من شكّل الحركة المصرية من أجل التغيير ، متى ولماذا؟
بدأنا هذه الحركة في نوفمبر 2003 وكنا مجموعة من الأصدقاء مجتمعين وطرحت الفكرة بأنه في 2005 ستكون هناك انتخابات رئاسية وبرلمانية. فاخترنا سبعة منا من توجهات سياسية مختلفة – يعني اسلاميين، ماركسيين، ناصريين، ليبراليين – وقررنا الاجتماع الدوري. أخدنا ثمانية شهور في المناقشة وطلعنا البيان الأول نتكلم فيه على انه اذا أردت ان تواجه الهيمنة الأمريكية او الصهيونية من اللازم انك تبني أولا دولة قوية. ونقول في البيان اننا نريد حياة جديدة. نريد رفع حالة الطوارئ وانتخابات حرة-- ليس هناك شيء اسمه استفتاء على رئيس الجمهورية -- ومن الضروري انهاء احتكار السلطة والثروة. ومن اللازم انه تكون هناك انتخابات يشرف عليها القضاء بهيئة مستقلة وتحديد سلطات الرئيس. وطلعنا البيان ووقّع عليه 300 مصري – سياسيين وفنانين وعمال وفلاحين وطلبة.
وعملنا أول مؤتمر في 22 سبتمبر 2004 وهذا كان خلال مؤتمر الحزب الوطني. اخترنا هذا الموعد بالضبط لأنه كان من الضروري أن يسمعوا صوتا آخر شخص. حضر هذا المؤتمر 500 شخص وشعرنا ان الناس فعلا في اشتياق للتغيير، إن هذا النظام الاستبدادي يجب ان ينتهي. اتفقنا على وثيقة وفي هذا الاجتماع اخترنا 35 شخصا ليديروا الحركة المصرية من أجل التغيير. فقلنا كفاية للاجتماعات الداخلية، خلينا نطلع للخارج. ولكن هذه مسألة صعبة بسبب حالة الطوارئ. قالوا من اللازم ان نطلب اذنا ولكنني قلت لا. لن اطلب اذنا. سأستخدم حقي الدستوري . يقول الدستور انني عندي الحق للتعبير عن رأيي بكل المعاني ومن ضمنها حق التظاهر.
اكتشفنا كلمة "كفاية" لان صديقا لنا قال من اللازم ان تختاروا كلمة بسيطة، أي واحد يستطيع ان يستخدمها للتعبير عن رأيه. وصارت كلمة "كفاية" هي شعار الحركة. نقول "كفاية" لكل شيء، للظلم وللاستبداد والبطالة والفساد واحتكار السلطة والثروة.
كانت أول مظاهرة في 12 ديسمبر امام دار القضاء العالي. قلنا هذه المظاهرة هي مظاهرة صامتة. لماذا اخترنا هذا المكان؟ لأننا رأينا من أول لحظة انه ليس هناك احد يستطيع ان ينقذ المصريين الا القضاء. نؤيد حركة القضاء بشكل هائل. شعرنا انه اذا كان القاضي شفافا ونقيا وليس هناك أي قوة تسيطر عليه، هو سيحمينا. من غير هذا ليس هناك حماية لأننا نعيش في دولة بوليسية. جاء لنا في هذه المظاهرة الف شخص وعملنا شيئين مهمين: فككنا ثقافة الخوف وحصلنا على حق التظاهر. هاتان النقطتان مهمتان جدا لأن الخوف من البوليس يسيطر على المصريين.
بعد ذلك طلعنا بيانا قلنا فيه اننا نريد ان نغير ثلاثة بنود في الدستور: 75 و76 و77. بند 75 يتكلم عن اقرار ذمة مالية من اللازم ان يقدمه الرئيس قبل ما يقدم نفسه للترشيح لكي نعرف ماذا فعل خلال الرئاسة. يتكلم 76 عن الاستفتاء للرئاسة و77 عن مدة وصلاحيات الرئيس – وقلنا انه من اللازم ان تكون المدة اربع سنوات وليس اكثر من مدتين.
