المصدر: Getty
مقال

انتخابات حماس الداخلية تعبد الطريق للتشريعية

تجري حماس انتخاباتها وسط دعوات لإصلاح نظامها العام، ومطالبات بالتخلي عن سريتها الكاملة، وبتمكين الشباب والنساء من تولي مواقع قيادية.

 عدنان أبوعامر
نشرت في ٢٠ أبريل ٢٠٢١

أنهت حماس أوائل مارس/ آذار 2021 المرحلة الثانية من انتخاباتها الداخلية بين أعضائها في قطاع غزة ومعتقليها في السجون الإسرائيلية. واستحوذت نتائج هذه الانتخابات، التي أسفرت عن فوز يحيى السنوار، بقيادة الحركة في غزة لولاية جديدة من 2021-2025، وانتخاب خالد مشعل رئيسا لها في الخارج أوائل إبريل/ نيسان 2021 ، على اهتمام الأوساط السياسية الفلسطينية والإقليمية، ولاسيما في ظل توقعات بفوز إسماعيل هنية، وهو القائد العام لحماس منذ 2017، بالقيادة العامة للحركة مجددا. 

تمتاز حماس عن باقي التنظيمات الفلسطينية بإجراء انتخابات داخلية كل أربع سنوات، تؤثر نتائجها على آلية صنع القرار في الحركة، وتنعكس على مشاركتها في الانتخابات الفلسطينية العامة، وعلى علاقتها مع الفصائل الأخرى، فضلاً عن تأثيرها على علاقات حماس الإقليمية والدولية.

آليات الانتخاب

تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة لأنها تسبق الانتخابات الفلسطينية العامة: التشريعية التي ستجري في مايو / أيار والرئاسية في يوليو /تموز المقبل. شملت انتخابات حماس الداخلية عدة مراحل، أولها اختيار الهيئات الإدارية للمناطق الفرعية، وصولاً لانتخاب مجلس الشورى العام، وانتهاء برئيس وأعضاء المكتب السياسي للحركة. تجري هذه الانتخابات دون حملات دعاية، وتعتمد السرية التامة في إجرائها، وتشمل كافة المستويات الإدارية والشورية.

لا تبادر قيادات حماس بترشيح نفسها للمواقع القيادية، بل يرشح أعضاء مجلس الشورى المنتخب من يرونه مناسبا لرئاسة المكتب السياسي، في ذات يوم الانتخاب، ومن يحوز غالبية أصواتهم يصبح زعيما للحركة، ولذلك يعود قرار انتخاب قائدها للمؤسسة الشورية، ولا يصنعه طرف بعينه داخل الحركة، ولا يخضع لإرادة أي جهة فيها.

وفيما تختار المناطق المحلية في حماس مجلس الشورى العام، يقوم الأخير بانتخاب أعضاء المكتب السياسي، أعلى سلم قيادي في حماس، ويقسم النظام الداخلي لحماس تواجدها في أربع مناطق عامة، قطاع غزة والضفة الغربية والخارج والسجون الإسرائيلية، ويُمنح رئيس مكتبها السياسي فرصة البقاء في منصبه لولايتين متتاليتين فقط، وجرت العادة أن تُجري حماس انتخابات داخلية كل أربع سنوات لاختيار قيادتها السياسية العليا، أجريت آخرها في مايو 2017، حين فاز هنية برئاسة مكتبها السياسي خلفا لمشعل.

على غير العادة، نشرت حماس هذه المرة صورا لانتخاباتها الداخلية ربما لإظهار سلوكها الديمقراطي أمام الرأي العام العالمي من جهة، ومن جهة أخرى للإشارة أنها باتت تنتهج العلنية في ممارساتها السياسية والتنظيمية.

قائمة المتنافسين

جرت انتخابات حماس الداخلية وفق آلية اعتمدت للمرة الأولى إدراج أسماء من مضى على عضويتهم 15 عاما ضمن من يحق انتخابهم، بعدما اقتصر الانتخاب في السنوات السابقة على من يحصل على رتبة رقيب، وهي أعلى رتبة تنظيمية في حماس، كما يمنع نظامها الداخلي الترشيح الذاتي لتولي المناصب، ويعتمد على نظام الاختيار العفوي للناخبين.

