المصدر: Getty
مقال

الدور القبلي المتزايد في السياسة الشيعية بعد الانتخابات العراقية

قد يؤدّي الصدام بين المجموعات العراقية شبه العسكرية المتحالفة مع إيران وبين التيار الصدري إلى تأجيج النزاعات القبلية في جنوب العراق ومناطق أخرى في البلاد.

نشرت في ١٧ مايو ٢٠٢٢

تؤدّي القبائل في المناطق ذات الأكثرية الشيعية في وسط العراق وجنوبه دورًا مؤثِّرًا في السياسة الوطنية، والسياسة المحلية والقطاع الأمني. وفقًا لاستطلاع أجرته المنظمة الدولية للهجرة مؤخرًا في محافظة البصرة القبلية ذات الكثافة السكانية المرتفعة في الجنوب، ينظر 65 في المئة من المستطلعين إلى النزاعات القبلية المسلّحة بأنها المشكلة الاجتماعية الأكبر في وسط المحافظة. في الوقت نفسه، أعرب 43 في المئة و49 في المئة من المواطنين المحليين والنازحين، على التوالي، عن ثقتهم بالقبائل كشبكات أمان، مقارنةً بـ 25 في المئة و10 في المئة ممن أبدوا ثقتهم بمحاكم الدولة. وأعرب 62 في المئة من المستطلعين المقيمين والنازحين داخليًا الذين يتحدرون في الأصل من محافظات جنوبية أخرى عن "ثقتهم الإيجابية" بزعماء القبائل، فتفوّقت هذه النسبة على النسب التي نالها جميع أفرقاء السلطة الآخرين. والنتيجة هي أن التأثير السياسي المتزايد للقبائل وقدرتها المتنامية على ممارسة العنف يساهمان في تعزيز أهميتها في المشهد السياسي-الأمني العراقي.

في مواجهة التهديد الذي يشكّله صعود مقتدى الصدر إلى السلطة، عمدت المجموعات شبه العسكرية الشيعية العراقية المتحالفة مع إيران والأحزاب السياسية التابعة لها إلى تعبئة الشبكات القبلية سياسيًا في وسط العراق وجنوبه ضد الصدر وتياره المسلّح الذي ينأى بنفسه عن إيران. فهذه المجموعات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران، والتي كانت ممثّلة سياسيًا بكتلة الفتح في برلمان 2018، هي في خلاف شديد مع الصدر الذي فاز حزبه بأكثرية المقاعد في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021. حتى إن تلك المجموعات ذهبت إلى حد الزعم بأن الانتخابات كانت "مزوّرة". وقد تعمدت الأكثرية البرلمانية الصدرية إلى تهميش الأفرقاء المتحالفين مع إيران في الحكومة العراقية المقبلة، ما يؤدّي على الأرجح إلى إضعاف نفوذهم في الأجهزة الأمنية وفي الهيكلية البيروقراطية.

أطلقت المجموعات الشيعية شبه العسكرية، الممثَّلة إلى درجة كبيرة في هيئة الحشد الشعبي، حملة للاحتجاج على النتائج الأوّلية للانتخابات من خلال تعبئة قواعدها الناخبة لقطع الطرق الحيوية وتطويق المنطقة الخضراء في بغداد حيث تقع منشآت حكومية عدة. ولوّح المحتجّون المؤيّدون للمجموعات شبه العسكرية بالأعلام القبلية، وألقى شيوخ القبائل كلمات دعمًا للأحزاب المعترِضة على النتائج. وقد سلّط البيان الثالث الصادر بعد الانتخابات عن تنسيقية المقاومة التي تمثّل مجموعات شبه عسكرية أساسية متحالفة مع إيران، في 18 تشرين الأول/أكتوبر – الضوء على الهويات القبلية للمحتجّين، وطلب منهم عدم السماح بتعطيل مصالح الناس، وفرض الهدوء والانضباط من جديد في الشوارع. وكان أحد أهداف البيان التشديد ضمنيا على اعتبار الشبكات القبلية عنصراً أساساً في تعبئة المجموعات في الشارع، وعلى الإشارة إلى عمق التململ في الجنوب.

