تمهيد
الصين محليًا وعالميًا
أصبحت الصين قوة عالمية، ولكن النقاش لا يتناول بشكلٍ وافٍ كيف حدث ذلك وما قد يعنيه. ويقول كثيرون إن الصين تصدّر نموذجها التنموي وتفرضه على دول أخرى. لكن الجهات الفاعلة الصينية تبسط أيضًا نفوذها عن طريق الجهات الفاعلة والمؤسسات المحلية وتحاول التكيّف مع النماذج والمعايير والممارسات المحلية والتقليدية وإدماجها.
بفضل منحة سخية من مؤسسة فورد تمتدّ على سنوات عدة، أطلقت مؤسسة كارنيغي مشروعًا بحثيًا مبتكرًا حول استراتيجيات الانخراط الصيني في سبع مناطق في العالم هي أفريقيا، وآسيا الوسطى، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمحيط الهادئ، وجنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا. يتناول هذا المشروع، من خلال مزيج من الأبحاث والاجتماعات الاستراتيجية، هذه الديناميات المعقدة، ومن ضمنها الطرق التي تتكيّف بها الشركات الصينية مع قوانين العمل المحلية في أميركا اللاتينية، والطرق التي تدرس بها المصارف والصناديق الصينية المنتجات المالية والائتمانية الإسلامية التقليدية في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، والطرق التي تساعد بها الجهات الفاعلة الصينية العمال المحليين على تطوير مهاراتهم في آسيا الوسطى. يتجاهل صانعو السياسة الغربيين على وجه الخصوص هذه الاستراتيجيات الصينية التكيّفية التي تتأقلم مع الواقع المحلي وتعمل فيه.
في النهاية، يهدف هذا المشروع إلى توسيع نطاق الفهم والنقاش حول دور الصين في العالم وتوليد أفكار مبتكرة حول السياسة العامة. ومن شأن هذه السياسات أن تمكّن الجهات الفاعلة المحلية من توجيه الطاقات الصينية لدعم مجتمعاتها واقتصاداتها على نحو أفضل؛ وأن تقدّم الدروس للغرب بشأن الانخراط في مختلف أنحاء العالم، وبخاصة في البلدان النامية؛ وأن تساعد الأوساط السياسية في بيجينغ على التعلّم من تنوّع التجربة الصينية؛ وأن تحدّ ربما من الخلافات.
إيفان أ. فيجنبوم
نائب رئيس الدراسات، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
مقدّمة
خلال زيارة رئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جينبينغ، إلى المملكة العربية السعودية في كانون الأول/ديسمبر 2022، وقّعت الرياض مذكّرة تفاهم مع شركة هواوي (Huawei) الصينية تهدف إلى تعزيز التعاون والتنسيق في مجالات خدمات الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وإنشاء بنى تحتية ومجمّعات عالية التقنية في المدن السعودية. وقد أُبرمت هذه المذكرة في إطار "اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة" التي شهدت ارتقاء العلاقات بين البلدَين إلى مستويات جديدة. ووصف جينبينغ جولته في السعودية بأنها "زيارة رائدة" من أجل تدشين "عهد جديد" لعلاقات الصين مع العالم العربي في قطاعَي الطاقة والتكنولوجيا.1
اكتسبت الصناعة الرقمية الصينية دورًا متزايد الأهمية في الخارج، وباتت الصين تحتلّ مكانةً مهمة بوصفها قوة رائدة في مجال التكنولوجيا. على مدى العقود القليلة الماضية، أدّت تطلّعات الصين نحو الاضطلاع بموقع قيادي في مجال التكنولوجيا على الصعيد العالمي إلى توظيف استثمارات كبيرة في التقنيات الرقمية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. وإلى جانب المشاريع التقليدية المتعلقة بالبنية التحتية، عمَدت الصين أيضًا إلى تصدير تقنياتها الرقمية من خلال آلية طريق الحرير الرقمي، التي تشكّل الجانب الرقمي من مبادرة الحزام والطريق الصينية. تم إطلاق آلية طريق الحرير الرقمي رسميًا في العام 2015، وركّزت على إنشاء بنية تحتية رقمية تشمل كابلات الألياف الضوئية، وشبكات الجيل الخامس (5G)، ومراكز البيانات، والمدن الذكية، وخدمات الحوسبة السحابية، واستخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي.2 يستند طريق الحرير الرقمي إلى إطار معقّد من الصكوك القانونية المرنة وغير الملزمة، من ضمنها مذكرات التفاهم ووثائق السياسة العامة.
في الوقت نفسه، تصدّر تطوير الاقتصاد الرقمي قائمة أولويات الأجندة التنموية لدى واضعي الخطط وصانعي السياسات في بلدان الخليج الغنية بالنفط عَقِب انخفاض أسعار المواد الهيدروكربونية في العام 2014. فقد كشفت هذه الصدمة الاقتصادية عن مكامن ضعف الاقتصادات المعتمدة على النفط، وسلّطت الضوء على الحاجة الملحّة إلى تحقيق التنوع الاقتصادي من أجل دعم النمو على المدى الطويل. وساهم ذلك في توسيع نطاق بصمة الصين الرقمية في دول الخليج على نحو ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. فقد أعلنت شركة سينس تايم (SenseTime)، إحدى أكبر الشركات الصينية المتخصّصة في مجال الذكاء الاصطناعي، عن إنشاء مقرٍّ لها في الإمارات العربية المتحدة، ليمثّل مركز البحث والتطوير الخاص بها في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.3 وفي غضون السنوات الخمس المقبلة، يُتوقّع أن يتيح مركز التميّز للذكاء الاصطناعي التابع للشركة المئات من فرص العمل، وبخاصةٍ للمهندسين ذوي المهارات العالية. كذلك، أبرمت شركة علي بابا (Alibaba) الصينية العملاقة في مجال التجارة الإلكترونية اتفاقية تعاون لتوفير خدمات معالجة البيانات والتخزين السحابي في سلطنة عُمان،4 وأصبحت أيضًا لاعبًا مهمًا في المشهد التكنولوجي في السعودية.
