أُعِدَّت هذه الورقة في إطار مشروع إعادة الإعمار الاقتصادي السوري 2013-2014 ، والذي سعى إلى المساعدة في رسم خريطة الديناميكيات الاجتماعية والسياسية والمؤسّسية التي سيتم إعدادها عندما تبدأ عملية إعادة الإعمار في مرحلة مابعد الصراع في سورية.
مقدّمة
إلى جانب تأثير الحرب الأهلية التي تشهدها سورية، من المسلَّم به على نطاق واسع أن عملية التشريد الجماعي للسوريين منذ العام 2011 هي الكارثة الإنسانية الأقسى والأكثر إلحاحاً اليوم. إذ يكافح الملايين من اللاجئين والنازحين داخلياً كل يوم لتأمين احتياجاتهم الأساسية. وبالتالي تبدو التحدّيات التي تواجه البلدان المضيفة ومجتمع الإغاثة الدولي في التصدّي لهذه الاحتياجات معقّدة.
تتمحور الأزمة الإنسانية حول معضلات مترابطة عدّة تواجه البلدان المضيفة ومنظمات الإغاثة المحلية والدولية. ويتطلّب التصدّي لها التخطيط على المدى الطويل إلى جانب تقديم الإغاثة الإنسانية العاجلة، وكذلك التعاون بين الحكومات المضيفة والشركاء المحليين والدوليين. إذ ينتشر أكثر من 3 ملايين من اللاجئين في خمس دول، ويختلف وضعهم القانوني وحقوقهم وظروفهم المعيشية كثيراً عبر تلك البلدان وداخلها، بما في ذلك الحصول على الخدمات الأساسية. وفي حين أن اللاجئين يتميّزون بالضعف الشديد ويحتاجون إلى المساعدة، فإن وجودهم والتدّخل المباشر من بعض البلدان المضيفة في الحرب الأهلية في سورية يزيدان من خطر امتداد الصراع إلى تلك البلدان.
علاوة على ذلك، يستضيف لبنان والأردن، وهما أصغر وأفقر بلدَين في المنطقة، عدداً كبيراً من اللاجئين بصورة غير متكافئة، ما أسفر عن توتّرات اقتصادية واجتماعية حادّة. بحلول نهاية العام 2013، كانت معظم الدول المجاورة قد أغلقت أو راقبت حدودها بشدّة للسماح بدخول عدد أقلّ من اللاجئين، ماجعل لبنان البلد الوحيد الذي ظلت حدوده مفتوحة. ولذا، فإن إبقاء الحدود مفتوحة أمر حاسم بالنسبة إلى اللاجئين الذين يستميتون للهرب من القتال والتدهور الاقتصادي، بيد أنه لايُتوقَّع أن تستمر البلدان المضيفة في تحمّل العبء بمفردها.
أصدرت الأمم المتحدة نداءً لجمع مبلغ 6.5 مليارات دولار من المساعدات للعام 2014، بناءً على توقّعات بوصول عدد اللاجئين إلى 4.1 ملايين بنهاية ذلك العام. ومع ذلك، حماس الجهات المانحة في تضاؤل مستمر. فقد تعهدت الجهات المانحة الدولية بتخصيص مبلغ 2.3 مليار دولار للأزمة السورية برمّتها في أوائل العام 2014؛ لكن سيبقى هناك عجز هائل حتى لو تم الوفاء بجميع التعهدات. وسيستمر تدفّق اللاجئين والعبء على الدول المجاورة طالما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية ووقف جدّي لإطلاق النار في سورية. وحتى لو تحققت مثل هذه التسوية، من المرجّح أن يستمر لجوء هؤلاء لسنوات عديدة.
أدّى الاعتماد الكامل لبعض اللاجئين على المساعدات إلى تركيزٍ مفهومٍ على عمليات الإغاثة على المدى القصير، غير أن الأزمة تتطلّب تخطيطاً طويل الأجل من جانب الحكومات المضيفة بالتعاون مع المجتمع المدني المحلّي والمؤسّسات متعدّدة الجنسيات. والأزمة تستدعي، على وجه التحديد، الانتباه لاحتياجات التنمية الاقتصادية، مثل تحديث البنية التحتية وخلق فرص العمل، لانتشال جميع الفئات الضعيفة من السكان، والتي تشمل اللاجئين والمجتمعات المضيفة.
البلدان المضيفة ترزح تحت عبء كبير
هناك أعداد كبيرة من اللاجئين في أربعة بلدان تُجاوِر سورية مباشرة (العراق والأردن ولبنان وتركيا) وأعداد كبيرة أيضاً في مصر. وقد تحمّلت هذه الدول عبئاً كبيراً باستيعاب مئات الآلاف من الأشخاص في فترة قصيرة جداً. وخصّص الكثير منها موارد كبيرة للاجئين، وعامل بعضها السوريين معاملة المواطنين، وسمح لهم بالوصول الضروري إلى قطاعَي التعليم والصحة. في جميع الحالات، استلزم هذا الأمر زيادة في الإنفاق العام من جانب الحكومات المضيفة، في وقت كان الكثير منها يواجه عقبات مالية كبيرة. في بعض الأحيان، تكون النفقات الضرورية بعيدة عن متناول تلك الحكومات، نظراً إلى اقتصاداتها المحلية الصغيرة واعتمادها على تدفّقات رؤوس الأموال الخارجية.
إضافة إلى ذلك، كان للأزمة السورية، والاضطرابات المرتبطة بالانتفاضات العربية بصورة أعمّ، تأثير سلبي على اقتصادات هذه البلدان. فقد أدّت إلى خفض معدلات النمو الاقتصادي فيها، ومنعتها من تحقيق الإيرادات التي ربما كانت جعلتها في وضع يمكّنها من تقديم مساعدة أفضل للاجئين. على سبيل المثال، انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في لبنان والأردن من 8.5 في المئة و5.5 في المئة في العام 2009، إلى 1.4 في المئة و2.7 في المئة في العام 2012، وإلى 2.8 في المئة و0.9 في المئة في العام 2013، على التوالي. كما أن تواجد أكثر من 70 في المئة من اللاجئين، بمَن فيهم جميع السوريين في لبنان، خارج المخيمات الرسمية التي أنشأها مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يجعل مهمة الوصول إليهم وخدمتهم جميعاً أكثر صعوبة وكلفة.
يحتجّ المسؤولون في البلدان المضيفة، وخاصة في الأردن ولبنان، بأنه لايمكن توقُّع أن يتحملوا هذا العبء بمفردهم، وأنهم خصّصوا بالفعل جزءاً كبيراً من موارد بلدانهم المُرهَقة للاجئين. مامن شكّ في أن ذلك صحيح. وكما ذكر تقرير صدر في العام 2013، فإن "من الصعب تصور أن تستجيب الدول الغربية بسخاء مماثل لو وصل عدد مماثل من اللاجئين إلى حدودها". بحلول منتصف العام 2014، وصل العدد الإجمالي لتعهدات إعادة التوطين في جميع أنحاء العالم إلى حوالى 42 ألفاً، حيث عرضت حوالى عشر إلى خمس عشرة دولة في الاتحاد الأوروبي إعادة توطين نسبة ضئيلة من اللاجئين. وفي حين تعهّدت معظم تلك البلدان بإعادة توطين العشرات أو المئات، تعهّدت ألمانيا بإعادة توطين 20-30 ألفاً. وتعهدت أستراليا بإعادة توطين 5600، في حين لم تعرض دول مثل إيطاليا إعادة توطين أي من السوريين. منذ بداية الانتفاضة السورية وحتى أوائل العام 2014، أعادت الولايات المتحدة توطين مامجموعه 121 لاجئاً سورياً. وبالتالي من غير الواقعي بالنسبة إلى المجتمع الدولي فرض مطالب على هذه الدول في الوقت الذي تواجه أزمة غير مسبوقة، وقلاقل مدنية داخلية، واستقطاباً، فضلاً عن تململ متزايد في أوساط سكان البلد المضيف.
