المصدر: Getty

قمة جامعة الدول العربية والأزمة السورية

استضاف العراق قمة جامعة الدول العربية الأسبوع الماضي، وهو تطوّر هام بالنسبة إلى بلد كان مهمَّشاً من جيرانه العرب ويحاول الآن استعادة عافيته بعد سنوات من العنف الداخلي. لكن فيما تتحسّن علاقات العرب مع العراق، تدهورت علاقاتهم مع جارتهم سوريا.

نشرت في ٥ أبريل ٢٠١٢

استضاف العراق قمة جامعة الدول العربية الأسبوع الماضي، وهو تطوّر هام بالنسبة إلى بلد كان مهمَّشاً من جيرانه العرب ويحاول الآن استعادة عافيته بعد سنوات من العنف الداخلي. لكن فيما تتحسّن علاقات العرب مع العراق، تدهورت علاقاتهم مع جارتهم سوريا.

في جواب وسؤال جديد، يبحث الخبراء من مركز كارنيغي للشرق الأوسط في أهمية القمة بالنسبة إلى العلاقات الإقليمية، ويتطرّقون إلى ردّ فعل الجامعة حول الصراع في سوريا.

 

 ما معنى أن يستضيف العراق قمة جامعة الدول العربية؟

ماريا فانتابيه: بعد عقود من التهميش الدولي والعنف الداخلي، وجدت القيادة العراقية الحاكمة في هذه القمة فرصةً للترويج لصورة جديدة للعراق، ولإعادة إطلاق دوره الإقليمي، وتوطيد نفوذه في الساحة المحلية.

ومع أن القمة فشلت في التوصّل إلى حلّ للأزمة السورية، إلا أنها أتاحت للقادة العراقيين منبراً لتعزيز تطلّعاتهم في السياسة الخارجية، وإحراز تقدّم على المستوى المحلي. وفي ظلّ الانتباه الإقليمي والدولي المُرَكَّز على بغداد، سعى القادة العراقيون إلى رسم صورة مختلفة عن العراق، بصفته بلداً مستقراً، وآمناً، وقادراً على تشكيل سياساته الخارجية الخاصة بنفسه، ومُرَحِّباً بالاستثمار الاقتصادي. وقد تفادى هؤلاء القادة الخوض في أي نقاش عن توتّراتهم المحلية.

أما في الداخل، فسجّل المالكي انتصاراً آخر في تنافسه مع حزب العراقية المُعارِض بقيادة إياد علاوي الذي تغيّب عن القمة، علماً أن الأزمة الطويلة التي دامت سنتين بين الطرفين بلغت ذروتها في آذار/مارس 2012. وقد نجح المالكي في تصوير نفسه على أنه الداعم لتطلّع العراق إلى الاضطلاع بدور صاعد في المنطقة.

كيف تؤثّر القمة على العلاقات الإقليمية؟

بول سالم: هذه القمة تضع حدّاً لما يزيد عن اثنين وعشرين عاماً من العزلة العراقية عن بقية العالم العربي. فآخر قمة عُقِدَت في بغداد كانت في العام 1990، أعقبها الغزو العراقي للكويت الذي قطع علاقات العراق مع مجلس التعاون الخليجي وبقية العالم العربي، وتَبِعَه عقدٌ من العقوبات والعزلة. ثم جاء الغزو الأميركي في العام 2003 ليستهلّ فترةً جديدةً من العزلة العراقية عن العالم العربي، بسب الاحتلال الأميركي، من جهة، واستبدال النفوذ السنّي بالنفوذ الشيعي في بغداد، من جهة أخرى.

في ضوء ذلك، كان انعقاد القمة في العراق ومشاركة دول مجلس التعاون الخليجي حدثاً هاماً، حتى وإن لم تكن هذه المشاركة على أعلى المستويات. فهذا الأمر يشير إلى إعادة إدخال العراق في السياسة العربية، وإعادة التوازن إلى موقع العراق بصفته قوةً مركزيةً عائدةً بين الدول العربية وتركيا وإيران.

إن إعادة بناء العلاقات العراقية-العربية تشكّل أحد الأركان الأساسية لإعادة بناء التعاون العربي على المستويات كافة: السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن فيما تتحسّن العلاقات مع العراق، تبدو العلاقات مع سوريا آخذةً في التدهور، ولذا السبيل إلى التعاون العربي لم يَخلُ بعد من عقبات خطيرة.

أما في ما يتعلّق بدول مجلس التعاون الخليجي، فعلى الرغم من هواجسها الكبيرة إزاء حكومة المالكي، لا تخفى أهميةُ شروعِها في التعاون مع بغداد. فالسعودية مثلاً عيّنت أخيراً سفيراً لها في بغداد، وشاركت في القمة. كما أن المجلس لايزال قلقاً حيال إيران وبالتالي مرتاباً من العلاقات التي تربط العراق بطهران، ولايزال قلقاً إزاء التوتّرات الطائفية في العراق. لكن إجمالاً يمكن القول أنها خطوة إيجابية أن يبدأ كلٌّ من مجلس التعاون الخليجي والسعودية بالانخراط مع العراق بدلاً من مواصلة مقاطعته.

وهكذا، إذا ما انخرطت الدول العربية مع العراق بشكل إيجابي، فهذا قد يتيح المجال أمام تحسين العلاقات بين العرب وإيران، خصوصاً أن العديد من خلافات هذين الطرفين تتمحور حول العراق. في مقابل ذلك، تبدو العلاقات العربية-التركية جيدة إلى حدّ معقول، وبالتالي لا تحتاج إلى تحسين على وجه الخصوص. غير أن العراق يشكّل الجسر الرئيس بين الشرق العربي وبين تركيا، ولاسيما أن سوريا أصبحت مقفلةً الآن. وهنا يتطلّب التعاون التركي-العربي، خصوصاً في شؤون الاقتصاد والطاقة، اضطلاعَ العراق بدور مركزي، هو قادر بالفعل على تأديته. بعبارة أخرى، من شأن التعاون في العراق أن يعزّز أكثر التعاون التركي-العربي، ويُحسِّن المناخ لإحداث تحسين في العلاقات العربية-الإيرانية.

طبعاً يجب ألا ننسى أن هذه القمة كانت مجرّد اجتماع واحد، فعلينا ألا نبالغ في تفسير أثرها الدائم. لكن إذا ما استمرّ العراق في التواصل مع جيرانه العرب، وإذا ما واصل الخليج وغيره التعاون مع العراق، فقد تتقلّص التوتّرات الطائفية وتتحسّن الأوضاع الاقتصادية والأمنية داخل العراق وفي المنطقة.

كيف يمكن وصف ردّ فعل الجامعة العربية على النزاع في سوريا؟

يزيد صايغ: في نهاية القمة في بغداد، أعلنت الجامعة العربية في بيانها الختامي عن دعمها لخطة كوفي أنان، التي قَبِل بها أيضاً الرئيس السوري. وبالتالي، لم يَعُد طلب الجامعة العربية السابق بنحّي الرئيس الأسد كشرط مُسبَق مدرجاً على أجندتها.

في ضوء ذلك، تبدو احتمالات تطبيق خطة أنان ضئيلةً للغاية، إن لم تكن غير موجودة. وأعتقد أن الجامعة العربية سرعان ما ستدرك أنها عادت إلى نقطة الصفر، وأنها عاجزة عن تحقيق تغيير أو انتقال، وعن إنهاء النزاع في سوريا. كما ستشهد الجامعة مرةً أخرى المزيد من الانقسامات في صفوف أعضائها حول الخطوات التي يجب اتّخاذها، وعندئذ قد يعمد السعوديون والقطريون، الذين قَبِلوا حالياً بخطة أنان على مضض، إلى إعادة النظر في مواقفهم. ربما هم الآن ببساطة في حالة ترقُّب، علماً منهم بأن الخطة ستُظهِر عن فشلها في غضون أسبوع أو أسبوعين، وذبلك سيكونون مجدداً في موقع يتيح لهم الحثّ على تسليح المعارضة، وربما حتى على التدخّل الدولي في شكل أو في آخر.

