لطالما اتبعت سلطنة عمان استراتيجية قائمة على الحفاظ على علاقات دبلوماسية مع بلدان الشرق الأوسط خلال مراحل العزل النسبي التي تمرّ بها تلك البلدان. فمنذ ارتقاء السلطان قابوس إلى العرش في عام 1970، لم تقطع مسقط علاقاتها الدبلوماسية مع أي بلد في العالم. وهذا يندرج في إطار الأعراف والشخصية الوطنية العمانية التي تُركّز على الحاجة إلى الحفاظ على حوار سليم وعلاقات دبلوماسية مع جميع الحكومات. تعكس هذه السياسة الخارجية حياد سلطنة عمان وبراغماتيتها على الساحة الدولية، وكذلك الإدراك بأن السلطنة قادرة على تحقيق مصالحها الأمنية بأفضل الطرق دون التعدّي على سيادة الدول الأخرى. ومن الأمثلة البارزة على ذلك علاقة مسقط المستمرة بالدولة السورية.
منذ اندلاع الأزمة السورية قبل نحو عقد من الزمن، سلطنة عمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تَقم عمليًا بأي تحرك دبلوماسي ضد دمشق. ولم يكن رفض مسقط الانضمام إلى البلدان الأخرى في جهودها الرامية إلى تغيير النظام في دمشق، أمرًا مفاجئًا نظرًا إلى التقاليد والأعراف التي درجت عليها عُمان في سياستها الخارجية. فالسلطنة لم تعمل على إطاحة النظام السوري، بل استخدمت حيادها من أجل دفع الأفرقاء المختلفين نحو التوصل إلى تسوية دبلوماسية في محاولة ترمي إلى وضع حد لحمام الدماء. والآن بعدما انتصر نظام بشار الأسد بصورة أساسية في الحرب الأهلية، تسعى عُمان، إضافةً إلى روسيا والإمارات العربية المتحدة، إلى أداء دور أكبر في مساعدة سوريا على الاندماج من جديد في الحظيرة الدبلوماسية العربية الأوسع، وإعادة إعمار بناها التحتية المتداعية. ولكن القيام بذلك فيما تفرض الولايات المتحدة عقوبات قاسية على سوريا، يُرتِّب على مسقط إرساء توازن حذر بين جهودها الرامية إلى كسب نفوذ في دمشق وبين روابطها القوية مع واشنطن.
منذ اندلاع النزاع السوري، كانت مسقط واضحة بأن كل ما تريده هو الاضطلاع بأدوار إنسانية ودبلوماسية في سوريا، لا إرسال الأسلحة والدعم المادي إلى الفصائل المناهضة للنظام، مثلما فعلت قطر والسعودية. لقد بنت الدوحة والرياض موقفهما المناهض لنظام الأسد على أسس أخلاقية مع توجيه إدانة شديدة لجرائم النظام السوري، في حين سعت السياسة الخارجية العُمانية في مرحلة ما بعد 1970 إلى تجنّب الأفعال أو الأقوال التي يمكن النظر إليها بأنها تُشكّل تدخلًا في الشؤون الداخلية لبلدٍ آخر. يقول دبلوماسيون عمانيون في واشنطن إن "رؤية السلطنة في ما يتعلق بإيجاد حل للأزمة السورية نابعة من الحاجة إلى وضع حد لحمام الدماء والنزاع المسلّح، ولا تألو السلطنة جهدًا للمساهمة في هذا المجال في مختلف المحافل في سبيل تحقيق السلام في سورية وإنهاء معاناة الشعب السوري".1
فيما يسعي عدد متزايد من الدول العربية، بما في ذلك البحرين والإمارات، على إعادة تطبيع علاقاته مع سوريا، تعتبر عُمان أن هذا الاتجاه نحو القبول بشرعية النظام السوري هو بمثابة صك تبرئة لها في حفاظها على علاقاتها مع دمشق.
لقد سعى السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، منذ تسلّمه السلطة في كانون الثاني/يناير 2020، إلى الحفاظ على المقاربة نفسها في التعامل مع الملف السوري، وحتى إلى توسيع العلاقات بين البلدَين. في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2020، تسلّم وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم أوراق اعتماد السفير العماني في سوريا، تركي بن محمود البوسعيدي، فأصبحت السلطنة أول دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي تُعيّن سفيرًا لها من جديد في سوريا منذ عام 2011. وفي هذا الإطار، تعتبر مسقط أن هذه الخطوة تساهم في تعزيز قدرتها على أداء دور أكبر في موقع الجسر الدبلوماسي والفريق الفاعل في مجال العمل الإنساني في البلاد التي ترزح تحت وطأة الحرب. وبما أن النظام يخرج منتصرًا من الحرب الأهلية السورية، يسعى العمانيون عمليًا خلف تحقيق مصالحهم في سوريا استنادًا إلى القبول بأن التعامل مع النظام في دمشق ضروريٌ من أجل الانخراط في علاقات مجدية مع البلاد.