في الوقت نفسه، هذا لايعني أنه لاتوجد مروحة واسعة من السياسات التي يمكن لهذه البلدان الاضطلاع بها، والتي من شأنها التخفيف من معاناة اللاجئين والمساعدة في التصدّي للمعضلات الاقتصادية الداخلية التي يفاقمها وجودهم. ولايعني العبء الشديد أو المخاوف الأمنية المشروعة أن اللاجئين لايملكون الحدّ الأدنى من الحقوق التي يجب احترامها. ولعلّ أبسطها هو الحق في التماس اللجوء والحصول عليه، وهو مايعني فتح الحدود. طوال العام 2013، أُغلِقَت حدود الدول المجاورة تدريجياً في وجه السوريين. ووفقاً للكثير من المصادر، لايزال لبنان البلد الوحيد الذي ظلت حدوده مفتوحة بالكامل، في حين تخضع حدود البلدان الأخرى إلى رقابة مشدّدة أو هي مغلقة. وهكذا، سوف يستمر الناس في التدفّق على لبنان بصورة غير متكافئة، على الرغم من العدد الكبير للاجئين فيه.
أزمة إقليمية
عندما أصبح الصراع السوري نفسه إقليمياً بطبيعته، أصبحت الأزمة الإنسانية إقليمية هي الأخرى. ومع أن القرارت تُتّخَذ على المستوى القطري، إلا أن مايقوم به أحد البلدان المضيفة يؤثّر على البلدان الأخرى. فمن المرجّح أن يؤدّي إغلاق الحدود في الأردن إلى زيادة تدفّق اللاجئين باتجاه لبنان.
هذا الأمر يشير بدوره إلى تحدٍّ آخر يتمثّل بالحاجة إلى التخطيط على المدى الطويل في البلدان المضيفة في خضمّ الأولويات والصعوبات السياسية على المدى القصير. فمعظم اللاجئين يميلون إلى التعبير عن الرغبة في العودة إلى ديارهم أو إعادة توطينهم، غير أن الإحصاءات لاتدعم أياً من الجانبين. إذ أن ثلث كل اللاجئين المسجلين عالمياً - أكثر من 7 ملايين شخص – هم في أوضاع لجوء طويلة الأمد.1 ونظراً إلى أن أكثر من 2.3 مليون سوري تم تسجيلهم بالفعل كلاجئين بحلول نهاية العام 2013، وربما هناك الكثير غيرهم لم يتم تسجيلهم بعد. ومن المرجّح أن يبقى السوريون في البلدان المضيفة لسنوات مقبلة، حتى لو تم التوصّل إلى حلّ سياسي لإنهاء الأعمال العدائية على الفور.
مع ذلك، أدّى عاملان اثنان إلى تعقيد التخطيط اللازم على المدى الطويل. يتمثّل العامل الأول في أن طبيعة الأزمة تعني أن الاحتياجات اليومية استحوذت على منظمات الإغاثة والحكومات المضيفة، بحيث لم يَعُد لديها الوقت الكافي للتفكير ووضع الخطط على المدى الطويل. في كثير من الحالات، أدّى ذلك إلى غياب التنسيق بين الهيئات الإغاثية، بما فيها المنظمات المتعدّدة التي تعمل لغايات متعارضة. أما العامل الثاني فيتمثّل في تردُّد الحكومات المضيفة نفسها، التي يدفعها الخوف من دمج اللاجئين وتفاقم التوتّرات الداخلية. تبدو هذه المشاكل بارزة في الأردن ولبنان بصورة خاصة، ولاسيّما أنهما يستضيفان بالفعل أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين.
استجابة المجتمع الدولي
أدّت حدّة الأزمة السورية إلى وصفها بأنها حالة طوارئ من الدرجة الثالثة من جانب منظمة الصحة العالمية، وحالة طوارئ من المستوى الثالث من جانب اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، حيث تمثّل كلا الحالتين أعلى مستويات الأزمة في منظومة الأمم المتحدة، نظراً إلى تقديرات تشير إلى أن أكثر من 6.8 ملايين شخص باتوا في حاجة إلى المساعدة اعتباراً من آب/أغسطس 2013. الإعلان عن حالة طوارئ من المستوى الثالث يعني "تفعيل نظام الطوارئ الإنسانية على نطاق المنظومة"، مايجعلها أولوية عالمية للنظام الإنساني الدولي.2 كما تستدعي، من بين أمور أخرى، تعيين منسّق إقليمي للشؤون الإنسانية لقيادة عملية الاستجابة الشاملة وبذل جهود أكثر تنسيقاً من جانب الأمم المتحدة. وقد عُيِّن نايجل فيشر، الذي خدم سابقاً في هايتي، في منصب المنسّق. هذا وبلغ إجمالي التعهّدات في المؤتمر الدولي الثاني للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية في مدينة الكويت، الذي عُقِد في منتصف كانون الثاني/يناير 2014، 2.3 مليار دولار من أصل المبلغ المطلوب البالغ 6.5 مليارات دولار للأزمة الإقليمية، فضلاً عن المساعدات داخل سورية.
أوضاع اللاجئين: بين الوضع الرسمي والأمر الواقع
ظهرت أنماط مشتركة في جميع أنحاء المنطقة من حيث استجابة البلدان المضيفة لتدفّق اللاجئين واحتياجاتهم ومشاكلهم. وثمة أيضاً تحدّيات فريدة من نوعها خاصة بكل بلد، مايعني أنه على الرغم من وجود قضايا شاملة مثيرة للقلق، فإن اعتماد مقاربة واحدة لمعالجة كل التحديات لن يحلّ المشكلة. لذ، فإن دراسة هذه التشابهات والاختلافات من شأنها أن تلقي الضوء على التحدّيات الجماعية والصعوبات الخاصة بكل بلد، وكذلك الطريقة التي تم بها تسييس قضية اللاجئين.
يُشار إلى أن مصر والعراق والأردن وتركيا أغلقت حدودها أو راقبتها بشدّة. وتشمل عملية مراقبة الحدود مجموعة متنوّعة من الممارسات تتراوح بين إغلاقها تماماً والسماح لعدد قليل من الأشخاص بالعبور، والانتقائية بشأن مَن يُسمَح له بالعبور. عموماً، هذه السياسات غير معلنة وغير محدّدة بوضوح. وعندما تقترن بمناخ عام من الشائعات والمعلومات الخاطئة، فإنها تجعل حالة الحدود غامضة وملتبسة تماماً، ليس بالنسبة إلى اللاجئين وحسب، بل حتى بالنسبة إلى عمال الإغاثة والمنظمات أيضاً.
لاجئون أم ضيوف مؤقّتون؟
لم يُسبِغ أي من البلدان المضيفة الوضعية الرسمية على اللاجئين السوريين على أراضيها، وفضّلت مجموعة متنوّعة من التصنيفات الأخرى، مثل الضيوف وطالبي اللجوء أو النازحين. من بين دول الجوار التي تستضيف أعدادأً كبيرة من اللاجئين السوريين، تُعتبَر تركيا ومصر الدولتَين الوحيدتَين الموقّعتَين على اتفاقية الأمم المتحدة للعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وبروتوكول العام 1967 (سورية ليست من الدول الموقّعة على أي منهما). وقد حصرت تركيا تطبيق الاتفاقيّتَين على اللاجئين الآتين من أوروبا فقط؛ وخضع السوريون عموماً إلى القوانين والأنظمة التي تُنظِّم وجود الأجانب أو السوريين على وجه الخصوص، سواء كانوا لاجئين أم لم يكونوا.