ما التداعيات التي ستنجم عن قرار السعودية وقطر بتسليح المعارضة السورية؟

صايغ: من غير الواضح إلى أي حدّ ستذهب القيادتان السعودية والقطرية في تطبيق دعمهما المُعلَن لتسليح المعارضة السورية. ثمة ما يشير إلى أنهما أدركتا أنه قد يكون لقرارهما أثرٌ سلبي خطير على سوريا وجيرانها، في ظلّ بروز الجماعات المسلّحة كوكلاء لنزاعات إقليمية أوسع ولقوى أخرى في المنطقة.

وحتى إن كان السعوديون والقطريون يرغبون حقاً في اعتماد هذا الخيار، لايزال من غير الواضح كيف سيسلّمون بالتحديد الأسلحة إلى المعارضة، إذ يُستبعَد أن يتعاون العراقيون في مجال تهريب الأسلحة، في حين أن إرسالها عبر الأردن أو لبنان يمكن أن يزعزع حكومتيهما اللتين تحاولان أصلاً منع تهريب الأسلحة عبر حدودهما، ناهيك عن أنهما ستكونان في موقع صعب للغاية في حال قرّر النظام السوري الردّ.

وهكذا، إذا شعرت قطر والسعودية أن جامعة الدول العربية عاجزة عن دعم مبادرة أنان الدبلوماسية بالقدر الكافي من الحزم، أو إذا حصل انتهاك لوقف إطلاق النار، وهو احتمال ممكن تماماً، فعندئذ قد يعاود السعوديون والقطريون الضغط مجدداً. إلا أن السعودية سلّمت الآن رئاسة قمة جامعة الدول العربية إلى العراق الذي يصرّ على "حلٍّ سياسي" للأزمة السورية. وهو يعني بذلك أنه يعارض بشكل خاص التدخّل العسكري الخارجي ناهيك عن تسليح المعارضة. وهكذا تكون الجامعة قد سلّمت فعلياً الملف بكامله إلى مجلس الأمن، ومن غير المحتمل أن تؤدّي دوراً رئيساً في المستقبل القريب. وبالتالي، سيعتمد السعوديون والقطريون على الأرجح سياسات أكثر حزماً عن طريق أصدقاء سوريا، مواصلين في الوقت نفسه ممارسة الضغط في الأمم المتحدة.

لكن هذه القضية تشكّل تحدّياً داخل مجموعة أصدقاء سوريا. ففرنسا والولايات المتحدة حذّرتا مؤخّراً من تسليحِ معارضةٍ منقسمةٍ تفتقر إلى القيادة والتوجيه، وإرسال الأسلحة سيشكّل فشلاً ذريعاً إذا لم يتمّ تخطّي هذه التحديات أولاً. ومؤتمر أصدقاء سوريا الذي التأم في اسطنبول في الأول من نيسان/أبريل لم يحرز تقدّماً في هذا المجال، بل مَدَّ المجلس الوطني السوري بالتمويل (الممنوح على يبدو من السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة) لدفع أجور الجيش السوري الحرّ، ووَعَدَ بالمساعدة بشكل متواضع من خلال تقديم معدات غير قاتلة، لكنه أجّل بوضوح مسألة التسليح.

ما آخر التطورات في ما يتعلّق بمبادرة أنان حول النزاع في سوريا؟

صايغ: السؤال الحقيقي هو ما الذي سيحصل في غضون بضعة أسابيع عندما يتّضح أن خطة أنان لا ولن تُطَبَّق على الأرض؟

لقد تعهّد النظام السوري بوقف إطلاق النار بدءاً من 10 نيسان/أبريل، إلا أن الأمل ضئيل في أن يدوم ذلك. كما أنه من غير المرجّع على وجه التحديد أن ينخرط النظام في حوار جدّي وشامل وفق ما تتطلّبه خطة أنان. فهو يمكن أن يطيل أمد الخطة ويلتزم بها على مستوى سطحي طوال أسابيع عدة. لكن ما لا يمكن أن يستغرق أسابيع عدة على الإطلاق هو شرطُ فكّ الاشتباك المُتبادَل من قبل القوات المسلحة السورية والثوار المسلّحين. فهذا هو الجانب الأكثر صعوبةً من جوانب الخطة من حيث التطبيق.

