بينما يشارف الرئيس السوري بشار الأسد على إنهاء ولايته الأولى في السلطة، يدور الكثير من النقاش حول مدى نجاحه في دور الإصلاحي. إذ يُسجَّل في رصيده إنشاء جامعات ومصارف ووسائل إعلام خاصة. غير أنّ عدم اهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام بشكل عام بالانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في أبريل/نيسان المقبل يعكس جمود الإصلاحات السياسية.
تعتبر خصخصة التعليم، إلى حدّ بعيد، أكبر إنجاز تحقّق في الأعوام السبعة الماضية. إذ بعد أربعة أعوام من اتّخاذ القرار بإنهاء احتكار الدولة للقطاع التربوي الذي فرضه "حزب البعث" عام 1963، أصبحت هناك ثماني جامعات خاصّة والعديد من المدارس الخاصة. وبحسب الأرقام الرسمية، هناك 380 ألف طالب مسجَّلون في الجامعات السورية: 250 ألفاً في الجامعات الرسمية الخمس، وستّة آلاف في الجامعات الخاصة و2500 في الجامعة الافتراضية السورية (التي تتيح التعلّم عبر الإنترنت). ويعد طلاّب العام الأكاديمي 2007 في جامعة القلمون أوّل المتخرجين من جامعة خاصّة في تاريخ سوريا. وبالجامعة أيضاً أوّل كلية مستقلّة للعلاقات الدولية، وهي تعطي حصصاً كثيرة باللغة الإنكليزية. لكن وعلى الرغم من هذه النجاحات في التعليم الجامعي، هناك 15 ألف طالب فقط في الدراسات العليا، بينما يحصل 2100 طالب فقط على منح تعليمية للدراسة في الخارج. وفي الواقع، خفّضت الحكومة الأموال التي تخصّصها للتعليم، وهي تشكّل الآن حوالي خمسين مليون دولار من موازنة سوريا السنوية البالغة 11 مليار دولار، بينما تبلغ الأموال المخصًّصة للأبحاث الأكاديمية 3.8 ملايين دولار فقط.
منذ عام 2000، تأسّست ستّة مصارف خاصة في سوريا: بنك سوريا والمهجر وبنك بيمو وبنك عودة والمصرف الدولي للتجارة والتمويل والبنك العربي وبنك بيبلوس. وعند الخصخصة، قُدِّرت ودائعها مجتمعةً بثلاثين إلى خمسين مليون دولار. لكن مع نهاية العام الأوّل، سجّلت الودائع في المصارف الخاصة رقماً مدهشاً بلغ مليارَي دولار، وتصل الآن إلى ثلاثة مليارات دولار. ورغم أنّ هذا يبدو مشجّعاً جداً، غير أن هذه الودائع لم تُحدِث تغييراً حقيقياً في المناخ الاستثماري في المجتمع السوري. فالبيروقراطية والتنظيمات تعرقل القطاع المصرفي. على سبيل المثال، كانت القروض العقارية الطويلة الأمد ممنوعة على المواطنين السوريين قبل يناير/كانون الثاني 2007 بسبب القيود المفروضة من المصرف المركزي السوري. وفي عام 2005، بلغت قروض المصارف الخاصة 17 في المئة فقط من مجموع ودائعها، ما يعني أنّ أكثر من ثمانين مليار ليرة سورية ظلّت في الخزائن. لم يكن الهدف من المصارف الخاصة أن تكون مجرّد حاضنة للأموال لأنّ هناك ما يكفي منها في القطاع المصرفي العام.
وتبدو الصورة مشوَّشة أيضاً في مجال خصخصة الإعلام. وفيما يظهر أنّ الظروف أصبحت الآن واعدة أكثر بكثير ممّا كانت عليه قبل عام 2000، فإن إصلاح وسائل الإعلام بطيء جداً مقارنةً ببلدان عربية أخرى مثل لبنان أو الإمارات العربية المتّحدة أو قطر.