باتت عولمة القطاع الرقمي الصيني موضوعًا بارزًا ومثيرًا للجدل، يجري تسليط الضوء عليه كثيرًا في تقارير وسائل الإعلام وتحليلات مراكز الأبحاث والمؤتمرات التي تصف رأس المال الرقمي الصيني في الكثير من الأحيان بأنه إشكالي. واقع الحال أن الكثير من الأدبيات المتوافرة حول التوسّع الصيني الرقمي في الخارج تعتبره تهديدًا قد يشكّل تحدّيًا لهيمنة الولايات المتحدة على شبكة الإنترنت العالمية.5 ويفترض المراقبون عمومًا أن الصناعات في المجال الرقمي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الصين تعمل باعتبارها كيانًا متماسكًا وقويًا يصدّر بسلاسة نموذج الإنترنت الصيني إلى البلدان النامية. وفقًا لهذا المنظور، تعمَد بيجينغ إلى تصدير نموذج أُطلقت عليه تسمية "الاستبداد الرقمي"،6 أو "الإمبريالية الرقمية"، أو حتى تسمية أكثر إبهامًا هي "اللينينية الرقمية".7 ويُعتقد أن الجهود المبذولة لنشر النموذج الصيني توجّهها شركات التكنولوجيا الصينية وتسهّلها القروض الصينية، إلا أن هذه السردية تتجاهل التعقيدات المتعلقة بطريقة عمل هذه الشركات على أرض الواقع، ولا سيما تفاعلها مع الحكومات والقواعد التنظيمية المختلفة والمؤسسات المحلية. لذا تتبادر إلى الذهن هنا أسئلة مهمة: كيف يؤثّر انخراط الجهات المحلية في الدول المعنية على تشكيل أُطر الحوكمة الرقمية الناشئة في المنطقة؟ وهل تختلف مقاربات الشركات الصينية في دول الخليج عن مقاربات منافستها الغربية؟ وهل الشركات الرقمية الصينية هي فعلًا في طور تصدير نموذجٍ صيني خاص لإدارة البيانات وفرضه على الدول؟
تحاول هذه الدراسة الإجابة على هذه الأسئلة، بناءً على الأبحاث السياساتية والمقابلات التي أُجريت مع خبراء في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومدراء في شركات التكنولوجيا الصينية والأميركية، وصانعي السياسات. وتركّز الدراسة على حالة السوق السحابية في دولتَين رئيستَين من بلدان مجلس التعاون الخليجي، هما: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتوضح كيف تكيّفت شركات التكنولوجيا الصينية والأميركية مع متطلّبات الواقع المحلي هناك، معوّلةً على الفرص المتاحة لتحقيق الربح بفعل تنامي التوجّه نحو توطين البيانات في البلدَين. وعلى الرغم من ضعف أُطر حماية البيانات والتاريخ الطويل من الرقابة على الفضاء الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي، تلتزم شركات التكنولوجيا - بصرف النظر عن بلد منشأها - بالقوانين واللوائح المحلية، ويشمل ذلك تلبية طلبات الحكومة بالوصول إلى بيانات المستخدمين. يتم تصوير هذا الامتثال على أنه التزامٌ بالأُطر القانونية المحلية، إلا أنه يسهّل في الواقع تطبيق ممارسات سلطوية مثل عمليات المراقبة الجماعية وقمع أشكال معارضة النظام القائم.
تسلّط هذه الدراسة الضوء على أهمية الانخراط المحلي في التأثير على نتائج عولمة التكنولوجيا الرقمية الصينية، وعلى الدور المحوري الذي تؤدّيه سياسات البلدان المضيفة، وهياكل الحوكمة، والأولويات الاستراتيجية في تحديد ما إذا كانت مساعي إدارة الفضاء الإلكتروني التي تنتهجها الشركات الرقمية الصينية تسهم في إرساء نموذجٍ يتيح الوصول الحرّ والمفتوح إلى الإنترنت، أم أنها تسهم على العكس في الوصول المقيّد إلى الشبكة. وعوضًا عن افتراض أن شركات التكنولوجيا الصينية تروّج على نحو نشِط لنموذج الإنترنت الصيني في الخارج، تجادل هذه الدراسة بأن النموذج الرقمي الصيني ينتشر على الأرجح عن غير قصد إلى مناطق أخرى بسبب تبنّي قادة دول كثيرة في الجنوب العالمي طواعيةً ممارسات مماثلة لتحقيق أهدافهم المتمثّلة في ضمان السيادة على البيانات وتحقيق التطور الرقمي السريع. فالإنجازات اللافتة التي أحرزتها الصين على صعيد التطور الرقمي المتسارع، بالتزامن مع إحكام قبضتها على سكانها، تُعدّ مصدر إلهام قوي للكثير من القادة حول العالم.
التحوّل الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي والميزات التفاضلية للصين
بعد اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على عائدات النفط والغاز التي أسهمت بحصة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي وموّلت إنفاقها الحكومي لفترة طويلة، أطلقت هذه البلدان قبل عقدٍ من الزمن استراتيجيات طموحة للتنويع الاقتصادي. وقد سلّط الهبوط الحادّ في أسعار النفط العالمية في العام 2014 الضوء على مكامن ضعف الاقتصادات التي تعتمد بشدّة على المواد الهيدروكربونية، ما دفع صانعي السياسات في هذه الدول إلى تغيير النهج المتّبع وتبنّي مقاربة جديدة. فكان التركيز على تطوير اقتصاداتٍ رقمية مزدهرة خطوةً أساسية في إطار استراتيجية دول مجلس التعاون الخليجي الهادفة إلى تحسين قدرة الاقتصادات المحلية على الصمود والتكيّف في وجه الأزمات الخارجية.8
وهكذا، تبنّت دول عدّة في المنطقة خططًا وطنية لتعزيز البنية التحتية الرقمية والابتكار. على سبيل المثال، حملت رؤية السعودية 2030 راية التقدّم التكنولوجي، وتضمّنت خططًا استثمارية في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وإقامة شراكات استراتيجية مع شركات عالمية في مجال التكنولوجيا.9 وقد بلغت حصة الاقتصاد الرقمي في السعودية 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة في العام 2022، ما شكّل قفزةً كبيرة مقارنةً مع بداياته المتواضعة في السنوات الأخيرة، تعبّر عن التقدّم الكبير الذي أحرزته السعودية في مجال التحوّل الرقمي.10 وتركّز استراتيجية الحكومة الرقمية لدولة الإمارات للعام 2025 على تقديم خدمات الحكومة الإلكترونية وإنشاء مشاريع المدن الذكية، بهدف تعزيز مكانة الإمارات كوجهة رائدة عالميًا في التحوّل الرقمي.11 وتسعى الحكومة الإماراتية إلى مضاعفة نسبة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 11.7 في المئة إلى أكثر من 20 في المئة خلال العقد المقبل.12 وتظهر هذه الجهود مدى التزام دول مجلس التعاون الخليجي بالاستفادة من التقنيات الرقمية لدفع عجلة التنويع الاقتصادي وتعزيز قدرتها على الصمود والتكيّف في المدى الطويل.
