المصدر: Getty
مقال

تعثر حماس في استثمار إنجازاتها في حرب غزة

في ظل تعثر حماس في استثمار انتصارها في الحرب واستقواء فتح بالخارج، يتجه الوضع نحو التصعيد لعودة الخلافات الفلسطينية الداخلية بشأن إعادة إعمار غزة وإدخال المنحة القطرية، وتحديد موعد لإجراء انتخابات عامة.

 عدنان أبوعامر
نشرت في ١٩ يوليو ٢٠٢١

شعرت حماس أن التقاطها لفرصة الدفاع عن حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى، من خلال خوضها لحرب شرسة أسمتها "معركة سيف القدس" منحها شعبية وجماهيرية متزايدة، أكدتها استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز بحثية فلسطينية مستقلة1، والتي أكدت أن رصيد الحركة الشعبي زاد بين الفلسطينيين، نتيجة خوضها حربا لا تتعلق بحصار غزة، أو بسبب تأخر المنحة المالية القطرية، أو باغتيال أحد قادتها، كما كان الحال في حروب سابقة، وإنما جاء عنوان هذه الحرب هو القدس، ما رفع أسهُم حماس بين المقدسيين خصوصا، والفلسطينيين عموما.

شعبية حماس

تمثلت شعبية حماس في قدرتها على تعبئة الفلسطينيين وحشدهم في مختلف أماكن تواجدهم: قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس وداخل إسرائيل، فضلا عن اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة، الذين توافدوا عبر مظاهرات تضامنية مع غزة والقدس على بوابات الحدود اللبنانية والأردنية مع إسرائيل، وهي أحداث غير مسبوقة حين كانت تخوض غزة/حماس مواجهاتها العسكرية مع إسرائيل دون تضامن فعلي من جهة الفلسطينيين خارج القطاع، الأمر الذي كان يصيب حماس بحالة من الإحباط.

اللافت أن هذه الشعبية، التي حصدتها حماس خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، كانت بسبب ما أبدته الحركة من أداء عسكري نال إعجاب الفلسطينيين، حين استطاعت أن تواجه آلة الحرب الإسرائيلية على مدار أيام الحرب دون أن ترفع الراية البيضاء، الأمر الذي منحها شعبية واسعة، وهو ما تجلى في رفع راياتها الخضراء في الضفة الغربية، وصور قادتها في المسجد الأقصى، والهتاف لقائدها العسكري محمد الضيف، وذراعها المسلح كتائب عز الدين القسام، وهو سلوك  فلسطيني  غير معهود، هذا  أدى إلى أن يُعرب قادة الأمن الفلسطيني عن قلقهم، خلال لقاءات مغلقة، ولاسيما عقب ترديد عناصر من فتح شعارات حماس في المظاهرات التي شهدتها الضفة الغربية.

تراجع فتح

في الوقت ذاته، بدت السلطة الفلسطينية في وضع لا تحسد عليه، وهي مكتفية بمراقبة المشهد السياسي والعسكري السائد في الساحة بين حماس وإسرائيل، دون أن يكون لها دور، باستثناء دعوات تقليدية لوقف العنف، ولم يبادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو رئيس حكومته محمد أشتيه، أو أحد وزرائهما، بزيارة غزة رغم أنها شكلت محطة لزيارات العديد من الشخصيات والوفود العربية والدولية.

بدا لافتا أن رام الله، وهي مقر قيادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، بدت "مهجورة" دون أن تقصدها وفود دولية خلال أيام الحرب، فيما توجهت الأنظار الى غزة، وهو مشهد أثار غضب السلطة الفلسطينية، وخشيتها من أن تشكل حماس بديلا عنها في نظر المجتمع الدولي، لاسيما فيما يتعلق بإعادة إعمار غزة.

الأكثر غرابة، بنظر الفلسطينيين، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ألقى خطابا سياسيا، يوم 19 أيار/مايو 2021، بعد مرور قرابة عشرة أيام على اندلاع الحرب، بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف غزة، دعا فيه حماس، بشكل غير متوقع، للانضمام لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ردت الحركة على الفور برفض الفكرة تماما، لأنها تأتي في وقت غير مواتٍ في ظل الحرب من جهة، ومن جهة أخرى لأنها تناقش قضية ليست ذات قيمة، في نظر الحركة، وهي تشكيل الحكومة، مقارنة بما تعتبره الأهم وهو إجراء الانتخابات العامة التي أجلها عباس بقرار منفرد، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.

سعت السلطة الفلسطينية لترويج مطلبها هذا، بتشكيل الحكومة الجديدة، من خلال الوسطاء الإقليميين والدوليين، لاسيما مصر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لكن حماس بدت ماضية في مشاوراتها مع حلفائها من الفصائل الفلسطينية لتشكيل قيادة وطنية بعيدا عما وصفه قائد حماس في غزة يحيى السنوار ب "الصالون السياسي"، قاصدا بذلك منظمة التحرير الفلسطينية التي لا تضم حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من فصائل المقاومة.5

توجهات أميركية تُفرِغ إنجاز حماس العسكري

ولكن مع مرور الوقت، بدا أن الكفة ترجح لصالح السلطة الفلسطينية في المشاورات المحلية والإقليمية والدولية، بمنحها صلاحية إعادة إعمار غزة بعد الحرب، وإدخال المنحة القطرية من خلالها، وليس الى غزة مباشرة، وهي توجهات جديدة قادتها الإدارة الأمريكية، ولقيت استحسانا إسرائيليا ومصريا وأممياً، فيما واجهت رفضا صارما من حماس لأنه يعمل على "تفريغ" إنجازها العسكري من مضمونه، ويسعى إلى ما وصفته ب"تبهيت" انتصارها الميداني، من خلال حرمانها من استغلال  إنجازاتها العسكرية في ساحة المعركة وتحويلها إلى  إنجازات سياسية.

