المصدر: Getty
مقال

قادة العالم ينسون اللاجئين السوريين

مع استمرار الحرب، يُحرم السوريون من حقوقهم في بلادهم، ويُحرمون بشكل متزايد من حق الإنسانية في بلدان أخرى، ما يدفع بهم إلى الإعادة القسرية غير القانونية.

 عدنان ناصر و ألكسندر لانغلوا
نشرت في ٥ مايو ٢٠٢٢

تسببت الحرب السورية في اقتلاع ملايين السوريين من أرضهم، فأُرغِم كثير منهم على النزوح بحثًا عن الأمان في البلدان المجاورة. اليوم، يعتبر قادةُ العالم أن الحرب انتهت، ما يدفع بالحكومات المضيفة إلى إقرار سياسات تفرض على اللاجئين السوريين العودة إلى ديارهم. في موازاة ذلك، يواظب الرئيس السوري بشار الأسد على المطالبة بعودة اللاجئين فيما يستعيد السيطرة على الأراضي التي وقعت سابقًا تحت سيطرة المتمردين وتنظيم الدولة الإسلامية. إذن، قد يُرحَّل ملايين السوريين إلى مناطق تسودها أجواء غير آمنة داخل سوريا، من مظاهرها التعرض للثأر على أيدي إدارة المخابرات العامة السورية، والاقتصاد الفاشل، والأعمال العدائية المستمرة في مختلف أنحاء البلاد.

حالة "السلام" السوري

في الواقع، لم تبلغ سورية حالة من "السلام". لقد انهار اقتصادها بسبب النزاع الدائر في البلاد، وأزمة العملة في لبنان، والعقوبات الدولية. ونتيجةً لذلك، يعيش أكثر من 80 في المئة من السكان في الفقر. وسجّلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا بنسبة تفوق 247 في المئة في عام 2020، و100 في المئة في تموز/يوليو 2021. في غضون ذلك، تدّعي الحكومة مؤازرة الشعب السوري من خلال دعم السلع الأساسية فيما تعمد في الوقت نفسه إلى خفض المساعدات من أجل تمويل النفقات العسكرية – فتشتري فعليًا الولاء عن طريق خداع شعبها.

تنتشر الأعمال العدائية على نطاق واسع، من خلال الانتهاكات المستمرة لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب، والهجمات التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية، والقتال المتواصل وعمليات الاغتيال الانتقامية في المحافظات الخاضعة لسيطرة دمشق مثل درعا. ترتكب الميليشيات باستمرار انتهاكات لحقوق الإنسان، فتُقدِم أحيانًا على قتل مدنيين على سبيل الهواية أو بدافع الكراهية العرقية. ويروّج الأسد لهذا العنف بهدف تشريع سيطرته وترسيخها فيما يعمل على تغيير الهندسة الديمغرافية للمناطق التي كانت خاضعة سابقًا لسيطرة الثوّار من خلال سياسات استملاك الأراضي مثل القانون رقم 10 – متجاهِلًا مسؤوليته عن مقتل أكثر من 500 ألف شخص.

في نهاية المطاف، منح حمام الدماء دمشق ذريعة أكبر لمقاومة الإصلاح فيما تستمر في التخلص من كل مَن تعتبره عدوًا عبر تلفيق تهم "إرهابية" بحقه – بما في ذلك ملاحقة العائدين من خلال اتهامهم بجرائم مثل التهرب من التجنيد الإلزامي. ناهيك عن أن لجوء النظام المستمر إلى الإجراءات القمعية، منها الإخفاء القسري، يعني انتفاء المقوّمات التي توفّر أجواء سلمية وآمنة تتيح للاجئين العودة، وفقًا لما أورده كريستوفر سولومون، محلل شؤون الشرق الأوسط ومؤلّف "بحثًا عن سورية الكبرى".

في هذا السياق، لا يزال 102ألف شخص مخفيين قسرًا منذ بدء النزاع، ما يشكّل هاجسًا أساسيًا للاجئين. يختفي لاجئون كثر فور عودتهم إلى البلاد، إذ غالبًا ما تتهمهم عناصر إدارة المخابرات العامة بارتكاب مخالفات. نظرًا إلى محورية هذه المسألة بالنسبة إلى الثورة والأسر السورية، لم يفلح الالتزام الدولي المحدود في إقناع السوريين بأن العودة باتت آمنة. لا بل إن كثرًا منهم يشيرون، عن صواب، إلى أنه لم يتغير شيء منذ مغادرتهم سورية.