بدا واضحا منذ البداية أن قائمة المرشحين لقيادة حماس بمستوياتها القيادية ومواقعها الجغرافية مزدحمة، وفيما ظهر هنية المرشح الأوفر للبقاء في موقعه رئيسا للمكتب السياسي للحركة، إضافة إلى دوره بوصفه القائد العام للحركة فإن النتائج النهائية لانتخابات إقليم حماس في الخارج أظهرت فوز مشعل لقيادتها خلفا لماهر صلاح، وانتخاب موسى أبو مرزوق نائبا له.

وفيما فاز يحيى السنوار بانتخابه قائدا لحماس في غزة، رغم منافسته من بعض قيادات الحركة، لاسيما نزار عوض الله، فإن المعطيات المتوفرة تشير إلى بقاء صالح العاروري قائدا للضفة الغربية، نظرا لعدم وجود منافسين له نتيجة لسرية الأوضاع الأمنية هناك بسبب الاحتلال الإسرائيلي، رغم أن وصفي قبها وزير الأسرى السابق في حماس، أبدى عدم رضاه عن تمثيل الضفة الغربية في الدورة الماضية داخل الحركة.

يبدو أن حماس حسمت قرارها بإجراء انتخاباتها الداخلية رغم تزامنها مع الانتخابات التشريعية، لأنها أرادت ضخ دماء جديدة بقواعدها ومستوياتها القيادية، وخلق حالة تنافس داخلي، والتأكيد على أنها ليست فصيلا مسلحاً فحسب، بل إنها حركة أسست سلوكا ديمقراطيا داخليا، وأرادت إرسال رسالة للمجتمع الدولي والإقليمي بأنها تمارس ديمقراطيتها التنظيمية.

شهدت الانتخابات الحالية لحماس تنافساً أكبر من الدورات السابقة، وظهرت تيارات وتحالفات جديدة، لكن هذه الانتخابات  افتقرت للممارسة العلنية، فهي لا تتم  على مرأى ومسمع باقي الفلسطينيين من غير أعضاء حماس، وإنما كانت تتم في أماكن مغلقة خاصة بكوادرها فقط، وحافظت على بقاء رموزها القيادية بمواقعها الأولى رغم تقدم هؤلاء في العمر، لكن وجوها شابة دخلت مفاصل قيادتها الوسطى، كالهيئات الإدارية ومجالس الشورى وصولا للمكتب السياسي، واقتربت نسبة التغيير من 30 بالمئة، وظهر أن متوسط أعمار قياداتها أصغر بكثير من قادة التنظيمات الفلسطينية الأخرى.

وقد أعلن أسرى حماس في ديسمبر/ كانون الأول 2020، وعددهم ألفا معتقل، داخل السجون الإسرائيليّة نتائج انتخاباتهم الداخليّة، في 22 سجناً، بتشكيل الهيئة القياديّة العليا، وفاز بهذه الدورة كبار قادة الحركة المعتقلين. فاز الأسير سلامة القطاوي برئاسة الهيئة القياديّة العليا لأعضاء مجلس الشورى، وعبد الناصر عيسى نائباً وعضوية 14 أسيرًا. في الدورة الانتخابيّة السابعة التي تجريها حماس داخل السجون الإسرائيلية، تُظهر أسماء الأسرى الفائزين أنّهم من القيادات البارزة لكتائب عزّ الدين القسّام- الجناح العسكريّ لحماس، ويقضون أحكاما بعشرات المؤبّدات، ما يدل على أهمية أسرى حماس لدى قيادتها.

التبعات الإقليمية

تزامنت التحديات الأساسية أمام قيادة حماس الجديدة مع تطورات إقليمية، ومع مرور الذكرى العاشرة لثورات الربيع العربي، وخسارة حماس لمواقع مهمة جدا في المنطقة، خاصة سوريا، فضلا عن المواجهات العسكرية التي خاضتها مع إسرائيل بين 2008-2014، ومسيرات العودة 2018، وما يتطلبه ذلك من جهد كبير لترميم علاقات حماس في المنطقة.