تترتّب على عدم الوضوح بشأن الوضع القانوني نتيجتان اثنتان. فهو يعني، أولاً، أن مايحق للسوريين قانوناً ومايحصلون عليه من حيث الخدمات، غالباً مايكتنفه الغموض، ويختلف من بلد إلى آخر، ويتوقّف على الأوضاع المحلية. كما أن الكثير من اللاجئين يجهلون حقوقهم. وهو يعني، ثانياً، يعني أن معاملة الأمر الواقع للاجئين عرضة إلى التغيّرات السياسية، كما كانت الحال في مصر بعد إطاحة الرئيس السابق محمد مرسي.
المخاوف من الإدماج
ثمّة قاسم مشترك آخر يتمثّل في مخاوف الحكومات المضيفة من الاستيطان الدائم أو إدماج السوريين. إذ يشير الكثير من اللبنانيين والأردنيين إلى فترات من الاضطرابات في تاريخ كلٍّ من البلدَين باعتبارها ترتبط بالوجود طويل الأمد لأعداد كبيرة من اللاجئين، مثل الحرب الأهلية اللبنانية. فقد قال وزير أردني إن الظروف مُحدَّدة بشكل يتيح توفير الحدّ الأدنى من المساعدات بحيث لايكون لدى اللاجئين حافز للبقاء، على الرغم من أن هذه السياسة غير معلنة في البلدان المضيفة الأخرى.
استمرّ السوريون في التدفّق إلى الدول المجاورة طيلة العام 2013؛ ومع ذلك، عادت أيضاً أعداد كبيرة من اللاجئين إلى سورية. على سبيل المثال، في خريف العام 2013، عاد 5 آلاف سوري في المتوسط من الأردن شهرياً، وتشير تقديرات الحكومة إلى أن 50 ألفاً عادوا من الأردن خلال العام 2013. تتضمن عودة اللاجئين مجموعة متنوّعة من عوامل الشدّ والجذب. في بعض الحالات تكون الظروف الصعبة في البلدان المضيفة، وخاصة في المخيمات، من القسوة بما يكفي لجعل بعض اللاجئين يفكرون في العودة. على سبيل المثال، ونظراً إلى ضآلة فرص التعليم في بعض البلدان المضيفة، يتحدّى السوريون الحرب للعودة إلى ديارهم كي يتمكّنوا من تسجيل أنفسهم أو أبنائهم في المدرسة أو الجامعة.
ظروف البلدان: السياسة ليست غائبة
تركيا
يختلف وضع السوريين في تركيا، استناداً إلى تواجدهم داخل المخيمات أم خارجها، وإلى دخولهم بصورة قانونية بجواز سفر ساري المفعول أم بطريقة أخرى. حتى صيف العام 2014، كان الوضع القانوني غامضاً إلى حدّ ما. فقرّرت تركيا إصلاح النظام القانوني المتعلّق باللاجئين السوريين، وبحلول خريف العام 2014، كانت قد أصلحت النظام تدريجياً واستبدلته بآخر جديد.
في البداية، كان السوريون يُعتبَرون ضيوفاً في تركيا، ولذلك لم يُمنَحوا الوضع القانوني للاجئين. وعندما بُنيَت المخيمات، جرى تسجيل السوريين الذين يعيشون داخل المخيمات من جانب من رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية، التي تشرف على إدارة المخيمات. أصبح السوريون خارج المخيمات قادرين على الحصول على تصريح إقامة لمدة سنة، ويسمح لهم بالوصول إلى بعض الخدمات المحلية مثل المدارس الحكومية. ومع ذلك، ثمّة تنبيه تجب الإشارة إليه. إذ لم يكن كل السوريين على علم بهذه القضية، ولم تسمح محافظتان تركيتان، هما هاتاي وسيرناك، لأي سوري بالحصول على تصاريح الإقامة. ففي تركيا، لاتقوم المفوضية العليا للاجئين سوى بتقديم المشورة الفنية للسلطات، بدلاً من الإشراف على عملية مساعدة اللاجئين داخل المخيمات وخارجها.
تُعَدّ الأوضاع في المخيمات في تركيا عادة الأكثر مواءمةً وفقاً للمعايير الإنسانية الدولية. أما خارج المخيمات، فيعبّر الكثير من اللاجئين عموماً، وخاصة السوريين من الطبقة الوسطى، عن شعور بالاستقلال الذاتي والترحيب من جانب الدولة التركية. في ريحانلي، يتولّى السوريون إدارة مدرستهم الخاصة التي تعلّم منهجاً سورياً منقّحاً،3 غير أن هناك أيضاً هجمات روتينية ضد السوريين الفقراء الذين يعيشون في الأماكن المفتوحة والمساجد في جنوب شرق البلاد.
تتّسم استجابة حكومة حزب العدالة والتنمية بالرأفة والعلاقات الأخوية أكثر منها بمراعاة الحقوق القانونية. وبالتالي، يعني غياب الحماية الرسمية والوضع القانوني للاجئين أن أوضاعهم تتوقّف على دعم الحكومة الحالية وسخائها. في الوقت نفسه، يُبدي الكثير من الأتراك، خاصة في المناطق الحدودية، استياءهم من الحكومة التركية لفتحها الحدود ليس أمام اللاجئين وحسب، بل أيضاً أمام المسلحين الذين يتحركون باستمرار ذهاباً وإياباً؛ هذا الاستياء ينعكس في بعض الأحيان على اللاجئين أنفسهم. صحيح أن كانت الحدود أكثر إحكاماً أو حتى مغلقة بحلول نهاية العام 2013، إلا أن الضّرر كان طال الكثير من السكان المحليين.
الأردن
أدّى التدفّق الكبير للاجئين إلى الأردن طيلة العامَين 2012 و2013، إلى ارتفاع عدد اللاجئين إلى أكثر من نصف مليون، وإلى إنشاء مخيم الزعتري (في تموز/يوليو 2012). هذا وتحدثت تقارير عن الأوضاع المشوّشة والصعبة داخل المخيمات. إذ يحصل اللاجئون داخل المخيمات على بطاقات تموينية، في حين يحصل اللاجئون خارج المخيمات أو في المناطق الحضرية على شهادات طالب لجوء. ولايُسمَح للاجئين في المخيمات بالمغادرة إلا إذا تمت "كفالتهم" من مواطن أردني، لكن في الواقع، معظم مئات الآلاف من السوريين في البلاد هم أولئك الذين غادروا المخيمات خارج نظام الكفالة. من الناحية النظرية، تمنع الحكومة اللاجئين رسمياً من مغادرة المخيمات، وتهدّد مَن يغادرونها بإجراءات عقابية مثل حجب المساعدات الإنسانية. عملياً، ونظراً إلى أن المخميات غصّت باللاجئين، سمحت الحكومة بوصول المساعدات إلى جميع السوريين. ومع ذلك، كانت هناك إشارات متزايدة، في خريف العام 2014، إلى أن الحكومة ستنفّذ تهديدها في مايتعلق بالداخلين الجدد إلى البلاد ممَّن يغادرون المخيمات.
بالمقارنة مع بلدان أخرى، حيث يأتي اللاجئون من جميع أنحاء سورية وينحدرون من الطبقة الوسطى إلى حدّ كبير، رحّب الأردن باللاجئين من ذوي الخلفيات الاقتصادية الضعيفة، وبالدرجة الأولى من درعا وحمص. ومع ذلك، شهد اللاجئون الفلسطينيون الآتون من سورية، إغلاق الحدود الأردنية في وجوههم خلال عام من الانتفاضة السورية، وهي لاتزال مغلقة.
