- المقدمة
- لماذا يرفض الإصلاحيون الإيرانيون مقاطعة الانتخابات الرئاسية
- كيف تؤدي مقاطعة الانتخابات المزورة في إيران إلى تعزيز الديموقراطية
- الاقتصاد الإيراني بين الواقع ووعود الحملات الانتخابية
المقدمة
كريم سجادبور، باحث أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، يركز على إيران وسياسات الولايات المتحدة الخارجية تجاه الشرق الأوسط.
سيكون على المواطنين الإيرانيين أن يقرروا هذا الأسبوع ما إذا كانوا سيصوتون في الانتخابات الرئاسية، المدروسة والمخططة جيدا، والتي ستجرى في 18 حزيران/يونيو الجاري. فمن بين المرشحين السبعة الذين سمح لهم حراس النظام بالترشح، لا يتمتع أي منهم بجاذبية شعبية، لكن يُعتبر رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي، الخليفة المحتمل للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي (81 عامًا)، المرشح الأوفر حظًا على نطاق واسع.
من المتوقع أن يمتنع كثير من الإيرانيين عن التصويت، لاعتقادهم بأن المشاركة تضفي شرعية على انتخابات غير حرة وغير عادلة. الناشطة في مجال حقوق المرأة معصومة علي نجاد من بين أولئك الذين يدعون إلى المقاطعة، حيث كتبت أنه "من خلال عدم المشاركة، يمكننا إرسال رسالة أمل بأننا لا نريد ديكتاتورية دينية". ومع ذلك، يشرح الأستاذ في جامعة كولومبيا كيان تاج بخش، السجين السياسي السابق في إيران، الأسباب التي ينبغي من أجلها أن ترفض الأحزاب الإصلاحية الإيرانية مقاطعة الانتخابات، ويبين كيف اثبت التاريخ أن "مقاطعة الانتخابات في الأوساط الاستبدادية لا تنجح عمومًا".
يشكل تدهور الاقتصاد القلق الأكبر لمعظم الإيرانيين. فكما كتبت سارة بازوباندي فإنه "بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الراهن في إيران، المتأثر بمزيج من العقوبات، والسياسات المالية والنقدية، والفساد، وجائحة فيروس كورونا، فسيكون من الصعب للغاية تحقيق الوعود الانتخابية لجميع المرشحين.. وبالتالي، فمن المتوقع أن تستمر المصاعب الاقتصادية الحالية التي يعاني منها الإيرانيون، وربما تتفاقم، خلال فترة ولاية الرئيس المقبل".
لماذا يرفض الإصلاحيون الإيرانيون مقاطعة الانتخابات الرئاسية
كيان تاج بخش، مستشار أول لنائب الرئيس التنفيذي للمراكز العالمية بجامعة كولومبيا. وهو خبير دولي في إصلاح الحكم المحلي والديمقراطية، وتعزيز حقوق الإنسان. مثل تاج بخش مؤسسة المجتمع المفتوح في إيران حتى اعتقل أثناء احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009.
عندما منع حراس النظام نحو 600 مرشح ما عدا سبعة مرشحين من خوض الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 18 حزيران/ يونيو 2021، واجه الإصلاحيون الديموقراطيون معضلة جديدة: هل يقاطعون الانتخابات؟
بالنسبة لكثير من معارضي النظام، سواء داخل أو خارج إيران، يروون أن مقاطعة ما يعتبرونه انتخاباتٍ صورية هو الخيار المنطقي الوحيد. ومع ذلك فإن اتحاد الأحزاب الإصلاحية أو "جبهة الإصلاحات" قد قرر، بدلاً من مقاطعة الانتخابات، الامتناع عن دعم أي مرشح في الانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من أن البعض قد أوصى بأن يمتنع الناخبون عن التصويت إلا أن أحداً لم يناد بمقاطعة رسمية.
أحد أبرز هؤلاء الإصلاحيين في إيران هو مصطفى تاج زاده1، الذي صرح في تغريدة على "تويتر" تعليقاً على قرارات رفض الأهلية في انتخابات 2021 أن هذه القرارات كانت فاضحة ودامغة لدرجة أنها نقلت النظام من حكم ثيوقراطي/ ديموقراطي هجين تتم فيه هندسة الانتخابات إلى نظام استبدادي تسلطي يتولى فيه الحكام فعلياً تعيين موظفي الحكومة.
