في محاولة واضحة لتجنّب الانزلاق إلى موجة من عدم الاستقرار والصراع المحتمل، وافقت الفصائل السياسية في لبنان، بالإجماع تقريباً، على ترشيح السياسي السنّي البارز تمام سلام لخلافة نجيب ميقاتي كرئيس للوزراء. وكان ميقاتي استقال في آذار/مارس الماضي في أعقاب المأزق السياسي الذي نجم جزئياً عن الفشل في الاتفاق على قانون جديد للانتخابات البرلمانية التي يقترب موعدها الدستوري بسرعة.
في سؤال وجواب جديد، يقول بول سالم إن التوافق على ترشيح سلام قد ضمن استقراراً مؤقّتاً في لبنان. ومع ذلك، التحدّيات التي تواجه سلام في تشكيل حكومة جديدة والتوصّل إلى إجماع حول قانون جديد للانتخابات لاتزال قائمة.
ما أهمية ترشيح تمام سلام رئيساً للوزراء؟
يمثّل شبه الإجماع على تسمية سلام تطوراً إيجابياً في بلد كان قبل أسبوعين فقط على شفا أزمة سياسية خطيرة. فقد أدّت استقالة نجيب ميقاتي رئيس الوزراء وحكومته إلى حدوث فراغ سياسي. وأشاعت المخاوف من حدوث أزمة وشيكة يمكن أن تؤثّر على الاستقرار السياسي في البلاد، وربما تكون لها عواقب أمنيّة في نهاية المطاف.
وكانت كل الأطراف المحلية الرئيسة في لبنان وداعموها الأجانب يدركون تماماً خطورة هذا الوضع، فتحركوا بسرعة للتشجيع على تشكيل حكومة جديدة. وأعتقد أن كل الأطراف في لبنان كانت ترغب في ضمان قدر من الاستقرار المؤقّت.
جاءت الاقتراحات الأولية بتعيين سلام بتشجيع من المملكة العربية السعودية، أحد الداعمين الخارجيين الرئيسيين لتيار 14 آذار/مارس المعارض المناهض للرئيس السوري. وسرعان ما وافق تيار 8 آذار/مارس المؤيّد للأسد – الذي يضم حزب الله وحركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، وحليفهما المسيحي العماد ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر - على ترشيح سلام.
السيد سلام شخصية مستقلّة وله تاريخ سياسي عائلي طويل. وفي حين يعتبر سلام قريباً من موقف كتلة 14 آذار/مارس المناهضة للأسد، فهو ليس عضواً، من الناحية الرسمية، في أي حزب، وبالتالي فهو يحظى بالصدقية كشخصية معتدلة.
أدّى تعيين سلام إلى شعور بالطمأنينة العامة حول المستقبل القريب للبلاد. إذ من المحتمل أن يحافظ لبنان الآن على استقراره الهشّ خلال الأشهر القليلة المقبلة، على رغم أن ثمّة قضايا كبرى لا تزال قائمة، بما في ذلك صياغة قانون جديد للانتخابات، وتعيين رئيس جديد لقوى الأمن الداخلي، وإدارة الآثار الجانبية وتدفق اللاجئين الناجمين عن الحرب الأهلية السورية.
ما التحدّيات الرئيسة سلام التي ستواجه؟
يواجه سلام تحدّياً كبيراً في محاولة تشكيل حكومة جديدة. فقد أعلن أنه يسعى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية موسّعة تضمّ ممثلين عن الأحزاب والائتلافات الرئيسة، شريطة ألا يكون وزراؤها مرشحين للانتخابات. وإذا لم يتمكّن من تشكيل مثل هذه الحكومة السياسية الموسّعة – في الواقع الأحزاب الرئيسة على خلاف سياسي مع بعضها - فقد يحاول حينذاك تشكيل حكومة تكنوقراط غير سياسية.
إذا ومتى تم تشكيل الحكومة، فسيكون هدفها الرئيس إجراء الانتخابات البرلمانية، والتي من المفترض أن تتم في شهر حزيران/يونيو المقبل. ولكي يحدث ذلك، يجب أن يتم إحراز نجاح في المهمة الصعبة بالقدر نفسه والمتمثّلة بالاتفاق على قانون انتخابي جديد لبرلمان البلاد.
كان الخلاف حول قانون الانتخابات البرلمانية أحد أسباب انهيار حكومة الرئيس ميقاتي. بيد أنه ليس ثمّة أي إشارة جدّية للاتفاق على قانون جديد.
إذا تمكّن سلام من تشكيل حكومة، ونجح في إقرار قانون الانتخابات، والإشراف على إجراء الانتخابات، فسيواجه لبنان عندها مشكلة تنصيب برلمان جديد وتعيين رئيس وزراء وحكومة جديدين فيما بعد.
