انضمت مصر إلى عديد من البلدان العربية التي أنشأت هيئات لإدارة الانتخابات بإدخالها في يوليو 2005 لجانا يفترض أنها مستقلة للإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في هذا الخريف. قدّم الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم اللجان، التي ترأسها شخصيات قضائية، باعتبارها تعزيزا لما يفرضه الدستور من إشراف قضائي على العملية الانتخابية. تساعد الهيئات الجديدة على تلطيف صورة الاقتراع في بلد كانت فيه وزارة الداخلية لزمن طويل هي الوجه العام الذي يُخضع الانتخابات، كما تحتوي اللجان على بذور مؤسسات ذات معنى. لكن اللجان كما شُكلت حاليا، تفتقر إلى السلطة والاستقلال اللذين تتطلبهما انتخابات أكثر نزاهة وشفافية. الحقيقة، أن تركيب اللجان يرسم صورة الفعالية الحالية في مصر: تستطيع قوى المعارضة أن تضغط على الحكم لإدخال إصلاحات، لكنها أضعف من أن تؤثر في محتوى تلك الإصلاحات.
شمل دور لجنة الانتخابات الرئاسية التي أشرفت على انتخابات يوم 7 سبتمبر تصفية المرشحين وتشجيع مشاركة المواطنين ومراقبة إنفاق الحملة الانتخابية، والوصول إلى الإعلام المبثوث الذي تديره الدولة والإشراف على الاقتراع وعدّ الأصوات وإعلان النتائج. لجنة الانتخابات البرلمانية لها مهمات مماثلة في الانتخابات المرتقبة، وفي الانتخابات التالية ستنصح الحكومة حول تحديث سجل الناخبين وإعادة رسم الدوائر الانتخابية. وبينما تعتبر تلك الواجبات خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن اللجان تفتقر إلى السلطة لمعالجة أخطر المشاكل في إدارة الانتخابات المصرية: سجل انتخابي معيب يجب إعادة النظر فيه بالكامل، وبيروقراطية انتخابية قليلة التدريب و موالية للنظام (وللحزب الحاكم استطرادا) وجهل عام بإجراءات التسجيل والاقتراع.
اللجان محصورة في تقديم المشورة إلى وزارة الداخلية وغيرها من الهيئات التي تقوم بالتحضير الفعلي للانتخابات وفي الإشراف على المراحل الأخيرة للعملية. يقول مسؤولو الحزب الوطني الديموقراطي أن اللجان مبنية على النموذج الفرنسي، حيث تشرف لجنة قضائية على تنفيذ الحكومة للانتخابات. هذا النموذج غير مناسب لمصر، التي تفتقر إلى إدارة مدنية محترفة وتحتاج إلى ترميم شامل للبنية الانتحابية الأساسية تقوم به هيئة محايدة. إضافة إلى ذلك، فإن تشكيل اللجان في آخر لحظة والموارد غير الكافية تعوقها حتى عن أداء مهامها المقررة، يتردد أن اللجنة الرئاسية اجتمعت مرتين فقط قبل يوم الاقتراع.
والأهم أن عضوية اللجان لا تفي بالحد الأدنى من الاستقلال. فالأعضاء القضائيون الذين جرى اختيارهم غير معروفين باتخاذ موقف علني ضد الحكومة؛ فوزير العدل، الذي يرأس اللجنة البرلمانية، موظف في السلطة التنفيذية. أما الأعضاء الآخرون ـ قضاة متقاعدون وشخصيات عامة غير حزبية اختارهم على وجه السرعة البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الوطني الديموقراطي ـ فلهم نفوذ سياسي ضئيل. هكذا تفتقر لجان مصر إلى شخصيات قوية تقدر على الدفع ضد تدخل السلطة التنفيذية.
في الحقيقة، فعلت القرارات الرئيسية التي اتخذتها اللجنة الرئاسية القليل لإظهار صورة من الحياد. فرئيسها ممدوح مرعي (رئيس المحكمة الدستورية العليا في مصر) منع مراقبي الانتخابات المحليين من القيام بأي دور له معنى، واستبعد ألف قاض (كانوا قد انتقدوا الانتخابات السابقة وضغطوا من أجل إصلاحات انتخابية) من الإشراف على مراكز اقتراع وابتدع نظاما لعدّ الأصوات يتميز بانعدام الشفافية. أما أشد ما يقلق، فهو أن قرارات اللجنة، بحكم القانون، غير قابلة للاستئناف، ما يحصّن اكتساح الرئيس حسني مبارك من الإلغاء عن طريق المحاكم.
أخيرا، أسس عدد قليل من البلدان العربية لجانا انتخابية، لكن ليس لأي منها سجل سليم. فالجزائر لديها لجنة قضائية تشبه كثيرا تلك التي في مصر، إلى جانب لجنة على أساس حزبي تقوم أساسا بتلقي الشكاوى وتراقب الوصول إلى الإعلام. والمغرب لديه بالمثل لجنة بلا أسنان. ليس إلا العراق وفلسطين واليمن لديها لجان ذات صلاحيات كاملة. خلافا للوضع في مصر، نشأت تلك اللجان الثلاثة في سياق إقامة الدولة، حيث لا تستطيع أي مجموعة وحدها أن تسيطر على إدارة الانتخابات. وقد أظهرت اللجنة العراقية غير الحزبية كفاءة جديرة بالإعجاب في تنظيم اقتراع يناير 2005 في ظل ظروف ضاغطة بشدة. ولسوف نرى، على أي حال، إذا ما كانت تستطيع الصمود لضغط الأحزاب الشيعية والكردية القوية للتحكم في الانتخابات التالية. وليس من المحتمل أن تحاكي اللجنة حكومات عربية أخرى، و سترى في التدخل الواسع من الولايات المتحدة والأمم المتحدة انتهاكا لسيادتها. كانت اللجنة التي أشرفت على أول انتخابات يمنية موحدة، في 1993، أبرز تجارب المنطقة في إدارة انتخابات تعددية. فالأحزاب الرئيسية ممثلة في المستويات كلها، ماتسبب في انسدادات حيث كان عليهم الاتفاق على كل قرار، لكن هذا شجع الثقة العامة. من المؤسف، أنه في السنوات الأخيرة حشد الحزب الحاكم اللجنة بأنصاره.
أما لجنة فلسطين فربما كانت أكثرها وعدا. فهي تضم أعضاء حزبيين وتكنوقراط وكوّنت هيئة موظفين كفؤة راجعت سجل الناخبين. وعلى أي حال، فقد لطخت سمعتها مزاعم عن المحسوبية تجاه حزب فتح الحاكم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. مع ذلك، تبقى فلسطين بقعة مضيئة في منطقة أخذت تشيع فيها اللجان الانتخابية، لكنها لاتحدث بعد فرقا مهما في حرية الانتخابات ونزاهتها.
آمي هوثورن، المحرر السابق لنشرة الإصلاح العربي، حاليا استشاري مستقل في الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط.