المصدر: Getty

مصر والشريعة الإسلامية: دليل الحيران

أثارت بيئة مابعد الثورة في مصر، وخصوصاً العملية الدستورية فيها، نقاشات داخل البلاد وارتباكاً خارجها، في مايتعلّق بدور الشريعة الإسلامية في النظام القانوني والسياسي الناشئ.

نشرت في ١٥ مايو ٢٠١٢

أثارت بيئة مابعد الثورة في مصر، وخصوصاً العملية الدستورية فيها، نقاشات داخل البلاد وارتباكاً خارجها، في مايتعلّق بدور الشريعة الإسلامية في النظام القانوني والسياسي الناشئ.

في سؤال وجواب جديد، يشرح ناثان براون ماتعنيه الشريعة الإسلامية، وما لاتعنيه، وكيف يمكن تفسيرها في النظام السياسي المصري الجديد. ويحذّر براون، في إطار توضيحه لمدى تعقيد الشريعة الإسلامية، من أن واحدة من السمات الأكثر لفتاً للأنظار في هذا النقاش تتمثّل في مرونة المفاهيم والمواقف الرئيسة. ولذلك إن فهم مَن هي الجهة التي ستوكل إليها مهمّة تفسير وتطبيق الأحكام التي تستند إلى الشريعة الإسلامية، أكثر أهمية بكثير من البحث عن المعنى الدقيق للشريعة.

ما هي الشريعة الإسلامية؟

مصطلح "الشريعة الإسلامية" له دلالات تختلف بشكل حادّ في مصر عنها في كثير من الأحيان في الولايات المتحدة أو أوروبا. وثمّة سبب في أن الكثير من العلماء يصرّون على أن تعريفها بوصفها "القانون الإسلامي" (كما توصف في كثير من الأحيان في البلدان غير المسلمة) يبدو ضيّقاً للغاية أحياناً. فالشريعة تشمل مساحات واسعة من السلوك الشخصي لاتغطّيها عموماً المبادئ القانونية في العديد من المجتمعات (مثل تنظيم الصلاة أو طقوس الطهارة). ولايقتصر الأمر هنا على أنها تمزج الممارسة الخاصة والأخلاق والقانون العام وحسب، بل تشمل أيضاً فئات كالمكروه (ولكنه غير محظور) والمستحبّ (ولكنه غير مطلوب) والتي تحمل معنى أخلاقياً لكنها لاتنطوي على معنى قانوني مهم. الترجمة الغامضة لمعنى الشريعة، ولكن الأكثر دقّة، قد تكون "الطريقة الإسلامية لممارسة الأمور".

هذا هو التعريف الذي يقبله العديد ممَّن يتّبعون الشريعة الإسلامية. ويوضح هذا التفسير السبب في صعوبة معارضة الشريعة الإسلامية. فالتشكيك بعقوبات الحدود (بالنسبة إلى الجرائم الخطيرة) من خلال ادّعاء الرغبة في اتّباع روح وليس نصّ الفهم التقليدي شيء، والتصريح بأن المرء يفضّل أن يمارس الأمر بطريقة غير إسلامية، أو بأن التعاليم الإسلامية لاعلاقة لها بالحياة العامة شيء مختلف تماماً. ومن شأن ذلك أن يكون أمراً غير متوقّع، كأن يدّعي مثلاً الساسة الأميركيون أنهم يفضّلون "الطريقة غير الأميركية". استطلاعات الرأي حول هذا الموضوع تثير ردّ الفعل نفسه في المجتمع الأوسع.

بطبيعة الحال، الشريعة الإسلامية ليست مجرّد شعار رمزي يرفعه السياسيون، بل هي تنطوي على محتوًى عمليّ هائل لارمزيّ فقط. بيد أنه يتعيّن على المراقبين ألا يتوقّعوا دعوات كثيرة إلى التخلّي عن الشريعة الإسلامية في المناقشات السياسية المصرية.

ثمّة غرابة اصطلاحية أخرى يمكن أن تلقي بعض الضوء على دلالات الشريعة الإسلامية: فمن خلال متابعتي للاستخدام المصري للمصطلح، كنت أشير إلى "الشريعة الإسلامية"، وهي العبارة التي تبدو في اللغة الإنكليزية زائدة عن الحاجة بشكل هزلي تقريباً، مثل الإشارة مثلاً إلى "حاخام يهودي". والحال أن الشريعة غير الإسلامية قد تبدو شيئاً أشبه بـ"البابا البروتستانتي". بيد أن المصريين يشيرون أحياناً إلى الجماعات الدينية الأخرى بوصفها شرائع. ولايزال المسلمون ينظرون إلى الشريعة الإسلامية على أنها متفوّقة - وهي كذلك بالفعل، لجهة أنها تحلّ محلّ الشرائع التي سبقتها تاريخياً - لكنهم يشيرون أحياناً إلى شرائع الأديان الأخرى، وبخاصة مايتعلّق منها بأحكام قانون الأحوال الشخصية (الذي يشمل الزواج والطلاق والميراث). وبما أن الكلمة العبرية المقابلة للقانون اليهودي هي "هلخه halachah" (وهي تعني طريقة أيضاً)، فإن فكرة الشريعة اليهودية، والشرائع المسيحية المختلفة في مايتعلّق بهذه المسألة، قد تصيب بعض القرّاء بالدهشة بوصفها غريبة، لكنها تعكس الاستخدامات الدورية في اللغة العربية.