ويواجه الإصلاحيون أربع عقبات رئيسة تمنعهم من المناداة بمقاطعة الانتخابات، عبّر عن أولها مصطفى تاج زاده، الإصلاحي الإيراني الأبرز والذي مُنع من الترشح هو أيضا، عندما أعلن أنه لو كان واثقاً من أن عشرة ملايين شخص سيتجاوبون مع دعوة إفساد بطاقات الاقتراع أو كتابة أسماء سياسيين منشقين في بطاقاتهم لربما كان قد أيد هذا التصويت الاحتجاجي.
ونظراً لأن تاج زاده يعتبر من أهم السياسيين المحنكين في البلاد، فإن رأيه يكشف لنا الكثير عن طبيعة الواقع السياسي في إيران، وتحديداً عما يمكن توقعه من دعم لحركة الإصلاح الديموقراطي الراديكالي، وهو يذكر مناصريه على الدوام بأن هناك ملايين الإيرانيين الذين لايؤيدون إجراء انتخابات حرة ولا إصلاحات سياسية. وبينما يأمل الخبراء الغربيون أن يدعم معظم الإيرانيون دعوة تاج زاده لانتخابات حرة ونزيهة، إلا أنه هو نفسه لا يشعر بالثقة في وجود دعم شعبي للتصويت الاحتجاجي، ناهيك عن المقاطعة الرسمية التي يرفضها ويعتبرها شكلاً من أشكال اللامبالاة السياسية الانهزامية.
تمثل صعوبة الحصول على الدعم من النخب السياسية الأخرى عقبة ثانية في طريق المقاطعة. فقد انهال غلام حسين كرباسجي على حليفه السابق تاج زاده، باتهامات شديدة اللهجة، في مناظرة بُثت مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في شهر نيسان/أبريل 2021، حيث لم يتردد كرباسجي، وهو العمدة الأسبق لمدينة طهران، والذي يعود إليه الفضل في تطوير المدينة التي دمرتها الحرب في التسعينات، والذي أسس صحيفة إصلاحية رائجة، وهو يشغل الآن منصب أمين عام حزب كاركزاران (كوادر البناء) الذي يعتبر أهم حزب تكنوقراطي على الساحة الإيرانية الحزبية، لم يتردد في وصف برنامج تاج زادة الانتخابي، الذي يطالب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتنافسية، بأنه غير واقعي ومعادٍ للثورة والوطن.
واتهم كرباسجي تاج زاده بتقويض نظام الجمهورية الإسلامية بالانسياق وراء " الأعداء" في الغرب، ووصفه بالانعزال والانفصال عن المجتمع الإيراني وعن مجموع تحالفات الأحزاب الإصلاحية على الرغم من دعم التحالف لترشح تاج زاده.
ونفى كرباسجي مزاعم تاج زاده بوجود تلاعب غير قانوني في الانتخابات، وأشار إلى أن الاجراءات التي تمت ليست جديدة، وأن قرارات عدم الأهلية، التي أصدرها مجلس صيانة الدستور، لا تزيد عن كونها عاملا من عوامل المنافسة السياسية المعتادة بين الفصائل، ولا يمكن اعتبارها قرارات استبدادية.
وفي حوار آخر أكد أحمد زيد أبادي الصحفي المعارض والسجين السياسي السابق، الذي يتمتع بتقدير كبير، أنه لا فائدة ترجى من السياسات الانتخابية، وأنه لا ضرر من السماح للجيش متمثلاً في الحرس الثوري الإسلامي بالسيطرة على الحكومة لأنه الأقدر على الإنجاز.
الدافع الثالث لتردد الجماعات الإصلاحية في الدعوة إلى المقاطعة، هو أن مقاطعة الانتخابات في البيئات الاستبدادية غالباً ما يُمنى بالفشل. وباستثناء حالات نادرة، فقد فشلت 170 حملة مقاطعة نُظمت في العقود الثلاثة الماضية، والتي درسها علماء السياسة على أساس الوصول إلى أهدافها المتمثلة في تحقيق العدالة على الساحة الانتخابية، أو نزع الشرعية عن الممارسات الانتخابية المزورة للنظام الحاكم في نظر المجتمع الدولي، أو حتى في إجبار النظام الحاكم على تقاسم السلطة مع القوى الديموقراطية أو التغيير.
