أثار القرار الذي اتخذته الحكومة الكويتية بحظر عرض فيلم "باربي" في آب/أغسطس الماضي اهتمامًا دوليًا واسعًا. خاصة لاعتبار الكويت عمومًا من الدول الخليجية الأكثر تقدّمية، فهي تضم برلمانًا منتخبًا، ومحكمة دستورية، ومجتمعًا مدنيًا نابضًا بالحياة. ولكنها اتخذت في هذه المسألة الموقف الأكثر تحفظاً بين الدول المجاورة لها، في الوقت الذي تدفقت فيه الجماهير في المملكة العربية السعودية بأعداد كبيرة لمشاهدة هذا الفيلم الأميركي. وقد عزا العديد من وسائل الإعلام الغربية، بما في ذلك "لوس أنجلس تايمز" و"يو إس أيه توداي"، القرار إلى تجسيد الفيلم لشخصيات ومواضيع خاصة بمجتمع الميم. ولكن في حين حظر لبنان عرض الفيلم، مؤقتا، بذريعة أنه يساهم في "الترويج للمثلية"، قد يكون جوهر الموضوع مختلفًا في الكويت.
تجسّد باربي، وهي الشخصية الأساسية في الفيلم، نسخةً من النسوية الغربية المعاصرة التي تعرّضت لانتقادات شديدة من المحافظين في الولايات المتحدة عبر الوسائل الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي. يدعو الفيلم بأسلوب هزلي إلى تمكين المرأة وتحريرها من النظام الأبوي الذي يتجسّد من خلال شخصيات ذكورية نمطية وسلبية. وقد عارض المحافظون الكويتيون، ومنهم أعضاء في مجلس الأمة، هذه الأفكار بشدّة في الأعوام الأخيرة مستهدفين المبادرات النسوية المحلية التي يعتبرونها مناقضة للقيم التقليدية والدينية. لذلك يستحق الأمر عناء التوقف عند السؤال، هل هذا التيار المناهض للنسوية في السياسة الكويتية هو الحافز الأساسي خلف الحظر؟
لا بد من الإشارة إلى أن منع عرض الفيلم يترافق مع إجراءات اتخذها السياسيون الإسلاميون لتقييد حقوق المرأة. ففي أيار/مايو 2022 مثلًا، عبّر النائب الإسلامي فايز الجمهور عن ارتيابه بشأن وحدة الدراسات النسوية والجندرة في جامعة الكويت وأهدافها. ولاحقًا، تعرّضت مؤسِّسة الوحدة، الباحثة النسوية ريم الرديني، وأفراد آخرون من الهيئة التعليمية لهجوم كلامي عنيف على لسان شخصيات عامة وأعضاء في المجتمع المحلي. وإلى جانب حظر عرض فيلم "باربي" في آب/أغسطس الماضي، احتفى بعض أعضاء مجلس الأمة بتعديل المادة 16 من قانون المفوضية العليا للانتخابات الذي يشترط الآن على النساء الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية لممارسة الحق في الانتخاب والترشيح. وقد أعرب العديد من المنظمات الكويتية غير الحكومية عن معارضته لهذا التعديل، من خلال التشديد على انتهاكه للحقوق الدستورية.
ضمن هذا السياق، يجب أن يُدرَج حظر فيلم "باربي"، في جانبٍ منه، في سياق الحضور المتزايد للإسلام السياسي في السياسة الكويتية. يعتقد سعد بن طفلة، الذي كان وزيرًا للإعلام والثقافة في الكويت، أن القرار بمنع الفيلم اتُّخذ ربما بعدما ثار ضدّه مَن أطلق عليهم باستهزاء لقب "القندهاريين" – وهو توصيف يُطلَق على النواب الإسلاميين على خلفية آرائهم المتشددة.
وفي حين أن منع الفيلم يمثّل موقف الحكومة الرسمي، انقسم الكويتيون بصورة متوقّعة حول المسألة. فمَن يؤيّدون حظر العرض يعبّرون عن موقف مشابه لما صدر عن وكيل وزارة الإعلام المساعد لقطاع الصحافة والنشر والمطبوعات لافي السبيعي الذي اعتبر أن الفيلم يدعو إلى أفكار دخيلة على المجتمع الكويتي وتحرّض على مخالفة النظام العام. ونشر الصحافي ومقدّم البرامج التلفزيونية الكويتي داهم القحطاني مقطع فيديو للناقد الإعلامي المسيحي المتشدد تيد باهر ينتقد فيه فيلم "باربي"، ملمِّحًا إلى أنه يروّج "لأفكار نسوية قبيحة". ليس أمرًا مألوفًا أن يسلّط السياسيون الكويتيون الضوء على آراء يتشاركونها مع شخصيات محافظة في الغرب، ولكن نشر مقطع فيديو لشخصية أميركية وصفت الفيلم بأنه "بروباغندا متشددة" يساهم في ترسيخ شرعية قرار الحظر.
وقد شجب نقّاد كويتيون آخرون، من جهتهم، قرار منع الفيلم معتبرين أنه يشكّل انتهاكًا لحرية الاختيار. يشدّد المخرج الكويتي نجف جمال، في مقابلة مع قناة "بي بي سي" عن حظر الفيلم، على عدم جدوى القرار، "فالشاشة تبقى متاحة للجميع"، على حد قوله، في إشارة إلى أن الجمهور سيجد طرقًا بديلة لمشاهدة الأفلام التي تمنعها حكومته. علاوةً على ذلك، أعلن المخرج والممثّل المسرحي الكويتي محمد الحملي، بعد بضعة أيام من صدور قرار المنع، انطلاق مسرحية تتمحور حول شخصية "باربي" من خلال نشر مقطع فيديو يتّسم بجودة إنتاجية عالية.
في المحصّلة، يكشف السجال حول فيلم "باربي" في الكويت عن مشكلة أوسع نطاقًا. فحين تضطلع الدولة بدور الوصيّ على المعايير الاجتماعية والمعتقدات الدينية، تصطف إلى جانب مجموعات معيّنة فيما تهمّش مجموعات أخرى، ما يولّد مساحات جديدة للخلاف والاستقطاب الاجتماعي. بدلًا من ذلك، ينبغي على الحكومة التركيز على تطوير مساحات للحوار المفتوح، حيث يتمكن الكويتيون من تبادل الأفكار بشأن الإعلام والمحتوى الذي يستهلكونه.
هند الأنصاري باحثة ومحللة لشؤون السياسات. يركّز عملها على الشؤون الاجتماعية والتربوية في دول مجلس التعاون الخليجي والعالم الإسلامي الأوسع.