وفيما تخوض بلدان المنطقة مرحلةً حاسمة من التحوّل الاقتصادي سعيًا إلى بناء اقتصادات قائمة على المعرفة، تقاطعت مصالحها مع الصين التي تضمّ بعضًا من الشركات الرقمية الأكثر تقدّمًا من الناحية التكنولوجية والساعية إلى التوسّع عالميًا ودخول أسواق جديدة. وتجدر الإشارة إلى أن قطاع الطاقة لا يزال، بفارقٍ كبير، أهم مجالات التعاون المشترك بين الصين وبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي العام 2022، بلغ إجمالي الواردات الصينية من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 41 في المئة، مقارنةً مع 35 في المئة في العام 2012.13 وقد شكّل النفط السعودي وحده 17 في المئة من إجمالي واردات الصين من النفط الخام في العام 2023، بقيمة 53.8 مليار دولار تقريبًا. ويكشف هذا الواقع عن عمق علاقة الاعتماد المتبادل بين بيجينغ والبلدان المنتجة للنفط في المنطقة،14 نتيجة حاجات الصين المتزايدة إلى الطاقة ومساعي دول مجلس التعاون الخليجي للحفاظ على دورها كمورّد أساسي لمصادر الطاقة إلى الأسواق العالمية، حتى في ظلّ تركيزها على تنويع اقتصادها.
شهدت البصمة الرقمية للصين في بلدان مجلس التعاون الخليجي نموًا هائلًا لجملةٍ من الأسباب. أولًا، شكّلت الأسعار التنافسية التي تقدّمها شركات التكنولوجيا الصينية ميزةً مهمة. فقد أثبتت شركات عدّة على غرار سينس تايم، وعلي بابا، وتينسنت (Tencent)، وهواوي، وغيرها قدرتها على بيع المعدّات والبرمجيات العالية الجودة بأسعار أقل مقارنةً مع منافستها الغربية. ويوضح بعض المحلّلين أن التقنيات الرقمية الصينية أرخص بنسبة 30 في المئة تقريبًا من نظيرتها لدى المنافسين، على الرغم من أن التقديرات تختلف بحسب نوع التكنولوجيا.15 وتُعزى ميزة التكلفة التي تتمتع بها الصين جزئيًا إلى اعتماد آليات تمويلية تتولّى بموجبها شركات التكنولوجيا الصينية إدارة الجوانب المتعلقة بالهندسة، والمشتريات، والبناء في مشاريع البنية التحتية، وتقوم المصارف الصينية بتوفير التمويل المدعوم من الدولة.16
إلى جانب ميزة التكلفة، ثمّة عاملٌ مهم ثانٍ خلف التوسّع السريع الذي شهدته الشركات الرقمية الصينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يكمن في قدرة هذه الشركات على التكيّف مع الظروف الثقافية والسياسية والاقتصادية والمؤسسية المتباينة في مناطق مختلفة حول العالم. فقد كانت القدرة على استخلاص الدروس والعبر وإجراء التعديلات اللازمة على الخدمات جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية التوطين التي اعتمدتها الشركات الرقمية الصينية في الخارج. على سبيل المثال، حينما أرادت الحكومة السعودية الاستفادة من الوسائل الرقمية لتحسين تجربة الحج، تقدّمت شركة هواوي بعرضٍ لتطوير تطبيقات الهواتف الذكية وقنوات الإنترنت والتلفزيون لهذه الغاية. ويهدف التعاون بين المملكة وشركات التكنولوجيا الصينية إلى رفع جودة الخدمات الرقمية المقدّمة للمسلمين، حجّاجًا ومعتمرين، وتحسين تجربتهم وإثرائها.17
أما العامل الثالث الأساسي الذي ساهم في تنامي حضور شركات التكنولوجيا الصينية في المنطقة فهو تركيزها على توفير التدريب وآليات نقل التكنولوجيا. فقد أبدت شركات التكنولوجيا الصينية التزامًا ملحوظًا في تعزيز الشراكات التعاونية مع الجامعات الإقليمية وتسهيل إطلاق مبادرات لتدريب الطلاب في الكثير من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي العام 2023، أكّدت شركة علي بابا كلاود (Alibaba Cloud) الرائدة في تقديم خدمات الحوسبة السحابية، في إطار معرض الخليج لتكنولوجيا المعلومات "جيتكس غلوبال" (GITEX GLOBAL) الذي يُقام سنويًا في دبي، على التزامها بتعزيز تنمية المواهب الرقمية في المنطقة.18 وتتمثّل النقطة المحورية لجهودها التعليمية في برنامج علي بابا كلاود للتمكين الأكاديمي، وهو عبارة عن مبادرة عالمية تتعاون بصورة مباشرة مع الجامعات والمؤسسات التعليمية المحلية المعترف بها رسميًا والحاصلة على شهادات الاعتماد. وبموجب هذا البرنامج، من المتوقع أن يتمكّن أكثر من 55 ألف شخص في الشرق الأوسط وأفريقيا، بما في ذلك العملاء والشركاء والمطوّرين والطلاب والباحثين، من الاستفادة من موارد التدريب التي تقدّمها شركة علي بابا كلاود على مدى السنوات الثلاث المقبلة.19 وقد وقّعت الشركة مذكرتَي تفاهم مع الجامعة الهاشمية في الأردن وجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا في الإمارات لتعزيز الشراكة الاستراتيجية من خلال تطوير برامج التدريب التقني ومبادرات التطوير المهني والأنشطة البحثية، بهدف تزويد المعلمين والطلاب والمهندسين بالمهارات العملية في التقنيات المبتكرة التي تلبّي متطلّبات القطاع.
إضافةً إلى العوامل الآنفة الذكر، جادل الكثير من المحلّلين بأن النجاح الذي تحقّقه الشركات الرقمية الصينية في الشرق الأوسط يُمكن أن يُعزى إلى الطبيعة السلطوية لحكومات المنطقة. وفقًا لهذه الحجة، بما أن هذه الشركات آتية من دول تحكمها أنظمة سلطوية، فسترسّخ عملياتها في البلدان المضيفة حكمًا الرؤية السلطوية للإنترنت. واقع الحال أن نموذج الحوكمة الرقمية الصيني يحظى بإعجاب القادة في العالم العربي لأن بيجينغ استطاعت تحقيق تطور رقمي سريع والحفاظ في الوقت نفسه على قبضتها المُحكمة على مواطنيها.20 وعلى غرار الصين، تنخرط دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكلٍ نشِط في جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات الخاصة بمستخدمي الإنترنت.21 على سبيل المثال، يوضح مارك أوين جونز من خلال دراسات حالة مختارة بعناية من مختلف أنحاء المنطقة، كيف تستخدم أنظمة الشرق الأوسط التقنيات الرقمية لمراقبة المواطنين المحليين والأجانب وقمعهم والتلاعب بهم.22
في الكثير من الأحيان، تعزو السردية السائدة سبب انتشار الممارسات الرقمية السلطوية في المنطقة إلى تأثير الصين. ولكن هل هذا يعني أن شركات التكنولوجيا الصينية تفرض نموذج إدارة الإنترنت الخاص بها على دول مجلس التعاون الخليجي؟ وهل تعمل هذه الشركات في دول الخليج بشكل مختلف عن منافستها الغربية؟ علاوةً على ذلك، كيف تعمَد الجهات الفاعلة المحلية إلى التأثير في تحديد أُطر الحوكمة الرقمية في المنطقة؟ وهل تروّج الشركات الصينية لاتّباع نهجٍ معياري وموحّد لإدارة البيانات يحاكي الممارسات المعتمدة في بيجينغ؟ يتناول القسم التالي من هذه الدراسة كيف استجابت الشركات الصينية والأميركية لمبادرات دول مجلس التعاون الخليجي الرامية إلى توطين حصة متزايدة من البيانات التي يتم إنتاجها داخل المنطقة.