وعملنا بعض المظاهرات الاخرى وبعد ذلك اعلن مبارك انه يريد ان يغير المادة 76 من الدستور فقط. وقلنا اننا لسنا ضد تعديل أية مادة في الدستور ولكن ماذا فعلوا الآن هو "رابش" (زبالة). يبدو انهم مصممون لمنع أي شكل من اشكال التغيير. قالوا اذا اردتم ان تقولوا أي شيء بخصوص تعديل هذه المادة من الدستور قولوه لمجلس الشعب. ذهبنا الى مجلس الشعب ففوجئنا بأنه مقفول والبوليس واقف أمامه. فذهبت مع ستة او سبعة من الزملاء الى الرجل الرئيسي من البوليس وقال "بعد خمس دقائق السيارة قادمة وستذهب الى السجن." قلت "طيب خلينا نذهب الى السجن، ما هي المشكلة؟" وعملنا مظاهرة أمام نقابة الصحفيين وقدمنا مطالبنا فيها.
لما صدر التعديل على الاستفتاء شاهدنا ان القيود على المرشحين المستقلين او من احزاب المعارضة تفرغ التعديل من المضمون تماما. فقلنا سوف نقاطع الاستفتاء وسنطالب اسقاط شرعية هذا التعديل. ويوم الاستفتاء قلنا سنعمل مظاهرات في ثلاث مناطق في القاهرة و21 مظاهرة في المحافظات. فنزلت يوم الاستفتاء ولاقيت ان البوليس محاصركل الأماكن التي سنعمل فيها مظاهرة. فحصل الضرب والانتهاكات والاجرام. عملنا مؤتمرا صحفيا امام نقابة الصحفيين وقلت انني أحمّل الرئيس مبارك حماية كرامة المصريين لأنه مسؤول بحكم منصبه.
يقول بعض الملاحظين ان جذور حركة كفاية ومعظم الحركات الليبرالية عند النخبة السياسية وليس عند الشعب. هل هذا صحيح وهل من الممكن ان يكون لحركة ديموقراطية في الشرق الأوسط دعم واسع من المجتمع ؟
النخبة دائما تصحّي المجتمع. نحن في الأول كنا نخبة. كنا موجودين في القاهرة والاسكندرية والمنصورة فقط. الآن عندنا منسّق في 21 محافظة. ابتدينا بـ300 واحد ونحن اليوم 7000. زار موقعنا 350000 وحول 2000 يتبادل الأراء فيه يوميا. وسوف نستمر.
قبل سنتين او ثلاث، ما سمحت الأوضاع السياسية في مصر بتأسيس حركة مثل كفاية. ماذا تغيّر؟
دعنا نتكلم بالصراحة. لا احد يستطيع ان ينكر ان الضغوط الخارجية ساعدت والضغوط الداخلية أيضا ساعدت. والضغوط الاقليمية – المنطقة كلها تغلي. بداية من الاحتلال الفلسطيني والاحتلال العراقي، الدنيا كلها في حالة صحوة. وركزنا في حركة كفاية على التغييرات على الداخلية، هناك انتخابات رئاسية وبرلمانية ولا نستطيع ان نبقى ساكتين على هذا الوضع. نحن الآن في حالة ضعف اقتصادي شديد في مصر. وأين موقعنا السياسي الاقليمي؟ ليس لدي مانع لنتعاون مع الغرب ونتعاون مع أمريكا والدنيا ولكن على قدر من المساواة، ليس بالشكل المتدني هذا.
انا افضّل ان الحكومة تستجيب للمطالب الداخلية ولكنها لاتفعل ذلك. الحوار مع أحزاب المعارضة مثلا – اربعة شهور وما حصلوا على أي شيء. اذا تابعت مناقشة قانون انتخاب رئيس الجمهورية، ستشاهد انهم يزايدون على بعض، لا يريدون ان ينفتحوا. ولهذا السبب انا مؤمن أيمانا مطلقا ان هذا النظام يجب ان يروّح؛ لن ينفع. على الرئيس مبارك أن يستريح. هذا أملنا. أما جمال مبارك فهو ابن النظام . له "لوك" جديد ولكنه مجرد الاستبداد بشكل احدث.
ما هو تأثير السياسة الأمريكية تجاه الديموقراطية في مصر؟
نحن في مصر عندنا برلمان من سنة 1862 والمطالبة بالديموقراطية قديمة. الآن التغيرات الدولية والداخلية تخدم بعضها البعض. لو قال الخارج "الديموقراطية" وما تحرّك الداخل ماذا سيحدث؟ لا شيء. فهو تفاعل بين الخارج والداخل.