في حين أن الشريعة الإسلامية تدلّ ببساطة، أحياناً، على ماهو أكثر من القانون الإسلامي، إلا أنها تتوفّر بالتأكيد على مضمون قانوني شامل. وقد أدّى اسكتشاف طبيعتها إلى أكثر من ألف عام من البحث الفكري. كانت المعاملات التجارية والعقوبات الجنائية والميراث والإجراءات القانونية (من بين العديد من المجالات الأخرى) موضوعاً لبرامج دراسية لأشخاص سبروا المصادر الدينية لاكتشاف السبل التي يجب أن تعمل جماعة المسلمين من خلالها. كما توفّر الشريعة الإسلامية بعض التوجيهات بشأن الطريقة التي يجب أن يتم التعامل من خلالها مع الانتهاكات، عن طريق التعويض والعقوبات أو إلغاء العقود، على سبيل المثال. ولهذا السبب، الإشارة إلى الشريعة الإسلامية كقانون ليست مضلّلة دوماً.

اختلفت الآراء إلى حدّ كبير على مرّ القرون، كما هو الحال مع أي تقليد فكري، بشأن مافرضه الله وما هي العواقب الدنيوية المترتّبة على انتهاك قاعدة ما. ولذا، يجهد المسلمون أحياناً للتمييز بين الشريعة الإسلامية بوصفها توجيهاً إلهياً لايتغيّر، وبين الفقه بوصفه جهداً بشرياً قابلاً للخطأ لفهم مضمون هذه التوجيهات. ثمّة، في هذا المعنى، شريعة واحدة لكن توجد تفسيرات عديدة ومختلفة لها. ولا يُنظَر إلى الطبيعة المتنوّعة للفقه على أنها مشكلة، كما ليس من النادر أن نسمع الكثير من المسلمين اليوم يستشهدون بتعدّد التفسيرات في تراثهم القانوني باعتباره مزيّة، لأنه يظهر كيف أن محاولات اكتشاف الشريعة الإسلامية وتطبيقها تتطوّر بشكل طبيعي مع تطوّر الظروف السائدة واحتياجات المجتمع.

ولذا، سيتعيّن على الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية أو اتّباعها، في نهاية المطاف، أن تواجِه أسئلة عن القواعد التي ستطبق من هذا التراث الغني والوافر من الفرضيات القانونية والأخلاقية، وربما على نحو أكثر حرجاً، من الذي لديه السلطة لاتّخاذ قرار بشأن أي التفسيرات التي سيتم تطبيقها. هذه قضايا عويصة، بيد أنه ثمة مساحات مدهشة للتقارب بشأنها في المناقشات المصرية. هذا التقارب يحدّد شروط المناقشات لكنه نادراً مايحلّها.

تشكّل إجاباتي دليل عمل على مايتعيّن على المراقبين مراقبته، أكثر منها محاولة لتقديم المشورة للمصريين بأي حال من الأحوال بشأن الخيارات التي ينحازون إليها أو لدفع بعض التفسيرات أو المقاربات بوصفها مفضّلة على ماسواها من تفسيرات ومقاربات. ومع ذلك، إحدى السمات اللافتة للنظر أكثر من سواها في النقاش هي مدى مرونة المفاهيم والمواقف الرئيسة.

ما هو شعور المصريين إزاء الشريعة الإسلامية؟

تتطرّق المناقشات حول الشريعة الإسلامية إلى مجالات كثيرة، لكن ربما تثير مسألتا الأحوال الشخصية والنص الدستوري أكبر قدر من الاهتمام.

المسألة الأقل إثارة للجدل - ولكن ربما الأكثر جوهرية بالنسبة إلى المصريين – تشمل المبدأ الذي يقول بأن اليد العليا يجب أن تكون للشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية (تشمل الزواج والطلاق والميراث). هذا التوافق في الآراء داخل مصر مُستغرَب قليلاً لأن مصطلح "الأحوال الشخصية" نفسه، ومع أنه يستخدم على نطاق واسع في مصر اليوم، لم ينبثق من التقاليد القانونية الإسلامية.

بيد أن هذا كان حتى الآن النطاق القانوني الوحيد الذي جرى استلهامه باستمرار من القواعد القائمة على الشريعة الإسلامية. ولذا، ولأسباب تاريخية لادينية، برزت الأحوال الشخصية بوصفها عنصراً أساسياً في المناقشات الخاصة بالشريعة. من ناحية دينية بحتة، ليس هناك مايدعو إلى اعتبار ضمان تنظيم العلاقات الأسرية للمسلمين بطريقة ترضي الله، أكثر أهمية من فرض القيود المتعلقة بالمعاملات التجارية أو القانون الجنائي.

وهكذا، حتى بين المصريين الذين لايشعرون بأي حافز للتخلّي عن القانون الحالي للمعاملات التجارية في البلاد (الفرنسية إلى حدّ كبير في الأصل)، لايزال ثمة بعض الجدل الذي يقول أنه عندما يولد المسلمون ويتزوجون ويطلّقون ويموتون، يجب أن يتم ذلك في إطار قانوني مستمدّ من الشريعة الإسلامية. ولاتكاد توجد دعوات إلى إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية ينطبق على الجميع بغضّ النظر عن انتمائهم الديني.