توطين البيانات، والاستبداد الرقمي، والتنافس الأميركي الصيني
عمّ دولَ الخليج العربي خلال السنوات الماضية شعورٌ متجدّدٌ بالوطنية والسيادة. وقد شكّل هذا التحوّل، إلى جانب الطموحات ببناء اقتصادات رقمية قوية، حافزًا للجهود الرامية إلى توطين عملية تخزين البيانات الخاصة بالقطاعات الحساسة داخل الحدود الجغرافية للدولة نفسها. وعلى غرار بلدان أخرى في الجنوب العالمي، لدى دول مجلس التعاون الخليجي دوافع متزايدة لتوطين البيانات الاستراتيجية لاعتباراتٍ اقتصادية وأمنية. فمن الناحية الاقتصادية، يشجّع تخزين البيانات داخليًا نموَّ قطاع الصناعات التقنية المحلية، ويقلّل من الاعتماد على مزوّدي الخدمات الأجانب، ويعزّز التحكّم في الوصول إلى البيانات القيّمة التي يمكن استخدامها لدفع عجلة الابتكار والصناعات الرقمية. ومن المنظور الأمني، يحدّ توطين البيانات من المخاطر المتمثّلة في المراقبة الأجنبية للبيانات، والهجمات السيبرانية، والوصول غير المصرّح به إلى البيانات، بغية صون السيادة الوطنية وحماية المعلومات الحساسة.
ونتيجةً لذلك، اعتمدت دول المنطقة أنظمة ولوائح صارمة لحماية البيانات، علمًا أن المؤسسات المالية تكون عادةً مُلزمةً بالحفاظ على سيادة البيانات المحلية. وقد أقرّت كلٌّ من السعودية والإمارات قانون حماية البيانات الشخصية الذي ينصّ على تخزين البيانات الشخصية التي يتم جمعها محليًا داخل النطاق الجغرافي للدولة، على أن تخضع عمليات نقل البيانات إلى الخارج إلى شروط صارمة.23 كذلك، تُلزم لوائح وأنظمة حماية المستهلك التي وضعها مصرف الإمارات المركزي المؤسسات المالية المرخّصة بتخزين جميع بيانات المستهلكين ومعالجتها داخل حدود دولة الإمارات.24 وتضمن هذه الإجراءات حفاظ المؤسسات المالية على سيادة البيانات المحلية في دولة الإمارات. واعتمدت السعودية كذلك إطارًا تنظيميًا خاصًّا بالحوسبة السحابية يتضمّن بنودًا حول الاحتفاظ بالبيانات الشخصية وتخزينها داخل نطاق المملكة الجغرافي.
ولكي تتمكن دول المنطقة من توطين البيانات، عليها إنشاء البنى التحتية التي تسمح بتخزين البيانات محليًا، مثل مراكز البيانات والحوسبة السحابية. في الواقع، يشكّل مركز البيانات بنية تحتية أساسية لمبادرات توطين البيانات، وهو عبارة عن منشأة مادّية داخل مبنى أو مجموعة من المباني مصمّمة خصّيصًا لإيواء الخوادم المستخدمة لتخزين المعلومات الرقمية التي تنتجها مختلف أنواع المؤسسات.25 وتحتوي مراكز البيانات على رفوف كثيرة من خوادم الكمبيوتر وكميات هائلة من الكابلات والمحوّلات، التي تتطلّب جميعها استهلاكًا كثيفًا للطاقة الكهربائية. إن مراكز البيانات، "حيث تعيش شبكة الإنترنت"، وفقًا للتسمية الشعرية التي أطلقتها عليها غوغل (Google)،26 مسؤولةٌ عن مهام أساسية متمثّلة في تخزين وإدارة ومعالجة وتوزيع كميات ضخمة من البيانات والتطبيقات اللازمة لإنجاز عمليات الشركات والوكالات والمؤسسات. وفي الكثير من الأحيان، تجمع مراكز البيانات بين الخوادم المادّية التقليدية داخل منشآتها والشبكات الافتراضية، التي تُسمّى بالخوادم السحابية وتدعم مختلف الاستخدامات وأنشطة العمل عبر البنى التحتية المادّية والسحابية.27 ونظرًا إلى أن الخدمات السحابية تؤدّي دورًا محوريًا في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، أصبحت على نحو متزايد محورًا أساسيًا في التنافس الدائر بين الولايات المتحدة والصين في المجال التكنولوجي.
في الواقع، يشتدّ التنافس بين هاتَين القوّتَين على سوق الخدمات السحابية في بلدان مجلس التعاون الخليجي في ظلّ التوقعات بنموّ استهلاك البيانات في المنطقة بنسبة 400 في المئة بين العامَين 2022 و2028.28 ووفقًا لشركة "ماكنزي وشركاؤه"، تُعدّ الخدمات السحابية في عشر دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قادرةً على تحقيق قيمةٍ تصل إلى 183 مليار دولار بحلول العام 2030، أي ما يعادل نحو 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الحالي للمنطقة.29 وقد سارعت شركات التكنولوجيا الأميركية الرائدة للاستحواذ على حصص من هذه السوق المربحة، إذ تدير كلٌّ من مجموعة خدمات أمازون ويب (Amazon Web Services) ومنصّة غوغل السحابية (Google Cloud) ثلاث مناطق سحابية، بينما تتصدّر منصّة أزور (Azure) التابعة لمايكروسوفت (Microsoft) المشهد بأربع مناطق سحابية. يُشار إلى أن الشركات الصينية تحقّق أيضًا نجاحات، إذ عمدَت شركات علي بابا وهواوي وتينسنت إلى توسيع حضورها في المنطقة، ما يؤكّد على الأهمية الاستراتيجية التي تضطلع بها هذه السوق لشركات التكنولوجيا العالمية.