لا تنجح المقاطعة إلا إذا كانت جزءاً من استراتيجية سياسية عامة تستهدف الاقتصاد وقطاعات أخرى من المجتمع، بالإضافة إلى الطيف الانتخابي المتنافس بأكمله. وعلى سبيل المثال، في الحالة الإيرانية فإن المقاطعة الانتخابية تعني الامتناع عن كافة الانتخابات بما فيها انتخابات المجالس البلدية، ولكن الإصلاحيين لم يرغبوا في حرمان أنفسهم من المشاركة في آلاف المجالس المحلية المنتخبة، والتي على الرغم من محدودية دورها، تتمتع بفرصة حقيقية في ممارسة الحكم الذاتي، وهو دور ستزداد أهميته في الأعوام القادمة مع زيادة أهمية المدن في حياة الأمة. ونتيجة لذلك أعلن الإصلاحيون أنهم سيدعمون قائمة مرشحي انتخابات مجلس مدينة طهران وأنهم على الأرجح سيدعمون قوائم مماثلة للمدن الكبرى الأخرى على الرغم من التنحية التعسفية للمرشحين المحليين.
أما الاعتبار الرابع لضمان فعالية المقاطعة فهو العصيان المدني المتمثل في خروج المظاهرات السلمية إلى الشوارع. ولكن تكلفة هذا العصيان ستكون باهظة. وبحسب تاج زاده، فإن الاحتجاجات السلمية يمكن قمعها بالرصاص الحي، وهو غير مستعد لتعريض حياة مؤيديه من الشباب للخطر. ومن السهل التعاطف مع وجهة نظره تلك.
ومع ذلك، فإن وضوح وصلابة البرنامج الانتخابي لتاج زاده يشكلان جانباً إيجابياً في هذه الانتخابات، بل يمكن اعتبارهما نقطة تحول تاريخية في تطور الخطاب الديموقراطي في البلاد.
إن البرنامج الانتخابي لتاج زاده، وهو نائب وزير سابق ومؤثر في حكومة خاتمي التي استمرت من 1997 إلى 2004 والزعيم الحالي لحزب جبهة المشاركة السياسي المحظور، يقدم ما يمكن اعتباره أجرأ البيانات السياسية الديموقراطية الليبرالية الإصلاحية، وأكثرها تماسكاً على الساحة السياسية الإيرانية منذ قيام الثورة في 1979. يقدم تاج زاده خطاباً سياسياً واضحاً يخلو من الالتفاف حول المسائل السياسية الشائكة والحساسة، الأمر الذي غالباً ما يشوه رسالة الإصلاحيين منذ دخولهم المسرح السياسي في منتصف التسعينات.
إن دعوة تاج زاده لإجراء " إصلاحات هيكلية" من شأنها أن تغير ملامح النظام السياسي تغييراً شاملاً. ويقترح تاج زاده أن يكون منصب المرشد الأعلى منصباً محدداً بفترة زمنية، وأن يتم عن طريق الانتخاب المباشر وأن يندمج في النهاية مع منصب رئيس الجمهورية، أما مجلس صيانة الدستور فيجب سحب صلاحياته في تجريد المرشحين للمناصب السياسية من أهليتهم، ويصر تاج زاده على احترام جميع الأعراف الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بما فيها حرية الفكر والوجدان والدين وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، وإلغاء الحجاب الإجباري، وتحرير الإعلام الوطني والإذاعة والتلفزيون من سيطرة واحتكار الدولة ورقابتها. أما الجيش والحرس الثوري الإيراني فيجب منعهما من التدخل المباشر في الحياة السياسية والاقتصادية، وأخيراً وليس آخراً تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وأعلن تاج زاده مطالبه الثورية تلك في رسالة مفتوحة وجهها للمرشد الأعلى ودعا فيها أيضاً إلى تشكيل جمعية تأسيسية لمراجعة الدستور. وعلى الرغم من أن جميع مطالبه هذه قد تكون مطالباً اعتيادية بالنسبة لغير الإيرانيين من الجمهوريين والديموقراطيين إلا أنها تعتبر غير مسبوقة بالنسبة للسياسيين داخل إيران. وعلى الرغم من وضوح وصلابة البرنامج الانتخابي لتاج زاده، إلا أنه من الصعب التكهن إن كان يمكن ترجمته إلى نتائج سياسية عملية تحصد الدعم الشعبي الذي يحتاجه الاصلاحيون.
