"اليوم، أزلنا وصمة العار تلك" قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس-غرينفيلد، مشيرةً إلى إخراج إيران من لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة في كانون الأول/ ديسمبر 2022. أتى هذا التصويت، الذي أجراه المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، بعد إطلاق حملة دبلوماسية أمريكية لتجريد إيران من قدرتها على كسب الشرعية من خلال مشاركتها في أبرز الهيئات العالمية المختصة بالمرأة، نتيجة حملتها الوحشية في قمع حركة احتجاجية تقودها الإيرانيات داخل حدودها.
هذا التبرير الرسمي الذي أعلنه المسؤولون الأمريكيون، الذي ركز على أن وجود إيران يقوض مصداقية اللجنة بأكملها، حصل على دعم مجموعة من النشطاء الإيرانيين البارزين ومن مؤيدي حقوق المرأة ذوي النفوذ. رغم ذلك، من الواضح أن القرار الأمريكي لطرد إيران من اللجنة لم يكن مستقلا عن المعركة السياسية الأوسع بين الدولتين، بما في ذلك، بوجهٍ خاص، الرغبة الأمريكية في دفع إيران لهامش المجتمع الدولي.
لذا، وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، التصويت بأنه "مؤشر آخر على التوافق العالمي المتزايد بشأن سلوك إيران". على الرغم من أنه عبر عن الوضع بتلك الدرجة من الثقة، غير أن القرار النهائي بطرد إيران لم يصل إلى الإجماع، حيث صوتت 29 دولة لصالح المشروع الأمريكي و عارضته 8 (بما في ذلك روسيا والصين وسلطنة عمان) بينما امتنعت 16 دولة عن التصويت.
علاوة على ذلك، بم يستغل أعداء إيران التقليديون هذه الهزيمة الدبلوماسية لانتقاد سياسات الجمهورية الإسلامية. كما التزم شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط (باستثناء واضح لإسرائيل) الصمت إلى حدٍ كبير تجاه التصويت.
هذه الديناميات تتعارض، على مستويين، مع الحجة الأمريكية بخصوص التوافق الدولي. أولاً، كما لم تكن الحملة لطرد إيران منفصلةً عن المسائل السياسية الأوسع نطاقاً، كذلك لم تكن حسابات الدول الأخرى (التي كان عليها أن تقرر ما إذا كانت ستدعم الحملة) بعيدةً عن السياسة. فدول منطقة الشرق الأوسط حذرة من أن تصبح متورطة في الوضع الراهن في إيران بسبب الجهود الحساسة التي قامت بها لخلق التقارب الإقليمي، بالإضافة إلى احتمال اندلاع أنواع مماثلة من الاحتجاجات داخل حدودها. ثانياً، مفهوم حقوق المرأة لا يشكل مبدأً يثير التوافق السياسي في المنطقة، بل يمثل ساحة معركة سياسية بحد ذاتها.
آخر التطورات بشأن سياسة حقوق المرأة
ظهرت الحملة الأمريكية لتجريد إيران من عضوية لجنة وضع المرأة على خلفية الاهتمام الدولي المتزايد بحقوق المرأة، والذي ركز على مطالب المتظاهرين في إيران وقرارات طالبان المتتالية بحظر النساء من الجامعات وقطاعات الحياة العامة الأخرى في نهاية عام 2022. انتقال هذه القضايا إلى صدارة الأجندة السياسة العالمية أجبر دول العالم على أن تتخذ موقفا من أجل حقوق المرأة بشكل لم يسبق له مثيل. وأدى ذلك إلى إثارة الغضب العالمي حيث سارع قادة في كل أنحاء العالم لإدانة الحكومة الإيرانية وطالبان.