لكن، حتى لو كان من المفترض أن تكون قوانين الأحوال الشخصية متجذّرة في الشريعة الإسلامية، فليس من الواضح ماهو تفسير الشريعة الذي ينبغي أن تقوم عليه تلك القوانين. فقد ألقيت مسؤولية المهمة على عاتق البرلمان، حيث لايزال قانون الأحوال الشخصية الحالي في مصر يُسَنّ، حتى ولو كان مُستمَدّاً من المصادر الإسلامية، من جانب هيئة منتخبة شعبياً. وهنا يدور معظم النقاش: ما هي أجزاء التراث القانوني الإسلامي التي ينبغي تدوينها وتنسيقها من خلال التشريعات البرلمانية؟ وما التفسيرات الأكثر ملاءمة لمصر الآن؟

قانون الأحوال الشخصية يؤثّر على كل مصري، وبالتالي يحتمل أن يكون هو الأهمّ في التشريع القانوني. لكن النقاش حول دور الشريعة في الدستور، على وجه العموم، يثير قدراً أكبر من الاهتمام. ويعود هذا جزئياً إلى أن الدساتير العربية شهدت في القرن الماضي مايمكن أن نطلق عليه "تضخماً إسلامياً"، أصبحت فيه الأحكام الإسلامية أكثر تملّقاً. بدلاً من ذلك، بات يُنظَر إلى الوثائق التي كانت تُعتَبَر في الأصل مجرّد ترتيب لهياكل الحكم (لذلك لم تُشِر هذه الوثائق إلى الإسلام سوى بصورة عابرة)، على أنها تعريفات واسعة لمقاصد المجتمع السياسي، وطبيعة الهوية، وطابع الحياة العامة. وبحلول العام 1980، وصلت دوّامة التضخّم إلى الحدّ الذي تم فيه تعديل المادة الثانية من الدستور المصري لتنصّ على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع".

لم يُربَط النص، الفخم والعام في الوقت نفسه، بأي هياكل تنفيذية واضحة، لذلك لم يكن واضحاً على الإطلاق ماكان يعنيه عندما اعتُمِد أول مرة. فهو لم يُشِر على وجه التحديد إلى أحكام الشريعة الإسلامية لكنه أشار إلى "مبادئها"، وهو مصطلح غامض بصورة خاصة. بيد أن التعديل أدّى إلى سلسلة من الخصومات القضائية (إذ جاء أحد الاعتراضات الأولى من جامعة الأزهر، المركز الرئيس للتعليم الإسلامي، احتجاجاً على سعر الفائدة على دين لم يسدّده إلى أحد المقاولين)، التي اعترض فيها المتقاضون على تفاصيل متفرّقة في النظام القانوني المصري بحجّة أنه انتهك المادة الثانية المعدّلة.

مع مرور الوقت، اقترحت المحكمة الدستورية العليا في البلاد، وهي المكلّفة بمقارنة القوانين المصرية مع الدستور، مقاربة لمثل هذه الحالات، بالاعتماد على قرن من الفكر الإسلامي الحداثي الذي قاده مجموعة من علماء الدين والمثقفين والمتخصّصين في القانون. تتمحور هذه المقاربة حول كيفية فهم الشريعة الإسلامية بطريقة تتناسب واحتياجات المجتمع الحديث. وقد تسرّب الفهم الذي وضعته المحكمة الدستورية العليا إلى المناقشات السياسية الحالية، وتقوم أجزاء كبيرة من الطيف السياسي باقتباس مصطلحاته.

باتت المحكمة الدستورية العليا - والآن كثير من الشخصيات الفكرية والسياسية المصرية – ترى إلى الشريعة الإسلامية بوصفها وثيقة الصلة بالقانون المعاصر بطريقتين. أولاً، تقوم الشريعة الإسلامية على أهداف عامّة معينّة أو مقاصد (مثل حماية الحياة أو الدين)، وهو مفهوم مستمدّ من فقه القرون الوسطى لإرشاد الباحثين القانونيين في تنظيم القانون في الحالات الصعبة أو الغامضة، لكنه يستخدم الآن على نحو صريح إلى حدّ مامن قبل المتخصّصين وغير المتخصّصين أكثر فأكثر (حيث يقول بعض المثقفين، حتى أولئك الموجودون في معسكر الإسلاميين بشكل ثابت، إنه لابدّ من توسيع نطاق المقاصد على نحو يتجاوز المفاهيم الأقدم ليشمل أهدافاً إضافية مثل الحرية).

ثانياً، مع أنه ثمة تنوّع في جميع التقاليد القانونية الإسلامية، إلا أن هناك عدداً قليلاً من الأحكام أو النصوص التي لاتُنازَع، وهي موجودة بوضوح في المصادر وصريحة في معانيها بحيث لايتم التنكّر لها على نحو حصيف، ولذلك يجب أن تُطاع.

ما الذي يرجّح أن يتضمّنه الدستور المصري الجديد؟

سيكون مضمونه على الأرجح كمضمون الدستور السابق.

