رفضت القوى السياسية، في ظل استمرار احتجاجات شعبية، اتفاق الفريق عبد الفتاح برهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد القوات المسلحة السودانية، وعبدالله حمدوك، رئيس الوزراء، لأن الاتفاق لم يشر لأي دور لقوى الحرية والتغيير، ولأنه لم يكن بين المكونين العسكري والمدني، بل بين البرهان وحمدوك.
شهد السودان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، محاولة انقلاب عسكري أدت إلى تأجيج التوتر بين المُكوّنين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية الحاكمة. وفي تصريحات أدلى بها الفريق أول عبد الفتاح برهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد القوات المسلحة السودانية، قال إن القوات المسلحة هي الدرع الحامي للثورة، وإنه وزملائه من الضباط استشعروا القلق من انشغال السياسيين المدنيين وأعضاء ائتلاف قوى الحرية والتغيير بالصراعات والمناصب وإهمالهم مطالب المواطنين وحاجاتهم ما أدى إلى تدهور الأحوال المعيشية للشعب السوداني. قوبلت تصريحات البرهان بالنقد والتفنيد من المكونات السياسية المدنية وكذلك من قوى الحرية والتغيير التي اعتبرتها محاولة لإضفاء الشرعية على مخططاته الانقلابية.
على الرغم من أن البرهان قد أرجع محاولته الاستيلاء على الحكم إلى حرص الجيش على تجنيب البلاد مخاطر حرب أهلية متوقعة، إلا أنه لا يمكن إغفال أن الحركة الانقلابية جاءت في أعقاب إعلان اللجنة المكلفة بتفكيك نظام البشير السابق برئاسة محمد الفقي، وهو عضو في مجلس السيادة الانتقالي، عن احتمال تورط البرهان وبعض حلفاؤه في شبكة فساد كبيرة تقوم بتهريب الذهب. في حال تمكنت اللجنة من إثبات تورط البرهان في هذه الشبكة فلن يتمكن هو أو أي من حلفائه من الترشح للرئاسة بسهولة في المستقبل.
كان البرهان حريصاً على تعزيز تحالفاته مع عناصر النظام السابق وذلك لضمان حصد الدعم السياسي والمالي من نحو نصف مليون مؤيد يعملون داخل مؤسسات الدولة، ويستطيع من خلالهم أن يحقق طموحاته السياسية في انتخابات المرحلة ما بعد الانتقالية. وأدى دور اللجنة في مصادرة أموال عناصر النظام السابق، وتسريح مؤيديه العاملين في مؤسسات الدولة إلى إعاقة طموحات البرهان الرئاسية.
علاوة على ذلك، يركز البرهان على إقامة روابط وثيقة مع حزب المؤتمر الشعبي لدعم طموحاته. هذا الحزب كان جزءاَ من الحركة الإسلامية السودانية التي شكلت قواعد نظام البشير السابق وبالتالي لا يحظى بثقة قوى إعلان الحرية والتغيير ولا بثقة الشعب السوداني. ومن المفهوم أن تحالفه مع جبريل إبراهيم، وزير المالية السابق ورئيس حركة العدل والمساواة - أحد الموقعين على اتفاقية جوبا للسلام قد ساعده على توطيد تلك الروابط خاصة إبراهيم لم يتوانَ، في مناسبات عدة، عن إعلان اعتراضه على عمل لجنة التفكيك. ولا يخفى أن البرهان قد أوقف عمل لجنة التفكيك، وأعلن نيته مراجعة عملها فور قيامه بالحركة الانقلابية.
نتيجة لاستمرار الاحتجاجات الداخلية وتنامي التنديد الدولي اضطر البرهان وحمدوك للتوصل لاتفاق يمكنهما من العمل المشترك بهدف الاستمرار في مسار التصحيح الديموقراطي لخدمة المصالح العليا للسودان. تتيح الاتفاقية أيضاً للبرهان وحلفائه الفرصة للسيطرة على عملية التحول الديموقراطي، كما فعل نظام البشير السابق من خلال استغلال العمليات الانتخابية وزرع التفرقة بين أفراد المجتمع لنيل الاعتراف الدولي. وبالتالي من المحتمل جدًا أن يرأس البرهان نظامًا استبداديًا مشابهًا لنظام البشير السابق، باستثناء أنه سيضم تحالفًا من القادة الذين لم يتمكن البشير من التأثير عليهم في السابق بالإضافة إلى الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي" وقوات الدعم السريع التابعة له.
من الصعب أن يعطي الشارع السوداني شرعية لهذا الاتفاق الذي لا يقدم حلولاً حقيقية لما تمر به البلاد من أزمات ولا يحقق المستقبل الذي تسعى إليه الجماهير التي تطالب بحكومة مدنية، وهو مطلب لا يمكن تحقيقه تحت قيادة البرهان والجيش. استمرار الاحتجاجات سيدفع ذلك التحالف للتخلي عن البرهان، والوقوف في طريق طموحاته الرئاسية.
جهاد مشامون هو باحث ومحلل سياسي في الشؤون السودانية، ويحمل درجة الدكتوراه في سياسات الشرق الأوسط من معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر. لمتابعته على تويتر @ComardeJihad.