تبدو آفاق الإصلاح الديمقراطي في دول الخليج وكأنها تزداد بعض الشيء جراء تردد صدى انتفاضتي تونس ومصر حول المنطقة. ولكن التغيير الحقيقي لا يقف على ظهور مؤشرات لسخط شعبي ولكن أيضاً على اخذ المؤسسات التمثيلية في تلك الدول دوراً أكبر في تحدي الحكومات نيابةً عن الشعب. في العقد الماضي، كانت المحاولات الخجولة التي قامت بها دول الخليج في مجال الإصلاح الديموقراطي محط تغطية واسعة، في حين ظلّ دور المؤسسات البرلمانية شبه مغيَّب عن دائرة الاهتمام. تُبيِّن دراسة أوضاع المجالس البرلمانية في ثلاثة بلدان خليجية – الكويت والبحرين وعمان – الامكانيات والصعوبات التي تواجهها السياسات التشاركية في الخليج.
نبدأ مع مجلس الأمة الكويتي الذي لطالما كان الأعلى صوتاً والأكثر حيوية. تأسّس المجلس عام 1963، ووسّع صلاحياته الرسمية تدريجاً وراح يتحدّى الأمير والحكومة أكثر فأكثر. وقد شكّل نموذجاً يُحتذى في نظر عدد كبير من السياسيين في الخليج؛ أما بالنسبة إلى رؤساء الدول، فهو مؤشّر إلى وجوب توخّي الحذر.
تعطّل سير العمل في مجلس الأمة الكويتي مرّتين بسبب حلّه لفترة طويلة (في عامَي 1976 و1986، وفي كل مرة كان يبقى محلولاً زهاء نصف عقد)، وكان السبب الأساسي وراء حلّه ممانعة الأمير لأي توسيع إضافي لتأثير المجلس. وبدا أن تلك الدينامية تتكرّر بين عامَي 2006 و2009، فيما راح مجلس الأمة يضغط للحصول على حق استجواب رئيس الوزراء. وبعد ثلاثة انتخابات في غضون ثلاث سنوات فقط، وجدت المسألة طريقها إلى الحل عندما مثل رئيس الوزراء وأخيراً أمام البرلمان وحُجِبت الثقة عنه، بحسب الأصول، في نهاية عام 2009. المفارقة هي أنه على الرغم من أن مجلس الأمة نجح في توسيع صلاحياته لتحدّي السلطة التنفيذية، إلا أنه يبدو الآن أضعف من ذي قبل. فالحكومة لم توافق على مبدأ استجواب رئيس الوزراء إلا بعد تأكّدها من أنها تملك أصواتاً كافية للفوز.
وفي منعطف غريب للأحداث، يعتبر الأمير الآن، بحسب المعلومات، أنه من شأن حل مجلس الأمة أن يُشكّل انتصاراً للمعارضة. ويبدو المجلس عاجزاً عن محاربة التلاعب الحكومي ببعض أعضائه. وهكذا، ربما يملك مجلس الأمة الكويتي حالياً مزيداً من السلطات لكنه يبدو أقل نفوذاً.
وفي البحرين، ينطلق المجلس الوطني من خلفية سياسية أكثر اضطراباً، حيث تتسبب التشنجات بين الشيعة (حوالى 70 في المئة من سكان البحرين) والنظام السنّي الممثَّل بأسرة آل خليفة الحاكمة، بمراحل من الاضطرابات الأهلية التي تقمعها الدولة. كان عمر مجلس النواب البحريني قصيراً في البداية، فقد امتدّ من 1973 إلى 1975، وبعقب ذلك، حلّ بشكل غير دستوري استمر حتى عام 2002 عندما أعاد الملك حمد إنشاء المجلس في سياق سلسلة من الإجراءات الإصلاحية الموعودة التي هدفت إلى نزع فتيل التشنّجات الاجتماعية. بيد أن البرلمان الجديد كان مجرّد نسخة باهتة عن سلفه، مما شكّل مصدراً للمظالم المستمرّة التي تمحورت حولها الاضطرابات السياسية اللاحقة.
ومنذ عام 2002، يسعى مجلس النواب البحريني جاهداً لتعزيز سلطته الرسمية على حكومة اعتمدت على تكتيكَين اثنين للإبقاء على هيمنتها. يقوم التكتيك الأول على مضايقة الخصوم واضطهادهم، ويبدو أنه على ارتباط مباشر بالدورة الانتخابية. أما التكتيك الثاني فهو التلاعب بالنظام الانتخابي لصالح الحكم. تختلف الدوائر الانتخابية إلى حد كبير في الحجم: تضم الدائرة الأكبر ما يزيد عن 12000 شخص في منطقة ذات غالبية شيعية، في حين أن الدائرة الأصغر – ذات الغالبية السنّية – تضم 500 ناخب فقط. تهدف هذه الخطوات إلى منع الشيعة من الفوز بالغالبية في مجلس النواب؛ ففي انتخابات 2006 و2010، لم يفز الحزب الشيعي الأساسي، الوفاق، سوى بثمانية عشر مقعداً من أصل 40 مقعداً نيابياً.