ثمّة اتفاق واسع مُفاجِئ في مصر - وإن كان ذلك على مَضَض أحياناً - بين بعض القوى غير الإسلامية – مفاده أن مايشبه المادة الثانية الحالية ستظهر في الدستور المصري الجديد الذي ستتم صياغته هذا العام. وقد تم نسخها مباشرة من دستور العام 1971 المُلغى إلى نصّ الإعلان الدستوري الصادر في آذار/مارس 2011، الذي ينظّم الأمور حالياً بصورة مؤقّتة.

والواقع أن قلّة عدد التغييرات التي اقتُرِحَت على هذه المادة أمر مثير للدهشة. فقد يقترح أحدهم أحياناً بتواضع أن يتم إسقاط "الـ" التعريف (أضيفت في تعديل العام 1979)، بحيث تصبح مبادئ الشريعة الإسلامية مجرد مصدر من مصادر التشريع بدل أن تكون مصدر التشريع.

وقد توسّع بعض السلفيين في اهتمامهم الجديد بالنصوص الدستورية عبر اقتراح إضافة كلمة "أحكام" بحيث لاتبقى مجرد "مبادئ" غير محدّدة، بل "أحكام" الشريعة الإسلامية – وهي مبدأ توجيهي أكثر تحديداً - تنفع باعتبارها المصدر الرئيس للتشريع.

رفضت جماعة الإخوان المسلمين هذا الموقف. وبدأ الإخوان يفكّرون مليّاً في إسقاط كلمة "مبادئ" بحيث تنصّ الفقرة على أن "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس"، وهي صيغة أكثر عمومية مما هو موجود حالياً. كما عرضوا فكرة دمج اصطلاحات تنصّ على وجوب أن تُحكَم الجماعات الدينية الأخرى بشرائعها الخاصة في مسائل الأحوال الشخصية، وهي صيغة قد يكون أثرها ببساطة تحميل المُفسِّرين العبء القانوني المتمثّل بالمهمة المحيّرة المتعلّقة بوجود الشرائع غير الإسلامية. لكن من المحتمل ألا يكون لمثل هذه الفقرة سوى حدّ أدنى من التأثير على النظام القانوني المصري، لأن قانون الأحوال الشخصية للجماعات الدينية المعترف بها راسخ في القانون والممارسة المصريَّين.

وهكذا، وبعد محاولات لَيّ ذراع دولية ومحاولات تشكيك محلية كبيرة، من المحتمل أن يتم اعتماد شيء شبيه إلى حدّ كبير بالمصطلحات الحالية. لكن خلافاً لما حدث في العام 1980، عندما اعتمدت الصيغة أول مرّة، ثمة إجماع أكثر الآن على الشروط العامة لما يعنيه ذلك، على الأقل من الناحية النظرية.

ما الآثار القانونية المترتّبة، في حال كرّست مصر الشريعة الإسلامية في القانون؟

يبدو هذا أمراً أقلّ وضوحاً بكثير. نحن في حاجة أولاً إلى معاينة مقاصد الشريعة، التي تحظى بقبول واسع باعتبارها ملزمة بموجب التفاهمات القائمة للمادة الثانية من الدستور. ماهي بالضبط القوانين التي سيتم بالتالي استبعادها؟ المقاصد ليست مرنة بلا حدود، لكنها عامة بحيث يمكن توسيعها إلى حدّ بعيد. وفي الواقع، سيكون من الصعب طرح إلغاء أي قانون تشريعي غير مثير للجدل، أساساً في مايتعلّق بالمقاصد.

بيد أنه سيكون من الممكن أيضاً استخدام المقاصد لطرح حجّة مقنعة تسقط كل أنواع الأحكام. ببساطة المقاصد التي وضعت لمساعدة علماء الشريعة في تفسيراتهم، ليست مصمّمة لتكون بمنزلة قواعد دستورية واضحة في أيدي غير الاختصاصيين. فهي تلعب دوراً كبيراً في المناقشات العامة الحالية حول تطبيق روح القانون وليس مجرّد نصّه، لكن هذا دور مختلف تماماً عن تشكيل مبادئ قانونية ثابتة وموثوقة. ولذلك من المستحيل تقييم أثر إضفاء الصبغة الدستورية عليها (كما تفعل التفسيرات السائدة للمادة الثانية الحالية ضمناً) في ظل غياب أي تفكير في الأفراد أو المؤسسات التي تستخدمها للاسترشاد بها.

ماذا عن الأحكام الثابتة الأكثر تحديداً القائمة على الشريعة، التي من شأنها أن تبدو وكأنها تعطي مجالاً أضيق للتفسير؟ هل سيتطلّب ذلك إعادة كتابة أجزاء كبيرة من النظام القانوني المصري؟ أم أن هناك مجموعة مماثلة من الثغرات التي يمكن أن تترك الباب مفتوحاً أمام الغموض والجدل؟ يتبدّى للوهلة الأولى أن عدد هذه القواعد قليل جداً بحيث لن تبدو وكأنها تفرض الكثير من القيود على التشريع. لكن قد يكون من السهل القول أن نطاقاً كاملاً من القانون - العقوبات الحدّية - يندرج ضمن فئة من القواعد الثابتة التي لايمكن تجنّبها، لأنها غالباً ماتستند مباشرة إلى كلمات المقاطع القرآنية بدل استنادها إلى تفسير علمي شامل. ولذا، من الممكن أن تتطلّب المادة الثانية من الدستور، في إطار التفسير الناشئ بالإجماع، جعل القانون الجنائي في مصر متماشياً مع بعض القواعد القائمة على الشريعة الإسلامية التي غالباً ماتسبِّب قلقاً دولياً.

