المصدر: Getty
مقال

حل البرلمان الأردني: الأسئلة والتداعيات

رحّبت المعارضة، ولا سيما الإسلاميون، بحل الملك عبدالله مجلس النواب في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، لأنه يتيح فرصة لإعادة النظر في القانون الانتخابي وتمثيل المواطنين من أصل فلسطيني.

نشرت في ١٢ يناير ٢٠١٠

أثار القرار المفاجئ للملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك الأردن بحل البرلمان الأردني، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2009، بعد سنتين فقط من انتخابه كثيرا من الأسئلة والتداعيات حول الانتخابات النيابية والمحلية القادمة والحياة السياسية عامة في الأردن. ما الأزمة والمشكلات السياسية والعامة التي أدت إلى هذا القرار؟ ما التشكلات السياسية المتوقعة للمرحلة القادمة؟ ما موقع الحركة الإسلامية (أقوى الأحزاب والتيارات السياسية) في هذه التشكلات، وما الآثار المتوقعة على الحركة لحل البرلمان والانتخابات القادمة؟ ما القرارات والتشريعات المتوقعة لتنظيم الحياة السياسية في هذه المرحلة وما النتائج المتوقعة تبعا لذلك؟
وبالطبع فإنها أسئلة تلقائية تفرض نفسها، وما يمكن تقديمه لهذه الأسئلة الكبرى من أجوبة لا يتجاوز جملة من التقديرات والاستنتاجات التي لا ترقى إلى مستوى الأسئلة، ولكنها حالة برغم صعوبتها تمنح المحاولة قدرا من المتعة، والمغامرة.

جرت الانتخابات المحلية والنيابية في العام 2007 في ظل أجواء سياسية محلية وعالمية لم تعد قائمة اليوم، فعلى المستوى المحلي كانت تتنازع وجهة السياسة والقرارات العامة ثلاث شخصيات مؤثرة ومختلفة فيما بينها، وهم معروف البخيت (رئيس الوزراء) ومحمد الذهبي (مدير المخابرات العامة) وباسم عوض الله (رئيس الديوان الملكي)، وكانت الخريطة الناشئة عن الانتخابات تعبر عن تأثيرهم وخلافاتهم أيضا، ورحل الثلاثة عن المشهد السياسي واحدا تلو الآخر، ولكن بقي البرلمان امتدادا لهذه المرحلة، وواجهت حكومة نادر الذهبي التي تشكلت بعد حكومة البخيت صعوبات عدة في العلاقة بينها وبين البرلمان، ولم تتمكن من تمرير قوانين تراها مهمة لأجل الاستحقاق/الإصلاح الاقتصادي مثل الضريبة والضمان الاجتماعي.

وعلى المستوى العالمي فقد رحل الجمهوريون بقيادة بوش الابن عن المسرح السياسي، وانتهى أيضا برحيلهم برنامج مكافحة الإرهاب الذي ألقى بظلال واسعة ومؤثرة على الحياة السياسية والعامة في الأردن ودول أخرى كثيرة، ويبدو واضحا اليوم أن الإدارة الأمريكية الجديدة معنية على نحو جدي بكثير من الإصلاحات والأسئلة السياسية المؤجلة في الأردن، ومن المتوقع حضور لجنة من الخارجية الأمريكية لمتابعة جملة من المواقف والإصلاحات والبرامج التي تتوقعها الإدارة الأمريكية الجديدة، ومنها المعونات والمنح التي تلقاها الأردن لإصلاح التعليم والضمان الاجتماعي واستيعاب اللاجئين والمهاجرين، ويدور حديث واسع عن مطالب أمريكية بمزيد من الدمج للمواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني في الحياة العامة والوظائف الرسمية وزيادة مشاركتهم في البرلمان والبلديات.

وكانت مفاجأة أن الأوساط الشعبية والسياسية بما فيها الحركة الإسلامية رحبت بقرار حل البرلمان، بل إن بعضها مثل جماعة الإخوان المسلمين كانت قد دعت قبل القرار بأيام قليلة إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
وكلفت الحكومة بالإعداد لانتخابات برلمانية ومحلية جديدة في خلال أربعة أشهر، كما يطلب الدستور الأردني، ولكن الانتخابات المحلية يفترض أن تكون هذه المرة مختلفة عن الانتخابات البلدية التي درجت عليها إدارة الحكم المحلي، فستكون على مستوى المحافظات لانتخاب مجالس محلية تدير شؤون المحافظات على نحو لامركزي، وهي مسألة ليست واضحة بعد، ولم يصدر بعد قانون أو تشريع ينظمها، وجرى الحديث أيضا عن قانون جديد للانتخاب، فاقترحت الحكومة تأجيل الانتخابات، وصدرت إرادة ملكية بتأجيل الانتخابات على أن تكون بحدود الربع الأخير من العام الجاري 2010، وبعد أيام قليلة استقالت الحكومة نفسها، وكلف الملك سمير الرفاعي بتشكيل حكومة جديدة.