يشرح مسؤولون عمانيون أن السلطنة ترمي إلى "تحقيق السلام والاستقرار في سوريا وإفساح المجال أمام تواصل مباشر ومثمر ومفيد مع الأفرقاء، ثم مع المنطقة ككل، نظرًا إلى أن السلام يعود بالفائدة على المنطقة في نهاية المطاف".2 تعتبر القيادة العمانية أن إعادة إرساء الاستقرار في سوريا تتطلب الحفاظ على علاقة مثمرة مع النظام في دمشق، حتى لو لم يكن هذا الموقف يلقى أصداء جيّدة لدى واشنطن. وقد أجمع المسؤولون العمانيون على أنه "لا يمكن إعادة إعمار سوريا على نحوٍ فعّال دون التوصل إلى حل سلمي للأزمة. لا شك في أن السلطنة سوف تؤدّي دورًا في إعادة إعمار سوريا مع المجتمع الدولي عند عودة السلام والاستقرار إلى البلاد".3
تستشرف دمشق أيضًا فوائد من استخدام عمان بمثابة شريك دبلوماسي محتمل وجسر عبور إلى الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي. لقد زار المعلم سلطنة عمان في آب/أغسطس 2015، وكانت هذه زيارته الأولى إلى دولة خليجية عربية منذ عام 2011، وذلك في إطار مجهود واضح للاستعانة بالدبلوماسية العمانية من أجل إنهاء النزاع في البلاد. وعلى الرغم من أن التدخل العسكري الروسي الذي بدأ في أيلول/سبتمبر 2015 ساهم إلى حد كبير في تعزيز موقع النظام السوري، سلّطت زيارة المعلم الضوء على نظرة دمشق إلى السلطنة التي ترى فيها قناة خلفية موثوقًا بها بين النظام وأعدائه.
وربما تترقّب دمشق أيضًا تحقيق منافع اقتصادية من خلال الشراكة الدبلوماسية مع سلطنة عُمان التي يمكن أن تؤدّي دور القناة الخلفية التي تربط بين دمشق ودول مجلس التعاون الخليجي. ففيما يفتقر الحليفان الرئيسان، أي روسيا وإيران، إلى الموارد المالية اللازمة في الوقت الراهن لمساعدة سوريا في عملية إعادة الأعمار، ترى دمشق أن الدول الخليجية الثريّة، مثل الإمارات والسعودية، تمتلك الموارد الضرورية للاستثمار في إعادة إعمار البلاد.
وما تقوم به عُمان من تعزيز نشاطها في سورية ليس مؤشرًا فقط على مصالحها هناك، والمتمثِّلة بالفرص الاستثمارية التي تتيح للسلطنة تأكيد نفوذها من خلال القوة الناعمة عن طريق أدائها دور الجسر الدبلوماسي في منطقة شديدة الاستقطاب، بل هو أيضًا مؤشّر على مجموعة الشراكات الأوسع التي تُقيمها السلطنة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. ترتدي علاقات مسقط المهمة مع روسيا وإيران والإمارات، وجميعها ترحّب باضطلاع عمان بدور في سوريا، أهمية في ما يتعلق بموقف هذا البلد العربي من الملف السوري. فسلطنة عمان هي الدولة الأكثر تأثّرًا في مجلس التعاون الخليجي بالمصالح الأمنية والجيوسياسية الإيرانية، ولذلك فإن دعمها المتزايد للنظام في دمشق يجب أن يُفهَم، جزئيًا على الأقل، في سياق علاقتها المميزة مع طهران، ما يساهم في جعل السلطنة قوة توازن في الشرق الأوسط. لطالما حافظت عمان، لأسباب عدّة منها الدعم العسكري الذي قدّمته لها إيران في عهد الشاه خلال ثورة ظفار في السبعينيات، وحياد مسقط في الحرب الإيرانية-العراقية في الثمانينيات، على سياسة خارجية مستقلة حيال إيران، وغالبًا ما تمايزت هذه السياسة عن المواقف الأكثر معاداة لإيران التي تصدر عن السعودية وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي.
ولكن خطوات عمان الدبلوماسية في سوريا قد تثير الحذر في واشنطن. فقانون قيصر الأميركي لحماية المدنيين في سوريا قد يُشكّل تحدّيًا للسلطنة فيما تسعى إلى المساعدة في إعادة الإعمار والتطوير في سوريا. تنص فقرات في قانون قيصر على فرض عقوبات على الكيانات التي تنتفع من النزاع السوري من خلال المشاركة في أنشطة إعادة الإعمار في البلاد. تطال هذه العقوبات جميع الأفرقاء الذين يتعاملون مع النظام السوري أو مع أي قطاع من قطاعات الاقتصاد السوري حيث للنظام تأثيرٌ كبير. بهذا المعنى، غالب الظن أن عُمان، شأنها في ذلك شأن الإمارات وبلدان أخرى تعمل على استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، سوف تقيس خطواتها بحذر في سوريا تجنّبًا لانتهاك بنود العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر.
بالنظر إلى الأمام، وفي حين أن معظم الحكومات الغربية ليست جاهزة للانخراط دبلوماسيًا مع سوريا بصورة مباشرة (أو من خلال موسكو أو طهران)، بإمكان سلطنة عمان أن تستمر في أداء دور الوسيط الذي يسهّل التواصل بين سوريا والغرب. وبما أن السلطنة لا تحمل أعباء كثيرة في علاقاتها الخارجية، من شأن تأثيرها المتنامي في سوريا أن يجعل منها لاعبًا دبلوماسيًا ذا أهمية متزايدة في عملية إعادة دمج دمشق في العالم العربي والمجتمع الدولي.
بريت سودتيك مستشار لدى المجموعة الاستشارية Gulf State Analytics المتخصصة بالمخاطر الجيوسياسية ومقرّها واشنطن. لمتابعته عبر تويتر @GulfStateAnalyt.
جيورجيو كافييرو هو الرئيس التنفيذي للمجموعة الاستشارية Gulf State Analytics. لمتابعته عبر تويتر @GiorgioCafiero.
1 دبلوماسيون عمانيون في واشنطن، مقابلة مع الكاتبَين، 22 تشرين الأول/أكتوبر 2020.
2 المرجع نفسه.
3 المرجع نفسه.