ومع ذلك، حتى هنا توجد ثغرات؛ ومايثير الاستغراب أنها في الواقع ثغرات كبيرة. ربما سيكون من الإنصاف أكثر أن يسمّيها مستخدموها "نوافذ" لمرونة التفسير، ذلك أنها لاتستخدم فقط من جانب المتشائمين بل أيضاً من جانب أولئك المتحمّسين جداً لتطبيق الشريعة الإسلامية على الظروف المعاصرة. وسواء كانت ثغرات أم نوافذ، غالباً مايكون مفاجِئاً مَن يستخدمها.

إحدى النوافذ تتمثّل في الرغبة في إعادة تفسير حتى القواعد القائمة على الشريعة التي ظلّت لفترة طويلة موضع إجماع بين الاختصاصيين. وتتمثّل نافذة مماثلة في استخدام تراث الفقه الإسلامي للمطالبة بالأشكال الأكثر تشدّداً من الإثبات وجعل التطبيق صعباً جداً. مثل هذه الأدوات جعلت العقوبات الحدّية لاتكاد تطبّق أبداً، حتى في المجتمعات التي هي موجودة في قوانينها (ومصر ليست فيها تلك العقوبات).

أبرز مثال هنا هو الردّة (تخلّي المرء عن دينه)، التي يقول العلماء الذين يحظون باحترام المعسكر الإسلامي أنها تحتاج إلى إعادة نظر. فقد ادّعى بعض الاختصاصيين بالشريعة أن عقوبة الإعدام على الردّة كانت واجبة التطبيق في إطار فئة العقوبات الحدّية فقط عندما كانت مرتبطة بوجود تهديد لجماعة المسلمين في أوقات الخطر. كانت عقوبة الإعدام، في مثل هذه الظروف، دفاعاً عن المجتمع ضدّ أي عمل من أعمال الغدر أو الخيانة. لكن الردّة العادية عن العقيدة في ظروف مستقرة - وبالتالي غير مصحوبة بأي تهديد لمعتقدات وممارسات وسلامة المسلمين – لاتندرج في إطار العقوبات الحديّة، وأي عقوبة يجب أن تترك إلى الله.

الثغرة الثانية التي تستخدم في كثير من الأحيان في الدوائر الحداثية هي الحجّة القائلة بأنه لايمكن تطبيق الحدود بسبب الظروف الاقتصادية السائدة. وقد ادّعى بعض الناشطين - مشيرين إلى التقليد الذي يقول أن ثاني الخلفاء الراشدين، عمر، رفض إنزال العقوبة المقرّرة على اللصوص في زمن المجاعة (حالة الاقتصاد في مصر تشي بضرورة وجود ليونة مماثلة). لذا، إذا فشلت الدولة في توفير الحاجات الأساسية لمواطنيها، فلا ينبغي لها أن تنزل عقوبة قاسية على اللصوص. مثل هذه الحجة متساهلة بشكل مذهل، لكن شخصيات إخوانية رائدة قدّمتها، على الأقل منذ خمسينيات القرن الماضي، وبعض القادة يستخدمونها اليوم. وهناك أيضاً تقليد ممتدّ يسمح بتجاوز المتطلبات الصعبة في الوقت الحالي على أساس الضرورات أو المنافع الاجتماعية.

وهكذا، بينما يمكن أن يقال أن استخدام الإخوان لهذه الثغرة واسع بصورة غير معقولة، فإن هذه الاستراتيجية تتلاءم بشكل جيد مع تفضيل الحركة للتغيير التدريجي الذي يستميل (أو يزعج) المجتمع بدلاً من تقديم عبء ثقيل ومفاجئ يفرض صعوبات أو يعطي عكس النتائج المرجوّة من الناحية السياسية. السلفيون، الذين ينظرون إلى الإخوان على أنهم متعجّلون جداً لتبنّي حلّ وسط على أساس من المصالح السياسية، أقلّ احتمالاً لأن يفسّروا الحدود بهذه الطريقة.

