المصدر: Getty
مقال

أزمة العمل غير النظامي في تونس

كشفت الأزمة الاقتصادية بعد جائحة كوفيد-19 في تونس عن تحدّيات كبرى في سوق العمل أبرزها مشكلة العمل غير النظامي.

 منال دريدي
نشرت في ١٤ فبراير ٢٠٢٣

سلّطت الأزمة الاقتصادية بعد جائحة كوفيد-19 في تونس الضوء على أزمة أخرى تتعلق بالعمالة، بما في ذلك بوجهٍ خاص تدنّي مشاركة المرأة في سوق العمل وهشاشة الأعمال غير النظامية، لا سيما للأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص ولحساب أعمال صغيرة.

الخصائص الديمغرافية للعمالة غير النظامية

في عام 2019، بلغت نسبة العمالة غير النظامية 44.8 في المئة من مجموع العمالة في تونس، أي نحو 1.6 مليون شخص من أصل مجموع السكان العاملين البالغ نحو 3.6 ملايين شخص1. تشير هذه النسبة المئوية إلى القدرة المحدودة جدًا للاقتصاد النظامي على استحداث وظائف كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة للأيدي العاملة، بما في ذلك فائض الأيدي العاملة غير الماهرة - لا سيما في صفوف السكان الأميين وغير المتعلّمين – والذي لا يلبّي احتياجات السوق. لقد أسفر هذا النقص عن نتائج كارثية لسكان الأرياف والشباب والنساء الذين يشكّلون شريحة كبيرة من القطاع غير النظامي.

تتّسم العمالة غير النظامية، بصورة عامة، بانخفاض مستويات رأس المال البشري. لقد أتمّ 45 في المئة من الموظفين في هذا القطاع مرحلة التعليم الابتدائي فقط، وأنهى 35 في المئة مرحلة التعليم الثانوي فقط، ويشكل الأميون 12 في المئة، في حين تابع 8 في المئة فقط من التونسيين (أو نحو 128000 شخص) تحصيلهم الجامعي. الجدير ذكره أن النساء يشكّلن الغالبية الساحقة من الفئة الأخيرة التي أتمّت مرحلة التعليم العالي، إذ يصل عددهن إلى 80000 من أصل 128000 شخص.

تبلغ نسبة الشباب، الذين يشكّلون 23 في المئة من مجموع القوة العاملة في البلاد، 32 في المئة من العاملين في القطاع غير النظامي. وذلك مؤشّرٌ على عجز الشباب، بما في ذلك الخرّيجون الجامعيون، عن الحصول على وظائف لائقة ونقص الوعي لديهم بشأن هذه الوظائف. وفي ضوء تخطّي نسبة البطالة 30 في المئة، ينظر كثرٌ إلى العمل غير النظامي بأنها مسار مؤقّت سيتيح لاحقًا الانتقال إلى التوظيف النظامي. فهم يقبلون بالعمل غير النظامي للحفاظ على وضعهم كطالبي وظائف للمرة الأولى، ما يوفّر لهم منافع مثل التدريب المهني، والمساعدة في البحث عن وظيفة، والدعم المالي للشركات البالغة الصغر من خلال السياسات الحكومية المتعلقة بسوق العمل النشطة.

ظروف العمالة غير النظامية

في ما يتعلق بتوزيع الأدوار في القطاع غير النظامي، نحو 55 في المئة من العاملين في هذا القطاع هم موظفون، ويعاني معظمهم من انعدام الأمان الاجتماعي في حين أن أصحاب العمل والأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص يتمتعون في معظم الأحيان بظروف أفضل في عملهم. يعاني الموظفون في القطاع غير النظامي من قساوة ظروف العمل، وتدنّي الدخل، وعدم امتثال أصحاب العمل لأحكام قانون السلامة والصحة في العمل. على سبيل المثال، لا يُسمَح للموظفين، لا سيما النساء، بالحصول على إجازة مدفوعة أو إجازة مرضية أو أمومة. علاوةً على ذلك، غالبًا ما يُصرَفون ويُحرَمون من حقوقهم في حال وقوع خلافات في العمل أو تعرّض أصحاب العمل لمشكلات اقتصادية.