إذا لم يتم إلقاء السلاح، فستتداعى الخطة برمّتها. ولذا يبقى السؤال ماذا ستفعل الجهات الإقليمية الفاعلة في الأسابيع القليلة المقبلة حين يتّضح أن المبادرة الدبلوماسية باءت بالفشل؟ هل ستعود مجدداً إلى اقتراح أشكال خارجية من التدخّل، سواء كان ذلك في شكل ممرّات إنسانية، أم منطقة حظر جوي، أم مناطق آمنة، إلخ؟

في تلك المرحلة، سيجد المجتمع الدولي نفسه في نقطة الصفر مجدداً، أي في المأزق نفسه الذي واجهه في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر الماضيين، مع الإدراك أن الخيارات ضئيلة جداً أمامه للتأثير في الوضع السوري تأثيراً إيجابياً.

يتردّد على مسامعنا كلام عن الانهيار المُنظَّم للنظام، وعن انتقال مُنظَّم للسلطة، لكني لا أعتقد أن الجهات الفاعلة الدولية أو الإقليمية تمتلك مثل هذه القدرة. فهي تفتقر إلى الموارد أو السيطرة على الأرض لتتمكّن من إدارة انهيار النظام أو تنظيم عملية الانتقال. هذا مجرّد مبالغات من أطراف تفتقر إلى الوسائل اللازمة.

أما روسيا فتودّ أن ترى حدوث نوعٍ من الانتقال السياسي، إلا أنه ليس واضحاً إذا ما إذا كانت ستسمح لجهات فاعلة أخرى، كالسعودية وتركيا والولايات المتحدة، بالتدخّل لتحقيق التغيير. لقد سارع الروس طبعاً إلى استخدام الفيتو ضدّ أي تحرّك عسكري، لكن حتى لو أنهم لم يفعلوا ذلك، فمن غير المحتمل أن تعمد الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو السعودية أو تركيا إلى التدخّل في سوريا عسكرياً، حتى في شكل محدود.

ولا يبدو لي واضحاً حتى كيف سيكون شكل التدخّل العسكري. قد نجد أنفسنا، على الرغم من كل شيء، وبعد تهديدات وتهديدات مضادة كثيرة، في طريق مسدود من التصعيد والتراجع العسكريين اللذين يتبعهما تصعيد وتراجع دبلوماسيين.

سيكون الوضع على هذا المنوال طيلة هذا العام، وربما نشهد بلوغه نقطةً حرجةً مع اقتراب أشهر الشتاء، وتفاقم أزمة الوقود، وتزايد الحاجة إلى وقود النقل وإلى العملة لدفع الأجور.

هل يستطيع العراق التأثير على التطوّرات الإقليمية، وخصوصاً الأزمة السورية؟

فانتابيه: يحاول العراق أن يؤدّي دوراً نافذاً ويبرم التحالفات مع جهات فاعلة أخرى في المنطقة. فالأزمة السورية تمثّل الفرصة الأولى له لإبراز طموحاته الخارجية في المنطقة. وبرفضه اتّخاذ موقف حازم إزاء سوريا، قد يخدم العراق مصالح طهران، ولكن قد يعمل أيضاً على ترسيخ نفسه كحليف أساسي للأطراف التي تسعى إلى التأثير على النظام السوري.

كما أن توتّرات العراق الداخلية لم تقوّض سياسته الخارجية بعد. فعلى الرغم من التوتر بين المالكي وبين كلٍّ من حزب العراقية السنّي والقادة الأكراد، تمكَّنَ المالكي والأكراد من إيجاد أرضية مشتركة لتطلّعاتهم السياسية الخارجية، إذ أنهم يطمحون إلى تأدية دور نافذ في المنطقة.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.