احتدم التصعيد بين الصدريين وعصائب أهل الحق، وهو تنظيم أساس آخر متحالف مع إيران، بين كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2022، حين استهدفت خمس محاولات اغتيال في محافظة ميسان زعماء محليين من المجموعتين. تشكّل ميسان، وهي منطقة شديدة القبلية، معقلًا للتنظيمين منذ انشقاق عصائب أهل الحق عن جيش المهدي التابع للصدريين في عام 2006. قد تتسبب هذه الاغتيالات بتوريط الشبكات القبلية في الاقتتال بين المجموعات شبه العسكرية، ما يحرّض بالتالي على العنف القبلي الدموي: على سبيل المثال، في شباط/فبراير من العام الجاري، وجّهت بعض الشخصيات المؤثِّرة على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق والمرتبطة بمجموعات متحالفة مع إيران دعوةً علنية إلى القبائل في الجنوب للهجوم على الصدريين، ولمّحت إلى أنه يجب على القبائل الثأر لأبنائها الذين اتّهمت الصدريين بقتلهم في ميسان. ولكن بعد ذلك، تمكّن الصدريون وعصائب أهل الحق من خفض حدّة التشنجات بينهما بعقد اجتماع رفيع المستوى في ميسان في 11 شباط/فبراير لتسليم المذنبين إلى السلطات.

بعد التصعيد بين الصدريين وعصائب أهل الحق في ميسان، وقّعت إحدى العشائر في قبيلة البومحمد الجنوبية على بيان 15 شباط/فبراير الذي وجّه تهديدًا إلى مذيع تلفزيوني عراقي شكّك في مؤهّلات أبو فدك المحمداوي، رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي الذي ينتمي أيضًا إلى القبيلة. أما الموقّعون الآخرون على البيان فهم عبارة عن مجموعات ل من الأمن الذاتي تتحرك نيابةً عن المجموعات المتحالفة مع إيران لترهيب الخصوم السياسيين. في الوقت نفسه تقريبًا الذي صدر فيه البيان، أعلن الإطار التنسيقي الشيعي الذي يمثّل حاليًا القوى السياسية وشبه العسكرية العراقية المتحالفة مع إيران في مواجهة الصدريين، أنه تلقّى مبادرة من "شيوخ العشائر العراقية الكريمة تدعو جميع القوى السياسية لوضع حلول عملية للخروج من الأزمة الحالية".

كذلك يمكن أن يتسبب الانقسام المستمر بين الصدر وحلفائه والمجموعات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران باندلاع نزاعات قبلية داخلية في محافظة الأنبار السنّية غرب العراق. تشنّ كتائب حزب الله، وهو تنظيم قتالي يؤدّي دورًا أساسيًا في توجيه المجموعات الأخرى المتحالفة مع إيران في العراق، حملة لترهيب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، حليف الصدر ورجل الأنبار القوي الذي يصعّد حدّة خطابه ضد المجموعات شبه العسكرية. على سبيل المثال، نشرت كتائب حزب الله قوات في المحافظة في شباط/فبراير الماضي لتوجيه رسالة تحذيرية إلى الحلبوسي وتعبئة الحلفاء المحليين. وتعمل كتائب حزب الله على تعزيز مكانة سطام أبو ريشة في مواجهة الحلبوسي؛ يُشار إلى أن سطام هو نجل عبد الستار أبو ريشة، القائد الراحل الشهير لمجالس الصحوة المدعومة من الولايات المتحدة والتي حاربت تنظيم القاعدة. في أواخر آذار/مارس، حاول الحلبوسي اعتقال سطام، واجتمع بعمّه أحمد أبو ريشة، أحد قياديي الصحوة، في رسالة لتحدي كتائب حزب الله.

لطالما عملت المجموعات المتحالفة مع إيران على توطيد علاقاتها مع القبائل والعشائر الجنوبية في محافظات مثل البصرة وذي قار وميسان وسواها، منها المحافظات ذات الأكثرية السنّية، قبل القتال ضد مجموعة تنظيم الدولة الإسلامية وأثنائه في غربي العراق وشماله. وقد تعززت هذه العلاقات بصورة أساسية كوسيلة لترسيخ سيطرة المجموعات على المستوى المحلي والحفاظ على إمداداتها اللوجستية والبشرية في ساحات المعارك. والحال هو أن كل واحدة من هذه المجموعات تمتلك مكتبًا قبليًا يشكّل وسيلة للتواصل مع المجموعات المحلية، وتساهم الانتماءات القبلية لقادة المجموعات شبه العسكرية في تسهيل هذا التواصل. من الأمثلة البارزة قائد عصائب أهل الحق المنتمي إلى اتحاد قبائل الخزعل وقائد حركة النجباء المنتمي إلى اتحاد قبائل بني كعب. ويمكن أن تؤدّي هذه الانتماءات المشتركة أيضًا إلى خلط التحالفات، مثلما هو حال فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، وهادي العامري أمين عام منظمة بدر التي تعتبَر القوة الأكبر حجمًا في الحشد الشعبي، وكلاهما ينتميان إلى قبيلة البو عامر.