ولذا، ينبغي أن يكون واضحاً تماماً أنه مع وجود هذا الإجماع الواسع المزعوم، يمكن دفع الأفكار السائدة حول دور الشريعة الإسلامية في النظام القانوني والدستوري المصري في اتجاهات مختلفة للغاية. وبهذه الطريقة، يصبح من الأهمية بمكان فهم الجهة التي سيُعهَد إليها أمر تفسير وتطبيق أي قواعد قائمة على الشريعة كما هو الحال بالنسبة إلى البحث عن المعنى الدقيق لمختلف الصيغ اللفظية. وفي سياق التساؤل عمَّن سيفسّر قواعد الشريعة ويطبّقها، ينبثق سؤالان: كيف سيتم تنظيم المحكمة الدستورية العليا في مصر؟ وما يجب أن يكون هيكل المؤسسات الدينية ودورها في الدولة، بما في ذلك الأزهر؟

ما موقف الإخوان المسلمين من الشريعة الإسلامية؟

الكثير من القلق الدولي حول الشريعة الإسلامية في مصر ينبع من الدور السياسي المتنامي لجماعة الإخوان المسلمين والحزب الذي أسّسته، حزب الحرية والعدالة. فقد أربكت جماعة الإخوان الكثيرين (بما في ذلك أعضاءها، في بعض الأحيان)، من خلال مجموعة متنوّعة من البيانات والمقترحات بشأن الشريعة الإسلامية. موقف الحركة المربك نابع من دافعين يقودان أعضاءها في اتجاهات مختلفة.

أولاً، تريد جماعة الإخوان نظاماً سياسياً يتوافق على نحو تام وصادق مع المعايير الإسلامية، مهما يكن تعريفها فضفاضاً. وهذا معناه ضرورة أن تنعكس القيم الإسلامية المهمة في التشريع، وأن على الدولة أن تُيسِّر، بدل أن تُعسِّر، رغبة المسلمين في أن يعيشوا حياة تتوافق مع القيود الإسلامية، وأن يتم التشاور مع من يتوفّرون على المعرفة الدينية والتدريب، ويسمح لهم بالتحدّث على أساس تعليمهم وخبرتهم، لا أن يُتوقَّع منهم أن يكيِّفوا تفسيراتهم كي تتلاءم مع المصالح السياسية لكبار المسؤولين. لذلك دعت الحركة إلى أن يكون للأزهر دور أقوى، وجعل هذه المؤسسة أكثر استقلالية عن السلطة التنفيذية التي هيمنت على المؤسسة من خلال التحكّم بمواردها المالية والمناصب العليا فيها على مدى نصف قرن.

ثانياً، تشدّد جماعة الاخوان المسلمين وبالقوة نفسها، على ضرورة أن يتم التغيير من القاعدة، وعلى حاجة جميع المسلمين للعمل على فهم دينهم وتحمّل مسؤولية تعليم أنفسهم. فوضع السلطة السياسية العليا في مايتعلّق بجميع المسائل الدينية في أيدي مجموعة صغيرة من العلماء، يوحي بالنموذج الإيراني بعد العام 1979، وهو النموذج الذي رفضته جماعة الإخوان المسلمين على الدوام لأنه يتعارض مع الإسلام السنّي ومع نهج الحركة نفسها.

وهكذا، وضعت جماعة الإخوان المسلمين، على مدى السنوات القليلة الماضية، سلسلة من المقترحات المربكة. في العام 2007، انصاعت الحركة إلى الدافع الأول عندما صاغت برنامجها السياسي (لم يُعتَمَد رسمياً)، الذي اقترح أن يُعرَض قانون على مجموعة من علماء الدين في الأزهر لتحديد مدى تطابقه مع الشريعة الإسلامية. وعندما أثار ذلك عاصفة من الانتقادات داخل الحركة وخارجها، تم إسقاط الاقتراح. لم يتم إحياء الفكرة، لكن مرشّح الإخوان المؤقّت في الانتخابات الرئاسية، خيرت الشاطر، تصدّر عناوين الصحف العالمية عندما نقلت عنه قوله لبعض علماء الدين إنه يعتقد أنه ينبغي استشارة هذه الشخصيات عند النظر في إصدار قوانين جديدة.

موقف الحركة الحالي يعبّر بشكل أدق عن الدافع الثاني المتمثّل في التركيز على أسلمة المجتمع من خلال العمل التدرّجي بدلاً من إحداث تغيير تشريعي مفاجئ. لكن مع ذلك، من الواضح أن قادة الحركة لم يتخلّوا عن فكرة إعطاء دور ما - وإن كان غير رسمي، ويقوم على الإقناع والتشاور بدلاً من فرضه من سلطة مختصّة - لعلماء الدين في العملية التشريعية (وهذا ماحدا بالشاطر على الأرجح إلى إطلاق تعليقه مؤخراً). ويبدو أن موقف الحركة الحالي، وإن لم يكن واضحاً تماماً، يتمثّل في وجوب منح علماء الشريعة الإسلامية المراعاة والاحترام الذي ينبغي أن يحصل عليه جميع الاختصاصيين، ولكن ينبغي أن تتشكّل السلطة السياسية العليا بواسطة هياكل ديمقراطية.

ما الذي تقوله الشريعة الإسلامية عن حقوق المرأة؟

على العموم، الشريعة الإسلامية ليست محايدة بشأن الإشارة إلى الجنوسة (ذكر - أنثى) في مسائل الأحوال الشخصية، ولكنها تضع بدل ذلك شبكة متمايزة من الحقوق والواجبات على الزوج والزوجة والأبناء والبنات. وعموماً، يُتوقَّع من الأزواج توفير دعم مادي وبيئة منزلية صحية (الفشل في تقديم الدعم أو الإساءة يمكن أن يكون أساساً لأن تطلب المرأة الطلاق). ويُتوقَّع من الزوجات قبول سلطة أزواجهن. يمكن للزوج تطليق زوجته من جانب واحد؛ ولايمكن للزوجة أن تفعل ذلك (في النظام القانوني المصري القائم على الشريعة)، لكن يمكنها تقديم التماس إلى المحكمة كي تأمر بطلاقها في الحالات التي يفشل فيها الزوج في الوفاء بالتزاماته. ويأتي العرف على رأس قائمة القانون القائم على الشريعة. على سبيل المثال، يمكن توقُّع أن يتعهّد عريس مُرتَقب بدفع مبلغ كبير من المال مستحقّ لخطيبته إذا طلّقها، مايجعل ممارسة حقوق طلاقه، أحياناً، مكلفة للغاية.