مع أن الأردن بلد فقير، إلا أن بنيته التحتية وخدماته أكثر تطوراً إلى حدّ ما من تلك الموجودة في لبنان، ولاسيّما تلك المتعلقة بالمياه والكهرباء. وتختلف الظروف هناك بصورة كبيرة داخل المخيمات، وبين لاجئي المخيمات ولاجئي المناطق الحضرية. فقد ذكر بعض اللاجئين الذين قابلهم كاتب هذه الدراسة بأنهم "هربوا" من المخيمات لأنهم لم يستطيعوا تحمّل الظروف المعيشية، وخاصة الوضع الأمني والعزلة والظروف المناخية القاسية. وهم لن يعودوا على الرغم من وجود السكن والرعاية الصحية والتعليم المجاني في المخيم، واضطرارهم إلى دفع مبالغ عالية للإيجار في الخارج. ويبقى البعض في المخيمات لعلاج إصابات محدّدة، ثم يغادرون بمجرّد الانتهاء من العلاج.
أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في ديفيس، في نيسان/أبريل 2013، أن أعداداً كبيرة من الأكاديميين وطلاب الجامعات السوريين في مخيمات اللاجئين في الأردن حريصون على مواصلة مهنهم أو تعليمهم. ومع ذلك، هم لايجدون سوى القليل من الفرص، أو هم غير قادرين على القيام بذلك من الناحية القانونية أو الفنّية بسبب فقدان وثائقهم أو لأنها غير مكتملة. ويشكّل هذا الأمر عقبة أخرى بالنسبة إلى مَن هم داخل المخيمات وعليهم قيود شديدة على التنقّل.4 مع ذلك، وخلافاً لحالة لبنان، كان ثمّة حدّ أدنى من العلاقات بين الطبقة الوسطى في سورية والأردن. وهناك عدد قليل من منظمات المجتمع المدني السورية العاملة في مجال الإغاثة، مايزيد من الشعور بالعزلة بالنسبة إلى كثير من اللاجئين السوريين في الأردن. كما أن المعدّل المرتفع نسبياً للعائدين شهرياً يقدّم لمحة عن الصعوبات التي تواجههم.
لم تكن الديناميكيات السياسية في الأردن متقلّبةً مثل نظيرتها في أي من البلدان المضيفة الأخرى. وعلى الرغم من وجود جماعات إسلامية في الأردن تُحرِّض على اتّخاذ موقف أكثر جرأة ضدّ النظام السوري، لم تشهد البلاد، اعتباراً من خريف العام 2014، استقطاباً سياسياً واجتماعياً حادّاً كالذي كان قائماً في بلدان أخرى. لكن الاستياء تجاه الوجود السوري أصبح واضحاً كما في أماكن أخرى، والحكومة لاتزال تتّخذ خطوات لعزل المزيد من اللاجئين الآتين في المخيمات، وكذلك الحدّ من عدد تصاريح الدخول.
العراق
في أيلول/ سبتمبر 2014، بلغ عدد اللاجئين المسجّلين في العراق 214 ألفاً. وباستثناء أعداد قليلة جداً في بغداد، يستقرّ معظم اللاجئين في محافظات أربيل ودهوك والسليمانية الشمالية في كردستان العراق، علماً أن الغالبية العظمى من اللاجئين هي من الأكراد. وقد دخل اللاجئون أيضاً عبر محافظة الأنبار، على الرغم من أن الحكومة العراقية قيّدت عمليات الدخول بشدّة وأغلقت الحدود في تشرين الأول/أكتوبر 2012.
أظهرت التقارير الأولية عموماً مستوى رفيعاً جداً من التضامن بين الأكراد العراقيين والسوريين. ومع ذلك، أصبح الدخول إلى إقليم كردستان شيئاً فشيئاً أكثر صعوبة في العام 2013 حتى تم وقفه فعلياً في نهاية آب/أغسطس 2013. وكان مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، هدّد في العام 2013 بالتدخّل في سورية لحماية الأكراد السوريين من الإرهاب (أي من جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية المتشدّد). وتحدث عن "أخوة" أكراد آتين من سورية، في إشارة إلى المنطقة باعتبارها "كردستان الغربية"، ودعاهم إلى البقاء والدفاع عن أراضيهم. وثمة سوريون بأعداد كبيرة مسجلون في "مخيم دوميز" في دهوك، مع أن نصفهم فقط يقيم في المخيم بصورة مستمرة. وقد أعلنت حكومة إقليم كردستان في نهاية العام 2013 أنه سيتم تخصيص مساحة أكبر لبناء مخيمات جديدة.
مصر
في مصر أيضاً لم يكن اللاجئون بمنأى عن السياسة الداخلية. لقد أفاد السوريون في البداية من الحدود المفتوحة والمستويات العالية من التضامن من مضيفيهم المصريين. كما أن تكلفة العيش الأرخص نسبياً في مصر مقارنة بلبنان والأردن، جعلت الكثير من السوريين ينظرون إلى مصر باعتبارها الوجهة النهائية المفضلة. لكن إطاحة مرسي مثّلت إيذاناً ببدء تغيير جذري في حظوظ اللاجئين السوريين. فبعد شيء من التردّد، أعلنت الحكومة المؤقّتة أنها ستستمر في معاملة السوريين معاملة المواطنين في مجالات التعليم والرعاية الصحية. ومع ذلك، أُغلِقَت الحدود أمام اللاجئين السوريين، وأصبح الدخول إلى مصر لحاملي جوازات السفر السورية، من اللاجئين وسواهم، أكثر صعوبة عموماً.
عانى اللاجئون السوريون، وكذلك اللاجئون الفلسطينيون الآتون من سورية، من ردّ الفعل العنيف ضد جماعة الإخوان المسلمين، ووردت تقارير عديدة عن اعتداءات وسوء معاملة على أيدي الغوغاء والشرطة. بذل الكثير من السوريين محاولات يائسة لمغادرة مصر، وقاموا في بعض الحالات برحلات محفوفة بالمخاطر ومأساوية أحياناً بواسطة القوارب عبر البحر الأبيض المتوسط.
لبنان على شفير الهاوية الاجتماعية
قبل صيف العام 2014، كان لبنان البلد الوحيد الذي أبقى حدوده مفتوحة بالكامل على الرغم من الأعداد الهائلة للاجئين. ومع ذلك، خلال صيف العام 2014، أدّت الهجمات التي شنّتها جماعات مثل جبهة النصرة على الجيش اللبناني إلى حدوث عمليات انتقام عنيفة ضد السوريين في جميع أنحاء البلاد، حيث قامت جماعات الأمن الذاتي بالاعتداء الجسدي على السوريين بصورة عشوائية. هذا التحوّل في المزاج عجّل بردّ رسمي عدائي بصورة مماثلة. وابتداءً من خريف العام 2014، تمت إدارة الحدود بنوع من التصنيف الطبقي. وكثيراً ماتتم إعادة اللاجئين الذين تبدو عليهم مظاهر الفقر، ولايُسمَح بالدخول إلا للسوريين من أبناء الطبقة المتوسطة أو العليا. وعلى الرغم من أن الكثير من السوريين أقاموا في مقرّات غير رسمية مزوّدة بالخيام، فإنهم لم يقيموا في مخيمات رسمية للاجئين بسبب رفض الحكومة الصريح لهذه الفكرة. مع ذلك، برزت إشارات في خريف العام 2014 إلى أن الحكومة قرّرت إنشاء مخيم واحد على الأقل للنهوض بأعباء فيض اللاجئين والنقص في المساكن.
كانت هناك حكومة تصريف أعمال في لبنان معظم العام 2013، أي أنه لم يكن ممكناً تنفيذ القرارات التنموية الكبرى، في الوقت الذي كان عدد اللاجئين يتزايد بمئات الآلاف ويؤثّر على الجماعات الأكثر فقراً في البلاد. وحتى لو شُكِّلَت حكومة تؤدّي وظيفتها بصورة كاملة، تبقى الدولة المركزية ضعيفة بوضوح وغير قادرة على التصدّي للأزمة من دون دعم خارجي. وقد أدّى التورّط المباشر لاثنتين من الكتل السياسية الرئيسة، فريق 8 آذار وتحالف 14 آذار، في الحرب الأهلية السورية إلى زيادة مشاعر القلق والانقسامات الطائفية والخوف من امتداد الصراع. إذ يوجد ضمن السكان اللاجئين عموماً، جماعات ضعيفة بصورة استثنائية تضمّ نساء ولاجئين فلسطينيين آتين من سورية.