يتّسم القطاع غير النظامي بمحدودية الإنتاجية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتدنّي مستويات التعليم والتدريب في صفوف العمّال. ويُعزى ذلك أيضًا إلى الحجم الصغير للشركات، بما لا يُتيح لها الإفادة من وفورات الحجم. في الواقع، يبلغ عدد الموظّفين في 85 في المئة من الشركات البالغة الصغر 5 أشخاص أو أقل، ولدى 60 في المئة منها تقريبًا موظّف أو موظّفان فقط. تواجه هذه الأعمال الصغيرة صعوبات في الإفادة من التقدّم المالي والتكنولوجي الذي من شأنه مساعدتها على التحوّل إلى شركات تنافسية.

الآثار المناطقية

تختلف آثار العمالة غير النظامية بين المناطق الريفية والحضرية في تونس، مع الإشارة إلى أن المناطق الريفية لا تزال تعتمد بشكل خاص على الاقتصاد غير النظامي. في المدن، يستحوذ الاقتصاد غير النظامي على 26 في المئة فقط من مجموع الوظائف.

تعد المناطق الشرقية والجنوبية في تونس الأكثر تأثّرًا بالعمالة غير النظامية، ولكن النسب تختلف من 68 في المئة في الغرب الأوسط إلى 48 في المئة في الشمال الغربي، و47 في المئة في الجنوب الغربي و44 في المئة في الجنوب الشرقي. بينما تمتلك تونس الكبرى والشمال الشرقي أقل المعدلات بما يعادل 22 في المئة و31 في المئة على التوالي. هذه المناطق متخلّفة عن باقي البلاد، وتُظهر مستويات متدنّية من التنمية الاقتصادية، كما أن حصّتها من الاستثمارات العامة والخاصة هي الأدنى بين المناطق، ما يحول دون قدرتها على تحقيق النمو المستدام. تفتقر هيكليتها القطاعية إلى التنويع الشديد، والنشاط الاقتصادي الأكثر انتشارًا هو الزراعة التي تستحوذ على 61 في المئة من العمالة غير النظامية في المناطق الريفية. تبعًا لذلك، تجعلها قدرتها المتدنّية على التأقلم شديدة الهشاشة إزاء الآثار الكارثية للأزمة.

خلاصة

من الضروري وضع خطة لتسهيل انتقال العمّال إلى الاقتصاد النظامي من أجل تحقيق العمل اللائق للجميع والتنمية الشاملة. يقتضي ذلك تنفيذ سياسات موجَّهة نحو التنمية تساهم في تعزيز الأنشطة الإنتاجية، وريادة الأعمال، والابتكار من أجل تحقيق النمو الاقتصادي الذي يحفّز استحداث الوظائف. في الوقت نفسه، يجب على الحكومة أن تعزّز تدريجًا فهمها لتعقيدات القطاع غير النظامي القائم في البلاد، وكذلك سلطتها على هذا القطاع، لضمان الامتثال للقانون ومراعاة قواعد السلامة لجميع العمّال التونسيين خلال عملية الانتقال إلى الاقتصاد النظامي.

منال دريدي حائزة على شهادة دكتوراه في التنمية الاقتصادية. تعمل حاليًا مستشارة لدى وزير التشغيل والتكوين المهني في تونس، وهي مساعدة بحثية أولى في مختبر الأبحاث حول المستقبل والاستراتيجيات والتنمية المستدامة (PS2D)، بجامعة تونس المنار.

ملاحظة:

1- تستند جميع الإحصاءات إلى حسابات الكاتب وبيانات صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء والمرصد الوطني للتوظيف المؤهلات في تونس.