وقد أثار هذا التوسّع المتسارع لمراكز البيانات في بلدان مجلس التعاون الخليجي مخاوف جديّة في أوساط المدافعين عن الحقوق الرقمية، نظرًا إلى أن الموقع الجغرافي لمراكز البيانات أمرٌ بالغ الأهمية.30 ويُعزى ذلك إلى أن البيانات تقع ضمن الولاية القضائية للدولة حيث يتمّ تخزينها ومعالجتها. يُشار إلى أن قوانين حماية البيانات في دول مجلس التعاون الخليجي ضعيفة ومليئة بالثغرات، ما يزيد احتمالات إساءة استخدام البيانات الشخصية بشكلٍ كبير.31 ففي الإمارات، تمنح لوائح حماية البيانات صلاحيات واسعة إلى الهيئات الحكومية، ما يسمح لها بالوصول إلى البيانات الشخصية من دون ضوابط تُذكر. وعلى الرغم من أن قانون حماية البيانات الشخصية في السعودية يمثّل خطوة إيجابية، فإنه يتضمّن بنودًا غامضة تتيح للحكومة الوصول إلى البيانات لغاياتٍ غير محدّدة.32 وتتضمّن قوانين حماية البيانات الشخصية في البلدَين استثناءات واسعة في الحالات المتعلقة بالأمن القومي، وسمعة الدولتَين، والعلاقات الدبلوماسية، والمعلومات السرية، والسلطات العامة، ما يجيز للحكومة تجاوز القانون وقتما تشاء. هذه الثغرات في الحماية القانونية تعطي الحكومات نطاقًا واسعًا من السيطرة على إدارة البيانات، ما يقوّض الخصوصية ويزيد من المخاطر المُحدقة بحقوق الإنسان في مختلف أنحاء المنطقة. إذًا، ما لم تُطبَّق ضمانات شاملة، ستبقى البيانات المُخزّنة في بلدان مجلس التعاون الخليجي معرّضة لاحتمال استغلالها وإساءة استخدامها.
لجأت كلٌّ من السعودية والإمارات تاريخيًا إلى وسائل تندرج في إطار الاستبداد الرقمي، من خلال عمليات المراقبة المكثّفة، والرقابة، وقمع أشكال المعارضة، والاستفادة من التقنيات المتقدّمة لإحكام قبضتها على السكان. على سبيل المثال، فرضت الإمارات رقابة واسعة النطاق على شبكة الإنترنت، وحجبت المحتوى الذي تعتبره حسّاسًا سياسيًا أو مخالفًا للقيم الأخلاقية،33 ولجأت إلى وسائل مراقبة مثل تطبيق المراسلة الفورية توتوك (ToTok)، الذي أفادت تقارير بأن الدولة الإماراتية تستخدمه لأغراض تجسّسية.34 كذلك، ذكرت تقارير أن السعودية تستخدم برامج تجسّس متطورة، مثل برنامج بيغاسوس (Pegasus) الذي أنتجته شركة إن إس أو (NSO Group) الإسرائيلية، لاختراق هواتف صحافيين ونشطاء، في انتهاكٍ لمبادئ الخصوصية وحرية التعبير.35 توضِح هذه الممارسات الطرق التي يمكن من خلالها لدول مجلس التعاون الخليجي استخدام التقنيات الرقمية لتوطيد الحكم السلطوي وقمع أشكال المعارضة.
يُشار في هذا الصدد إلى أن الشركات الصينية لا تعمَد إلى تصدير تقنياتٍ مُصمّمة لفرض رؤية بيجينغ الرقمية أو تنفيذ استراتيجية كبرى تهدف إلى نشر نموذج الإنترنت المحلي الصيني. بل تركز هذه الشركات على إنشاء البنية التحتية اللازمة لتلبية المتطلبات المحدّدة لحكومات المنطقة، والتكيّف مع الاقتصادات السياسية المتنوعة لدول مجلس التعاون الخليجي. يُضاف إلى ذلك أن تأثير شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة في بلدان مجلس التعاون الخليجي غير متماثلٍ إطلاقًا، ويختلف بشكل كبير باختلاف السياق السياسي والأولويات التنموية في كل دولة. على سبيل المثال، بعد أن عبّرت السعودية عن حاجتها إلى زيادة السعة السحابية لتخزين البيانات الرقمية محليًا، أصبحت شركة علي بابا كلاود أول مزوّد رائد عالميًا للخدمات السحابية فائقة السعة يدخل السوق السعودية.36 فقد أبرمت مجموعة علي بابا كلاود شراكة استراتيجية مع الشركة السعودية للحوسبة السحابية من أجل تقديم مجموعة واسعة من خدمات الحوسبة السحابية المتطوّرة المصمّمة خصّيصًا لتلبية حاجات الشركات العاملة في المملكة، ودعم دخولها إلى السوق عبر توفير حلول مبتكرة ومتخصّصة تسهم في تعزيز بيئة الأعمال ودعم المنظومة الرقمية.
كذلك، سعت شركة تينسنت الرائدة إلى تعديل استراتيجيات عملها وفقًا لمتطلّبات التنمية المحلية في دول الشرق الأوسط. ففي العام 2024، أعلنت الشركة أنها تعتزم توسيع أنشطتها السحابية في المنطقة، ما سيتطلّب استثمارات ضخمة تتماشى مع التطلّعات المحلية بتحقيق التحوّل الرقمي.37 في هذا الصدد، يرى دان هو، نائب رئيس شركة تينسنت كلاود العالمية لشؤون منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أن:
"ما من 'نهجٍ واحد يلائم الجميع' عند توفير الخدمات الرقمية، خصوصًا على المستوى الإقليمي. فبينما تتولّى شركة تينسنت كلاود نشر المعرفة التقنية، يقدّم شركاؤنا معارف محلية لا تُقدَّر بثمن وفهمًا معمّقًا لمتطلّبات المستهلكين، ما يسمح لنا بتكييف عروضنا وفقًا لذلك. وعلى مرّ السنوات، أشار شركاؤنا مرارًا وتكرارًا إلى التوجّه السائد في منطقة الشرق الأوسط نحو تنويع الاقتصاد الإقليمي".38
مع أن المخاوف بشأن توطين البيانات في الدول السلطوية، حيث قوانين حماية البيانات ضعيفةٌ، هي مخاوف مشروعة - خاصة في ما يتعلق بمبادئ الخصوصية وحقوق الإنسان – يجدر الذكر بأن الشركات الرقمية الصينية ليست الوحيدة المنخرطة في سوق الخدمات السحابية التي تشهد نموًا في دول مجلس التعاون الخليجي. في الواقع، تشير المعطيات إلى أن الشركات الأميركية تهيمن على هذا القطاع، متفوّقةً بشكلٍ كبير على نظيرتها الصينية.39 وقد استفادت بلدان مجلس التعاون الخليجي على نحو فعّال من التنافس بين هاتين القوّتَين العالميتَين لجذب الاستثمارات وتطوير القدرات الرقمية الوطنية. كثّفت مجموعة خدمات أمازون ويب التابعة لشركة أمازون استثماراتها في آذار/مارس 2024، خشيةً من تضاؤل حصّتها في السوق لصالح الشركات المُنافِسة الصينية، وأعلنت عن اعتزامها إنشاء منطقة بنية تحتية للحوسبة السحابية في السعودية بحلول العام 2026. وأضافت أنها تخطّط لاستثمار أكثر من 5.3 مليارات دولار (نحو 19.88 مليار ريال سعودي) في المملكة كجزءٍ من التزامها الطويل الأمد.40 وسيتألف المشروع الجديد من ثلاث مواقع لتوفير الخدمات السحابية (Availability Zones) عند إطلاقها، ما يتيح للعملاء تخزين البيانات داخل حدود المملكة، وتلبية المتطلّبات المحلية المتعلّقة بخصوصية البيانات، والحدّ من تأخير زمن استجابة الشبكة (أي الوقت الذي يستغرقه انتقال حزمة البيانات عبر الشبكة). وقد تم تصميم هذه المبادرة لدعم مجموعة واسعة من القطاعات، من بينها الرعاية الصحية والتعليم والألعاب، من خلال توفير خدمات سحابية متطورة.