بدل التصريح عن أسباب تأييدهم لإقرار قانون مدني أو قانون محايد تماماً بشأن موضوع الجنوسة (ذكر – أنثى)، ركّز دعاة حقوق المرأة – على مزيج من المعتقدات الدينية الحقيقية، وقبول الواقع السياسي، وإدراك أن المساواة القانونية في مجتمع لايحقّق المساواة يمكن أن تُضعِف في الواقع الأطراف الثانوية (معظم اهتمامهم على تعبئة الدوائر الانتخابية دعماً لتفسيرات للشريعة الإسلامية تمنح المرأة وضعاً أقوى). على سبيل المثال، هم ضغطوا بنجاح لإدخال تعديل على قانون الأحوال الشخصية يسمح للمرأة بتقديم التماس للمحكمة للحصول على الطلاق إذا كانت على استعداد للتخلّي عن معظم حقوقها المادية ومطالباتها في التسوية. فأمكنهم بذلك دعوة بعض علماء الدين إلى دعم موقفهم.

شكّكت الحركات الإسلامية أحياناً بتفسيرات معيّنة تتعلّق بحقوق المرأة، لكنها عموماً لم تشارك مباشرة في النقاش، وتقبّلت التشريع الصادر عن البرلمان بوصفه ملزماً. مرونة جماعة الإخوان المسلمين بشأن هذه القضية ربما ليست بلا حدود. وعلى سبيل المثال، خصّ حزب الحرية والعدالة "لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة" بانتقادات معينة، بسبب ادّعائه بأن أحكامها تخالف القواعد القائمة على الشرع حول الوصاية في حالة الطلاق.

من المرجّح أن يتمحور الجدل في مصر حول أحكام محدّدة جداً من قانون الأحوال الشخصية. ويشمل هذا الظروف التي يمكن للزوجة بموجبها أن تطلب من المحكمة أن تطلّقها، أو سنّ الوصاية، أو سنّ الزواج. في هذا النقاش سيكون السلفيون (التزامهم الصارم بالمعنى الظاهر) في جانب ودعاة حقوق المرأة (الذين يسعون لدفع القانون إلى أقصى حدّ ممكن في اتجاه زيادة الحماية القانونية للنساء)، في الجانب الآخر، مايترك قوى سياسية كثيرة عالقة في منزلة بين المنزلتين.

ولذلك، كان لتركيز المناقشات المتعلقة بحقوق المرأة والأحوال الشخصية في إطار قائم على الشريعة الإسلامية بعض الآثار الحقيقية على طبيعة النقاش، ولكنه لم يُمْلِ النتيجة مباشرة.

كيف ستطبّق الشريعة الإسلامية على المصريين غير المسلمين؟

هنا تبدو المقاربة الحالية للنظام القانوني المصري واضحة: كل جماعة دينية معترف بها حرّة في أن تكون لها شؤونها الخاصة التي ينظّمها قانون الأحوال الشخصية الخاص بها. المحاكم المصرية العادية تفصل في مثل هذه القضايا بشكل منتظم لجميع المصريين من المسلمين وغير المسلمين على حدّ سواء، ولكنها تستبدل ببساطة القانون المعمول به، فليست هناك محاكم منفصلة لكل جماعة دينية، والقضاة في محاكم الأحوال الشخصية يخرجون من رحم السلطة القضائية العادية.

وهذا يؤدّي إلى مشكلتين بالنسبة إلى مثل هذه الجماعات. أولاً، أتباع الديانات غير المعترف بها (الأكثر علانية أعضاء الديانة البهائية) ليس لهم وضع قانوني واضح، حتى الجماعات البدعية التي لاتعترف بها الدولة ليست لديها القدرة على اتّباع معتقداتها وتعاليمها.

ثانياً، يبدو أن النظام يشجّع عمليات التحوّل الانتهازية (اعتناق دين أو مذهب آخر) كمنتج ثانوي للخلافات الزوجية: الزوج القبطي الراغب في تطليق زوجته، على سبيل المثال، قد يتحوّل إلى طائفة مسيحية مختلفة، أو حتى إلى الإسلام كي يجعل هذه الخطوة ممكنة. وفي السنوات الأخيرة قام المسؤولون القانونيون المصريون ببعض المحاولات للعمل مع الزعماء المسيحيين لوضع قانون موحَّد للأحوال الشخصية للمسيحيين للحدّ من هذه الممارسة.

