المصدر: Getty
مقال

الانتخابات التركية ومستقبل سوريا

ستكون للانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا تداعيات وخيمة، وإن كانت غير مؤكّدة بعد، على الأوضاع الأمنية والإنسانية في شمالي غرب سوريا.

 بيير بوسيل
نشرت في ١٦ فبراير ٢٠٢٣

في مطلع شباط/فبراير، أصبحت المنطقة الحدودية السورية-التركية من جديد محورًا للأنباء الدولية بعد مقتل الآلاف بسبب الزلزال المدمّر الذي ضرب المنطقة الواقعة جنوب شرق تركيا. وقد تقدّمت التعقيدات السياسية للمنطقة إلى الواجهة على خلفية المحاولات الصعبة لتنسيق المساعدات الإنسانية وجهود الإنقاذ، رغم أن الأوضاع الإنسانية والأمنية في المنطقة تعاني من الهشاشة منذ سنوات.

لطالما أدرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سورية على قائمة أولوياته، لأنها تمثّل الدائرة الأولى لعمقه الاستراتيجي، وفي الوقت نفسه منطقة تسلل محتملة للمقاتلين الأكراد المؤيّدين للانفصال. فيما تتوقع بعض استطلاعات الرأي خسارة أردوغان، الحاضر أينما كان والثابت في مكانه، الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 14 أيار/مايو المقبل، يزداد التوجّس بشأن مسألتَين أساسيتين في الحملة الانتخابية: الدعوة التي وجّهها أردوغان للمصالحة مع دمشق، ومغادرة 3.6 ملايين لاجئ سوري. والحال هو أن أردوغان مهدَّدٌ حالياً من ائتلاف من الأحزاب المعارضة، منها حزب الشعب الجمهوري الكمالي الذي يطالب بإعادة النظر في السياسة التركية في الملف السوري. وقد تعهد أردوغان، تحت تأثير ضغوط من قاعدته الناخبة في حزب العدالة والتنمية، بالتزامات في هاتين المسألتَين، حتى لو يكن يؤيّد أيًا منهما.

في هذا السياق، انطلق برنامج لعودة السوريين إلى بلادهم، والعمل جارٍ حاليًا لإعادة مليون لاجئ إلى شمالي سورية. وبدأت تركيا أيضًا حوارًا مع دمشق برعاية روسية على الرغم من عمق الخصومة بين الدولتَين المتجاورتين على خلفية الأنشطة التركية في الشمال الغربي.

يتحرّك السكان في شمالي غرب سوريا للتعبير عن معارضتهم لسياسة الحوار الجديدة التي تنتهجها تركيا مع حكومة الأسد. وقد أعربت هيئة تحرير الشام، على الرغم من أنها حليفة لتركيا، عن أسفها لأن جدول الأعمال التركي "لا يتوافق" مع أهداف الثورة السورية. وأبدى كذلك ائتلافٌ من مجموعات مسلّحة منضوية تحت راية الجيش الوطني السوري معارضته للتطبيع التركي مع النظام السوري، خوفًا من أن يؤدّي ذلك إلى اقتتال بين الأخوة في المجموعات المسلّحة في حال انسحاب تركيا على وجه السرعة.

إذا فاز أردوغان في الانتخابات الرئاسية، فسيواصل على الأرجح سياسته الراهنة في سورية، ولكن في حال خسارته في الانتخابات، غالب الظن أن الفريق الرئاسي الجديد سيسعى إلى تغيير المقاربة. لا يُتوقَّع حدوث تغييرات كثيرة على صعيد المواجهة مع حزب العمال الكردستاني، ولكن تُطرَح علامات استفهام عدّة بشأن التعاطي مع المسألة السورية. على سبيل المثال، يعمل الجيش التركي راهنًا على بناء مهبط للمروحيات في قاعدة بليون لتعزيز ثكناته العسكرية، البالغ عددها 60 إلى 80 ثكنة، في محافظة إدلب. وفي حال حدوث تغيير حكومي في أنقرة، فلا يبدو واضحًا ما إذا كانت هذه الثكنات ستُفكَّك أو تُعزَّز.

التحالفات مهمةٌ أيضًا. فالمجموعات المسلّحة في محافظة إدلب تحافظ على تواصل منتظم مع أجهزة الاستخبارات التركية. فقد اعتادت هذه المجموعات التعايش مع احتمال حدوث عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، علمًا بأن هذا الخيار يلقى معارضة من الأميركيين والروس. ليس أكيدًا كيف يمكن أن يؤثّر تقارب تركي محتمل مع دمشق في الحسابات التركية على الأرض. أما قادة هيئة تحرير الشام فيتحدّثون عن "مسار خاطئ" ويعلّلون أنفسهم بأن المصالحة مستبعدة بسبب الخلافات السورية-التركية المتعلقة بتداخل الأراضي ودور حزب العمال الكردستاني.

لا يزال النازحون في الشمال الغربي يبحثون عن سبل البقاء في سياق الالتباس السياسي الحاد والمعاناة الإنسانية الشديدة. ويبدي اللاجئون السوريون في تركيا قلقهم أيضًا من إعلان أردوغان عن تسريع جهود الترحيل فور تحقيق نتائج من خلال المبادرات الدبلوماسية مع النظام السوري.

طوال سنوات، كانت الأوضاع في شمالي غرب سوريا رهنًا إلى حد كبير بالقرارات الصادرة عن أنقرة. لا يزال ذلك صحيحًا الآن، فبينما يترقّب اللاجئون والنازحون والمجموعات المسلحة نتائج الانتخابات التركية، هم يعلمون أن مستقبلهم سيتأثّر بالانتخابات، أيًا تكن النتيجة.

بيير بوسيل كاتب عمود خاص وباحث مساعد في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية في باريس. يركّز في عمله على المجموعات المسلّحة في العالم العربي وعلى الإسلام السياسي.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.