المصدر: Getty
مقال

الانتخابات الفلسطينية: تشظي فتحاوي وترقب حمساوي

تبرز استعدادات الانتخابات العامة الفلسطينية انقسامات في حركة فتح وتعدد في قوائمها الانتخابية، وتذكي مخاوف حركة حماس خشية تأجيل الانتخابات أو تزوير نتائجها.

 عدنان أبو عامر
نشرت في ٢٤ مارس ٢٠٢١

في الوقت الذي بدأ فيه العد التنازلي للانتخابات الفلسطينية بمراحلها الثلاث: التشريعية في مايو، والرئاسية في يوليو، والمجلس الوطني في آب، فإن التنافس بلغ ذروته بين حركتي فتح وحماس، وفيما تبدو حماس في حالة تماسك تنظيمي داخلي، فإن فتح تشهد انشقاقات وانقسامات كبيرة وخطيرة، قد تصب في مصلحة حماس الانتخابية، وتعيد ذات السيناريو في انتخابات 2006، حين استفادت حماس من وجود عدة قوائم انتخابية لحركة فتح.

اليوم يزداد المشهد الانتخابي الفلسطيني قسوة على فتح لأنها تقود السلطة الفلسطينية، وتظهر مؤشرات على عدم وجود إجماع فتحاوي خلف الرئيس محمود عباس، لترشحه للانتخابات الرئاسية، مع ظهور نوايا متزايدة من قبل قادة فتحاويين لمنافسته مثل مروان البرغوثي المتعقل في السجون الإسرائيلية، ومحمد دحلان المقيم في الإمارات العربية المتحدة.

الانقسامات الفتحاوية

رغم أن أحد أهم الأسباب التي أدت لهزيمة فتح القاسية في الانتخابات التشريعية في يناير 2006، تمثلت في الانقسامات المتعددة، ودخول الحركة للانتخابات من خلال عدة قوائم انتخابية متنافسة، وكان يتوقع أن تستفيد الحركة من هذا الخطأ الكارثي الجسيم الذي تسبب بفقدانها الأغلبية البرلمانية، لكن المعطيات الميدانية والتطورات السياسية قالت غير ذلك. فمنذ إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسومه الرئاسي في أواسط يناير/ كانون الثاني 2021 بشأن تحديد مواعيد الانتخابات المقبلة، باتت حركة فتح، العمود الفقري للسلطة الفلسطينية، تشهد حالة من الاستقطابات الحادة، والتجاذبات الداخلية، رأسياً وأفقياً، ولم يعد الأمر محصورا في الغرف المغلقة والاجتماعات السرية التنظيمية، بل أخذ طريقه إلى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

تواجه حركة فتح عدة مشكلات في ظل استعدادها للانتخابات المقبلة، من أهمها تعدد القوائم الانتخابية، حيث أجمعت اللجنة المركزية لحركة فتح، وهي أعلى سلطة تنظيمية فيها، على تشكيل قائمة مصادق عليها من قبل الرئيس، وهي لا تزال في مرحلة التبلور حتى الآن، ومن المتوقع أن تتشكل من الكوادر والقادة الذين يحظون برضا الرئيس، والانسجام الكامل مع خطه السياسي .  يقود هذا التشكيل محمود العالول وجبريل الرجوب وحسين الشيخ، وهم أعضاء اللجنة المركزية الأكثر قربا من عباس.

في حين صدرت إعلانات أخرى موازية بتشكيل قوائم جديدة من داخل الحركة، على رأسها عضو اللجنة المركزية ناصر القدوة، وهو وزير الخارجية السابق ورئيس بعثة فلسطين في الأمم المتحدة الأسبق، وابن أخت الرئيس الراحل ياسر عرفات، ويحظى باحترام نخب واسعة من صفوف فتح، والفصائل الأخرى، دون الوصول الى القواعد التنظيمية، وهم العصب الأساسي في صناديق الاقتراع، لكنه أعلن عن تشكيل قائمة جديدة باسم "الملتقى الوطني الديمقراطي الفلسطيني" تضم في بنيتها الأساسية "الغاضبين" من عباس، بجانب المستقلين ونشطاء الفصائل الأخرى.