يمكن أن تتسبب الشبكات القبلية بتعطيل الجهود التي تبذلها أجهزة مكافحة التمرد للقبض على عناصر التنظيمات شبه العسكرية، وذلك من خلال إقدام هذه الشبكات على منع الوصول إلى مناطقها، وتأمينها ملاذًا للمقاتلين. على سبيل المثال، قامت كتائب حزب الله بمأسسة تواصلها مع القبائل من خلال منصّة مسمّاة "تحالف ثورة العشرين الثانية". يتولّى هذا التحالف تنظيم شيوخ القبائل والشخصيات القبلية الموالين للتنظيمات شبه العسكرية والذين يواظبون باستمرار على إصدار بيانات داعِمة لتلك المجموعات وللمحور الإقليمي بقيادة إيران. في الواقع، تطورت هذه العلاقات بين الشبكات القبلية والأحزاب السياسية المدعومة من التنظيمات شبه العسكرية نتيجةً للإرث المشترك في مقاومة نظام صدام حسين، إنما أيضًا نتيجة للعلاقات القائمة على الصفقات في فترات الانتخابات والتي طالما عادت بالفائدة عل الطرفَين بعد عام 2003.

على الرغم من الدور الذي يمكن أن تؤدّيه الشبكات القبلية في حماية المجموعات شبه العسكرية، من شأن مواجهة بين مجموعتَين كبيرتين شبه عسكريتين أن تُرغِم الأفرقاء القبليين على حسم موقفهم علنًا إلى جانب هذا الفريق أو ذاك في حال مقتل عدد كبير من المقاتلين المنتمين إلى تلك الشبكات القبلية. وحيث يصبح الأفرقاء القبليون جزءًا فعليًا من الصدامات بين المجموعات شبه العسكرية، يؤدّي ذلك في الأغلب إلى تأجيج النزاعات بين القبائل والتفكك الاجتماعي في جنوبي العراق ووسطه. على الأرجح أن تعاظم العنف القبلي سيزيد احتمالات الاحتكاك بين قادة المجموعات شبه العسكرية المتنافسة التي يمكن أن تستخدم النزاعات القبلية أداةً مقبولة للتغطية على ممارساتها، بحيث تعمد إلى تصفية الحسابات تحت ذريعة النزاعات القبلية الداخلية.

تعد الشبكات القبلية، هي الأخرى، أطراف مؤثِّرة في الهيكلية الأمنية العراقية. فالشبكات العشائرية والقبلية في وسط العراق وجنوبه التي تتمتع بقدرة كبيرة للحصول على السلاح الخفيف إلى المتوسط، لا سيما بعد شنّ البلاد قتالًا ضد تنظيم الدولة الإسلامية، تخوض بانتظام مواجهات فيما بينها. أحيانًا تقع صدامات مسلّحة بين تلك الشبكات والقوى الأمنية بسبب الخلافات على خلفية القتل الانتقامي (الثأر)، التنازع على الأراضي، والموارد المائية، والتوظيف في المنشآت النفطية في المناطق الغنيّة بالموارد، والتجارة غير الشرعية، والسيطرة بحكم الأمر الواقع على المعابر الحدودية مع إيران، من جملة أسباب أخرى. تنتشر هذه النزاعات في ضوء عجز السلطات الحكومية وتواطؤ فاعلين أمنيين محليين مع الشبكات القبلية أو تدجينها من قبل هذه الشبكات.

