منذ الثورة الإيرانية لم تكن مسألة التطور السياسي للشيعة موضعا لهذا القدر من الاهتمام من جانب مراقبي الحياة السياسية في الشرق الأوسط. فنجاح المرشحين الشيعة في الانتخابات العراقية الأخيرة، والدور البارز الذي قام به "حزب الله" في تعبئة القاعدة المناصرة له في لبنان لمظاهرات موالية لسورية، ونجاح المرشحين الشيعة في المنطقة الشرقية من العربية السعودية أثناء الانتخابات البلدية في ذلك البلد، خلقت انطباعا بجريان تعبير جديد عن الهوية السياسية الشيعية داخل المنطقة. مع دفع الولايات المتحدة من أجل التحول الديموقراطي في المنطقة، قد تكون الشروط حاضرة لتغيير وضع الشيعة الاجتماعي ـ السياسي المتدني تاريخيا من خلال العمل السياسي.
قبل التسرع إلى استخلاص أن النجاح الانتخابي الأخير للأحزاب السياسية الشيعية في العراق ينبئ بتزايد في النشاط السياسي للشيعة في المنطقة، يجدر بالمراقبين السياسيين أن ينظروا إلى النشاط السياسي الشيعي في سياقه المحلي. ربما يكون تنوع المصالح السياسية الشيعية الناشطة مرسوما على أفضل وجه في لبنان. هنا، "حزب الله" الموالي لإيران يمثل بعض، وبأي حال ليس كل، السكان الشيعة. فحركة "أمل" المنافس المحلي لحزب الله أسسها العالم الديني موسى الصدر، لكنها الآن تحت رئاسة المدني نبيه بري وتتطلع، من أجل الدعم، إلى سورية، وليس إلى إيران. ورجل الدين الشيعي اللبناني آية الله محمد حسين فضل الله، قادر على ممارسة قيادة سياسية يعبر عنها حجم أتباعه، لكنه يحافظ على استقلاله عن كل من الحزبين السياسيين الشيعيين في بلده، وعن القيادة الإيرانية أيضا. كما أن للشيعة حضورا قويا في الحزب الشيوعي اللبناني.
ثمة تخوف غير منطوق من تسيُّس الشيعة بين المحللين السياسيين الغربيين، يقوم، في جزء كبير منه، على حصيلة الثورة الإيرانية وعلى اعتقاد بأن تسيُّس الشيعة موجه دائما من رجال الدين ـ وهو بالتالي معادٍ أوتوماتيكيا للأمريكيين. هذه النظرة تتجاهل حقيقة أن الحكم الثيوقراطي على الطريقة الإيرانية لا يجتذب إلا نسبة صغيرة من الجماعات السياسية الشيعية. فرئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري، على سبيل المثال، نقل عناصر حزبه "الدعوة" من إيران كي يتجنب أن يكون وثيق الارتباط بالآراء الإيرانية حول القيادة السياسية. تماما مثلما أعمت التخوفات الأمريكية أثناء الحرب الباردة من أن الاتحاد السوفييتي كان وراء الحركات السياسية الاشتراكية جميعا، الولايات المتحدة عن المعنى الحقيقي للظلم السياسي والاجتماعي الذي أنتج الكثير من تلك الأحزاب، يحتاج محللو السياسة إلى أن ينظروا نقديا إلى الظروف التي يجد فيها الشيعة أنفسهم داخل كل بلد قبل أن يستخلصوا أن كل الطرق السياسية الشيعية تؤدي إلى طهران.
لا يرمي هذا كله إلى إنكار أن هناك بنياناً أيديولوجياً شيعياً متجاوز للحدود بطبيعته، أو أن إيران لها تأثير نشط على بعض الأحزاب السياسية الشيعية. في العراق، على سبيل المثال، توفر الروابط التاريخية والتعليمية لإيران مع شركائها في الدين في جنوب البلاد أساسا متينا لتداول النفوذ عبر الحدود. في الوقت نفسه، توفر فكرة الراحل آية الله الخميني حول "ولاية الفقيه" جسرا أيديولوجيا يربط القيادة الإيرانية مع الشيعة الآخرين في المنطقة. و"حزب الله" اللبناني و"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" مثالان على أن المرجعية النهائية حول مسائل الأيديولوجية السياسية (متميزة عن السياسات المحددة) تبقى مع إيران. كما وجد "حزب الله" في لبنان متعدد الديانات، على أي حال، إن الظروف التي سمحت بتطبيق مفهوم "ولاية الفقيه" في إيران غير قائمة في لبنان. ومن هنا تبقى القيادة السياسية لرجال الدين بالنسبة إليهم هدفا بعيدا، وليست مما يمكن تحقيقه في المدى القريب أو المتوسط.
يقدم التحول إلى الديموقراطية للشيعة طريقا للتغلب على إقصائهم السياسي من خلال توظيف ثقلهم الديموغرافي. وقد منحت الانتخابات العراقية الشيعة الذين يقدر تعدادهم ب 60 بالمائة من السكان القدرة على تحقيق الصوت السياسي القوي الذي أُنكِر عليهم في الماضي. وفي لبنان يدعو كلا الحزبين الشيعيين إلى تغييرات في قانون الانتخابات الذي يخصص للشيعة أعدادا من المقاعد البرلمانية أقل بكثير من مما تستحقه أعدادهم. وبينما تعود المحاولات الشيعية لتغيير الوضع السياسي الراهن في المنطقة إلى 40 سنة مضت ـ من الانجذاب إلى الأحزاب اليسارية إلى النشاط الثقافي لعلماء النجف في الخمسينات والستينات من القرن الماضي ـ ما هو مغاير الآن هو أن هناك بيئة دولية أكثر سماحا بتحويل القوة الديموغرافية إلى سلطة سياسية. لا يعني هذا أن البلدان ستصبح استنساخات عن إيران إذا حصل الشيعة على السلطة السياسية؛ ستكون الظروف المحلية هي التي تقرر التوجه السياسي للشيعة.
** د. رودجر شاناهان زميل بحث زائر في جامعة آسيا والمحيط الهادئ بسيدني. وستنشر IB Tauris كتابه "شيعة لبنان: العصبيات والأحزاب ورجال الدين" في أغسطس 2005.