في النقاش المفتوح السنوي الذي شهده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن المرأة والسلام والأمن في تشرين الأول/أكتوبر 2021، قالت سعادة السفيرة لانا نسيبة، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، إنه "يجب أن يُفرَض على جميع الأفرقاء الذين يخططون لعمليات السلام ويُعدّونها إدراج مجموعة من وجهات النظر والآراء، بما فيها آراء النساء المحليات". ولكن عند التطرق إلى المرأة في السلام والأمن في سياق منطقة الخليج، نتحدّث عن المنظورات والعدسات المتباينة التي ينظر من خلالها الأفرقاء المختلفون في المجتمع إلى الأدوار الجندرية. ولكن نادرًا ما نطرح السؤال، كيف تنظر المرأة الخليجية إلى نفسها، وهل تريد حقًا أن يتمّ إشراكها في ذلك القطاع؟ والحال هو أن الواقع على الأرض يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كان إشراك المرأة في الأمن والسلام هو، بحسب ما قد يلمّح إليه المشكّكون، مجرد أجندة خارجية تستخدم "تمكين النساء" لبناء قدرات الدولة بدلًا من قدرات الفرد.
في عام 2014، تصدّرت الرائد مريم المنصوري، التي شاركت في شنّ هجمات جوية على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، العناوين بوصفها أول امرأة تحمل رتبة طيار رائد مقاتل في الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج. واستقطبت المنصوري اهتمامًا دوليًا واسعًا لدورها في القتال، وأُطلِق عليها لقب "سيدة الحرية". وقد نشرت وسائل إعلام كبرى مثل "سي إن إن"، و"بي بي سي"، و"نيويورك تايمز" و"الغارديان" تقارير عن المنصوري. ولكن على الصعيد الداخلي، وبوجهٍ خاص خارج الدوائر العسكرية، كان الترحيب بالرائد المنصوري فاترًا نسبيًا. في الواقع، تمحور رد الفعل الواسع وغير الرسمي حول التساؤل، بطريقة تنتقص من قدرها، عن أصولها لناحية والدتها، وهو ما تطوّر مؤقتًا إلى محاولات بغيضة لإنكار انتمائها إلى قبيلة المناصير.
على الرغم من أن الأصول العائلية في منطقة الخليج هي من جهة الأب، يؤدّي النسب لناحية الأم دورًا مهمًا في تحديد درجات البُعد والانتماء، ما يولّد فئة من "الغرباء الداخليين" يُفهَم من خلالها لماذا تسود ممارسات غير تقليدية اجتماعيًا. ثمة دلالات وتلميحات عنصرية منسوجة في الخطاب المجتمعي لردع النساء عن الابتعاد عن الأدوار الجندرية التقليدية. وتسعى الأسر، من خلال تمسّكها بالأدوار الجندرية التقليدية، إلى حماية مكانتها الجيدة في المجتمع، إنما أيضًا لياقة نسائها واحتشامهن.
اعتُبِر الجيش لفترة طويلة مجالًا محصورًا بالأشخاص ذوي الأداء الأكاديمي المتدنّي والذين تنقصهم الكفاءة. وكان المتسرّبون من المدارس يُستوعَبون عادةً في الجيش الذي كان بمثابة ممرّ نحو المواطنة المنتِجة. والنظرة نفسها إلى القطاع الأمني صحيحة إلى حد كبير اليوم، إنما في حالة النساء بصورة أساسية. في الآونة الأخيرة، نجح الجيش في اجتذاب أعداد كبيرة من الخرّيجين الجامعيين الذكور المتفوّقين المنتمين إلى خلفيات عرقية متنوعة وإمارات مختلفة. ولكن العوامل العرقية أكثر بروزًا في حالة النساء، إذ ينظر المجتمع إلى دخول المرأة إلى المجال الأمني بأنه نابعٌ لا من الحاجة الاقتصادية فقط، إنما أيضًا من خلفيات اجتماعية لا تعتبر دفع المرأة إلى الانضواء في المهن التي تفرض عليها ارتداء الزي العسكري والأمني أمرٌ يحطّ من قدرها أو يجلب لها العار. وفي حين أن النفور العام من رؤية المرأة في الزي العسكري أو الأمني تراجعَ بصورة ملحوظة، لا سيما في ضوء مشاركة نساء من النخب الحاكمة بطريقة نشطة في القطاع الأمني ومساهمتهن في الترويج له، يبقى التحدّي قائمًا بالعمل على جذب الأعداد الكبيرة من النساء الحائزات على شهادات جامعية.