في الوقت الحالي، يبدو النظام في إيران قوياً وموحداً بلا منافس حقيقي، وعلى الرغم من أن حركة الإصلاح الديموقراطي قد وجدت صوتها لأول مرة منذ أكثر من أربعين عاماً، إلا أن قوة هذه الجماعات لاتزال في أدنى مستوياتها على الإطلاق، وعلى سبيل المثال لم تلق قرارات استبعاد تاج زاده وتهميشه، هو وآخرون، أي صدىً يذكر في المجتمع عامة.
وربما لن يتضح على المدى القصير ما إذا كان ما نراه من مؤشرات على النضوج في الخطاب السياسي الديموقراطي سيذهب أدراج الرياح أو سيكون له أثر عملي على اتجاه البلاد في المستقبل، ولكن ربما تسفر السنوات أو بالأحرى العقود المقبلة عن رؤية أكثر وضوحاً.
كيف تؤدي مقاطعة الانتخابات المزورة في إيران إلى تعزيز الديموقراطية
معصومة علي نجاد صحفية ايرانية وكاتبة وناشطة في مجال حقوق المرأة، تقدم حالياً برنامجاً حوراياً بعنوان "Tablet " في إذاعة صوت أميركا، شبكة الأخبار الفارسية.
في استعراض إعلامي مكرر تبدأ الجمهورية الإسلامية الإيرانية انتخاباتها الرئاسية بتقديم مجموعة من المرشحين، الذين تم اختيارهم مسبقا، على شاشات التلفاز وعبر موجات الأثير معلنة بدء المنافسة في انتخابات محسومة النتائج.
يعلم الإيرانيون تمام العلم أن السلطة الحقيقية في البلاد تتركز في قبضة المرشد الأعلى والهيئات الخفية غير المنتخبة التابعة للنظام. وأدى هذا لإطلاق حملة شعبية واسعة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية#NotVotingForIR أو راي باي راي. وقد لاقت الحملة رواجاً كبيراً بين أهالي السجناء السياسيين والمحتجين الذين فُتلوا خلال أربعة عقود من الحكم الإسلامي، حيث يتحد الجميع في موقفهم الرافض للمشاركة في انتخابات مزورة.
على مدى ما يزيد عن عقدين من الزمان، تأرجحت السلطة في الجمهورية الإسلامية بين ما يسمى بالفصائل المعتدلة والفصائل المحافظة في نفس الحزب. وعلى غرار الانتخابات التي كانت تُجرى في ألمانيا الشرقية وغيرها من الدول الخاضعة لسيطرة الاتحاد السوفييتي وقتها، حيث كان الفوز دائماً حليفاً للشيوعيين، لا يُسمح في إيران بالترشح إلا للسياسيين الذين يعلنون الولاء المطلق لمبادئ الجمهورية الإسلامية، ولايفوز سواهم. أما المعارضون فلا يسمح لهم بالطعن في التصويت وحتى الموالون الذين يعلنون ولو عن شذرات من أفكار إصلاحية فيخرجون، غير مأسوفٍ عليهم، من قوائم المرشحين المعتمدين.
ونظراً للطريقة التعسفية التي استخدمها النظام في نزع الأهلية عن المرشحين، حتى عن مناصري النظام المخضرمين مثل رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، لم يتمكن أي من المرشحين من تقديم برنامج انتخابي مدروس وجدير بالثقة في الأسابيع القليلة التي فصلت بين إعلان مجلس صيانة الدستور أسماء المرشحين والموعد الفعلي للانتخابات. وربما تكون هذه طريقة النظام في تكريس رسالة مفادها أن لا أهمية حقيقية للانتخابات أو المرشحين، وأن القرارات الهامة تُتّخذ وراء الستار.