ولكن حكومة الرفاعي لم تظهر منذ تشكيلها استعدادا يذكر للانتخابات المحلية أو النيابية، في الوقت الذي بادرت فيه فورا إلى تشريع قانون مؤقت للضريبة، ومن المتوقع أن تصدر قانونا مؤقتا للضمان الاجتماعي، وهكذا فإن الحكومة سوف تستفيد من غياب البرلمان لتصدر مجموعة من القوانين المؤقتة تعيد تشكيل الحياة السياسية والاقتصادية، وفي تجربة سابقة عندما حل البرلمان عام 2001 لمدة سنتين فقد أصدرت الحكومة أكثر من مائتي قانون مؤقت غيرت على نحو جدلي وجهة الاستثمار والعمل والاقتصاد، وبعض هذه القوانين أقر في البرلمان، وبعضها لم يعرض على البرلمان.

وإن كانت الحياة السياسية في الأردن تنظمها انتخابات نيابية ومحلية وتشارك فيها أحزاب وشخصيات سياسية وعامة، فإنها في المحصلة لا تدار كما في جميع دول العالم الديمقراطية، فيغلب على البرلمان الشخصيات المستقلة، وتشكل الحكومة وتحل بعيدا عن البرلمان، ولم تفضي الانتخابات المتكررة إلى تشكيل حكومات حزبية مستندة إلى أغلبية برلمانية، وبرغم أن الدستور يقضي بضرورة إجراء انتخابات برلمانية في مدة أقصاها أربعة أشهر فإن تعديلات دستورية تسمح بتأجيل الانتخابات حتى سنتين، وفي أثناء هذا الغياب البرلماني تصدر الحكومة بدون رقابة برلمانية قوانين تسمى مؤقتة.

والمعضلة الأخرى في الحياة السياسية الأردنية هي قانون الانتخاب، فبعد حل البرلمان (جميع المجالس النيابية الأردنية عدا اثنين حلت) عام 1993 أصدرت الحكومة قانونا مؤقتا للانتخاب، ومازال هذا القانون ينظم الانتخابات النيابية على نحو يبدو وكأنه يهدف إلى الحيلولة دون نشوء كتل وأحزاب وقوائم سياسية على الأغلبية البرلمانية، وهكذا فلم تتشكل حكومات مستندة إلى أحزاب وبرامج سياسية وأغلبية برلمانية سواء من قبل حزب واحد أو ائتلاف حزبي، ومازال الجدل السياسي في الأردن يدور حول قانون الانتخاب.
ويتصل بالانتخابات البرلمانية وتداعياتها مسألتان تحكمان الجدل السياسي والعام، أولهما مظنة حصول الحركة الإسلامية على أغلبية برلمانية، وهي الحزب السياسي الوحيد القادر حتى الآن على تحقيق حصة كبيرة في مجلس النواب، والإشكالية الأخرى هي مستوى وحجم مشاركة الأردنيين من أصل فلسطيني في البرلمان والحياة السياسية العامة في الأردن.

والانطباع الغالب أن الانتخابات القادمة ستجري على مستويين، أحدهما مجالس محلية للمحافظات الأردنية الاثنتي عشر، وليس واضحا بعد ما هي التوجهات التفصيلية لهذه الانتخابات، مثل عدد المقاعد لكل محافظة، وإن كانت ستكون جميعها بالانتخاب أم سيكون نصفها منتخبا ونصفها معينا مثل ما يجري في انتخابات أمانة عمان العاصمة.

ويرجح أن ينخفض عدد المقاعد البرلمانية إلى 80 مقعدا بدلا من 110 مقاعد، وستزداد حصة المقاعد النسائية لتكون مقعدا نسائيا على الأقل لكل محافظة يمنح للمرشحة الحاصلة على أعلى الأصوات في محافظتها.
ويجرى حديث عن زيادة حصة النواب من أصل فلسطيني لتصل إلى 30 مقعدا من 80، وكانت حصتهم في المجالس السابقة تتراوح بين 15 – 23 مقعدا.

وستشارك الحركة الإسلامية على الأغلب في الانتخابات النيابية، ومن المتوقع أنها ستسعى للحصول على 15 – 20 مقعدا، وستحسم سلفا  عدد المرشحين للانتخابات كما فعلت في جميع الانتخابات السابقة على النحو الذي يؤدي مؤكدا لعدم الوصول إلى أغلبية برلمانية.

وبذلك فإن أهم النتائج المتوقعة لحل البرلمان ستكون زيادة مشاركة المواطنين من أصل فلسطيني، وبطبيعة الحال زيادة مشاركة الحركة الإسلامية التي تعتبر المظلة السياسية للمواطنين من أصل فلسطيني، وأن تقدم الدولة الأردنية على مجموعة من الاستحقاقات/الإصلاحات المنظمة للحياة الاقتصادية والاجتماعية ودور الدولة ومساهمتها في الخدمات والرعاية لتكون أكثر انسجاما مع برامج وتوجهات البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
 
إبراهيم غرايبة صحفي أردني مقيم في الدوحة.
 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.