وفي العام 2019، أطلقت شركة مايكروسوفت مراكز بيانات "أزور" (Azure) السحابية في الإمارات، لتوفير الخدمات السحابية.41 وهي تدير راهنًا ثلاث مناطق سحابية في أنحاء مختلفة من الإمارات، ما يتيح للمنظمات والشركات والمطوّرين إمكانية الاستفادة من خدمات سحابية قابلة للتوسّع بسهولة عند الاقتضاء، وموثوقة ومتاحة في جميع الأوقات، ومرنة وسريعة التعافي بعد الانقطاعات العرضية، في ظلّ ضمانها تخزين البيانات محليًا وحمايتها من الخروقات الأمنية وامتثالها للّوائح التنظيمية. تسلّط هذه التطورات الضوء على الطبيعة التنافسية لسوق الخدمات السحابية في بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث تتعدّد الجهات الفاعلة المنخرطة في هذا المجال، إلّا أن الشركات الأميركية لا تزال تتمتع بأفضلية كبيرة على نظيرتها الصينية.
من الأهمية بمكان تفادي إعطاء دلالة سياسية قوية إلى التقنيات في حدّ ذاتها. فتأثير المكوّنات الرقمية - بدءًا من شبكة الإنترنت، ومرورًا بمراكز البيانات، ووصولًا إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي - لا يتحدّد انطلاقًا من الدولة التي أنتجت تقنية محدّدة، بل يتشكّل من خلال السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تنتشر فيه التقنية. فالتقنيات في حدّ ذاتها عبارة عن أدوات محايدة؛ أما تأثيراتها فتتحدّد استنادًا إلى طرق استخدامها وتنظيمها ودمجها في هياكل الحوكمة المحلية.
تتوافق خلاصات هذه الدراسة مع الأبحاث التي أُجريت في مناطق أخرى. يتناول كتاب إيجينيو غاغلياردوني الصادر في العام 2019 كيف تفاعلت الجهات الفاعلة والأفكار الصينية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع نظامَين ديمقراطيَين في كينيا وغانا، ومع نظامَين سلطويَين في إثيوبيا ورواندا. ويكشف الكتاب بعد هذه المقارنة أن تدخّل الصين في المجال الرقمي في أفريقيا كان مدفوعًا بالتفضيلات الخاصة بكل دولة من هذه الدول الأفريقية المختلفة، بدلًا من تفضيلات بيجينغ.42 ويوضِح المؤلّف أن شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصينية سعت على السواء إلى تعزيز نموذج الوصول الحرّ والمفتوح إلى الإنترنت، وأيضًا نموذج الوصول المقيّد إلى الإنترنت، وذلك بحسب المشهد الاقتصادي السياسي الخاص بالبلد المضيف. وتستند إيمي تونغ إلى دراسات الحالة عن انخراط الصين في تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إثيوبيا وجنوب أفريقيا، لتظهر أن التركيز على السرديات التبسيطية للغاية التي تعزو مساعي الصين في أفريقيا حصرًا إلى الإيديولوجيا السياسية أو استخراج الموارد الطبيعية، تبقى قاصرةً عن شرح تعقيدات السلوك الصيني. عوضًا عن ذلك، من أجل التوصّل إلى فهم أدقّ لتأثيرات الشركات الصينية والنتائج السياسية والاقتصادية التي تحقّقها، من الأجدى التركيز على الاستراتيجيات العملية التي تنتهجها الصين، واستعدادها للتكيّف مع الظروف والسياقات المحلية المختلفة في إطار ممارسة القوة الناعمة.43
في نهاية المطاف، تسعى شركات التكنولوجيا إلى التقيّد بالقوانين والقواعد التنظيمية المحلية، والتي قد تشمل تلبية طلبات الحكومة بالحصول على بيانات المستخدمين. صحيحٌ أن هذا الامتثال يُبرَّر بأنه التزامٌ بالأطر القانونية المحلية، إلّا أنه قد يؤدّي عن غير قصد إلى تكريس ممارسات سلطوية، مثل فرض المراقبة الجماعية وقمع المعارضة. يوضِح هذ الواقع أن التأثير الحقيقي للتكنولوجيا لا يكمن في بلد منشأها، بل في كيفية استخدامها من جانب الحكومات والمؤسسات لتحقيق أهدافها ومصالحها.
خاتمة
يكشف مسار دول مجلس التعاون الخليجي نحو التحوّل إلى مركز رقمي عالمي عن التفاعل القائم بين عوامل عدّة هي الطموح التقني والاستراتيجية الجيوسياسية والإدارة المحلية. ترى هذه الدراسة أن الشركات الصينية والأميركية صمّمت استراتيجياتها خصّيصًا لتلبية حاجات هذه الأسواق المربحة، بصرف النظر عن البيئة السياسية والتنظيمية المحلية. وشملت هذه المساعي إنشاء مراكز بيانات محلية وبنى تحتية سحابية ضمن نطاق الحدود الوطنية لكلٍّ من السعودية والإمارات، ما يمنح السلطات المحلية قدرةً أكبر على الوصول إلى البيانات الرقمية والتحكّم بها. وبيّنت هذه الدراسة أن الحكومتَين السعودية والإماراتية، عوضًا عن الاكتفاء باستيراد النماذج الرقمية الأجنبية، بذلتا جهودًا فعّالة لتوجيه وتشكيل انخراط شركات التكنولوجيا العملاقة في بلدَيهما، حرصًا على ضمان توافق الاستراتيجيات المُطبَّقة مع أهدافهما الوطنية. ومن خلال استغلال التنافس القائم بين القوى العالمية، نجحت الحكومتان في جذب الاستثمارات إلى بلدَيهما وتعزيز قدراتهما الرقمية.
تظهر هذه الديناميات الانخراط النشط لدول مجلس التعاون الخليجي في تشكيل معالم مستقبلها الرقمي، فهي تدير بمهارة التفاعل بين الشركات المتنافسة ومعاييرها التكنولوجية المختلفة. وعلى خلاف السرديات التي ترى أن الصين تفرض نموذجها الرقمي على البلدان الأخرى، مهمِّشةً بالتالي دور هذه الدول ومصوّرةً إيّاها على أنها مجرّد متلقٍّ لا حول لها ولا قوة، يظهر التحليل الأدقّ لهذا المشهد واقعًا مختلفًا. فقد عكفت شركات التكنولوجيا الصينية وغير الصينية على تكييف استراتيجياتها لتتماشى مع الأنظمة السياسية والبيئات التنظيمية المحلية، ما يبيّن بوضوح الدور الفعّال الذي تؤدّيه كلٌّ من السعودية والإمارات في توجيه دفّة تحوّلهما الرقمي وفقًا لما تمليه مصالح النخب الحاكمة.