وقد سلّطت ناديا هاردمان، الباحثة في قسم حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة هيومن رايتس ووتش، الضوء على هذا الواقع، مشيرةً إلى أن "السوريين لا يريدون العودة، انطلاقًا من المخاوف على السلامة والأمن والتي لا تزال تشكّل هاجسًا حتى يومنا هذا في سوريا. قال الأشخاص الذين تحدثت معهم إنهم تعرضوا لانتهاكات مريعة لحقوق الإنسان – حتى أولئك الذين حصلوا على تصاريح أمنية وقاموا بما عليهم للتأكد من أن السلطات تريدهم ولا تمانع عودتهم". وفي ذلك دليل إضافي على أن سوريا لم تتغير سوى بالحد الأدنى، لا، بل يمكن القول بأنها تغيرت على نحو سلبي، لا سيما بسبب التدابير التي يتخذها الأسد، وإمعانه في رفض الإصلاح دعمًا للدولة البوليسية المتوغّلة عميقًا والتي تتصرف على طريقة المافيات.

تحولات دولية في التعاطي مع الأسد وعودة اللاجئين

في ضوء ما تقدّم، لا يمكن أن يكون فوز الأسد مرادفًا للسلام أو الإصلاح في سوريا ولو بالحد الأدنى. بيد أن عددًا كبيرًا من قادة العالم يعتبر أن النصر والسلام متلازمان، والنتيجة هي سياسات سيئة وغير قانونية لعودة اللاجئين. تحمل مثل هذه القرارات منفعة سياسية للحكومات غير المبالية بدعم اللاجئين، وتشكّل استسلامًا للتيارات اليمينية المتطرفة التي تتعاطف مع الاستقرار الاستبدادي الزائف الذي يفرضه الأسد.

ضغطت بلدان أوروبية عدة للبدء بترحيل السوريين. في عام 2019، جرّدت الدنمارك اللاجئين السوريين من الإقامات ومن حقهم في العمل، معتبرةً أن العودة باتت آمنة نتيجة لانحسار العنف حول دمشق وضواحيها. وحذت دول أوروبية أخرى حذوها، منها العديد من دول أوروبا الشرقية مثل بولندا والمجر ورومانيا. تعكس سياسات "الصد" غير القانونية التي تمنع السوريين من الدخول إلى الدول الأوروبية، مناخًا سياسيًا يزداد استقطابًا وعداءً للاجئين، ومن تجلياته الخلاف الحدودي بين بولندا وبلاروسيا في عام 2021.

الدول المجاورة لسوريا لديها مصلحة كبيرة أيضًا في عودة اللاجئين، بدفعٍ من النزعة الوطنية المعادية للاجئين والمتجذرة في المشكلات الاقتصادية المستفحلة التي تبقى دون معالجة – والمقصود بذلك تحديدًا الأزمات الاقتصادية الراهنة في تركيا ولبنان اللتين تستضيفان حاليًا 3.7 ملايين و1.5 مليون لاجئ على التوالي. وقد دفع ذلك بتركيا إلى اتخاذ قرار بإرغام اللاجئين على العودة قسرًا إلى شمال سوريا، فيما تطالب مجموعات معارضة تركية بعودة جميع اللاجئين السوريين إلى ديارهم في عامٍ يشهد انتخابات في تركيا، وكذلك يطالب مسؤولون لبنانيون باحتجاز اللاجئين السوريين وترحيلهم بطريقة غير قانونية. تستخدم الدولتان مستندات "العودة الطوعية" التي يوقّعها اللاجئون تحت الإكراه.

فيما يتعلق بلبنان، يقول وزير الشؤون الاجتماعية السابق ريشار قيومجيان، وهو عضو في حزب القوات اللبنانية، إنه يفضّل أن تتوافر ظروف إنسانية وآمنة لعودة اللاجئين. لكنه يعتقد أن الأسد وحزب الله ينفّذان سياسات لفرز السكان عرقيًا ودينيًا في مسعى متعمد لمنع السوريين من أن يستقروا من جديد في المناطق حيث كانوا يقيمون قبل النزوح. ويزعم قيومجان أن النظام السوري ليس جادًّا بشأن عودة اللاجئين، مشيرًا إلى أن المحور الموالي للأسد تحت رعاية إيران يسعى إلى إنشاء قاعدة ديمغرافية صديقة لدمشق من خلال تحويل المناطق السنية إلى معاقل شيعية. وحين طُلب من قيومجيان تقديم البرهان على هذا الاتهام، أشار إلى بيانات المعارضة السورية في تركيا. وقد أطلق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع اتهامات مماثلة في عام 2019.

الموقف الرسمي للقوات اللبنانية هو رفض التطبيع مع الأسد في الظروف الراهنة. لكن قيومجيان لم يبدِ اعتراضًا على فرضية انعقاد اجتماع في سوريا بين رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون والأسد لتسهيل عودة اللاجئين. لا بل أعرب عن تأييده للخطة الروسية بإنشاء مناطق آمنة للاجئين داخل سوريا – علمًا بأن تنفيذها بات مستبعدًا في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا.