ما هي العلاقات بين حركة كفاية والأحزاب السياسية؟ هل ستصبح حركة كفاية حزبا أو ترشّح مرشّحين في الانتخابات؟
نحن نتحاور مع كل الأحزاب. تحاورنا مع الاخوان المسلمين والناصريين والتجمع والغد وحزب العمل، مع كل القوى السياسية. ندعوهم لكل فعالياتنا و يحضرون أو لا يحضرون على حسب أوضاعهم.
أنا افضّل أن نبقى حركة شعبية لأن الحزب السياسي له حدود. نشتغل الآن في الشارع وهذا مهم جدا في هذه المرحلة. بالنسبة للانتخابات، اعتقد أننا سنؤيد بعض المرشّحين—الذين اشتركوا معنا وشعرنا أنهم مع الشعب ولهم فعالية—كمستقلين أو في الأحزاب.
هل هناك موجة جديدة من الاتصالات والتنسيق بين العلمانيين والإسلاميين في مصر؟
لا نكران أن هناك تيار إسلاميا سياسيا ؛ هذا جزء من المجتمع المصري. إذا دخلوا معنا كشريك نرحّب بهم، كحركة سياسية وليست حركة دينية. والإخوان المسلمين أفدناهم لأنهم يرفعون الآن شعارات سياسية وليست شعارات دينية. كانوا يرفعون المصحف في المظاهرات السياسية ولكنهم لا يفعلون ذلك الآن. هذا تأثير كفاية. بدأ جيلهم الصغير يتحرّك معنا.
من وجهة نظر كفاية، ما هي الخطوات السياسية الضرورية في مصر الآن؟
أولا سنسقط مشروعية التعديلات الدستورية لأنها لن تؤدي إلى الديموقراطية. نطالب بديموقراطية حقيقية من خلال إشراف القضاء إشرافا مطلقا على كل شيء في الانتخابات ورفع يد الشرطة عنها وإبعاد الحكام الحاليين عن أي تعديل قانوني أو دستوري لأنهم غير قادرين على ذلك. مثلا، تشكيل لجنة انتخابية بمشاركة الأعضاء الذين اشتركوا في الرشوة وانتهاك القانون – هل هذه هي الديموقراطية التي نريدها؟ نريد استقلال القضاء الكامل كما يطالبون. من هنا نبني ديموقراطية حقيقية.
ما رأيك في الانتخابات المقبلة ومسألة المراقبين؟
نحن الآن لا يهمنا انتخاب رئيس الجمهورية. ما يهمنا أن هذا النظام ينتهي. بالنسبة للانتخابات البرلمانية سنشاهد القوانين عندما تخرج من البرلمان. كل الناس يقولون إننا نحتاج القيمة النسبية ولكن الحكومة لا تستجيب، كأن الشعب غير موجود، كأن ليس له وجود.
بالنسبة للمراقبين، نحن ذهبنا لمراقبة الانتخابات في البلاد الأخرى والآن لا نقبل المراقبين هنا؟ كل هذا الكلام مكابرة ليس لها معنى. هناك واحد طلع فتوى بالأمس يقول أن الحبر الذي يستعملوه لتأكيد أن الناخب لا ينتخب أكثر من مرة "حرام." ولكن التزوير ليس حراما.
ماذا ستفعل حركة كفاية إذا انتخب الرئيس مبارك؟
سنبدأ النضال من جديد من أجل دولة حرة وديموقراطية المواطنة هي الأساس فيها. تعني المواطنة المساواة الكاملة بين المواطنين، لا تفرقة بينهم على أساس الدين أو الجنس، الى آخره. قضيتنا الرئيسية الآن هي انهاء القمع واثبات عدم شرعية الانتخاب الرئاسي المقبل. وسوف نناضل حتى اذا تولى الرئيس مبارك الحكم مرة أخرى. سنناضل في الشارع حتى النهاية ولن نقف مهما يحدث.
التغيير السياسي يأتي من الناس، من وعي الناس. لن يجيء من الخارج أو من النظام. انس النظام. الآن كل ثقتنا في الناس. الناس حتى الآن ليست مدركة تماما ان كل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية من هذا النظام. عندما يدركون هذا سيتحرّكون. هذه هي مهمتنا وتحتاج الى جهد متواصل. وفي تقديري التغيير لن يأتي فجأة. اذا اشتغلنا بهذا الصبر، يحتاج إلى عشر سنوات. والمهم أننا ابتدينا.