بغية معالجة هذه الأعراف الاجتماعية الضاربة الجذور، أخذت الإمارات على عاتقها دعم النساء من مختلف الخلفيات العرقية. وفيما احتفلنا بتسلّم الإمارات رئاسة مجلس الأمن الدولي لمدة شهر العام الماضي، والتي تولاّها وفدٌ ترأسه امرأة إماراتية، من المهم تسليط الضوء على النظرة إلى السفيرة لانا نسيبة في الداخل، لا سيما نظرة النساء الإماراتيات إليها. ففي حين اعتُبِرت الرائد المنصوري، في البداية، غريبة داخلية، يُنظَر إلى نسيبة، في ضوء إطلالتها في البذلة ولهجتها التي يبدو جليًا اختلافها عن اللهجة الخليجية، بأنها غريبة خارجية – أي إنه غالبًا ما يُشبَّه اندماجها الهامشي بتجنيس لاعبي كرة القدم الذين تقضي مهمتهم بمساعدة المنتخب الوطني على التأهّل في البطولات العالمية.
تكتسي هذه النظرة إلى الانتماء ونقاوة الأصل أهمية محورية في كيفية تعامل النساء مع التوقعات والأعراف المجتمعية في الخليج. وقد فُرِض الطابع الأمني بشكل خاص على المجتمع ككل ومؤسساته الكثيرة عقب الانتفاضات العربية. فقد اعتمدت الإمارات ودول خليجية أخرى التجنيد العسكري الإلزامي للرجال، والذي لا يزال طوعيًا للنساء، وأطلقت أيضًا شكلًا من أشكال التجنيد المدني عن طريق الخطاب العام. تُلقَّن النساء أن هناك أشكالًا كثيرة من الأمن، وأحدها هو الأمن الثقافي الذي تأتي المرأة في طليعته. شكّل الغضب العام الذي أثاره مقطع فيديو حقّق رواجًا واسعًا العام الفائت لمناسبة يوم المرأة الإماراتية، مثالًا لافتًا على استنهاض النساء الإماراتيات لاتخاذ إجراء قانوني بحق مجموعة من مواطنيهن يُزعَم أنهم أساؤوا تجسيد جوهر المرأة الإماراتية.
إن الخط الفاصل بين الأدوار الأمنية الملائمة للنساء، مثل مناصب السفراء والوظائف الأخرى في السلك الدبلوماسي، والأدوار الذكورية من حيث الزي الخاص بها ووظائفها، متجذّرٌ في الصورة المجتمعية، ويتعارض مع رغبة الدولة المعلنة في إشراك المرأة في الأمن وبناء السلام. إذًا ألا ينبغي أولًا تصحيح النزاع بين طموحات الدولة والقواعد المجتمعية كي تتمكّن المرأة من التقدّم في الأمن وبناء السلام؟ ولكن مجددًا يُطرَح السؤال، هل ترغب النساء الخليجيات، اللواتي لطالما نشأن مجتمعيًا على إظهار الرقّة والدماثة ومكانة أسرتهن الجيدة، في ذلك النوع من الإشراك؟
ميرة الحسين باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة أكسفورد تركّز في عملها على العلوم الاجتماعية للتعليم العالي في الخليج. لمتابعتها عبر تويتر: @miraalhussein.