كما تتزامن انتخابات حماس مع غياب إدارة ترامب، ما يعني بالنسبة للحركة استقرارا إقليميا، ويمنح قيادتها الجديدة فرصة للمحافظة على تحالفاتها، لكنها قد تضطر لدفع أثمان سياسية، خاصة إن تقاربت إدارة بايدن مع إيران، الأمر الذي يتطلب من الأخيرة خفض مستوى تحالفها مع حماس، أو في حال أعادت تركيا علاقاتها مع إسرائيل.

تبدي حماس تفهمها حيال الاهتمام المحلي والإقليمي والدولي بانتخاباتها الداخلية، باعتبار ذلك تأكيدا على مكانتها في القضية الفلسطينية، لكنها في الوقت نفسه ترفض تدخُل أي جهة للتأثير على مجريات انتخاباتها ونتائجها، بوصفها شأنا داخليا، تحكمه اللوائح المتفق عليها داخل الحركة.

دعوات إصلاحية

دعت أصوات في حماس إلى ضبط أي تباينات قد تظهر بين مكوناتها الداخلية، وتقترح هذه الأصوات أن تكون القيادة القادمة جماعية، تمسك بمفاصل الحركة الثلاثة: السياسية والدعوية والعسكرية، وأن يكون لكل مفصل ممثلون في القيادة العليا، التي تفضل حاليا تقسيم هذه الملفات، بسبب كثرة الأعباء على القيادة المنتخبة، وانتشار مكاتب الحركة في عدة أقطار، وصعوبة تواصلهم الجغرافي، ما قد يؤثر سلبا على إدارة الملفات التنظيمية والخارجية.

شهدت الانتخابات الداخلية الأخيرة في حماس مطالبات بتطوير نظامها العام، ولوائحها الانتخابية، بما يحافظ على وحدتها، ويعزز تماسكها التنظيمي، ويحقق فعاليتها الحركية، وبما يعالج الآثار السلبية للانتخابات الأخيرة 2021، وتداعياتها، دون أن يشعر قطاع منها بالتهميش لصالح قطاع آخر.

ودعت هذه الأصوات لتشكيل مؤتمر عام للحركة، يخوض أعضاؤه انتخابات تنافسية حرة، تضمن الحق في الترشح والحق في الانتخاب لجميع الأعضاء، وتشكيل قوائم انتخابية، وممارسة دعاية انتخابية، والتنافس بين المرشحين الأكفاء لشغل الموقع القيادي وفق المتطلبات المهنية، وأن تكون الانتخابات وفق التمثيل النسبي للقوائم.

رغم شعور حماس بالتميز عن باقي التنظيمات الفلسطينية بإجراء انتخاباتها الداخلية كل أربع سنوات بصورة منتظمة، لكن هذه الانتخابات تبدو نمطية تقليدية غير متجددة، لأنها حصرت نتائج الانتخابات في خيارات محدودة، وأفرزت أعضاء وقيادات حسب مفاهيم تنظيمية روتينية استمرت منذ نشأة الحركة في 1987 بسبب طبيعة التنظيم، وطريقة الانتخابات التي تميل إلى السرية المغلقة. كما أن الحركة حجبت عن أعضائها القدرة على التواصل والانفتاح مع المرشحين لمواقع قيادية فيها، وحصرت الاختيار في مناطق جغرافية محدودة جدا.

من المتوقع أن تنهي حماس جولتها الانتخابية الداخلية في مايو / أيار 2021، وسط دعوات لمزيد من الإصلاحات الداخلية، سواء على صعيد عقد مؤتمر عام للحركة، والتخلي عن سريتها الكاملة، وإفساح المجال للمرشحين لعرض برامجهم الانتخابية على عموم قواعد الحركة وناخبيها، وصولا الى تمكين الجيل الشاب من تبوء مواقع قيادية، وكذلك النساء، وتفعيل اللجان القضائية داخل حماس لمحاسبة كل تجاوز انتخابي يتعلق بممارسة الضغوط على الناخبين لتوجيه تصويتهم نحو هذا المرشح أو ذاك.

* عدنان أبو عامر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة، وكاتب وباحث في مراكز دراسات عربية، حاصل على الدكتوراه في التاريخ السياسي من جامعة دمشق، لمتابعته على تويتر @AdnanAbuAmer_74
* هذا المقال الثاني من أربعة مقالات، ستنشر تباعا، تناقش الانتخابات الفلسطينية ونتائجها.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.