يشهد لبنان تجدد مشاعر العداء تجاه اللاجئين السورييين، بلغت هذه المشاعر ذروتها بترحيل عدد من اللاجئين. لطالما كان السوريون في لبنان كبش فداء في المنظومة الاجتماعية-الاقتصادية التي تعاني من اختلال وظيفي وتتغذى من العمل غير النظامي وعدم شرعية المؤسسات. يزعم الجيش اللبناني أنّ مَن يقوم بترحيلهم هم فقط السوريون "غير الشرعيين"، أي بعبارة أخرى، السوريون غير المسجّلين في عداد اللاجئين أو الذين لا يملكون إقامة قانونية وأذون عمل. ولكن الأسس التي تقوم عليها عمليات الترحيل هذه متناقضة أو حتى مخالفة للقانون نظرًا إلى أن لبنان لم يعترف، في المقام الأول، بوضعهم كلاجئين. ومن المهم الإشارة أيضًا إلى أن الحكومة منعت المفوضية العليا للاجئين، منذ عام 2015، من الاستمرار في تسجيل اللاجئين في حين أن من شبه المستحيل تجديد الإقامة وأذون العمل.
تكشف هذه العوائق فعليًا عن تناقضات التصنيف بين لاجئ ونازح. هذا فضلًا عن أن "سياسة اللاسياسة" الاستراتيجية التي اعتمدتها الحكومة اللبنانية في المرحلة الأولى للنزاع اقترنت بتعهد بإبقاء الحدود اللبنانية مفتوحة مع سورية. وهكذا فإن المحاولات التي بُذلت لاحقًا لاحتواء حركة اللاجئين جاءت متأخرة جدًا في ضوء مجموعة من العوامل تشمل مسامية الحدود اللبنانية تاريخيًا لا سيما في ما يتعلق بالسوريين، والانقسامات السياسية بين معارضي نظام الأسد في لبنان وحلفائه، ومشاركة حزب الله في الحرب في سورية.
يساهم الاصطفاف السياسي للأمن العام اللبناني إلى جانب حزب الله، الذي من الواضح أنه يحافظ على مصالح النظام السوري في لبنان، في إعادة إنتاج نظام أمني وترهيبي يستهدف المعارضين بمن فيهم اللاجئون السوريون المناهضون للأسد. تحدّث تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في عام 2021 بعنوان "أتمنى لو أموت"، عن حالات من الاعتقال التعسفي للاجئين السوريين، تحت ذريعة الإرهاب. بالمثل، ندّدت مجموعات حقوق الإنسان بالترحيل التعسّفي وغير الطوعي للسوريين منذ نيسان/أبريل الماضي، إذ تُفيد التقارير عن تعرّض السوريين العائدين قسرًا إلى بلادهم للاعتقال وسوء المعاملة من الجيش والقوى الأمنية السورية.
في الأعوام السابقة، استعمل السياسيون اللبنانيون اللاجئين السوريين لقطع تعهدات كبيرة خلال مؤتمرات المانحين. ولكن انخفاض التمويل ترافق مع تحوّل في الخطاب عن اللاجئين من خطاب جاذب للجهات المانحة إلى خطاب يربط، على نحو مريب، بين الاستقرار والعودة إلى سورية. وفي الوقت نفسه، أسفرت المفاوضات بين نظام الأسد والدول العربية عن عودة سورية إلى الجامعة العربية، مع تصدّر خطط إعادة الإعمار والتمويل المحتمل من دول مجلس التعاون الخليجي النقاشات. يجب النظر إلى ترحيل اللاجئين السوريين في ضوء هذا المناخ الجيوسياسي الشديد التعقيد والصراعات الداخلية بين معارضي نظام الأسد وحلفائه في لبنان.
في نهاية المطاف، لا يمكن أن تكون الحملة الأخيرة لترحيل اللاجئين فعالة أو مقنعة قانونيًا في ضوء الطبيعة الخاصة للعلاقات بين لبنان وسورية، والتناقضات التي تطبع طريقة التعاطي مع مسألة اللاجئين منذ نحو اثنَي عشر عامًا. والأهم من ذلك، تتسبب هذه الحملة الإكراهية بتهديدات عدة للاقتصاد المحلي الذي يتخبط أصلًا في المشقّات ويعتمد بشدّة على اليد العاملة السورية التي تحوّلت إلى سلعة.
فيما يخفض السوريون تحركاتهم خوفًا من اعتقالهم وإرغامهم على العودة إلى سورية، سوف تدفع الأعمال والشركات اللبنانية ثمنًا باهظًا. فعلى الرغم من أن نتيجة المفاوضات بين الأسد والبلدان المجاورة لا تزال غير أكيدة، المؤكد هو أن عدم النظر إلى "مسألة اللاجئين" السوريين في لبنان بأنها "مسألة متعلقة باليد العاملة" يساهم في تأجيج خطاب أمني لا يؤدّي سوى إلى احتدام التشنج المناهض للاجئين وعدم الاستقرار الاجتماعي-الاقتصادي فيما يُقصي لبنان أكثر فأكثر من الخريطة الإقليمية.
جيسي نصار حائزة على شهادة دكتوراه في أنتروبولوجيا التنمية من كينغز كولدج في لندن. تركّز أبحاثها على الاقتصاد السياسي للنزوح القسري لليد العاملة والتقاطعات بين النزوح القسري وهجرة اليد العاملة والحركة الموسمية.