يبدو واضحا أن هناك جهودا أمريكية معنية بإحياء دور السلطة الفلسطينية بعد حالة القطيعة التي رافقت إدارة ترامب، تمهيدا لعودة المفاوضات مع إسرائيل، التي ترى حكومتها الجديدة أن التفاهمات الإنسانية التي أبرمتها حكومة نتنياهو السابقة في تشرين الأول/أكتوبر 2018 مع حماس بوساطة قطر، والتي بموجبها يتم إدخال منحة قطرية شهرية بقيمة 30 مليون دولار للعائلات الفقيرة، ترى أنها ساهمت في تقوية حماس، واستقرار حكمها، وهو ما تجلى في أدائها العسكري الذي أدهش الإسرائيليين، ولهذا تراجعت إسرائيل عن  المضي قدما في هذه الخطة، وبالتالي تم توسيع موطئ قدم مصر في غزة على حساب قطر.

قالت مصادر رفيعة المستوى في حماس3 أن "الحركة تخشى من توجه إقليمي دولي بزيادة الضغط عليها من جديد، سواء بتقييد دخول المال "الكاش" الى غزة، أو بإبعاد حلفائها، مثل قطر وتركيا، عن ساحة القطاع، وتقييد نفوذهم، لصالح أطراف أخرى ليست على توافق تام مع الحركة، الأمر الذي يعيد الأوضاع الإنسانية في غزة الى سابق عهدها من حصار محكم وظروف قاسية، وفي هذه الحال يتم الضغط أكثر على سكان القطاع، الذين سيمارسون ضغوطهم بالتالي على حماس".4

فشل حوار القاهرة

منذ إعلان عباس تأجيل الانتخابات العامة في أواخر نيسان/أبريل 2021 دون تشاور مع الفصائل الفلسطينية، خشية فوز حماس وهزيمة فتح، وقعت قطيعة بين الحركتين، ولم تنجح الجهود المصرية طيلة الفترة الماضية في تقريب وجهات النظر.

 دعت القاهرة، فور انتهاء حرب غزة، وفود الفصائل الفلسطينية لعقد اجتماعات منفصلة تمهيدا للإعلان عن جولة جديدة من الحوار الفلسطيني الجماعي، لكن مصادر سياسية مصرية مطلعة قالت5 إن مواقف فتح وحماس "بدت متباعدة: فقد طلبت حماس عبر رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية من وزير المخابرات المصرية عباس كامل أن يكون الحوار جماعياً مع جميع الفصائل، وليس ثنائياً بين الحركتين كما تفضل فتح." وأشارت المصادر المصرية إلى أن حماس "أكدت على ضرورة أن يبدأ الحوار من الموضوع الأهم وهو منظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم تحديد مواعيد جديدة لإجراء الانتخابات العامة".

لكن "فتح عبر وفدها الذي قاده جبريل الرجوب، أمين سر لجنتها المركزية، وصلت القاهرة، وبيدها ملف واحد هو تشكيل حكومة جديدة، دون أي حديث عن الانتخابات أو عن منظمة التحرير، ما أدى إلى فشل الحوار قبل أن يبدأ".6

أكثر من ذلك، فقد تباعدت المواقف بين فتح وحماس حين أظهرت السلطة الفلسطينية، بدعم إقليمي وإسرائيلي ودولي، رغبتها بتحييد حماس عن كل ما يتعلق بإدارة غزة، لاسيما في القضايا العاجلة والطارئة، خاصة إعادة الإعمار، من خلال تشكيل لجنة رسمية تبحث الموضوع، دون أي إشارة للحكومة القائمة في غزة، والتي تدار بواسطة حماس، ما زاد العلاقة توترا، وأدى إلى نشوب خلافات جديدة.

من الواضح أن المشهد السياسي الفلسطيني الذي ظهر موحدا ومنسجما، ولو مؤقتا، خلال أيام الحرب على غزة، يعود أدراجه من جديد الى حالة الاستقطاب الداخلي في ظل "استقواء" السلطة الفلسطينية بالعامل الخارجي، للتضييق على حماس، كي لتحرم من توظيف أدائها العسكري الى إنجاز سياسي، ما يضع حماس أمام خيارات سياسية صعبة، لأنها ربما تتوقع هذا السيناريو، وتوقعت أن تراكم إنجازها العسكري بزيادة شرعيتها السياسية داخليا وخارجيا، لكن ذلك لم يتحقق، الأمر الذي قد يدفع الجانبين لمزيد من التأزم الداخلي.

عدنان ابو عامر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة، وكاتب وباحث في مراكز دراسات عربية، حاصل على الدكتوراه في التاريخ السياسي من جامعة دمشق. لمتابعته على تويتر @AdnanAbuAmer2.

ملاحظات:

1نشر المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية نتائج استطلاعه يوم 15 يونيو، وكشفت عن تنامي شعبية حماس.

2 جاء حديث السنوار خلال لقائه مع عدد من الكتاب والاكاديميين في غزة يوم 5 يونيو 2021.

3 تحدث الكاتب إلى هذه المصادر في حماس بين 2-22 يونيو 2021.

4 لقاء أجراه الكاتب مع مسؤول رفيع في حماس، أخفى هويته، يوم 22 يونيو.

تحدث الكاتب بين 5-22 يونيو إلى مصادر مصرية مطلعة بشأن هذه الاجتماعات.

6  لقاء أجراه الكاتب مع صحفي مصري مطلع على سير الحوار الفلسطيني في القاهرة، يوم 21 يونيو.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.