أما مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية للحركة، والمعتقل في السجون الإسرائيلية لخمسة مؤبدات، فهو يشكل تحدياً قاسياً لقيادة فتح ورئيسها على حد سواء، صحيح انه لا ينتهج خطاً انفصالياً عنها، ولا يعلن تشكيل قائمة انتخابية جديدة باسمها، كما فعل القدوة، لكنه في الوقت ذاته يطالب بأن يكون له حق النقض (الفيتو) على أي مرشح للانتخابات تختاره فتح، بسبب تقديره، الذي يحظى بقبول واسع في فتح، أن معايير الترشيح سوف تعتمد المحاباة والواسطة والمحسوبية وشراء الذمم، وستكون هذه وصفة سحرية لخسارة فتح في الانتخابات. يلتف حول البرغوثي مجموعة من قادة المستوى المتوسط في فتح، ومن أبرزهم: قدورة فارس، وعيسى قراقع، ونبيل عمرو، وحسام خضر، وغيرهم، ممن يتمركزون في الضفة الغربية، ويعتبرون أنفسهم بالأساس "التيار العرفاتي" في فتح، الذي سعى عباس لتغييبه فور وفاة عرفات.

يبقى محمد دحلان، العدو اللدود لعباس، الذي لا يتوانى في تحقيق ما يتاح له من إنجازات على حساب غريمه، لاسيما في حالة التشظي التي تشهدها فتح بين معسكراتها المتصارعة، وبات في الآونة الأخيرة يسعى لتشكيل قائمته الانتخابية الخاصة به تحت اسم "التيار الإصلاحي"، الذي ينتشر في قطاع غزة بصورة لافتة، حيث تسيطر حماس. تبدو الإشارة مهمة إلى موافقة حماس مؤخرا على عودة المئات من كوادر دحلان المقيمين في مصر منذ أحداث الانقسام في 2007، الذي كان له أثر سلبي في مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله، لاعتباره تهيئة الأجواء لدحلان في غزة، لكسب مزيد من الناخبين من خلال توزيعه مساعدات "إماراتية" ، في مسعى انتخابي واضح لاستمالة الغزاويين. يتواجد حول دحلان قادة فتحاويون فصلهم عباس من الحركة، وأطلق عليهم وصف "المتجنحين"، ومن أبرزهم: سفيان أبو زايدة، وماجد أبو شمالة، وأشرف جمعة، وغيرهم ممن يتركزون في قطاع غزة.

الانتخابات الرئاسية

أعلنت فتح أكثر من مرة، عبر عدد من ناطقيها، أن مرشحها الوحيد للانتخابات الرئاسية، وهو الرئيس عباس ، رغم أنه تجاوز النصف الثاني من عقده الثامن، ويعاني أمراضاً مزمنة، ويضطر لزيارة المستشفى بشكل متكرر. مسارعة قادة فتح الموالين لعباس، أثارت استياء لافتاً لدى العديد من قواعد الحركة وقادتها، لأن التمترس خلف عباس بعد أكثر من 16 عاما على انتخابه لأول مرة، يعني أن الحركة عاجزة عن إخراج مرشحين آخرين، رغم أنها تواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة تتطلب قيادة شابة، ودعوة لـ"ضخ المزيد من الدماء" الجديدة في عروقها، ولاسيما أن قيادات الحركة العليا تزيد أعمارهم عن الستين عاما.

يعتقد عباس وفريقه أن حملته الانتخابية الرئاسية القادمة ستكون مفصلية، سواء لترسيخ وجوده على رأس السلطة الفلسطينية من جهة، أو لعدم خسارة الامتيازات التي حصل عليها أبناؤه وحاشيته من جهة ثانية، والأهم من ذلك هو الحيلولة دون إفساح المجال أمام خصومه ومنافسيه من جهة ثالثة. لا تبدو طريق عباس معبدة أمام عودته مجددا إلى مقر الرئاسة الفلسطينية المسمى "المقاطعة" وسط مدينة رام الله، فهناك مرشحون آخرون يرون أنهم أكثر جدارة منه، وعلى رأسهم البرغوثي ، الذي أكد مقربون منه  أنه ينوي الترشح لهذه الانتخابات لاعتقاده أن المرحلة المقبلة بحاجة الى قيادة "شابة" لا تتوفر عند عباس "المسن"، فضلا عن سعيه من خلال هذا الترشح  الضغط على إسرائيل التي تعتقله منذ قرابة عشرين عاما، ورغبته بأن يعيد نموذج "نيلسون مانديلا" الذي خرج من السجن تحت ضغوط دولية.