لكن، إذا تمكن من سلام تشكيل حكومة ولم يتم الاتفاق على أي قانون انتخابي، عندها قد تعمّر حكومته فترة أطول. وفي حال عدم إجراء الانتخابات، ربما يمدّد البرلمان الحالي ولايته لمدة عام أو أكثر، ومعها حياة هذه الحكومة. ومع ذلك فقد أصرّ سلام على أن مهمّة حكومته في المقام الأول هي إجراء الانتخابات، وأنه لن يخدم بصفة مفتوحة إذا لم يتم الاتفاق على الانتخابات.
كيف سيؤثر تعيين سلام على موقف لبنان بشأن الصراع في سورية؟
من المعروف أن مواقف سلام في ما يتعلق بسورية أكثر تعاطفاً بصفة عامة مع المعارضة السورية.
ففي تصريحات أدلى بها مؤخّراً، أعرب سلام عن دعمه للتغيير الديموقراطي في سورية، لكنه شدّد أيضاً على أن القرار في نهاية المطاف يعود إلى الشعب السوري. ولم يُشِر إلى أن الحكومة الجديدة بزعامته ستتّخذ موقفاً مختلفاً كثيراً عن موقف سلفه، والذي تمثّل بالنأي بالنفس رسمياً عن الصراع في سورية.
ما موقف سلام من سلاح حزب الله؟ وكيف سيؤثّر ذلك على سياسة لبنان الداخلية؟
ذكر سلام بوضوح أن مسائل الحرب والسلام يجب أن تكون من اختصاص الدولة، أي بمعنى أنها ليست من اختصاص حزب الله. لكنه لم يقل، في الوقت نفسه، إنه يجب نزع سلاح حزب الله أو إضعافه بشكل كبير بأي شكل من الأشكال.
تشير موافقة حزب الله السريعة على ترشيح سلام، وهو ليس صديقاً للجماعة، إلى أن حزب الله يبدو أكثر استيعاباً ومجاملة، في الوقت الراهن على الأقل. ومع ذلك، لايزال حزب الله أقوى قوة في لبنان، مايجعل من الصعب جداً على فريق سلام تجاهله أو تحدّيه.
من المرجّح أن يشارك حزب الله في حكومة سلام، لكن من السابق لأوانه القول في أي الوزارات.
لن يكون سلام قادراً على تغيير الوضع الراهن بشكل كبير مع حزب الله. فالتعايش القسري بين الدولة اللبنانية وبين الحزب سيبقى قائماً.
هل لا تزال هناك فرصة لإجراء الانتخابات البرلمانية في حزيران/يونيو؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما هو القانون الانتخابي الذي يرجّح أن يُعتمَد؟
يبدو أن من غير المرجّح تماماً أن تعقد الانتخابات البرلمانية في موعدها في حزيران/يونيو المقبل. فقد أخّر البرلمان المواعيد النهائية لترشيح وتسجيل المرشحين أسابيع عدة. وهناك القضية الشائكة المتعلقة بالاتفاق على قانون انتخابي.
في أحسن الحالات، ستتفّق الفصائل المتنافسة على قانون جديد للانتخابات قبل حزيران/يونيو، ومن الممكن إعادة جدولة الانتخابات بحيث تجري في الموعد نفسه في الخريف المقبل، ما يحدّ من احتمال تمديد ولاية البرلمان الحالي.
وفي سيناريو أكثر سلبية، قد يمرّ الموعد النهائي في حزيران/يونيو دون الاتفاق على قانون انتخابي لكن مع تمديد ولاية البرلمان الحالي. وعلى رغم أن هذه النتيجة حدثت مرة واحدة في السابق، وكان ذلك خلال الحرب الأهلية اللبنانية، فإن تكرارها سيكون بالتأكيد مؤشّراً على وضع سياسي محفوف بالمخاطر في لبنان.
تعرف صيغة القانون الانتخابي الذي يكتسب شعبية باسم "النظام المختلط". في هذا النظام، يتم انتخاب بعض النواب في البرلمان على أساس النظام الانتخابي الأكثري، في حين يتم انتخاب النواب الآخرين على أساس النظام النسبي. وهناك أشكال مختلفة لهذا النوع من الأنظمة قيد الاستخدام في ألمانيا و50 دولة أخرى حول العالم. واقتُرِح هذا النظام لأول مرة في لبنان في العام 2006 عبر اللجنة الوطنية لإصلاح القانون الانتخابي، والمعروفة أيضاً باسم لجنة بطرس.
وقد وضع عدد من الأحزاب السياسية هذا الاقتراح على الطاولة وهو يكتسب بعض الزخم. ومع ذلك، ليس ثمّة مايضمن على الإطلاق أن تتفق الفصائل الرئيسة على هذا القانون وعلى إجراء انتخابات.