كما سبق أن اقترح البعض، قد يكون النموذج الاستبدادي الذي تنتهجه الصين حيال الإنترنت ينتشر، عن غير قصد، في مناطق أخرى من العالم، حيث يتبنّى قادةٌ في الجنوب العالمي طواعيةً ممارسات شبيهة بالنهج الصيني لتحقيق أهدافهم الرامية إلى تحقيق السيادة على البيانات ودفع عجلة التطور الرقمي.44 وعلى خلاف الولايات المتحدة، وبدرجة أقل الاتحاد الأوروبي، تجنّبت الصين استخدام الأُطر والمعاهدات الدولية من أجل تصدير نموذجها الخاص لإدارة البيانات. مع ذلك، يشكّل النجاح اللافت الذي حقّقته بيجينغ في مجال التحوّل الرقمي السريع بالتزامن مع الرقابة المشدّدة على سكانها، مصدر إلهام للكثير من القادة في مختلف أنحاء العالم.
أصبحت دول الخليج طرفًا أساسيًا في عالم اليوم الذي يتّجه بخطى حثيثة نحو التعدّدية القطبية، ويتّسم بتنافسٍ حامي الوطيس بين قوى كبرى، مثل الصين والغرب المهيمن منذ فترة طويلة على المشهد الاقتصادي والجيوسياسي. ولا شكّ من أن فكّ الارتباط التكنولوجي المتزايد بين الولايات المتحدة والصين سيؤثّر بشكلٍ كبير على مستقبل الاقتصادات الرقمية في بلدان مجلس التعاون الخليجي، بدءًا من البنية التحتية، ومرورًا بالمعدّات والمنصّات الرقمية، ووصولًا إلى استخدامات الذكاء الاصطناعي. إذًا، تواجه قوى إقليمية مثل السعودية والإمارات في آن تحدياتٍ وفرصًا مهمّة بسبب التنافس القوي بين الصين والولايات المتحدة. لذا، يتعيّن على دول مجلس التعاون الخليجي، في هذا السياق المعقّد، أن تتعامل بحصافة وحكمة مع النتائج الناجمة عن هذا التنافس، وأن تختار بعناية المزيج الأمثل من التقنيات المتطوّرة الذي ستعتمده لتسريع وتيرة التطوّر الرقمي وتعزيز الأمن السيبراني على الصعيد الوطني.
هوامش
1Aziz El Yaakoubi and Eduardo Baptista, “Saudi Arabia Signs Huawei Deal, Deepening China Ties on Xi Visit,” Reuters, December 8, 2022, https://www.reuters.com/world/saudi-lays-lavish-welcome-chinas-xi-heralds-new-era-relations-2022-12-08.
2Elisa Oreglia, Hongyi Ren, and Chia-Chi Liao, “The Puzzle of the Digital Silk Road,” in “Digital Silk Road in Central Asia: Present and Future,” ed. Nargis Kassenova and Brendan Duprey (Cambridge, MA: Harvard University Davis Center for Russian and Eurasian Studies, 2021), 136, https://daviscenter.fas.harvard.edu/research-initiatives/program-central-asia/digital-silk-road-central-asia-present-and-future.
3Senstime, “SenseTime to Establish EMEA R&D Headquarters in Abu Dhabi,” https://www.sensetime.com/en/news-detail/3911?categoryId=1072.
4Omanobserver, “China’s Alibaba to Invest in Cloud Computing Centre in Oman,” June 7, 2021, https://www.omanobserver.om/article/1101963/business/economy/chinas-alibaba-to-invest-in-cloud-computing-centre-in-oman.
5Clayton Chenley, “China’s Digital Aid: The Risks and Rewards,” 2019. Available at: https://www.cfr.org/china-digital-silk-road ; Jonathan Hillman, The Digital Silk Road: China’s Quest to Wire the World and Win the Future (Harper Business, 2021).
6عمومًا، يمكن تعريف الاستبداد الرقمي على أنه استخدام الأنظمة السلطوية لتكنولوجيا المعلومات الرقمية من أجل مراقبة السكان المحليين والأجانب وقمعهم والتلاعب بهم.
7Chen Bing-Ming, “Digital Leninism: The Complex, Dangerous Relationship Between Tech Giants and the Chinese Communist Party,” Center for International Private Enterprise, January 15, 2021, https://www.cipe.org/resources/digital-leninism-the-complex-dangerous-relationship-between-tech-giants-and-the-chinese-communist-party.
8Dominik Treeck, “The GCC’s Digital Economy Is Growing, but Risks Must Be Managed,” Atlantic Council, December 9, 2020, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/the-gccs-digital-economy-is-growing-but-risks-must-be-managed/?utm_source=chatgpt.com.
10الهيئة العامة للإحصاء - المملكة العربية السعودية، إحصاءات الاقتصاد الرقمي، 2022، انظر:
11حكومة الإمارات العربية المتحدة، استراتيجية الحكومة الرقمية لدولة الإمارات – 2025، انظر:
12Thomson Reuters, “UAE Digital Economy Strategy Fuels Tech Transformation,” October 25, 2024, https://insight.thomsonreuters.com/mena/legal/posts/uae-digital-economy-strategy-fuels-tech-transformation#:~:text=The%20'UAE%20Digital%20Economy%20Strategy,innovation%20and%20create%20digital%20opportunities.
13Joseph Webster and Joze Pelayo, “China Is Getting Comfortable with the Gulf Cooperation Council. The West Must Pragmatically Adapt to Its Growing Regional Influence,” Atlantic Council, April 5, 2023, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/china-is-getting-comfortable-with-the-gulf-cooperation-council-the-west-must-pragmatically-adapt-to-its-growing-regional-influence.
14Daniel Workman, “Top 15 Crude Oil Suppliers to China,” World’s Top Exports, retrieved from https://www.worldstopexports.com/top-15-crude-oil-suppliers-to-china.
15Melanie Hart and Jordan Lind, “There Is a Solution to the Huawei Challenge,” Center for American Progress, October 14, 2020, https://www.americanprogress.org/article/solutionhuawei-challenge.
16Stephanie Arnauld, “African Agency in ICT Infrastructure Provider Choice: Navigating Access to Foreign Finance and Technology,” Telecommunications Policy 48, no. 5 (2024): https://doi.org/10.1016/j.telpol.2024.102713.
17“Saudi Arabia Partners with Huawei on Smart Umrah and Hajj Technology,” Arabian Business, February 24, 2019, https://www.arabianbusiness.com/industries/technology/413831-saudi-arabia-partners-with-huawei-on-smart-umrah-hajj-technology.