لم تعلن حماس حتى اللحظة موقفها النهائي ولا دعمها لأحد  المرشحين للانتخابات الرئاسية، عقب تأكيدها أنها لن تشارك فيها ترشيحاً، ولعل ذلك كان أحد دوافع إعلان عباس  تحديد مواعيد الانتخابات، لأنه خشي أن تنافسه حماس عبر أحد قادتها، وفي هذه الحالة لن يمتلك "بوليصة تأمين" للبقاء رئيسا للسلطة الفلسطينية، لكن الحركة التي منحته هذا التنازل بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية، لم تكمل "معروفها" معه، وتمنحه تعهدا بانتخابه مجددا رئيساً، بل أبقت الباب موارباً باتجاه إمكانية دعم منافسه المحتمل، وهو البرغوثي.

كثير من العقبات تحول دون وصول الفلسطينيين الى يوم 31 تموز/يوليو 2021 للتصويت في الانتخابات الرئاسية، من بينها احتمال فوز حماس في الانتخابات التشريعية يوم 22 مايو/أيار2021، وهزيمة فتح، وحينها سيكون المشهد السياسي والانتخابي الفلسطيني مفتوحا على كل الاحتمالات والسيناريوهات، من بينها إعادة سيناريو 2006، من حيث رفض السلطة الفلسطينية الاعتراف بنتائج تلك الانتخابات، وعدم تحمس عباس للذهاب الى "هزيمة" أخرى في الانتخابات الرئاسية.

قلق حماس

لم يعد سراً أن حماس كانت من أكثر المرحبين بإعلانات عباس الانتخابية، فهي تسعى لتجديد شرعيتها الدستورية عبر صندوق الاقتراع من جهة، وتأمل أن تشكل أجواء الانتخابات "استراحة محارب" لتنظيمها الذي يعاني من ملاحقة أمنية مكثفة في الضفة الغربية من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة تريد حماس أن تمنحها العملية الانتخابية فرصة التخلص من عبء الحكم الذي تورطت فيه منذ 2006. سارعت حماس لمطالبة عناصرها بتحديث بياناتهم في السجل الانتخابي، وبدأت استعداداتها لتحضير قوائمها الانتخابية، سواء كانت قوائم خاصة بها، وهو الأرجح، أو ائتلافية، حيث تتراجع فرصها مع مرور الوقت، بعد إعلان الجهاد الإسلامي القريبة منها مقاطعة الانتخابات، وتأكيد قوى اليسار أنها لن تتحالف مع طرفي الانقسام: فتح وحماس.

رغم الاندفاع الذي تبديه حماس نحو الانتخابات، لكنها لا تخفي مخاوفها من تحقق عدد من السيناريوهات المتوقعة، من أهمها: استمرار إسرائيل في حملات الاعتقالات في صفوف كوادرها وقياداتها بالضفة الغربية، بما قد يمنعها من المشاركة في الانتخابات، وحدوث   تزوير في نتائج الانتخابات، خاصة في الضفة الغربية، وبالتالي تحصل حماس على نسب متواضعة في المجلس التشريعي القادم، لا تمثلها على أرض الواقع، أو عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، في حال إعلان فوزها، ما سيعيد الفلسطينيين الى دوامة الانقسام من جديد ، أو رفض التعامل الإقليمي والدولي مع الحكومة الفلسطينية المقبلة التي قد تشكلها حماس، في حال حققت أغلبية برلمانية. كل هذه السيناريوهات حاضرة لدى حماس، ما يجعلها تُعد الإجابات التي تنتظرها لذلك اليوم، خشية أن تكون الانتخابات عبئاً عليها، وليست ذخرا لها.

عدنان أبو عامر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة، وكاتب وباحث في مراكز دراسات عربية، حاصل على الدكتوراه في التاريخ السياسي من جامعة دمشق، لمتابعته على تويتر @AdnanAbuAmer_74

* هذا المقال واحد من أربعة مقالات، ستنشر تباعا، تناقش الانتخابات الفلسطينية ونتائجها.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.