ومايجعل الأزمة هناك خطيرة بشكل خاص هو عدد اللاجئين نسبة إلى عدد السكان المحليين، وضعف الدولة المركزية والتفاوت الإقليمي، إضافة إلى الطريقة الفريدة التي تترابط بها القضايا السياسية والاجتماعية الداخلية للبنان مع الحرب الأهلية الدائرة في سورية.
التوتّرات الاجتماعية والانقسامات الطائفية
يشير العديد من التقديرات غير الرسمية إلى أن العدد الفعلي للسوريين في لبنان يتجاوز العدد الرسمي للاجئين المسجّلين بأكثر من مليون شخص. إذ قدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا عدد السوريين في لبنان قبل الأزمة بحوالى 300 ألف. 5 وعلى الرغم من أن معظم السوريين فرّوا من الدمار والحرب، فهم كثيراً ماينتقلون ذهاباً وإياباً بين البلدَين حتى وهم مسجّلون كلاجئين. على العكس من ذلك، يقيم الكثير من السوريين الآن في لبنان نتيجة للنزاع أو الاضطراب الاقتصادي في سورية من دون أن يُسجَّلوا كلاجئين. نتيجة لذلك، قرّرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، في خريف العام 2013، خفض الدعم التمويني المباشر ليطال فقط 70 في المئة من اللاجئين المسجّلين الذين اعتبرتهم الأكثر احتياجاً. ولايوجد أي من هؤلاء في مخيمات اللاجئين الرسمية، التي حظرتها الحكومة صراحة اعتباراً من بداية العام 2014، خشية خلق جيوب للاجئين. وبالتالي، عدم وجود مخيمات يُعقِّد عمل العديد من الوكالات الدولية، ويترك العديد من اللاجئين الذين تقطّعت بهم السبل في البرد القارس من دون مأوى، ورعاية صحية ملائمة، وسوى ذلك من المرافق. لكن غياب المخيمات يوفّر للآلاف من اللاجئين حرية نادرة للتنقل. ومع أنه من الصعب قياس حرية التنقل، إلا أن هذه الأخيرة تساعد الكثير من اللاجئين على الاحتفاظ بشعور باحترام الذات والاستقلالية على الرغم من الظروف القاسية.
كشف تقرير للبنك الدولي أن الأثر الاقتصادي الكلي للأزمة السورية على لبنان مدمّر، حيث انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.9 نقطة مئوية سنوياً بين العامَين 2012-2014، ما أوقع 170 ألف لبناني بين براثن الفقر. وبالنظر إلى الضغط على كل شيء، بدءاً من الطرق والرعاية الصحية والكهرباء، وانتهاءً بإدارة النفايات الصلبة، فقد توقّع التقرير أنه ستكون هناك حاجة إلى مبلغ 2.5 مليار دولار لإعادة الاقتصاد اللبناني إلى الوضع الذي كان عليه قبل الأزمة.
مامن شكّ في أن وجود السوريين زاد التوتّرات الاجتماعية في لبنان، ولاسيّما أن التيارين السياسيين الرئيسين، 8 و14 آذار، دعما طرفين مختلفين في الانتفاضة السورية. وبما أن معظم اللاجئين يتركّزون في المناطق الأكثر فقراً في لبنان، مثل عكار ووادي خالد ووادي البقاع، فقد فاقموا الصعوبات المستمرة في تلك المناطق. ومن المفارقات أن الوضع فظيع للغاية بحيث أن الشعب اللبناني يحاول قصارى جهده على مضض للتكيّف مع الواقع، نظراً إلى أن الحوادث الصغيرة قد تتضخّم وتتحوّل إلى انفجار اجتماعي. غير أن موجة تفجيرات بالسيارات الملغومة في العام 2013 أشارت إلى أن نشوب حرب أصبح أمراً أكثر احتمالاً من مجرد حدوث قلاقل مدنية.
لاينبغي المبالغة في القضية الطائفية كثيراً. إذ توجد أعداد كبيرة من اللاجئين أيضاً في جنوب لبنان، في مناطق مكتظّة بالشيعة أو بأشخاص متعاطفين مع النظام السوري. ومع أن حزب الله دخل الحرب السورية علناً، فقد استضاف اللاجئين السوريين من ذوي الميول السياسية المختلفة ووزّع المساعدات عليهم. وفي الوقت نفسه، شهدت المناطق التي دعمت في البداية الانتفاضة السورية بحماس واحتضنت اللاجئين، شكاوى من السوريين وتراجع التعاطف معهم.
الفئات الضعيفة من السكان: النساء واللاجئون الفلسطينيون الآتون من سورية
يرزح اللاجئون تحت وطأة الصراعات والتوتّرات اليومية، في حين يتقوقع الأكثر فقراً منهم على نحو متزايد في أمكنة صغيرة غير آمنة وغير صحّية. وهم يشكون من الاستغلال عبر ارتفاع أسعار الإيجار والغذاء والدواء. ويعبّر الكثير من اللاجئين، ولاسيما النساء، عن رغبتهم في العودة أو إعادة التوطين، لأنهم لايستطيعون تحمّل البقاء في لبنان في ظروف يصفونها بأنها صعبة ومهينة. النساء والفتيات في لبنان معرّضات بصورة خاصة إلى الاستغلال، بما في ذلك البغاء القسري والزواج المبكّر، وأشكال أخرى من العنف القائم على الجندر. في دراسة أجرتها منظمة "أوكسفام" في العام 2013، ذكرت العديد من النساء أنهن يعانين من معدلات مرتفعة من الإجهاد العاطفي والنفسي، نظراً إلى المهام الجديدة التي اضطررن إلى القيام بها، والتحرّش الذي يعانين منه بصورة يومية تقريباً. 6
انضمّت أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في المخيمات والمدن في سورية منذ العام 1948 إلى اللاجئين الذين تم تشريدهم حديثاً. وباعتبارهم لاجئين فلسطينيين مسجّلين رسمياً في لبنان، فهم ممنوعون قانوناً من العمل رسمياً في العديد من المهن، وعليهم التعامل مع ضعفهم إضافة إلى التحدّيات الشاملة التي يواجهها اللاجئون الجدد. وهناك اتجاه (أو على الأقل تصوّر) يفيد بأن منظمات الإغاثة نقلت النفقات من اللاجئين الفلسطينيين الموجودين، إلى السوريين والفلسطينيين السوريين الذين وصلوا حديثاً. هذه المصاعب تزيد التوتّرات داخل المجتمعات الفلسطينية القائمة، ويخشى اللاجئون الفلسطينيون الآتون من سورية من أن يُمنَعوا من دخول البلاد بصورة دائمة، حتى لو تم التوصّل إلى تسوية سياسية.
الرعاية الصحية والتعليم
ثمة شكوى دائمة تتعلّق بالتعليم. ولمعرفة حجم المشكلة، قُدِّر عدد الأطفال السوريين المقيمين في لبنان ممَّن هم مابين الخامسة والسابعة عشرة من العمر، بأكثر من 300 ألف في العام 2013، في حين بلغ عدد الأطفال اللبنانيين المسجّلين في المدارس العامة في البلد كله حوالى 300 ألف. وقد أوعزت الحكومة اللبنانية إلى المدارس الرسمية بقبول الأطفال السوريين، لكن في الواقع حوالى 30 ألفاً منهم فقط يحصلون على التعليم. في المقابل، يعود بعض السوريين إلى ديارهم، متحدّين الحرب كي يتمكنوا من تسجيل أنفسهم أو أبنائهم في المدرسة أو الجامعة. في العام 2013، قُدِّرَت نسبة أبناء اللاجئين في لبنان ممَّن يتلقون تعليماً رسمياً بـ10 في المئة فقط.