18Alibaba Cloud, “Alibaba Cloud Strengthens Service Capabilities in MEA Region with Upgraded Service Program and Digital Talent Development,” October 18, 2023, https://www.alibabacloud.com/blog/alibaba-cloud-strengthens-service-capabilities-in-mea-region-with-upgraded-service-program-and-digital-talent-development_600490.
19Alibaba Cloud, “Alibaba Cloud Strengthens Service Capabilities in MEA Region with Upgraded Service Program and Digital Talent Development.”
20Matthew S. Erie and Thomas Streinz, “The Beijing Effect: China’s Digital Silk Road as Transnational Data Governance,” New York University Journal of International Law and Politics 54, no. 1 (Fall 2021): 1–92, https://cld.web.ox.ac.uk/article/beijing-effect-chinas-digital-silk-road-transnational-data-governance.
21Xiao Qiang, “Chinese Digital Authoritarianism and Its Global Impact,” Project on Middle East Political Science, Elliott School of International Affairs, George Washington University, accessed December 20, 2024, https://pomeps.org/chinese-digital-authoritarianism-and-its-global-impact.
22Mark Jones, Digital Authoritarianism in the Middle East: Deception, Disinformation, and Social Media (Hurst Publishers, 2022); and Marc Owen Jones, “The New, Unsustainable Order of Arab Digital Autocracy,” in Fred Wehrey (ed.), “Disruptions and Dynamism in the Arab World,” Carnegie Endowment for International Peace, May 3, 2023, https://carnegieendowment.org/research/2023/05/disruptions-and-dynamism-in-the-arab-world?lang=en#the-new-unsustainable-order-of-arab-digital-autocracy.
23DataGuidance, “Saudi Arabia: Data Residency Under PDPL–Part 1,” November 2021, retrieved from https://legacy.dataguidance.com/opinion/saudi-arabia-data-residency-under-pdpl-part-1.
24Central Bank of the UAE, “Article 6: Protection of Consumer Data and Assets,” N 1158/2021, retrieved from https://rulebook.centralbank.ae/en/rulebook/article-6-protection-consumer-data-and-assets.
25Krishna Kant, “Data Center Evolution: A Tutorial on State of the Art, Issues, and Challenges,” Computer Networks, Virtualized Data Centers, 53, no. 17 (December 3, 2009): 2939–65, https://doi.org/10.1016/j.comnet.2009.10.004.
26هذا عنوان بودكاست من غوغل يُدعى " Data Centers: Where the Internet Lives" (مراكز البيانات: حيث تعيش شبكة الإنترنت)، انظر:
27R. Dhaya and R. Kanthavel, “Dynamic Automated Infrastructure for Efficient Cloud Data Centre,” Computers, Materials & Continua 71, no. 1 (2022):1625–1639, https://doi.org/10.32604/cmc.2022.022213.
28“Middle East and North Africa Data Center Market Analysis and Forecast 2019–2028,” Zawya, press release, September 7, 2022, https://www.zawya.com/en/press-release/research-and-studies/middle-east-and-north-africa-data-center-market-analysis-and-forecast-2019-2028-rg7659c7.
29McKinsey & Company, “The Middle East Public Cloud: A Multibillion-Dollar Prize Waiting to be Captured,” January 30, 2024, https://www.mckinsey.com/capabilities/mckinsey-digital/our-insights/the-middle-east-public-cloud-a-multibillion-dollar-prize-waiting-to-be-captured.
30Sam Winter-Levy, "The AI Export Dilemma: Three Competing Visions for U.S. Strategy," Carnegie Endowment for International Peace, December 13, 2024, https://carnegieendowment.org/research/2024/12/ai-artificial-intelligence-export-united-states.
31منظمة العفو الدولية، "الإمارات العربية المتحدة: بواعث قلق بشأن استخدام السلطات للمراقبة الرقمية خلال مؤتمر كوب 28"، 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023،
32Aksel Eck, “Mapping Tech Companies Cloud Expansion in the Gulf and Its Human Rights Implications,” SMEX, March 2024, https://smex.org/wp-content/uploads/2024/03/Mapping-report-Final.pdf.
33Rory Cormac, "Digital Dictatorship: A Brutal Examination of the UAE," Engelsberg Ideas, accessed December 29, 2024, https://engelsbergideas.com/reviews/digital-dictatorship-a-brutal-examination-of-the-uae.
34Mark Mazzetti, Nicole Perlroth, and Ronen Bergman, “ToTok Messaging App Accused of Being a Spy Tool for UAE Government, Independent, December 23, 2019, https://www.independent.co.uk/tech/totok-app-uae-spying-privacy-apple-google-investigation-a9257561.html.
35Business & Human Rights Resource Centre, “Israel: Surveillance Technology Companies Allegedly Aided Saudi Spying Despite Khashoggi Killing,” July 17, 2021, https://www.business-humanrights.org/en/latest-news/israel-surveillance-technology-companies-allegedly-aided-saudi-spying-despite-khashoggi-killing/.
36Alibaba, Alibaba Cloud Services in Saudi Arabia, 2022,
37“Tencent to Boost Mideast Cloud Amid Regional Push,” Bloomberg, March 21, 2024, https://www.bloomberg.com/news/articles/2024-03-21/tencent-to-boost-mideast-cloud-investments-amid-regional-ai-push?embedded-checkout=true.
38Gulf Business, “Tencent Cloud’s Dan Hu on Driving Digital Transformation in the Middle East,” October 21, 2024, https://gulfbusiness.com/tencent-clouds-dan-hu-middle-east.
39Vili Lehdonvirta, Boxi Wu, and Zoe Hawkins, "Weaponized Interdependence in a Bipolar World: How Economic Forces and Security Interests Shape the Global Reach of U.S. and Chinese Cloud Data Centres," SSRN, November 15, 2024, https://ssrn.com/abstract=4670764.
40Amazon, “AWS to Launch an Infrastructure Region in the Kingdom of Saudi Arabia,” press release, March 2024,
41Microsoft, “Microsoft Cloud Datacenter Regions Now Available in the UAE to Help Fuel the Middle East’s Future Economic Ambitions,” press release, June 19, 2019, https://news.microsoft.com/en-xm/2019/06/19/microsoft-cloud-datacenter-regions-now-available-in-the-uae-to-help-fuel-the-middle-easts-future-economic-ambitions.
42Iginio Gagliardone, China, Africa, and the Future of the Internet (Zed Books, 2019).
43Amy Tong, “China’s ICT Engagement in Africa: A Comparative Analysis,” Yale Review of International Studies, winter issue (February 8, 2021):
44Matthew S. Erie and Thomas Streinz, “The Beijing Effect: China’s Digital Silk Road as Transnational Data Governance,” New York University Journal of International Law and Politics 54, no. 1 (Fall 2021): 1–92, https://cld.web.ox.ac.uk/article/beijing-effect-chinas-digital-silk-road-transnational-data-governance.