أما فيما يخص العالم العربي تحديداً، فقد استنكرت بقوة عدد من الدول العربية - بما في ذلك تلك التي تسعى للحفاظ على التواصل المحدود مع حكومة طالبان - قرارات طالبان الأخيرة. فعلى سبيل المثال، أعربت المملكة العربية السعودية عن "استغرابها وأسفها"، كما أصدرت قطر إدانتها، واصفةً نفسها بأنها دولة مسلمة تتمتع فيها المرأة بجميع حقوقها". ومع ذلك، فإن الدول العربية لم تصدر بيانات بشأن أوضاع حقوق المرأة في إيران على الرغم من الاحتجاج الدولي عليها. يشير صمت هذه الدول إلى ترددها الجماعي عن التورط في النقاشات الدولية بشأن حقوق المرأة التي تقترب من حدودها وسياساتها بشكل ملموس.
علاوة على ذلك، خلال جلسة لمجلس الأمن في نوفمبر/ تشرين الثاني بشأن الوضع في إيران، دعت المندوبة الإماراتية إلى "ممارسة ضبط النفس" ولكنها لم تفرد إيران بمعاملتها للنساء، وبدلاً من ذلك، قالت إن "القيود المفروضة على النساء. . . وباء ذو أبعاد عالمية ". في حين أن هذا البيان صحيح من الناحية النظرية، فإن تقديمه في جلسة بشأن انتهاكات إيران المحددة كان ملفتًا للنظر من حيث نيتها الواضحة لتحويل الانتباه، لا سيما بالنظر إلى رد الإمارات المستهدف للانتهاكات في أفغانستان. في أكتوبر/ تشرين الثاني، أكّدت المندوبة الإماراتية الدائمة أن الوضع في أفغانستان يمكن أن يؤدي إلى "أبارتهيد بين الجنسين".
ومع ذلك، لم تكن الدول العربية هي الوحيدة التي أبدت قلقها تجاه الحملة التي قادتها الولايات المتحدة فحسب، بل أُثيرت الشكوك ضمن مجموعة متنوعة من البلدان، بينها تلك التي تنتقد سياسات الحكومة الإيرانية. لقد ترددت هذه الدول لأسباب تتنوع بين الإجرائية والسياسية. كان البعض قلقًا بشأن شرعية هذه الخطوة، فضلاً عن السابقة الخطيرة المحتملة التي قد تحددها. ومن وجهة نظر آخرين، بدا أيضًا أن إيران فُردت للانتهاكات من جانب لجنة يتم تمثيل فيها منتهكي حقوق المرأة بشكل كبير. فالصومال وباكستان من بين الأعضاء الحاليين الآخرين، والمملكة العربية السعودية، التي ستبدأ منصب جديد في اللجنة في مارس/ آذار هذا العام، أثارت غضبًا مماثلاً من جانب المنظمات الحقوقية. هذه المنظمات لم تقتنع بالإصلاحات التي قامت المملكة بتنفيذها مؤخرا، وبدلا من ذلك، تشير إلى اعتقال عديد من الناشطات في مجال حقوق المرأة في السنوات الأخيرة. بالطبع لا تنظر الولايات المتحدة إلى هذه الحقيقة بأنها سبب لحظر السعودية من المشاركة في اللجنة، ولكن يبين صمت المملكة بشأن إخراج إيران أن المسؤولين السعوديين يعوون وضع بلادهم إلى درجة تكفي لتجنب توجيه الانتقادات، التي يمكن للآخرين في نفس الوقت استخدامها بسهولة لشجب سجل السعودية.
بشكل عام، هناك أكثر من وصمة عار واحدة على مصداقية اللجنة، وقد يقول البعض إن الولايات المتحدة، مع التراجع بخصوص الحقوق الإنجابية الذي حدث في البلاد في عام 2022، لا تحتل موقعا مناسبا للإشراف على جهود إخراج وصمات العار.
