جرت الانتخابات النيابية الأردنية في العاشر من سبتمبر/ أيلول الماضي في ظل تراجع الثقة بمؤسسات الدولة، وتعديلات دستورية أضعفت الولاية العامة للحكومة، وظروف إقليمية ضاغطة على الأردن وفي مقدمتها الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان. ولذلك جاءت المشاركة الشعبية المحدودة والمتدنية في الانتخابات بوصفها مؤشرا سلبيا على مدى الثقة في العملية السياسية، إذ لم تتجاوز نسبة المقترعين فيها 32 في المئة، وهي نسبة لم تزد كثيرا عن انتخابات العام 2020، حين بلغت نسبة المشاركة آنذاك 29.9 في المئة.
هذه المشاركة المتدنية تأتي في ظل استياء عام من الوضع الاقتصادي والغلاء في بلد يشكل الشباب فيه ثلثي عدد سكانه، وتزيد فيه نسبة البطالة عن 21 في المئة ونسبة الراغبين في الهجرة عن 48 في المئة، وهي تشكل النسبة الأعلى بين البلدان العربية. ويُظهر استطلاع للرأي تدني نسبة الثقة بالمؤسسات السياسية يأتي في مقدمتها الحكومة والبرلمان، إذ عبر 16 في المئة فقط من الأردنيين عن ثقتهم الكبيرة بالبرلمان، في الوقت الذي حصلت فيه الحكومة على 37 في المئة.
فوز غير متوقع لجبهة العمل الإسلامي
من أبرز نتائج الانتخابات هو حصول الإسلاميين على نتائج خالفت التوقعات، إذ فاز حزب جبهة العمل الإسلامي وهو الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين بـ 22.5 في المئة من نسبة المقاعد في البرلمان، بواقع 31 مقعدا من أصل 138، منها 17 مقعدا من القائمة الوطنية (القائمة المخصصة للأحزاب) و14 مقعدا للقائمة المحلية (المخصصة للمرشحين غير المنتمين للأحزاب)، بالمقابل لم تحقق الأحزاب الأخرى نتائج كبيرة على مستوى قوائم الأحزاب، إذ فاز حزبا إرادة والميثاق المقربين من السلطات ب40 مقعدا مجتمعين معظمها على القوائم المحلية.
بلغ مجموع المصوتين لحزب الجبهة ما نسبته 44.8 في المئة من إجمالي عدد المقترعين. وهي أفضل من نتائج الانتخابات الماضية، حين حصل حزب الجبهة على 10 مقاعد في عام 2020، وفي عام 2016 على 15 مقعدا من أصل 130 مقعدا.
لا يمكن إغفال دور التعاطف الواسع في الأردن مع الفلسطينيين في غزة في حصول الإسلاميين على أصوات أكثر، إذ شارك الإسلاميون بفعالية في التظاهرات الرافضة للعدوان الإسرائيلي، وتعرض بعض نشطائها للاعتقال. كما كان للإسلامين دور مهم أيضا في حركة المقاطعة الواسعة التي تشهدها فروع الشركات الأميركية والشركات الغربية التي تصنف أنها داعمة لإسرائيل. كما زاد التعاطف مع حركة حماس، المنبثقة من رحم الإخوان المسلمين، والتي كان لجماعة الإخوان في الأردن دور مهم في تأسيسها بشكل كبير، وأظهرت استطلاعات الرأي أن 72 في المئة من الأردنيين يعتقدون أن ما يجري في غزة هو إبادة جماعية، و93 في المئة منهم قالوا إنهم منخرطون في حملة المقاطعة.
خطة الإصلاح السياسي
تأتي الانتخابات في إطار خطة الإصلاح السياسي التدريجي التي تهدف في المرحلة الثالثة منها إلى تشكيل حكومة برلمانية عام 2032. ووفقا للخطة الموضوعة، سيتم رفع نسبة تمثيل الأحزاب في البرلمان على مدى ثلاثة مواسم انتخابية تدريجيا لترتفع من 30 في المئة إلى 50 في المئة في الانتخابات المقبلة عام 2028، لتصل في النهاية إلى 65 في المئة في انتخابات عام 2032. بنيت خطة الإصلاح التدريجي على توصيات اللجنة المَلكية لتحديث المنظومة السياسية، وبموجب توصيات اللجنة أصدر قانونان ن للانتخابات والأحزاب السياسية.