ويستغل المسؤولون الإيرانيون إقبال المواطنين على الانتخابات لإضفاء الشرعية على نظام الحكم الديني في البلاد، وكثيراً ما تباهى المرشد الأعلى علي خامئني بأن الناخب الإيراني لايقترع لانتخاب رئيسه فحسب بل أيضاً لمساندة ودعم النظام. ويستخدم وزير الخارجية جواد ظريف الإقبال على الانتخابات للدفاع عن سجل حقوق الإنسان المخزٍ في إيران - النظام الإيراني يمتلك الرقم القياسي في معدلات إعدام الفرد في العالم - ويتجاهل التقارير التي تشير لاتساع نطاق الاستياء الشعبي. ومن المتوقع أن يواجه المواطنون الإيرانيون الذين لا تحمل بطاقاتهم الشخصية دليلاً على إدلائهم بأصواتهم، خاصة الموظفين الحكوميين منهم، عواقب وخيمة.
ونظراً للضغط الشعبي على المواطن الإيراني للاقتراع فإن عدم التصويت يعتبر فعلاً احتجاجياً رافضاً للمسرحية الهزلية التي يقدمها النظام. وبما أن القيادة الدينية تستمد شرعيتها من الإقبال على الانتخابات فإن مقاطعة الانتخابات ستنزع عنها قناع الديموقراطية الإسلامية بتناقضها الاصطلاحي الفج. إن مقاطعة الانتخابات هي أكثر أشكال الاحتجاج سلمية ضد الدكتاتورية وهي وسيلة سحب الثقة من النظام الحالي الذي لا يمكن للجماهير ان تعلن عن استياءها منه إلا بعدم التصويت. وقد أثبتت العقود الأربعة الماضية عجز الجمهورية الإسلامية عن اتخاذ سبيل الإصلاح وإصرارها على تكريس هويتها كدولة دينية ترتكز فيها السلطة العليا، لا على الدستور، بل على تفسير الخميني للقرآن.
ومثل العديد من أبناء جيلي الذين نشأوا داخل إيران، راودني في مرحلة ما حلم إصلاح الجمهورية الإسلامية. وفي 1997 ساعدتُ والعديد من أمثالي من الشباب في إيصال رجل الدين المعتدل محمد خاتمي إلى سدة الحكم بأغلبية ساحقة، وأعدنا انتخابه في 2001. غير أن أجندة خاتمي الإصلاحية سُحقت بلا رحمة تحت أقدام مؤسسة غير منتخبة يقودها المرشد الأعلى ويدعمها الحرس الثوري وكلاهما، حتى يومنا هذا، ملك غير متوج على عرش الإكراه. وبدلاً من الانحياز إلى من انتخبوه اختار خاتمي كغيره من السياسيين الإصلاحيين الانحياز إلى من يقمعوننا.
تلقى إيماني بالإصلاح صفعة جديدة مع إعادة انتخاب الرئيس محمد أحمدي نجاد في 2009 وهي الانتخابات التي أخرجت ملايين المحتجين إلى الشوارع هاتفين " أين صوتي؟". واستجاب النظام بشن حملة قمع عنيفة أدت إلى اعتقال الآلاف وقتل ما يزيد عن مائة متظاهر سلمي. وقد أجريت بنفسي مقابلات مع 57 عائلة من عائلات ضحايا الاحتجاجات، ومنذ ذلك الحين قررت أن المشاركة في الانتخابات الإيرانية المزورة ستكون خيانة للمتظاهرين السلميين الذين قضوا في 2009.
وفي أعقاب انتخابه في 2013، وعد حسن روحاني بإلغاء التشريع الذي يمنع النساء الإيرانيات من دخول الملاعب، ووعد أيضاً بسحب شرطة الأخلاق من الشوارع، والسماح بمزيد من الحريات الشخصية للشباب، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والسماح للإيرانيين المقيمين خارج البلاد بالعودة إلى ديارهم بأمان. ولكن وعوده كلها ذهبت أدراج الرياح. حيث صرحت نائبة روحاني لشؤون المرأة السيدة شهيندخت مولارودي بأن رجال الدين في مدينة قُم المقدسة يعارضون دخول النساء للملاعب، وبالتالي لايمكن الوفاء بهذا الوعد الانتخابي، أما شرطة الأخلاق فقد زادت أعدادها بدلاً من أن تتراجع. وأعلن المرشد الأعلى أن الحجاب الإلزامي هو خط أحمر بالنسبة للنظام.