ما الذي ينبغي على الغرب مراقبته في مصر؟

ليس هناك الكثير في هذه المناقشات مايهدِّد الأمن الغربي. لكن ثمة مضاعفات مهمة لها على حقوق الإنسان والقيم الأخرى التي تهتم بها الجهات الفاعلة الغربية. مايجعل المناقشات عن الشريعة الإسلامية محيّرة - وحتى مثيرة للقلق أحياناً – بالنسبة إلى الغرباء هو عدم الإلمام بالمفاهيم والمصطلحات الأساسية.

بطبيعة الحال، فكرة ضرورة أن يكون للدين دور في الحياة العامة مألوفة حتى عندما لاتحظى بالقبول على نطاق واسع، وجميع أنواع الدول لديها وضع رسمي بالنسبة إلى دين معيّن. لكن يبدو أن للجدل حول الشريعة الإسلامية تأثيراً خاصاً قوياً، لأنه يمكن أن يتجاوز القواعد الوعظية، وتلك المتعلقة بالهوية، إلى قواعد قانونية محدّدة ومفصّلة.

والمواقف الأساسية ليست غير مألوفة بالنسبة إلى الغرباء وحسب، بل من الصعب فكّ رموزها أيضاً. الجهات الفاعلة التي يُستدَلّ على أنها "علمانية" لاتعترض على منح وضع دستوري لأحكام الشريعة الإسلامية، والإسلاميون المعلَنون من جانب واحد يتشدّقون بتطمينات تشي بأنهم يركّزون فقط على أهداف الشريعة العامة، وليس على أحكامها المحدّدة.

إذا كانت المناقشات حول الشريعة الإسلامية أساسية في الوقت نفسه بالنسبة إلى الحياة السياسية المصرية، وأيضاً غير محدّدة وحتى غامضة، فهل يعني هذا أن دراسة المناقشات حول هذا الموضوع مغرية، لكنها بلا جدوى، في نهاية المطاف؟ ليس لفترة طويلة. عملية إعادة بناء النظام السياسي المصري قد تعني أنه مهما تكن الإجابات الحالية ضبابية، ستجري قريباً محاولات لمنحها صياغة مؤسّسية.

لكن بدلاً من محاولة إعطاء جواب مؤكّد لمعاني الصيغ اللفظية المحدّدة، يركّز المراقبون الذين لديهم فرصة لطرح الأسئلة على المسائل الملموسة والمؤسسية. وهذا يشمل، على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، التفكير أكثر في مايلي:

  • ما العناصر التي ينبغي تعديلها في قانون الأحوال الشخصية المصري الحالي، وما الذي يجب أن تقوله؟

  • ما الذي ينبغي أن يكون عليه هيكل المحكمة الدستورية العليا حيث من المرجّح أن تكون لها سلطة تفسير أي اصطلاحات دستورية بشأن الإسلام؟

  • كيف يجب أن يُنَظَّم الأزهر؟ وما الذي ينبغي أن تكون عليه طبيعة دوره في الدولة المصرية ومدى نفوذه الاجتماعي؟

  • كيف يجب أن يكون هيكل مؤسسات الدولة الدينية الأخرى، مثل دار الإفتاء المصرية (مفتي الجمهورية، مسؤول عن تقديم تفسيرات الشريعة الإسلامية)؟

  • ما الأولوية التي يجب أن تُعطى لإصلاح القانون الجنائي (بشأن هذه المسألة، من الصعب تجنّب أحكام الشريعة الإسلامية وهي مَستقطَبة للغاية)؟

  • ما الذي ينبغي أن يكون عليه وضع الوثائق الدولية المختلفة لحقوق الإنسان التي وقّعت عليها مصر؟ ومَن يجب أن يكون مسؤولاً عن تفسير التحفّظات القائمة على تلك الوثائق؟ (على سبيل المثال، تصديق مصر على لجنة القضاء على التمييز ضدّ المرأة يشمل التحفّظ التالي في مايتعلق بالمادة الثانية من الوثيقة: "إن جمهورية مصر العربية على استعداد للامتثال إلى مضمون هذه المادة، شريطة ألا يخالف هذا الامتثال أحكام الشريعة الإسلامية").

من المحتمل جداً أن تكون الجهات السياسية الرئيسة الفاعلة في مصر قد بدأت لتوّها التفكير في الجهة التي سوف تحدّد هذه القواعد وكيف سيتم تقريرها. بيد أن بعض القضايا فرضت نفسها بالفعل على الأجندة. جماعة الإخوان المسلمين، على سبيل المثال، بدأت صياغة قانون جديد للمحكمة الدستورية، وكانت إدارة الأزهر موضوع مرسوم قانون مثير للجدل صادر عن حكّام البلاد العسكريين المؤقتين قبل أن يبدأ البرلمان الحالي أعماله مباشرة.

لذا، في حين يرجّح أن المراقبين الخارجيين والناشطين السياسيين المصريين لايزالون في حيرة من أمرهم حول هذه القضايا، فربما يكون وقت الاستمرار في المناقشات فقط، في مستوى مجرّد ونظري، يقترب من نهايته بسرعة.

يودّ الكاتب أن يشكر جوناثان براون من جامعة جورج تاون، وكلارك لومباردي من جامعة واشنطن، على وجهات نظرهما وتصحيحاتهما. جميع الأخطاء المتبقّية تخصّه.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.