراف الإدارة الأميركية بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، أعاد الاتحاد الأوروبي تأكيد التزامه بقرارَي مجلس الأمن 242 و497 اللذين يُبطلان فعلياً مطالب إسرائيل بالسيادة على الأراضي التي احتلتها في الحرب.

وقد اكتفى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الدعم المالي المستمر الذي يُقدّمه للسلطة الفلسطينية وتعاونه الاقتصادي العميق مع إسرائيل، بأداء دور ثانوي في تسوية النزاع. ففي حين يُعبّر الاتحاد الأوروبي عن مظهر من مظاهر الإجماع السياسي القائم على رد الفعل، يعجز عن المساهمة استباقياً في إنعاش عملية السلام. والمحاولة الأخيرة التي بذلها لإعادة إحياء عملية حل الدولتَين – وقادتها باريس على نحو أساسي – كان مصيرها الفشل في 2016-2017 لجملة أسباب منها الرفض الإسرائيلي للمبادرة. هذا فضلاً عن أن العوائق الداخلية حالت أيضاً دون تقديم الاتحاد الأوروبي مساهمة أكثر نشاطاً في تحفيز عملية السلام في الشرق الأوسط وكذلك دون مشاركته فيها بفاعلية أكبر. وتشمل هذه العقبات المعوّقات التشريعية والمعوّقات المؤسسية الداخلية، والاختلافات الأيديولوجية بين الدول الأعضاء، والانقسام داخل الاتحاد والذي ساهم استفتاء بريكسيت في تأجيجه، وصعود اليمين المتشدد على الساحة السياسية.

وإلى جانب طبيعة عملية صناعة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تتسبب الأجندات السياسية والأيديولوجية المتباينة في الحد من فاعلية صناعة القرار داخل المؤسسات. وهذا التعارُض في الأهداف ينبثق عن الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، ويؤثّر فيه أيضاً. وقد حافظت دول أوروبا الغربية، على غرار فرنسا وألمانيا، على التزامها بمواقف الاتحاد الأوروبي وتسعى إلى الإبقاء على حل الدولتَين. أما الدول الواقعة في أوروبا الشرقية فتبدي دعماً أكبر لإسرائيل لأسباب أيديولوجية وجيوسياسية. وتشمل هذه المجموعة أعضاء حلف فيشغراد الذي يضم أربع دول من أوروبا الشرقية والوسطى هي بولندا والمجر والجمهورية التشيكية وسلوفاكيا. واصطفاف مواقف هذه الحكومات في أوروبا الشرقية والوسطى إلى جانب مواقف الحكومة الإسرائيلية مردّه في جزءٍ منه إلى صعود أحزاب وسياسات اليمين المتطرف. فقد شكّلت مواقف نتنياهو غير الليبرالية وآراؤه المناهضة للمسلمين وأسلوبه القيادي نموذجاً جاذباً للقادة اليمينيين في أوروبا على غرار رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

وطرحت شركات اللوبي الإسرائيلية أيضاً تحدياً أمام تطبيق سياسة خارجية موحّدة في الاتحاد الأوروبي. فقد ركّزت الجهود التي بذلتها هذه الشركات على تعزيز علاقات إسرائيل مع دول أوروبا الشرقية والوسطى وتوطيدها بهدف تغيير موقف الاتحاد الأوروبي غير الداعِم لإسرائيل. وهذه الأهداف ليست خافية على أحد. فقد أبدى نتنياهو، قبيل زيارته دول البلطيق في صيف 2018، اهتمامه بـ"إرساء توازن في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، من أجل الحصول على معاملة أكثر نزاهة وصدقية". وكذلك، عبّر نتنياهو، خلال زيارة رئيسة الوزراء الرومانية فيوريكا دانسيلا إلى بلاده في كانون الثاني/يناير 2019، عن أمله بأن تبادر رومانيا إلى "[...] التحرك لوقف القرارات السيئة التي يُصدرها الاتحاد الأوروبي ضد إسرائيل، وبالطبع من أجل نقل سفارتكم وسائر السفارات إلى القدس".

وقد بدأت المساعي الإسرائيلية تعود بثمارها. ففي أيار/مايو 2018، نجحت المجر والجمهورية التشيكية ورومانيا، بالتنسيق مع إسرائيل، في منع صدور بيان مشترك عن الاتحاد الأوروبي لإدانة نقل السفارة الأميركية إلى القدس الذي تمّ في 14 أيار/مايو 2018 تزامناً مع الذكرى السبعين لتأسيس إسرائيل. وكذلك سلّط اعتراف الإدارة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل في كانون الأول/ديسمبر 2017، الضوء على غياب الإجماع في الاتحاد الأوروبي بشأن مسائل السياسة الخارجية المتعلقة بإسرائيل وفلسطين. ففي حين لم يصوّت أيٌّ من الدول الأعضاء في الاتحاد ضد القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2017 ودعت فيه واشنطن إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، امتنعت ست دول في أوروبا الشرقية عن التصويت بعد تلقّيها تهديدات من المبعوثة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي التي حذّرت تلك الدول من أن الولايات المتحدة "ستتذكر جيداً [التصويت] عندما تقصدنا بلدانٌ كثيرة، وهذا ما يحصل غالباً، كي ندفع لها مزيداً من الأموال ونستخدم نفوذنا تحقيقاً لمصالحها". وعلاوةً على ذلك، افتتحت المجر مكتباً تجارياً في القدس ذا مكانة دبلوماسية في آذار/مارس 2019. وكان هذا القرار بمثابة تحدٍّ للمذكرة الداخلية التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي في الشهر نفسه ودعت الدول الأعضاء إلى "مواصلة احترام الإجماع الدولي بشأن القدس".

تمكّن "الإجماع الهش للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي"، حتى تاريخه، من الصمود، على الرغم من التكهنات بأن الجمهورية التشيكية ورومانيا قد تعمدان إلى نقل سفارتَيهما إلى القدس. وفي الفترة المقبلة، غالب الظن أن رغبة بوريل في تعزيز نفوذ الاتحاد الأوروبي ستؤدّي إلى تبنّي مواقف أكثر تصلباً في مواجهة التحديات للمعايير المعترَف بها دولياً، بما في ذلك من جانب الولايات المتحدة. ولكن على ضوء الخلافات الراهنة بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن – التي تتمحور حول جملة أمور منها حملة الضغوط القصوى التي يمارسها ترامب على إيران، والتغير المناخي، والعجوزات التجارية، والإنفاق الدفاعي في حلف شمال الأطلسي (الناتو) – سوف يجد بوريل نفسه مضطراً إلى التفكير ملياً في أولويات السياسة الخارجية. وفيما يُركّز الاتحاد الأوروبي على مأزق بريكسيت والتعاون الداخلي، غالب الظن أنه سيظل يكتفي بالموقف القائم على رد الفعل والتحرك الدبلوماسي خلف الكواليس.

غرايس ورمنبول باحثة متخصصة في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. حائزة على دكتوراه وماجستير من كلية سانت أنطوني في جامعة أكسفورد

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.