المصدر: Getty
مقال

اتفاق المصالحة في السودان بدون وجهة

المحادثات الأخيرة بين البرهان وقوى إعلان الحرية والتغيير لا تقود إلى غير تعزيز طموحات البرهان الرئاسية.

 جهاد مشامون
نشرت في ١٤ نوفمبر ٢٠٢٢

وجّه المحتجّون السودانيون انتقادات للمحادثات السرّية التي جرت مؤخرًا بين الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية من جهة، وقوى إعلان الحرية والتغيير من جهة أخرى، معتبرين أنها تفتقر إلى الشرعية. يعتقد عدد كبير من هؤلاء المحتجين أن المحادثات تمهّد الطريق لشراكة جديدة مع الجيش بدلًا من نقل السلطة من الجيش إلى حكومة مدنية.

يُعتقَد على نطاق واسع أن الجيش يستخدم المحادثات لتقويض الجهود التي تبذلها قوى إعلان الحرية والتغيير من أجل إعادة بناء مصداقيتها لدى الحركة الاحتجاجية التي بدأت إثر انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021. لم تشارك قوى إعلان الحرية والتغيير في مبادرة نداء أهل السودان التي أطلقها الشيخ الصوفي الطيب الجد، لأنها اعتبرت أن الحوار يمنح شرعية لحكم البرهان وحلفائه انطلاقًا من الاعتقاد بأن الطيب الجد يقيم روابط وثيقة مع نظام البشير. وكانت هذه الخطوة أيضًا بمثابة محاولة لكسب بعض المصداقية لدى المدنيين. لكن على الرغم من المحاولات التي بذلها تكتّل قوى إعلان الحرية والتغيير لترميم علاقته مع الحركة الاحتجاجية، يواجه هذا التكتّل تحدّيات من المجموعات المدنية على غرار تحالف قوى التغيير الجذري الذي يسيطر عليه الشيوعيون، ولجان المقاومة. فهذه المجموعات لن توافق على شراكة جديدة مع الجيش على الرغم من انفتاح البرهان وحلفائه على التوصل إلى اتفاق.

من شأن إبرام اتفاق مع قوى إعلان الحرية والتغيير أن يصب في مصلحة البرهان بطريقتَين أساسيتين. أولًا، البرهان متورطٌ في جرائم، ويستخدم هذه الحوارات بطريقة استراتيجية لترسيخ قيادته على فصائل النظام السابق التي تريد حماية مصالحها السياسية والاقتصادية. إذا لم يحصل البرهان على الدعم من هذه الفصائل، فهو معرَّض لخطر الملاحقة عن الجرائم المتّهم بارتكابها. ثانيًا، يتخوّف البرهان من قدرة عملاء النظام السابق على إطاحته من السلطة عن طريق انقلاب عسكري. وكي يتمكن من الاحتفاظ بسلطته، عليه أن يُشرك هؤلاء المخرّبين المحتملين في أي عملية انتقالية حكومية.1

اللافت أن جهود البرهان لحشد الدعم جاءت في توقيت حرج حيث من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في عام 2024. سيواجه البرهان العديد من أعضاء نظام البشير السابق في السباق على منصب الرئاسة بعد المرحلة الانتقالية. قائمة هؤلاء المنافسين تضم إبراهيم غندور، الرئيس السابق بالوكالة لحزب المؤتمر الوطني، وأمين حسن عمر من التيار الإسلامي، وعلي كرتي، أمين عام الحركة الإسلامية السودانية. للنظام السابق 500 ألف مناصر يسيطرون على الاقتصاد ومؤسسات الدولة، ما يؤمّن لهم مبالغ طائلة وسلطة تنظيمية تمهّد لهم الطريق للفوز في الانتخابات. ويتيح لهم ذلك أيضًا فرصة تزوير الانتخابات مثلما فعلوا في السابق.

إلى جانب الخصوم المنتمين إلى نظام البشير، سيواجه البرهان أيضًا منافسين من تحالفه. وأحد المرشحين هو جبريل إبراهيم، وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الحالي ورئيس حركة العدل والمساواة الذي يعمل لتوحيد النظام السابق وحزب المؤتمر الشعبي من أجل دعم طموحاته الرئاسية. ويسعى الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" أيضًا إلى حشد الدعم في دارفور من خلال المصالحة بين القبائل العربية والأفريقية.

يشكّل تعدُّد المرشحين في السباق على موقع الرئاسة مؤشّرًا مشجّعًا – وربما ساهم في دفع البرهان إلى مواصلة المحادثات مع قوى إعلان الحرية والتغيير. لكن هذه المحادثات تسببت بمزيد من الانقسام في صفوف قوى إعلان الحرية والتغيير التي تتخبط أصلًا بسبب غياب الرؤية للمستقبل. على الرغم من أنه لا يُعرَف بعد إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق، الأكيد هو أنه يجب على تكتل قوى إعلان الحرية والتغيير التحلّي بالمرونة. سيواصل البرهان وحلفاؤه محاولاتهم لتقويض هذا التكتل عند كل فرصة سانحة بهدف الإبقاء على الوضع القائم. ولذلك يتعيّن على قوى إعلان الحرية والتغيير وسائر المجموعات المدنية أن ترصّ صفوفها في جبهة موحّدة ضد الجيش والنظام السابق كي تكون هناك إمكانية لتشكيل حكومة مدنية ديمقراطية في السودان.

جهاد مشامون هو باحث ومحلل سياسي في الشؤون السودانية، ويحمل درجة الدكتوراه في سياسات الشرق الأوسط من معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر. لمتابعته على تويتر @ComardeJihad.

ملاحظة:

1-مقابلة هاتفية مع نزار عبد العزيز، أمين عام الجبهة الوطنية العريضة في 10 آب/أغسطس 2022.

 
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.