فضلاً عن ذلك، ثمّة مناهج متعدّدة آخذة في الظهور. على سبيل المثال، يُطبَّق في سورية المنهج السوري التقليدي في المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام وفي بعض المناطق الخارجة عن سيطرته؛ والمنهجَين الدراسيَّين اللبناني والأردني؛ والمناهج غير الرسمية الخاصة بالمنظمات غير الحكومية؛ والمدارس الأخرى الأكثر تحفّظاً أو ذات التوجّه الديني. وبالتالي، عدم وجود منهج موحّد يزيد من التفكّك الاجتماعي، إضافة إلى التجارب المتباينة في البلدان المختلفة أو حتى داخل البلد نفسه.
كلما زاد سنّ الأطفال قلَّ احتمال بقائهم في المدرسة لسببين رئيسين. أولاً، هم يفتقرون إلى المهارات اللغوية الأساسية للالتحاق بالمدارس الرسمية اللبنانية التي تدرّس المنهج الإنكليزي أو الفرنسي. وفي حين يمكن للأطفال الأصغر سناً التعويض عن ذلك بسرعة نسبية من خلال برنامج التعلّم السريع، يبدو هذا الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلى الطلاب الأكبر سنّاً. ثانياً، تبدو جاذبية سوق العمل غير الرسمي أكبر بالنسبة إلى الأطفال الأكبر سنّاً. لذلك، من المرجّح أن يستمر هذا التشرذم.
كل هذا يساهم في نمو أجيال ضائعة من الأطفال والمراهقين السوريين الأمّيين أو شبه الأمّيين، الذين يُعَدّون الأكثر استعداداً من حيث العمر للمشاركة في عملية إعادة البناء. وبهدف حلّ مشكلة الوصول والتشرذم المزدوجة، تسعى مبادرة مهمة يُطلَق عليها "المدرسة الافتراضية السورية"، إلى رقمنة المنهج السوري بأكمله (أي تحويله إلى صيغة رقمية يمكن معالجتها بواسطة الكمبيوتر)، وإدخال نموذج تعلّم هجين (من خلال شبكة الإنترنت وبصورة شخصية)، وذلك للوصول إلى عشرات الآلاف من الأطفال السوريين داخل البلاد وخارجها. 7
بطبيعة الحال، تأثيرات الأزمة ملموسة في القطاعات كافة، وليس في مجال التعليم وحسب. قطاع الرعاية الصحية في لبنان غير حكومي في الأغلب، حيث التكاليف باهظة جداً بالنسبة إلى معظم السوريين، وتفتقر المستشفيات الحكومية إلى الأسرّة في بعض المناطق مثل وادي البقاع. كما أن العاملين في مجال الصحة قلقون من أن كارثة صحية عامة قد تقع في أي لحظة، خاصة في الأماكن العشوائية غير الرسمية التي نُصِبت فيها الخيام في وادي البقاع. ويُظهِر تفشّي مرض شلل الأطفال في سورية وانتشاره المحتمل في البلدان المجاورة أن مثل هذه المخاوف مُبرَّرة. كما تُعتبَر الصحة العقلية موضع اهتمام خاص بالنسبة إلى البالغين والأطفال الذين تعرّضوا إلى صدمات قبل رحلتهم إلى لبنان وأثناءها. وقد اضطرت منظمات مثل "الهيئة الطبية الدولية"، التي تختصّ في الرعاية الصحية الأولية والعقلية، إلى فرض رسوم استخدام طفيفة، وهي تتّجه إلى توفير التدريب الأساسي لبعض السوريين بهدف معالجة الثغرات في مجتمعاتهم.
نظراً إلى جغرافية لبنان وطبيعة الروابط الاجتماعية فيه، لايمكن لهذا البلد أن ينقذ نفسه مما يجري في سورية، وكان ملزماً بدفع ثمن باهظ للمأساة التي تتكشّف هناك. لكن من المرجّح أن يكون تبنّي مقاربة سلبية تجاه أزمة اللاجئين مكلفاً. وفي حين يخشى الكثير من الساسة اللبنانيين من المبادرة إلى إطلاق مناقشات علنية بشأن الحلول طويلة الأجل، فإن التقاعس عن العمل ضارّ أيضاً، إذ يؤذي اللبنانيين العاديين والفقراء الساخطين على الوضع الراهن. وفي ظل وجود الدعم من المنظمات الدولية والدول المانحة، ما من سبب يحول دون التخفيف من الجوانب السلبية للأزمة.
خاتمة: توصيات وحلول طويلة الأجل
كما توضح هذه الدراسة، التعقيد الذي تتّسم به مشكلة اللاجئين، يستدعي تنسيقاً على جبهات متعدّدة. إذ يتعيّن على البلدان المضيفة الاستمرار في السماح بدخول اللاجئين الشرعيين. ومع ذلك، لايمكن للمجتمع الدولي الإلحاح على هذا الطلب من دون تقديم الدعم والمساعدة لإيجاد الحلول. وينبغي أن يأتي هذا الدعم والمساعدة عبر مزيج من الاستثمار في التنمية على المدى الطويل والاهتمام بالاحتياجات الإنسانية العاجلة، في إطار جهد يشمل البلدان المضيفة، والمجتمع المدني السوري، ونظيره في البلد المضيف، ومنظمات الإغاثة، والمؤسّسات متعدّدة الجنسيات. في بعض البلدان، سبق الركود الاقتصادي تدفّق اللاجئين، وثمة مناطق متخلّفة تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين الذين هم في أمسّ الحاجة إلى تحديث البنية التحتية وخلق فرص العمل. وأخيراً، عندما تمضي عملية السلام قُدُماً، يجب أن يشمل أي حلّ العودة الطوعية الكاملة للاجئين.
تدخّل الدولة والتنسيق الدولي
في جميع البلدان المضيفة، ينبغي أن يكون دور منظمات الإغاثة الدولية، في ظروف مثالية، مساعِداً ومكمِّلاً لدور الدولة، لا أن يحلّ محلّه. ففي لبنان، تعاني المنظمات غير الحكومية الدولية الكبيرة، التي تحظى باحترام كبير مثل "المجلس الدنماركي للاجئين" و"المجلس النرويجي للاجئين"، من وطأة الضغوط لتوفير الدعم اللوجستي واليومي للاجئين، وهي تفضّل المزيد من التدخّل المباشر للدولة. وبينما يحدث ذلك في البلدان حيث الدولة تتمتّع بقدرة مالية أكبر مثل مصر والعراق وتركيا، ثبت أن تدخّل الدولة في الأردن ولبنان يشكّل تحدّياً. ومع ذلك، توفّر الأزمة الحالية فرصة في كلٍّ من الأردن ولبنان لتعزيز قدرات الدولة والعمل نحو تدخّل إيجابي في المبادرات التنموية التي من شأنها أن تفيد مواطنيها في نهاية المطاف.
في الأردن ولبنان، وهما أضعف دولتَين من الناحية المالية، سبقت التحدّيات الاقتصادية أزمة اللاجئين. ففي الأردن، على سبيل المثال، أدى اندلاع الانتفاضات العربية إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر وانخفاض حادّ في السياحة. تم تخفيض تدفّق الغاز من مصر إلى الأردن بصورة حادّة خلال معظم العام 2012، ما أدّى إلى زيادة تكاليف الوقود. وفي لبنان، كانت البنية التحتية والخدمات سيئة، وكانت هناك فوارق مناطقية كبيرة. كما أدّى التدفّق الهائل للسوريين إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري في العديد من البلدان المجاورة، بما فيها تركيا والأردن. ومن المؤكد أنه كانت هناك تدفّقات نقدية كبيرة إلى البلدان المضيفة، في حين زادت التجارة من لبنان إلى سورية مع تراجع التصنيع في سورية. ولأول مرة منذ فترة طويلة، أصبح الميزان التجاري اللبناني إيجابياً مع سورية. وقدّر استطلاعٌ أُجري في أواخر العام 2013 متوسط النفقات النقدية للأُسَر السورية في لبنان بما يقرب من 520 دولاراً أميركياً شهرياً، تتم تغطيتها من المدّخرات أو دعم المنظمات الدولية. ونظراً إلى أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين سجّلت مايزيد عن 184 ألف أسُرة حتى كتابة هذه السطور، فإن مساهمة تلك الأُسَر في الاستهلاك كبيرة، حيث إن الكثير من السوريين هم من المهنيين من الطبقة الوسطى الذين نقلوا أصولاً كبيرة.