لقد سمح بشار الأسد، بعد وقت قصير من تسلّمه سدّة الرئاسة، للأحزاب التابعة ل"حزب البعث" الحاكم، بإصدار مطبوعات سياسية. وكانت النتيجة صدور مجلاّت أسبوعية دوغماتية تنادي بالقومية العربية والاشتراكية ومناهَضة الإمبريالية في تجلّياتها الأقوى، ولم يكن لديها سوى جمهور محدود من القرّاء. كانت الأسبوعية الساخرة المستقلّة "الدومري" التي يصدرها رسّام الكاريكاتور السوري المعروف علي فرزات بمثابة متنفّس، غير أنّ نوعيّتها تراجعت بعد الأعداد الأولى وهبط عدد القرّاء. وبعد صدامات مع الحكومة، أُوقِفَت "الدومري" و"المبكي" (أسبوعية أخرى كانت تنتقد المسؤولين في الحكومة) عن الصدور، ما أدّى إلى بروز تكهّنات عن خضوع الصحف الخاصة لرقابة شديدة من جديد. واستمرّت مطبوعات خاصة أخرى بالصدور بينها المجلّة الأسبوعية السياسية "أبيض وأسود" والمجلة الشهرية الاقتصادية "الاقتصاد" اللتان تنشران مقالات نقدية موجَّهة نحو الإصلاح.
وفيما يتعلّق بالإصلاح السياسي، يدّعي المسؤولون الحكوميون أنّ الظروف الإقليمية والدولية عرقلت العملية، وأنّه لا يمكن إجراء إصلاح سياسي تحت تأثير الضغوط الخارجية لا سيّما من الولايات المتّحدة. و لم تتّخذ القيادة السورية الخطوات المنتظرة مثل السماح بإنشاء أحزاب سياسية خاصّة، وتعديل المادّة 8 من الدستور التي تنصّ على أنّ "حزب البعث" هو الحزب القائد في الدولة والمجتمع. ولكن أصبح واضحا أيضاً أنّ التركيز على البعثية تراجع كثيراً في الأعوام الأخيرة. وأصبح الأسد عند إلقائه خطابا، يقف بجانب العلم السوري وليس علم "حزب البعث"، وقد عُيِّن أشخاص كثر من غير البعثيّين في مناصب رفيعة. وأصبح الدكتور المستقلّ هاني مرتضى أوّل شخص غير بعثي يتولّى رئاسة جامعة دمشق وأوّل وزير مستقلّ للتعليم العالي منذ عام 1963. يذكر ضمن المستقلّين الآخرين الذين يشغلون مناصب رفيعة نائب رئيس الجمهورية الدكتور نجاح العطّار ونائب رئيس الوزراء عبدالله الدردري والسفير السوري لدى الولايات المتّحدة عماد مصطفى.
وثمّة تكهّنات تتردد حاليا بأنّ شخصاً غير بعثي قد يحلّ مكان رئيس الوزراء محمد ناجي العطري، وأنّه قد يتمّ إقرار قانون للأحزاب السياسية بعد الانتخابات النيابية في أبريل/نيسان المقبل وقبل الاستفتاء الرئاسي في الصيف. لكنه لايزال مبكرا جداً معرفة إذا كانت هذه التوقّعات ستصحّ أم أنّها مجرّد تفكير بالتمنّي.
سامي مبيّض محلّل سياسي سوري ومؤلّف "الفولاذ والحرير: رجال ونساء صنعوا سوريا" (كيون برس، 2006).
جردة الإصلاح
بينما يشارف الرئيس السوري بشار الأسد على إنهاء ولايته الأولى في السلطة، يدور الكثير من النقاش حول مدى نجاحه في دور الإصلاحي. إذ يُسجَّل في رصيده إنشاء جامعات ومصارف ووسائل إعلام خاصة. غير أنّ عدم اهتمام الرأي العام