في المقابل، كان تطوّر مجلس الشورى في عمان هادئاً، حتى من منظار المعايير الخليجية. نظّمت البلاد التي أصبحت عام 1996 آخر دولة تعتمد دستوراً في مجلس التعاون الخليجي، انتخاباتها الشعبية الأولى عام 2003 لاختيار مجلس يفتقر إلى السلطات التشريعية ويقتصر تأثيره بالكامل تقريباً على التنمية الاقتصادية. كان الإقبال على الاقتراع ضئيلاً نسبياً (أقل من 30 في المئة، وفقاً لتقرير البلدان الذي يضعه "مؤشر برتلسمان للتحوّل")، ولعل السبب هو أن مجلس الشورى أشبه ب"مجلس محلي غير مسيَّس" بحسب الأكاديمي أوزي رابي.
لكن حتى في عمان، أبدى سياسيون ومنظمات أهلية قلقهم في الآونة الأخيرة من أن الحكومة تحاول عمداً تقويض مكانة مجلس الشورى عبر التركيز على عدم فعاليته ورداءة أعضائه عن طريق نشر أخبار في وسائل الإعلام. ومن الحجج التي يجري تداولها أن مجلس الشورى كان أكثر فعالية عندما كان أعضاؤه يُعيَّنون، ويُعلِّلون ذلك بأن هؤلاء الأعضاء كانوا يُختارون على الأقل من الطبقات العليا في المجتمع.
وعلى الرغم من أن المؤسسات البرلمانية في الكويت والبحرين وعمان حقّقت انتصارات من حين لآخر وتحمل ما يشابه بعض الشيء التمثيل الديمقراطي، إلا أنها تعمل جميعها في وجه أنظمة مهيمنة. إلغاء هذه المجالس أو حلّها مستبعد جداً لانه قد يكون من شأن ذلك أن يمنح المعارضة نقطة تركيز قويّة تستخدمها ضد النظام. مع ذلك، تبقى الرسالة المسيطرة ان نشاطاتهم تبقى جائزة ضمن حدود ولضحة ترسمها السلطات الحاكمة.
في الإجمال، تواجه هذه المجالس مشكلتين أساسيتين. الأولى، الفشل في التنظيم السياسي. يعبّر النواب في الخليج عن إحباطهم إزاء عدم تطوّر المجتمع السياسي، ولا سيما الوجود المحدود للمجموعات السياسية؛ ويبقى التأثير الفعلي لعدم جواز وجود أحزاب سياسية في تلك الدول هو أن السياسيين غالباً ما لا يملكون الإنضباط الذي يأتي مع العضوية بحزب سياسي، وبذلك، نادراً ما تعمل هذه المجالس بشكل استراتيجي او متماسك. ونتيجةً لذلك، تجد السلطات الحاكمة في كل من هذه البلدان سهولة نسبية في التلاعب بالنظام، وإلغاء السياسيين، وتقسيم أي معارضة في مرحلة باكرة.
المشكلة الثانية هي المجالس لم تستطيع أن ترسم دورا مميزا لها من شأنه ان يبدي أهميّيتها للشعب والحكومة، وبذلك تبقى عالقة ما بين الإثنين وغير قادرة على تحقيق ارادات اي منهما. يجب أن تثبت أهمّيتها. ويعني ذلك إقناع الرأي العام بأنها تمثل أفضل طريق الى التمكين السياسي، ومنها أنها تتيح مجالاً لتغيير مسار السياسات، أو تجعل الحكومات أكثر تجاوباً، أو تقدّم فوائد ملموسة للناخبين. وعليها أن تحاول أن تقتطع لنفسها دوراً في إدارة الدولة وسلطةً في ميادين السياسات الأساسية بحيث يصبح من المستحيل على الوزراء أن يتجاهلوها. الامكانية موجودة من دون شك، ولكن ان قرر البرلمانيون انتهاز الفرص، ينبغي على السياسيين أن يتنظّموا حول مبادئ بدلاً من الاكتفاء بمعارضة السلطة التنفيذية من حين لآخر. بعبارة أخرى، يتعيّن على النواب أن يبلوا بصورة أفضل بكثير في استخدام تأثيرهم إذا أرادوا انتزاع مزيد من السلطات الرسمية لمجالسهم.
غريغ باور مدير شركة "غلوبال بارتنرز أند أسوشييتس" ذات الأهداف الاجتماعية. سوف تُنشَر ورقته البحثية عن تطوّر البرلمانات في الخليج في الربيع المقبل في إطار البرنامج الكويتي للتنمية والحاكمية والعولمة في دول الخليج التابع لكلية لندن للاقتصاد.