مع ذلك، لايتم توزيع المساعدات والتكاليف بالتساوي في المجتمعَين اللبناني والأردني، سواء وفقاً للمنطقة أم الطبقة الاقتصادية. فمعظم اللاجئين في كلا البلدين يعيشون في أشدّ المناطق فقراً، وتفيد تدفّقات رأس المال والعمال بصورة كبيرة الشركات وأصحاب العقارات، في حين تؤثّر سلباً على الطبقتَين الوسطى والدنيا من خلال الأجور المنخفضة وزيادة تكاليف الإيجار. وتمثّل أموال الإيجار وحدها انتقالاً كبيراً للثروات من السوريين والمجتمع الدولي إلى أصحاب العقارات اللبنانيين والأردنيين. إضافة إلى ذلك، لايأخذ صافي الحساب الاقتصادي في الاعتبار التوتّرات الاجتماعية والتوتّرات الأخرى. في هذه المرحلة، من المرجّح أن الكثير من اللبنانيين والأردنيين يبدون قدراً قليلاً من التفهّم لحقيقة أن السوريين يساهمون أيضاً في ازدهارهم الاقتصادي.
ماهو أكثر فائدة للمضيّ قُدُماً، هو إعادة النظر في الحلول طويلة الأجل لهذه القضايا، والتي من شأنها أن تفيد اللاجئين والسكان المحليين على حدّ سواء. وتمثّل الحلول المبتكرة، مثل التحويلات النقدية المشروطة (على غرار تلك الموجودة في المكسيك والبرازيل)، التي تعطيها الدولة للأُسَر اللاجئة والمضيفة، والتي ترتبط بمعايير أداء محدّدة، أحد المجالات الممكنة للمزيد من الاستكشاف، ولاسيما أن المفوضية العليا للاجئين تتجه أكثر فأكثر نحو التحويلات النقدية. وقد تم تنفيذ بعض هذه المبادرات بالفعل، كمبادرة الحكومة البولندية في منطقة عكار، والتي توفّر المساعدات النقدية للأُسَر اللبنانية بغية استضافة اللاجئين السوريين.
التعاون الوثيق بين الحكومات المضيفة، والمفوضية العليا للاجئين، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، يمكن أن يساعد الحكومات المضيفة في زيادة الأثر الإنمائي للنفقات. ومن الضروري أن تكمّل جهود المؤسّسات متعدّدة الجنسيات، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الجهود التي تبذلها البلدان المضيفة، والمفوضية العليا للاجئين، ومنظمات الإغاثة الأخرى، بدلاً من العمل على تحقيق أهداف متعارضة.
فضلاً عن ذلك، ينبغي موازنة استمرار أهداف السياسة الموجودة مسبقاً، مثل ضبط أوضاع المالية العامة وخفض نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، بالحاجة إلى الاستثمارات في مجال التنمية والبنية التحتية. وعلى الرغم من أن المفوضية العليا للاجئين اقترحت التحوّل نحو التنمية في الخطة السادسة للاستجابة الإقليمية الخاصة بسورية، فإن ذلك لايمكن أن يتحقّق من دون دعم وتعاون جميع الأطراف. وقد أظهرت المؤلّفات الأكاديمية والسياسية بشأن السياسات الاقتصادية في حالات الصراع ومابعد الصراع، أن السياسة الاقتصادية التقليدية التي تُركِّز على التقشف أو تخفيض نفقات الدولة، غير كافية أو تؤدّي إلى نتائج عكسية. في مثل هذه الحالات، يجب أن تكون الأولوية للأهداف السياسية على الأهداف الاقتصادية. ومع أن هذه البلدان ليست في حالة حرب (الصدمة التي تعاني منها اقتصاداتها مؤقّتة، ولم يحدث تدمير لبنيتها التحتية) إلا أن تقاطع الأزمات السياسية والاقتصادية الإقليمية يعني أنها تعاني من عدوى الاضطراب الإقليمي.
تنطوي المبادرات التنموية التي تقدمها الدولة، مثل الاستثمار في البنية التحتية للخدمات، والرعاية الصحية، والتعليم، وخلق فرص العمل، واستهداف المجتمعات المضيفة، وكذلك اللاجئين، على ميزة تعزيز قدرة الدولة وتخفيف حدّة التوتر إلى جانب مساعدة اللاجئين. ومع أن المبادرات الشاملة تنطوي على بعض المخاطر، إلا أن الأمر نفسه ينطبق على التقاعس عن العمل، ولاسيّما عندما يتململ اللاجئون والمجتمعات المضيفة بصورة متزايدة. كما أن زيادة المساهمات المحلية، والشفافية، والتوعية الإعلامية، هي أساسية لإشراك المجتمعات المحلية والقطرية في هذه المشاريع، وإطلاع مجتمعات اللاجئين على حقوقها بصورة أفضل.
المجتمع المدني السوري
قصة اللاجئين السوريين في المنطقة ليست مجرّد قصة شعب يحتاج إلى المساعدة. فتشريد المجتمع السوري بصورة جماعية، يعني أن هناك الآن لاجئين سوريين من مختلف الأطياف العرقية والطائفية والاجتماعية والاقتصادية. وتشمل هذه المجموعة أعداداً كبيرة من الأشخاص الذين لديهم رأسمال بشري مرتفع نسبياً وقدرات ريادية ومشاريع سياسية مختلفة، نوردها لئلّا يغيب عن البال أن الانتفاضة السورية أنتجت مجتمعاً مدنياً مزدهراً في جميع أنحاء البلاد. فقد تحوّل العديد من منظميها إلى أعمال الإغاثة عندما جرت عسكرة الانتفاضة، وبعد ذلك غادروا البلاد عندما أصبحت الظروف الأمنية أو الاقتصادية صعبة للغاية. والكثير من هؤلاء الأشخاص أنفسهم يتولّون الآن إدارة جهود الإغاثة، ويؤسّسون أو ينخرطون في منظمات غير حكومية، هي إما سورية حصراً أو تضم أعضاء من البلد المضيف. وغالباً ماتعكس المشاريع التي يديرونها أو ينخرطون فيها ميولهم السياسية. ويمكن للمرء أن يرى من خلال توجّهاتهم المختلفة – سواء الدينية أم العلمانية، أو العمل في مجال العدالة الانتقالية، أو النهوض بالقيم المدنية، أو التركيز على التعليم والإغاثة أو الرعاية الصحية – صورة مصغّرة عن المجتمع السوري.
على سبيل المثال، في لبنان، تعمل الكثير من هذه المنظمات مع نظيراتها اللبنانية. فهي تتفهّم الوضع على الأرض، وخاصة في مايتعلق بالروابط بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة. وقد أشرفت إحدى المنظمات في طرابلس على حملة "خبز وملح"، التي تمثّلت في سلسلة من المبادرات لردّ الجميل للمجتمع المحلي. وخصّصت منظمات أخرى، في مخيم شاتيلا، جزءاً كبيراً من جهود الإغاثة التي تقوم بها لمبادرات التنظيف والنظافة المحلية. يتولّى إدارة كل هذه الجهود تقريباً سوريون من الطبقة المتوسطة الذين هم أنفسهم من اللاجئين. وتشير معرفتهم الوثيقة بالمجتمع السوري إلى وجود دور لهم في المدى الطويل، لأن لديهم معرفة تجريبية بالتحدّيات التي تواجه السكان اللاجئين وإمكانياتهم.