ومنذ ذلك الحين شهدت إيران احتجاجين آخرين على مستوى البلاد تم إخمادهما بوحشية. ولعل أكبر الاحتجاجات في تاريخ الجمهورية الاسلامية هو احتجاج نوفمبر 2019، حيث خرج آلاف المتظاهرين في أكثر من مائة مدينة، واضطرت السلطات الأمنية لإطلاق الرصاص الحي على الجموع، ما تسبب في مقتل ما يزيد عن 1500 شخص وفقاً لتحقيق أجرته وكالة رويترز، ولم تعلن حكومة روحاني رسمياً، حتى يومنا هذا، عن أعداد الضحايا.
أما بالنسبة لي، بوصفي امرأة، فأجد أن مجرد التفكير في المشاركة في انتخابات هذا النظام الكاره للنساء هو أمر مشين ومخز. فأنا كغيري من النساء الإيرانيات لا أملك الحق في اختيار ما ارتديه، ولا في ركوب الدراجة أو حضانة أطفالي أو في دخول الملاعب الرياضية، ولا في الحصول على جواز سفر بدون موافقة زوجي، ولكن وبكل أسف يحق لي أن أدلي بصوتي في نظام سياسي يشارك في وضع هذه القيود على حريتي ويسعى لاستعبادي وتجريدي من جميع حقوقي إلا من حق التصويت لمن يستعبدني.
في رأيي ورأي ملايين الإيرانيات، يُعتبر تصويت النساء في انتخابات هذا النظام أمر منافٍ للكرامة.
الانتخابات الرئاسية ما هي إلا استفتاء على شرعية الجمهورية الإسلامية وبمقاطعة هذه الانتخابات يمكننا أن نبعث برسالة أمل ترفض الدكتاتورية الدينية.
الاقتصاد الإيراني بين الواقع ووعود الحملات الانتخابية
سارة بازوباندي باحثة في برنامج زمالة ماري كوري في المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق في مدينة هامبورغ، وهي زميلة أولى غير مقيمة في المجلس الأطلسي. بحوثها تركز على الاقتصاد السياسي في إيران والشرق الأوسط، لمتابعتها على تويتر: @EastRisk
تنطلق الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 18 حزيران/يونيو 2021 مكبّلة بظروف اقتصادية متدهورة تشهدها البلاد منذ عدة سنوات نتيجة العقوبات الأمريكية القاسية والسياسات المالية والنقدية المتردية والفساد والتوابع الكارثية لجائحة كورونا الأخيرة.
وقد أثرت المشاكل الاقتصادية على معيشة المواطن الإيراني وزادت عمق الهوة بين المواطنين والنظام، ما يفرض على الرئيس الإيراني المقبل أن يقدم حلولاً سياسية عاجلة للأزمة الاقتصادية الحالية الناجمة عن النمو البطيء والتضخم المتزايد والفقر المتفاقم ومعدلات البطالة المرتفعة.
وعود الحملات الانتخابية
انطلقت الحملات الانتخابية فور انتهاء مجلس صيانة الدستور من دراسة أهلية المرشحين الذين ركزوا على وعد بتحسين الوضع الاقتصادي، ووضع الخطط التفصيلية التي تؤكد على أهمية حل الأزمة الاقتصادية الراهنة. في تصريحاتهم ركز المرشحون السبعة على ثلاثة مواضيع مشتركة هي خفض التضخم، وتحسين الرفاه والعدالة الاجتماعية من خلال سياسات تهدف لمكافحة الفساد، وخلق فرص العمل، وتضييق الفجوة الاجتماعية، وتوفير الغذاء والسكن والرعاية الصحية بأسعار ميسرة، وكذلك دعم زيادة الإنتاج والكفاءة من خلال سياسات الخصخصة والشفافية، والتنسيق بين السياسات والاستثمارات الحكومية.
تركز حملة إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية الإيرانية،على ثلاثة أهداف محددة وطموحة إلى حد بعيد، وهي خلق مليون فرصة عمل، وخفض التضخم إلى أدنى معدلات ممكنة، وتخفيض تكاليف الرعاية الصحية بنسبة 50 في المئة خلال الفترة الأولى من رئاسته. ووعد رئيسي أيضاً بأن حكومته ستكرس كل طاقاتها لدعم الإنتاج ووضعه على رأس اولوياتها، وزيادة الشفافية، والتنسيق الاقتصادي بين عناصر الحكومة المختلفة.
