المصدر: Getty
مقال

سيطرة علاقات القرابة: تقييم انتخابات المحافظات العراقية

تتحوّل علاقات القُربى سريعًا إلى سمة منتظمة في السياسة العراقية، بما يؤّدي إلى ترسيخ الفساد ويهدّد بتقويض الآفاق الديمقراطية المحدودة في البلاد.

 سردار عزيز
نشرت في ١ فبراير ٢٠٢٤

في 18 كانون الأول/ديسمبر، أجرى العراق انتخاباته المحلية الأولى منذ ما يزيد عن عقد من الزمن. فقد صوّت العراقيون، في خمس عشرة محافظة، للمرشحين عن مقاعد المجالس المحلية التي تتولى تعيين المحافظين، وإدارة الموازنات وتحديد أولويات التخطيط. يُشار إلى أن انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة أُجريت في أيار/مايو 2013، ولكن في اثنتَي عشرة محافظة فقط من المحافظات الثماني عشرة؛ وفي عام 2017، أُرجئت الانتخابات وتقرر إجراؤها مع الانتخابات النيابية الوطنية في عام 2018، غير أنه جرى إرجاؤها من جديد. وحين اندلعت احتجاجات تشرين في عام 2019، كان أحد المطالب الأساسية تعديل النظام الانتخابي وحل المجالس المحلية التي اعتبرها المتظاهرون بيروقراطية وفاسدة جدًّا. فردّ البرلمان العراقي بتجميد الانتخابات المحلية، مع السماح للمخاتير بمواصلة النهوض بواجباتهم الإدارية، وبحلول آذار/مارس 2023، حددت الحكومة موعدًا لإجراء انتخابات جديدة.

تمثّلت إحدى السمات الأساسية في انتخابات كانون الأول/ديسمبر في بروز ما يمكن تسميته بالدينامية العائلية. فقد أوردت مصادر أن 50 شخصية سياسية معروفة، ومنهم مَن لا يزال يتولى منصبًا رسميًا، رشّحت أنسباءها لمقاعد في الانتخابات المحلية. وفي مختلف أنحاء البلاد، من ديالى وبغداد إلى الموصل والنجف، تمكّن عدد كبير من هؤلاء الأشخاص من الفوز، ليس فقط من خلال الاستفادة من "رأس المال الرمزي" الذي يمنحهم إياه اسم العائلة كونه معروفًا، بل أيضًا من خلال وصولهم إلى آلات سياسية مجهّزة جيدًا تحصل، في بعض الأحيان، على التمويل من الأموال العامة. ويشكّل ذلك بالتالي تطوّرًا مقلقًا لمستقبل الديمقراطية العراقية، وحتى إنه أصبح مادّة للتهكّم، وكان موضع استهزاء في البرنامج الأكثر شعبية في البلاد.

خلال الأعوام القليلة الماضية، باتت الأحزاب والتيارات السياسية في العراق تحت سيطرة عدد صغير من العائلات والشخصيات، مع قيام قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وتيار الحكمة الوطني وحراك الجيل الجديد وسواها بتهيئة مؤسساتهم كي يتولى أبناؤهم وأقرباؤهم إدارتها. وفي ضوء نتائج انتخابات مجالس المحافظات، من الواضح أن الدينامية العائلية تصبح المعيار السائد في السياسة العراقية، في الميدانَين الانتخابي وغير الانتخابي على السواء. وقد وصفها البعض بـ"الوراثة الديمقراطية"، وهو شكل من أشكال سياسة التوريث مشابه للممارسة المعتمدة، مثلًا، في اليابان. ولكن في العراق الذي يعاني أصلًا من ديمقراطية ضعيفة، وفساد مستشرٍ ودولة هشّة واقتصاد نفطي أحادي المصدر، لا يمكن أن تكون سياسة التوريث سياسة منتِجة أو مستدامة.

ستتسبب السياسة الخاضعة لسيطرة العائلات باستفحال الفساد: فمن أجل أن يفوز المرشحون بالانتخابات استنادًا إلى الروابط العائلية لا إلى الجدارة، يحتاجون إلى موارد إضافية والقدرة على الوفاء بالوعود التي يقطعونها في حملاتهم الانتخابية. وهكذا ستصبح السياسة القائمة على رشوة الناخبين أكثر شيوعًا، عبر استخدام موارد عامة لتحقيق مكاسب خاصة، حيث يسعى المرشحون إلى كسب الأصوات من خلال تأمين وظائف في الخدمة المدنية، وسلع وخدمات، ومشاريع جديدة للبنى التحتية. بعبارة أخرى، ستصبح الديمقراطية العراقية من نوع الديمقراطيات التي يمكن شراؤها بالمال.

في حين أن الدينامية العائلية تضيّق نطاق المشاركة السياسية، فهي تُعد جزءا من الانقسامات السياسية الإثنية والمذهبية في العراق ولا تتحدّى هيكليتها الشاملة. وهي تضيف بالتالي طبقة إضافية من الانقسام في السياسة العراقية وتعمّق الاستياء الشعبي، لا سيما لدى الجيل الشاب. وقد تجلّى ذلك بوضوح في نسبة الاقتراع المنخفضة في الانتخابات، إذ بلغت نسبة الناخبين المسجّلين الذين صوّتوا في الانتخابات 41 في المئة فقط.

هذا التململ السياسي الواسع مضرٌّ بالديمقراطية العراقية. ولكن بدلًا من محاولة تحقيق تنوّع سياسي أكبر، تعمل النخبة الحاكمة لتقليص الحيوية الانتخابية للأحزاب الصغيرة والمرشحين المستقلين، من خلال تعديل أحد القوانين للعودة إلى نظام سانت ليغو للتمثيل النسبي الذي يصبّ في مصلحة السياسيين الحاليين. ومع تكريس العائلة مؤسسة سياسية فعّالة، سيبقى النفوذ والثروة مُركّزَين في أيدي حفنة قليلة، وستصبح السياسة أقل شمولًا، ويستمر نفور المواطنين من حكومتهم. ولن تتضح التداعيات الكاملة لهذا النظام إلا بعد مرور وقت، فالانتخابات النيابية المقبلة تلوح في الأفق البعيد.

الدكتور سرداد عزيز هو مستشار أول سابق في البرلمان الكردي، وباحث وكاتب حائز على شهادة دكتوراه في الشؤون الحكومية من جامعة كولدج كورك. لمتابعته عبر تويتر @Aziz1Sardar.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.