في هذا الصدد، تلفت هاردمان إلى أن الحكومة والأحزاب اللبنانية في السلطة تعمدت إقرار سياسات "تضمن ألا تتكرر مع اللاجئين السوريين تجربة الفلسطينيين الذين لم يغادروا البلاد. يريدون خلق بيئة مؤقتة لإرغام اللاجئين على العودة، وقد تجلّى ذلك بصورة خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة من خلال فرض قيود على حرية التنقل، وعلى العمل والسكن، مع اعتماد سياسات قائمة على الحجز والتعذيب والترحيل". إذن، فيما ينقسم المسؤولون اللبنانيون في موقفهم من الأسد، تنمّ هذه السياسات عن ازدراء عام للسوريين.

اعتماد البراغماتية والتركيز على الجانب الإنساني في التعامل مع الملف السوري

تقول هاردمان: "ستزداد الأمور سوءًا بالنسبة إلى اللاجئين السوريين"، مشيرةً إلى أنه "ستُبذَل محاولات لتحويلهم إلى كبش محرقة – لا سيما في لبنان – وسيتواصل تضييق الخناق عليهم قبيل الانتخابات المقبلة". تعتبر هاردمان أنه من الضروري مراقبة التمويل الدولي – لا سيما التمويل الذي يتم عن طريق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين – لأن أي خطوة للتحول من مساعدة اللاجئين إلى "برمجة العودة" قد تشجّع الحكومات المضيفة على إعادة اللاجئين إلى بلادهم.

تبعًا لذلك، يجب على القادة العمل من أجل تعزيز الأمان في سوريا مع التصدي في الوقت نفسه لمحاولات فرض العودة على اللاجئين بطريقة غير قانونية، ما يتطلب إرساء توازن صعب. وفي هذا الإطار، يجب العمل على تحسين الظروف الاقتصادية والأمنية من خلال التركيز على إعادة الإعمار، وتثبيت العملة، وتحقيق تقدّم نحو إنهاء الحجز التعسفي والإخفاء، فضلًا عن الوقوف إلى جانب اللاجئين السوريين الذين يرفضون العودة في ظل الظروف غير الآمنة.

لسوء الحظ، من غير المرجّح أن يبادر المجتمع الدولي في القريب العاجل إلى بذل جهود لإعادة الإعمار وتثبيت العملة. في حين يدعم كثر – ومنهم دول الخليج مثل الإمارات العربية المتحدة – هذه الجهود، تولّد العقوبات التي تفرضها واشنطن بموجب قانون قيصر تعقيدات وعراقيل من خلال استهداف معظم مشاريع البنى التحتية والمصرف المركزي السوري. لا تعتزم إدارة بايدن تخفيف العقوبات، حتى في ظل ما يُحكى عن خلاف داخل مجلس الأمن القومي.

في المقابل، تحظى المساعدات من أجل التعافي المبكر بموافقة فعلية من مجلس الأمن الدولي، وببعض التراخيص من مكتب مراقبة الأصول الخارجية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، ما يعني أنه بإمكان الدول استكشاف وسائل مرنة للمساعدة. وفي هذا الصدد، يجب الترحيب بالجهود الهادفة إلى التخفيف من أضرار العقوبات بما يؤدّي إلى تحسين الظروف المعيشية للعائدين والمجتمعات المحلية، نظرًا إلى التأثير الواسع لهذه الجهود، لا سيما إذا كانت عودة اللاجئين حتمية. وقد يشتمل ذلك على إلغاء العقوبات القطاعية، بحسب ما يطالب به خبراء مثل كرم شعار.

تدرك بعض الدول العربية أنه لا بد من تغيير المقاربة. مؤخرًا، دافع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، عن قرار عَمّان التباحث مع دمشق لمعالجة المشاغل الأمنية والتجارية، معتبرًا أن "جلوس الجميع إلى الطاولة يقتضي أداء دور عربي جامع". علاوةً على ذلك، يجب إحداث تحوّل في السياسات. "ينبغي تغيير طريقة التعاطي مع الأزمة السورية لتعود من جديد مسألة تتعلق بسوريا والشعب السوري"، على حد تعبير الصفدي.

تستحق هذه التصريحات الثناء لو أن الأقوال تقترن بالأفعال. يبقى أن نرى إذا كان الأردن أو دول أخرى تلمس فرصة لمناقشة إعادة التطبيع التدريجية التي توفّر ضمانات قابلة للمراقبة لتأمين سلامة السوريين – ومنهم العائدون قسرًا – ولكن يجب أن تكون محط تركيز في المرحلة المقبلة مع إدراك أن فرض العودة القسرية، راهنًا ومستقبلًا، هو ممارسة غير قانونية.

عدنان ناصر، محلل مستقل للسياسة الخارجية وشؤون الشرق الأوسط. تخرج من جامعة فلوريدا الدولية في العلاقات الدولية. لمتابعته على تويتر @Adnanasoutlook29 

ألكسندر لانغلوا، محلل للسياسة الخارجية يركز على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يحمل درجة الماجستير في الشؤون الدولية من كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأمريكية. لمتابعته على تويتر @langloisajl

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.