صحيح أن بعض هذه المنظمات يتلقّى التمويل من المنظمات الدولية، إلا أن العديد من المشاريع المهمة يفتقر إلى الدعم. وتساعد هذه المنظمات في توفير فرص العمل للشباب السوريين، وإبقائهم في المنطقة، وبناء قدرتهم على تولّي أدوار قيادية في المستقبل عند عودتهم إلى سورية. ولذا، ينبغي على الحكومات المضيفة ومنظمات الإغاثة الدولية أن تستهدف هذه الجماعات، وتعمل معها بصورة مستمرة لدعم مبادراتها.
العودة إلى الوطن
ينبغي أن تكون احتياجات اللاجئين وحقوقهم أولوية بالنسبة إلى المجتمعات الإقليمية والدولية، ولاينبغي أن يتم نسيانها حين تكون الأولوية لجوانب الأزمة الأخرى، مثل مكافحة الإرهاب أو الحرب الأهلية نفسها.
هناك الملايين من اللاجئين المسجّلين في جميع أنحاء العالم ممَّن يعيشون في أوضاع لجوء طويلة الأمد، من دون أن تلوح في الأفق احتمالات جدّية بالتوصّل إلى حلول دائمة. فقد استغرقت عودة مايقرب من نصف النازحين البوسنيين المليونين إلى أماكن إقامتهم السابقة أكثر من اثني عشر عاماً، عندما أعلنت المفوضية العليا للاجئين في العام 2004 أن عدد العائدين تجاوز المليون. وبالتالي ما لم يتم الشروع في تنفيذ آليات واضحة لضمان العودة الطوعية إلى الوطن، عندما يكون ذلك ممكناً، من المرجّح أن يبقى الكثير من السوريين في طي النسيان على المدى الطويل.
الرغبة المعلنة لمعظم اللاجئين، والحلّ الأمثل، هو ماتصفه المفوضية العليا للاجئين بالعودة الطوعية إلى الوطن، طالما أنها طوعية حقاً. إذ تؤكد دراسات عديدة أُجريَت في كلٍّ من الأردن ولبنان، فضلاً عن الأبحاث الميدانية التي قام بها كاتب هذه الدراسة، أن معظم اللاجئين يتصوّرون العودة إلى سورية عاجلاً أو آجلاً. وأشار استطلاع للرأي أجرته اللجنة الطبية السورية في مخيم الزعتري، إلى أن خيارات الناس هي العودة إلى ديارهم وليس إلى مخيمات أو ملاذات آمنة أخرى داخل سورية. لكن الكثير من اللاجئين قد يتردّدون في العودة فوراً إلى المناطق التي يرون أنها غير آمنة، كما أن حجم الدمار قد يجعل العودة مستحيلة على كل حال. ومن المرجّح أن تتأثر العودة الفعلية بعوامل أخرى، بما في ذلك الآفاق الاقتصادية والتعليم وسياسات البلدان المضيفة.
وبالتالي يجب أن تكون العودة طوعية، عندما يكون ذلك ممكناً. لكن المهم هو ما إذا كان المقاتلون – سواء مقاتلي الحكومة أم المعارضة – الذين يسيطرون على مناطق اللاجئين، سيسمحون لهم بالعودة. وسيكون وجود شرط صريح في معاهدة السلام يضمن حق اللاجئين في العودة إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم، جنباً إلى جنب مع آلية دقيقة وجدول زمني للعودة، خطوةً أولى في هذا الاتجاه. كما ينبغي أن ينصّ هذا الشرط على السماح للاجئين الفلسطينيين من سورية بالعودة إلى المناطق التي شُرِّدوا منها في سورية، ومنحهم الحقوق نفسها التي كانوا يتمتّعون قبل آذار/مارس 2011. وأخيراً، إذا عُقِدَت انتخابات محلية وإقليمية في سورية، يجب السماح للاجئين بالإدلاء بأصواتهم غيابياً، بحيث يمكن تمثيلهم حتى ولو لم يكونوا موجودين جسدياً.
تُظهِر الأزمة في جميع البلدان الحاجة إلى مقاربة شاملة وتخطيط طويل الأجل. إذ لايمكن حلّها من خلال المساعدات الإنسانية وحدها. فأعداد اللاجئين كبيرة، وهم عرضة إلى البقاء لفترة طويلة، خاصة في ظل غياب تسوية عن طريق التفاوض، وعملية انتقال سياسي مصحوبة باتفاقات لوقف إطلاق النار، وحدوث تحسّن في الوضع الأمني. فاستمرار الصراع المسلح يعني أن تدفّق اللاجئين سيستمر، كما أن زيادة عسكرته أو فتح جبهات قتال جديدة ينطويان على خطر توسيع رقعة الحرب إلى مناطق كانت آمنة في السابق.
هوامش
1 يعرّف مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين "أوضاع اللجوء طويلة الأمد" بأنها تلك التي عاشها اللاجئون في المنفى لمدة خمس سنوات أو أكثر، مع غياب أي احتمال جدّي لإيجاد "حل دائم"، أي العودة إلى الوطن، أو الاندماج في البلد المضيف، أو إعادة التوطين في بلد ثالث.
2 هناك خمسة معايير للإعلان عن المستوى 3 من حالات الطوارئ: الحجم، والحاجة الملحة، والتعقيد، والقدرة، ومخاطر السمعة. والحجم يعني حجم المناطق المتضررة، أو عدد الأشخاص المتضررين، أو عدد البلدان المتضررة. الحاجة الملحّة تشير إلى أهمية نزوح السكان، وحدّة الصراع المسلح، ومعدلات الوفيات. أما التعقيد فيعني وجود حالة طوارئ متعددة الطبقات، وعدد من البلدان المتضررة، ووجود أطراف فاعلة متعددة، وعدم وجود إذن بالوصول الإنساني، والمخاطر الأمنية العالية على الموظفين، وهلم جراً. وتعني القدرة ضعف القدرة الوطنية على الاستجابة، أو وجود دولة ضعيفة أو هشّة. ويشير خطر الإضرار بالسمعة إلى الاهتمام والظهور من جانب وسائل الإعلام والجمهور، فضلاً عن توقعات الجهات المانحة، والجمهور، والجهات الوطنية المعنية، والشركاء، لما يمكن أن يحققه النظام الإنساني.
“Humanitarian System-Wide Emergency Activation: Definitions and Procedures,” Inter-Agency Standing Committee, April 13, 2012. http://reliefweb.int/report/world/humanitarian-system-wide-emergency-activation-definition-and-procedures-iasc.
3 مقابلة مع سيناي أوزدن، الأستاذ في جامعة كوتش في تركيا.
4 Keith David Watenpaugh, et al., “Uncounted and Unacknowledged:Syria’s Refugee University Students and Academics in Jordan,” University of California, Davis Human Rights Initiative and the Institute for International Education’s Scholar Rescue Fund, April 2013.
5 Economic and Social Commission for Western Asia, “Impact of the Syrian Crisis on the Lebanese Economy, “the United Nations, July 2013.
6 Roula el-Masri, et al., “Shifting Sands: Changing Gender Roles Among Refugees in Lebanon,” ABAAD-Resource Center for Gender Equality and Oxfam, September 2013.
7 للحصول على مزيد من المعلومات عن "المدرسة الرقمية السورية"، يُرجى زيارة الموقع التالي www.gl.ae أو التواصل مع السيد ميلاد سبالي على البريد التالي msebaaly@gl.ae.
يمكن قراءة المزيد على الرابط التالي:
http://carnegie-mec.org/2014/12/30/syrian-refugees-and-regional-crisis