بينما يتبنى سعيد جليلي، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين السابق، خطاباً مماثلاً لخطاب الرئيس السابق أحمدي نجاد، فقد وعد الناخبين بتقديم برنامج جديد يهدف لمساعدة المواطنين على إدارة حصصهم الخاصة من الموارد الهيدروكربونية. وأشار جليلي أيضاً إلى مخططات محددة تساعد على توفير المواد الغذائية بأسعار في متناول الجميع، وبناء أربعة ملايين وحدة سكنية للفقراء ومحدودي الدخل، وتوفير وجهات للعطلات الداخلية تدعمها الحكومة للعائلات وحديثي الزواج. وتحدث جليلي، مثل رئيسي، عن نية حكومته لتكريس جهودها لإنهاء الفساد في إيران. ويتمسك جليلي بوجهة نظر أصولية محافظة فيما يخص علاقة إيران بالغرب ويعد "بالقضاء على حالة الضعف الاقتصادي الإيراني في مواجهة الضغوط الاقتصادية من الأعداء".
ويعد محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، بزيادة الدعم المستهدف، والهبات المالية، والسيطرة على التضحم، وزيادة الإنتاج الصناعي. كما أعرب رضائي عن رغبته في إنشاء صندوق نفطي يدعم الاستثمارات الحكومية ويساعد على تأسيس حسابات ادخار مشتركة بين الأجيال للمواطنين.
ويركز عبدالناصر همتي، الرئيس الحالي للبنك المركزي الإيراني، على تحسين رفاه المواطنين، وإنهاء الأزمة المتعلقة بالتصديق على التشريعين المتبقيين لاستكمال خطة التعاون بين إيران وفرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية (FATF) .
أما الوعد الرئيس لمحسن مهر علي زاد، الحاكم السابق لأصفهان ونائب رئيس الوكالة الذرية الإيرانية السابق، فهو تعميم الخصخصة لتقليص دور الحكومة في إدارة الاقتصاد من حوالي 67 في المئة من كافة الأنشطة الاقتصادية إلى ما لا يتجاوز 20 أو 25 في المئة منها.
كما وعد أمير حسين قاضي زاده هاشمي، المرشح المحافظ والعضو السابق في البرلمان، بخفض التضخم إلى معدل طموح يقل عن 5 في المئة، ومعالجة مسألة عدم المساواة في إيران.
وعلى الرغم من أن العقوبات الأمريكية، التي تحد من تعاملات إيران الاقتصادية مع العالم، تشكل أحد العوامل الرئيسة التي أدت إلى تدهور الاقتصاد الإيراني، إلا أن الأجندة التي يقترحها معظم المرشحين، ما عدا همتي وجليلي اللذين يبدو أن لهما وجهة نظر معينة في هذه المسألة، تفشل في تقديم أي حل واضح لهذه المشكلة.
وبينما يتحدث جليلي عن اقتلاع الضعف الاقتصادي الإيراني أمام الضغوط التي يفرضها أعداء البلاد، يعد همتي بإنهاء الجدل الداخلي الدائر حول التصديق على تشريعات فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية التي قد تساعد البلاد على الخروج من القائمة السوداء وتسمح لها بإجراء المعاملات المصرفية الدولية.
ومع ذلك، رفع إيران من القائمة السوداء لن يزيح كافة العقبات التي تعترض سبيل إعادة ربط النظام المصرفي الإيراني بالعالم إلا إذا تزامن مع رفع جزئي للعقوبات الثانوية التي فرضتها الولايات المتحدة على المؤسسات المالية للدولة.
أما رئيسي، المرشح المفضل للمرشد الأعلى، وصاحب أعلى الحظوظ في الفوز بهذه الانتخابات، فلم يقدم خطة لإنهاء العقوبات ولم يعرب عن رغبته في زيادة مقاومة البلاد كما أعلن جليلي. وبالتالي فإن التكهنات كبيرة بأن استراتيجيات حكومته، في حال فوزه بالانتخابات، ستعتمد على نتائج المفاوضات الحالية التي تجريها حكومة روحاني.