تبادل الاتهامات
في رده على طرد بلاده، بدا أن المندوب الإيراني يدرك أن أقوى نقطة دفاع لإيران هي السجلات الناقصة للآخرين. ولذلك، أشار إلى معاملة إسرائيل للنساء الفلسطينيات والنكسات التي تواجهها النساء الأفغانيات في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. علاوة على ذلك، قدم المندوب الروسي مزيدًا من الدعم للموقف الإيراني بالإشارة إلى انتهاكات الشرطة الأمريكية، بما في ذلك - وبشكل غير منطقي - مقتل آشلي بابيت، المرأة الأمريكية التي أطلقت عليها الشرطة النار أثناء مشاركتها في اقتحام مبنى الكونغريس في 6 يناير/ كانون الثاني عام 2021.
بغض النظر عن هذه المحاولات لإبراز النفاق الذي يتسم به التركيز الكبير على إيران، لا تزال الجمهورية الإسلامية تعتبر استثنائيةً فيما يخص أمر بارز: إنها واحدة من عدد قليل من الدول في العالم التي لم تقوم بأي عملٍ بشأن المعاهدة الدولية الأساسية من أجل حقوق المرأة، أي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). (من الجدير ذكره أن الدولة الرئيسة الأخرى في هذه المعركة الأخيرة - الولايات المتحدة - وقّعت على الاتفاقية، ولكنها لم تصدق عليها). لكن بالرغم من أن كل دول الجامعة العربية، باستثناء السودان والصومال، قد صدقت على أو انضمت إلى سيداو، فإن استمرار وجود قوائم طويلة من التحفظات على الاتفاقية، في المنطقة العربية، يشير إلى وجود خلافات مثيرة للجدل حول بعض أهم الأمور، لا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة داخل الأسرة، في الزواج والميراث ومنح الجنسية للأبناء، على سبيل المثال.
أما بالنسبة للتصنيف لدى المنظمات التي تقيّم المساواة بين الجنسين، فإن إيران تحتل موقعا ضعيفا، لكن معظم جيرانها العرب قريبون منها في أدنى النسب المئوية. لهذا السبب، هناك مبدأ قوي يشجع على عدم التدخل في حقوق المرأة بين الدول الإقليمية - حتى الدول المتصارعة - حيث قد يطبق العديد من النقاط التي يؤكدها الانتقاد الدولي على الكثير من دول المنطقة. في هذا السياق، تجنب النقاشات الدولية الشائكة حول حقوق المرأة (بما في ذلك قضية الحجاب) يفيد كل دولة، رغم الخلافات السياسية الأخرى بينها.
في النهاية، تتفق معظم الدول على تلك التي توصف بأنها "قضايا سهلة"، مثل مسألة السماح للفتيات بالذهاب إلى المدرسة. إذ أن الحكومة التي تسيطر عليها طالبان منبوذة، وسياساتها رجعية لدرجة أن إدانة أفعالها ليست خطوةً سياسيةً صعبةً. لكن هذه الحالة فريدة من نوعها في السياسات المعقدة لحقوق المرأة العالمية. بحسب القانون الدولي، حقوق المرأة ليست أمرا نسبيا، ولكن السياسة المتعلقة بها داخل الأمم المتحدة – والسياسة العالمية بشكل عام – هي بالتأكيد كذلك.
استبعاد شديد الخطورة
في التصريحات نفسها التي تم الاستشهاد بها في الفقرة الأولى، تساءلت السفيرة توماس-غرينفيلد عن مصلحة إيران في الحفاظ على عضويتها في اللجنة، قائلةً: "كان الإيرانيون متوترين من هذا. . .الحقيقة أنهم كانوا هناك، واحتجوا - من الواضح أنهم، لأسباب غير واضحة بالنسبة لي، يريدون أن يكونوا عضوا في هذه اللجنة". على عكس ارتباك السفيرة (وإن كان غير حقيقي)، فإن السبب وراء رغبة إيران في الحفاظ على مكانتها في اللجنة واضح: النقاشات حول حقوق المرأة هي محور السياسة الدولية والاستبعاد منه ليس موقعا مريحا.
كيتلين هاشم مُحررة اللغة الإنجليزية لمطبوعة صدى. لمتابعتها على تويتر: @KaitHashem.