المصدر: مشروع البيانات المتعلقة بمواقع وأحداث النزاعات المسلحة (ACLED)؛ www.acleddata.com

التقديرات عن حوادث العنف القبلي في جنوبي العراق بين عامَي 2020 و2022

استنادًا إلى البيانات التي جُمعت من مشروع البيانات المتعلقة بمواقع وأحداث النزاعات المسلحة (ACLED)، ازداد عدد حوادث العنف القبلي في العراق أكثر من مرتَين في عام 2020 مقارنةً بعام 2019، ثم بنسبة 70 في المئة في عام 2021 مقارنةً بعام 2020.[i] [ii] وكانت نسبة هذه الحوادث في المحافظات الجنوبية الثلاث، البصرة وذي قار وميسان، في عام 2020 نحو 46 في المئة من مجموع حوادث العنف القبلي في البلاد، وارتفعت النسبة في المحافظات الثلاث إلى 55 في المئة في السنة التالية. شكّل عدد القتلى في النزاعات القبلية في المحافظات الثلاث نحو 30 في المئة من مجموع عدد القتلى في النزاعات القبلية في العراق. وتضاعفت نسبة القتلى في المحافظات الثلاث مرتَين في عام 2021 مقارنةً بالعام السابق.

في الربع الأخير من عام 2021، تراجعت حوادث العنف القبلي عمومًا في تلك المحافظات مقارنةً بالفصول الثلاثة السابقة من العام نفسه، إلا في محافظة ميسان حيث تسجّل حوادث العنف القبلي زيادةً مطردة. ففي الفصلين الأخيرين من عام 2021، تخطّى عدد حوادث العنف القبلي في ميسان بأشواط عدد الحوادث في البصرة (الشكل). واستمرّت هذه النزعة بقوّة في الربع الأول من عام 2022، حيث حجبت الحوادث المبلّغ عنها في ميسان تلك التي وقعت في البصرة، مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق حين تجاوزت حوادث البصرة حوادث العنف القبلي في ميسان (انظر الشكل).

غالب الظن أن هناك ترابطًا بين الدوّامة التصعيدية بين الصدريين وعصائب أهل الحق في عام 2022 من جهة والزيادة المستمرة في حوادث العنف القبلي في ميسان من جهة أخرى. لقد ساهمت انتخابات العام الماضي في التخفيف مؤقتًا من حدّة العنف القبلي في الجنوب، باستثناء محافظة ميسان، في الفصلَين الأخيرين من العام – ربما بسبب تعزيز الإجراءات الأمنية. لكن التعبئة القبلية المتعلقة بالانتخابات قد تساهم في تمكين شبكات قبلية معيّنة ضد أخرى، ما يتسبب بتفاقم العنف القبلي في البلاد – وهذه الظاهرة مردّها أيضًا إلى تدهور الخدمات، وتغيّر المناخ، والاستثمارات النفطية التي تغذّي الفساد على المستوى المحلي وتحفّز التنافس بين القبائل. من جهة أخرى، إذا مُدِّد للحكومة الحالية لولاية ثالثة، غالب الظن أنها ستحاول زيادة عملياتها الأمنية في الجنوب وتدجين الشبكات القبلية التي قد تستخدمها لتحدّي التنظيمات شبه العسكرية من جملة أهداف أخرى.

تامر بدوي محلل مستقل يركّز على المجموعات شبه العسكرية، والسياسة والأمن في العراق وجواره. باحث دكتوراه ومدرس مساعد في قسم السياسة والعلاقات الدولية في جامعة كنت (كانتربري، المملكة المتحدة) حيث يجري أبحاثًا عن المجموعات شبه العسكرية في العراق. عنوانه على موقع تويتر: @Tamerbadawi1.

ملاحظات:

الشكل: البيانات من مشروع البيانات المتعلقة بمواقع وأحداث النزاعات المسلحة (ACLED)؛ www.acleddata.com

i) أدرجتُ حوادث الهجمات التي شنّتها قوات حشد العشائر ضد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في إطار حوادث العنف القبلي السنوية لأن هناك إمكانية بأن جزءًا من تلك الهجمات هو عبارة عن عمليات قتل تنفّذها القبائل بدافع الانتقام إنما يُبلَّغ عنها وتُصنَّف على نحو مضلل بأنها حوادث تندرج في إطار مكافحة التمرد.

ii)  قال لي خبير في السياسة القبلية في العراق إن هناك قدرًا كبيرًا من حوادث العنف القبلي غير المبلَّغ عنها كما يجب، لا سيما في البصرة. لذلك، تُستخدَم البيانات المستمدة من ACLED في هذا التحليل لتبيان اتجاهات العنف بدلًا من إعطاء رقم محدد عن الحوادث التي حصلت في الواقع.

 
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.