ولكن ما هي امكانية تحقيق هذه الوعود الانتخابية؟
التضخم
في نهاية شهر نيسان/أبريل 2021 وصل معدل التضخم إلى 50 في المئة وهو أعلى معدل يصل إليه في السنوات الثلاث الماضية، ونتيجة لذلك زاد معدل التضخم السنوي للمواد الغذائية ليصل إلى 65 في المئة، وأصبح أكثر من 60 في المئة من السكان يعيشون في عوز.
ويرجع ارتفاع نسبة التضخم، جزئياً، إلى العجز المتزايد في ميزانية الحكومة التي تراجعت مواردها بتراجع صادراتها من المواد الهيدروكربونية ما اضطرها إلى تخفيض قيمة الريال للحفاظ على ما يعادل الريال من إيرادات العملات الأجنبية الناتجة عن التصدير، والاقتراض من البنك المركزي لزيادة الإمدادات النقدية للدولة. وفي السنة المالية المنصرمة (من آذار/مارس 2020 إلى آذار/مارس 2021) رفع البنك المركزي الإمدادات النقدية للدولة بنسبة 40 في المئة. وبالتالي فإن السيطرة على التضخم تتطلب خفض كمية النقد المتداولة في الاقتصاد وهذا يعتمد اعتماداً مباشراً على موازنة الحكومة القادمة. ولاشك بأن أي زيادة أخرى في عجز الموازنة سيشكل عقبة رئيسة أمام محاولات خفض التضخم.
الرفاه والعدالة الاجتماعية
ماتحتاجه جميع الوعود الانتخابية المتعلقة بالرفاه والعدالة الاجتماعية هو زيادة معتبرة في الإنفاق الحكومي. ومما لاشك فيه أن خلق فرص عمل في القطاع الحكومي، وتوفير الخدمات الاجتماعية مثل الإسكان والرعاية الصحية بأسعار في متناول الجميع، وكذلك زيادة الدعم المستهدف، والهبات النقدية سيفرض المزيد من الضغوظ على الموازنة ويزيد قيمة العجز. ومالم تجد الحكومة القادمة حلولاً مستدامة لتمويل مصروفاتها ( مثل تصدير المنتجات الهيدروكربونية) فإن هذه الوعود ستذهب أدراج الرياح أو ستزيد معدلات التضحم.
دعم زيادة الإنتاج
تعاني الصناعات غير النفطية في إيران بسبب التكنولوجيا البالية وانعدام الكفاءة، ما جعلها غير قادرة على مواكبة المنافسة العالمية. وعلاوة على ذلك يتعرض القطاع الزراعي في البلاد لضغوط شديدة بسبب نضوب الموارد المائية. ومن المتوقع في السنوات الأربع القادمة أن يكون القطاع النفطي هو القطاع الوحيد القادر على النمو وهذا في حد ذاته يعتمد على المفاوضات المستقبلية بين إيران والقوى العالمية الست بشأن العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة. وستحدد نتائج هذه المفاوضات مدى نجاح الإدارة الإيرانية القادمة في دعم الإنتاج من عدمه.
بالنظر إلى البيئة الاقتصادية الحالية في إيران والتي تأثرت بشدة بمزيج من العقوبات، والسياسات المالية والنقدية، والفساد، وتداعيات جائحة كورونا فإن الوعود الانتخابية المطروحة تبدو صعبة التحقيق. ومع ذلك، لا يتردد المرشحون في الوعد باتخاذ التدابير لتحسين مستوى معيشة المواطنين عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي الذي سيزيد بدوره عجز الموازنة. وباستثناء عبد الناصر همتي، لا يملك اي مرشح آخر خطة ملموسة لتحسين علاقات إيران الاقتصادية مع العالم من خلال المفاوضات الدبلوماسية. وربما يرجع هذا إلى اطمئنان المرشحين إلى أن المفاوضات، التي تجريها إدارة روحاني حالياً، ستؤدي إلى نتائج مواتية. وبالتالي فإنه من المتوقع أن تستمر الصعوبات الاقتصادية الحالية، بل وقد تتفاقم، خلال ولاية الرئيس الإيراني المقبل.
ملاحظات
1 شارك المؤلف السيد تاج زاده زنزانة بسجن إيفين الإيراني لأكثر من أربعة أشهر في أعقاب احتجاجات الحركة الخضراء في 2009.