لكن سبقت تلك الخطة تعديلات دستورية تم إقرارها على مدى أعوام 2014، 2016 و2022، والتي وصفها معارضون بأنها تمثل إضعافا للولاية العامة المفترضة للحكومة الأردنية، وتوسيعا إضافيا لصلاحيات الملك، وهذا يعارض مبادئ الدستور الأساسية الذي تم إقراره عام 1952، والذي يقضي بأن النظام السياسي هو "نيابي ملكي".
رغم الإصلاحات الجذرية لقانوني الأحزاب والانتخابات والإشادة بمستوى النزاهة التي شهدته الانتخابات الأخيرة، ترصد التقارير الحقوقية تزايدا في الاعتقالات السياسية وتقييدا في حرية التعبير عن الرأي وإقراراً لقوانين مقيدة للحريات مثل قانون الجرائم الإلكترونية الذي تعرض لانتقادات لأنه يفرض رقابة مشددة على نشاط الأردنيين على الانترنت.
يثير هذا الوضع الذي يظهر تناقضا بين انتخابات نزيهة نتج عنها فوز أكبر حزب معارض وقوانين مقيدة للحريات، يثير حيرة لدى المواطنين وشكا بشأن إحداث تغيير جوهري لمعادلة الإصلاح السياسي. كما يشبه البعض خطة التحديث السياسي بما يمكن تسميته ب” الهندسة السياسية” حيث يتم توجيه العملية السياسية لصالح سياسات السلطات.
لا يُعد فوز الإسلاميين جديدا، ولكنه مهم لأنه أكبر فوز للإخوان المسلمين بعد تعرضهم لانشقاقات داخلية غير مسبوقة، وتوتر علاقتهم مع السلطات في الأردن على مدى الأعوام العشرين الماضية. ورغم أن الفوز يؤشر لإرادة سياسية بإنجاح الانتخابات بوصفها اللبنة الأساسية بخطة التحديث السياسي، إلا أن ذلك لا يُحدث تغيير اً كبيرا ونوعيا في قواعد اللعبة السياسيةـ إذ سبقت الانتخابات مجموعة ممارسات وقوانين مقيدة للحريات أعطت انطباعا بأن الأردن لا يسير بشكل ثابت نحو الإصلاح السياسي.
على الرغم من نزاهة الانتخابات وفوز المعارضة الإسلامية، إلا أن محدودية المشاركة الشعبية والقوانين المقيدة للحريات تُقلص فاعلية الانتخابات للوصول إلى إصلاح سياسي جذري، ويبدو أن السلطات بحاجة لإجراء مزيد من الإصلاحات وضمان الحريات من أجل تعزيز الثقة ودفع القطاعات الشعبية للمشاركة السياسية الفاعلة ودعم خطة الإصلاح.
فرص وتحديات
رغم المشاركة المتدنية والاقتصاد المنهك ورغبة الشباب بالهجرة، إلا أن الإصلاح السياسي لايزال يشكل فرصة لإنعاش الحياة السياسية التي تسمح بتشكيل حكومة برلمانية كما حصل في عام 1956. هذا الأمر يتطلب جملة إجراءات لإعادة الثقة بالمؤسسات السياسية، من بينها إعادة النظر في القوانين المقيدة للحريات مثل قوانين حرية التجمع والتظاهر وقانون الجرائم الإلكترونية. كما يجب إعادة تعزيز دور الحكومة المتعلق بالولاية العامة من خلال إصلاح دستوري يضمن ذلك.
يشكل الملف الاقتصادي شرطا مهما لنجاح مسار الإصلاح، لضمان إيجاد فرص عمل وجذب الاستثمارات الخارجية خصوصا وأن الأردن يعتبر من أبرز مصدري العمالة الماهرة وفيه نسبة عالية من حملة الشهادات العليا والكفاءات. غير أن التحول الاقتصادي يحتاج لشفافية عالية ومحاربة للفساد وتعزيز سياسات الحماية الاجتماعية ودعم ذوي الدخل المحدود والفئات المهمشة. هو طريق طويل، ولكن أي تأخير سيزيد المهمة صعوبة في العقود المقبلة.